المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

أضرار التبكير في زراعة القمح
14/12/2022
الاختفاء والظهور الكلي Board Fade In & Out
16-9-2021
The Phenyl Group
20-8-2019
أهم أنماط الاستخدام التجاري – المحلات المنفردة
12/10/2022
Square Root Algorithms
4-9-2019
تعريف السياحة
29-5-2020


تفسير الاية (10-12) من سورة التحريم  
  
9435   10:11 صباحاً   التاريخ: 4-2-2018
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التحريم /

قال تعالى : {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 10 - 12].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون} وهي آسية بنت مزاحم قيل إنها لما عاينت المعجز من عصا موسى وغلبته السحرة أسلمت فلما ظهر لفرعون إيمانها نهاها فأبت فأوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس ثم أمر أن يلقى عليها صخرة عظيمة فلما قرب أجلها {قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة} فرفعها الله تعالى إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب عن الحسن وابن كيسان وقيل أنها أبصرت بيتا في الجنة من درة وانتزع الله روحها فألقيت الصخرة على جسدها وليس فيه روح فلم تجد ألما من عذاب فرعون وقيل أنها كانت تعذب بالشمس وإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة وجعلت ترى بيتها في الجنة عن سلمان {ونجني من فرعون وعمله} أي دينه وقيل وجماعة عن ابن عباس.

 {ونجني من القوم الظالمين} من أهل مصر قالوا قطع الله بهذه الآية طمع من ركب المعصية رجاء أن يقطعه صلاح غيره وأخبر أن معصية الغير لا تضر من كان مطيعا قال مقاتل يقول الله سبحانه لعائشة وحفصة لا تكونا بمنزلة امرأة نوح وامرأة لوط في المعصية وكونا بمنزلة امرأة فرعون ومريم وهو قوله {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها} أي منعت فرجها من دنس المعصية وعفت عن الحرام وقيل معناه منعت فرجها من الأزواج لم تبتغ زوجا ولا غيره.

 {فنفخنا فيه من روحنا} أي فنفخ جبرائيل بأمرنا في جيبها من روحنا عن قتادة وقال الفراء كل شق فهو فرج و{أحصنت فرجها} منعت جيب درعها من جبرائيل وقيل نفخ جبرائيل في فرجها وخلق الله منه المسيح وهو الظاهر ولذلك ذكره وقال في سورة الأنبياء فيها وعاد الضمير إلى التي أحصنت فرجها وقيل معناه خلقنا المسيح في بطنها ونفخنا فيه الروح حتى صار حيا فالضمير في فيه يعود إلى المسيح {وصدقت بكلمات ربها} أي بما تكلم الله تعالى وأوحاه إلى أنبيائه وملائكته وقيل صدقت بوعد الله ووعيده وأمره ونهيه {وكتبه} أي وصدقت بكتب الله المنزلة على أنبيائه مثل التوراة والإنجيل ومن وحد فالمراد به الإنجيل.

 {وكانت من القانتين} أي المطيعين لله سبحانه والدائمين على طاعته ويجوز أن يكون من القنوت في الصلاة ويجوز أن يريد بالقانتين رهطها وعشيرتها الذين كانت مريم منهم وكانوا أهل بيت صلاح وطاعة ولم يقل من القانتات لتغليب المذكر على المؤنث وجاءت الرواية عن معاذ بن جبل قال دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) على خديجة وهي تجود بنفسها فقال أكره ما نزل بك يا خديجة وقد جعل الله في الكره خيرا كثيرا فإذا قدمت على ضراتك فاقرئيهن مني السلام قالت يا رسول الله ومن هن قال مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم وحليمة أو كليمة أخت موسى شك الراوي فقالت بالرفاء والبنين(2). وعن أبي موسى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم)) .

___________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص64.

2- اي بالسكون والطمأنينة من رفوت الرجل : اذا سكنته ، او بمعنى الاتفاق وحسن الاجتماع . يقال ذلك لمن تزوج امرأة.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وامْرَأَةَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} .

لا فرق بين الرجل والمرأة أصلا وطبيعة ومسؤولية ، وكل منهما جزء متمم للآخر ولا غنى لأحدهما عن صاحبه ، وفي الرجال الصالح والطالح ، وفي النساء الصالحة وغير الصالحة . . والآية بعيدة عن المقارنة بين الرجل والمرأة ، وانما ضرب اللَّه مثلا بها من دون الرجل تعريضا ببعض أمهات المؤمنين اللائي تظاهرن على الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) كما جاء في الآية 4 من هذه السورة ، فإنه سبحانه بعد أن ذكر ان بعض نساء النبي قد تظاهرن عليه ، وهددهن - ذكر هنا ان القريب من اللَّه تعالى من قرّبته الأخلاق والأعمال حتى ولوكان أقرب الناس لأشقى الأشقياء ، وان البعيد عنه تعالى من أبعدته السيئات والآثام حتى ولوكان أقرب الناس لأتقى الأتقياء . . أبدا لا محاباة ولا قرابات . . لا شيء على الإطلاق يجدي في يوم القيامة إلا التقى والإخلاص .

وقد ضرب سبحانه مثلا لذلك بامرأة نوح وامرأة لوط ، فقد كانت الأولى تؤذي زوجها وتقول : انه مجنون ، وتفشي أسراره بين المشركين ، وكانت الثانية تعين الطغاة على زوجها وتدلهم على أضيافه . . ومن أجل هذا وصفهما سبحانه بالخيانة التي هي ضد الأمانة لا بمعنى الزنا ، فإن المسلمين يعتقدون انه ما زنت امرأة نبي قط .

والخلاصة ان اللَّه سبحانه أدخل النار امرأة نوح وامرأة لوط لكفرهما ونفاقهما مع انهما كانتا زوجتي نبيين عظيمين ، فكذلك سبحانه يدخل النار أزواج الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) اللائي تظاهرن عليه ان لم يتوبا إلى اللَّه وإليه .

{وضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ ونَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وعَمَلِهِ ونَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} . بعد أن ضرب سبحانه مثلا بامرأة نوح وامرأة لوط على ان قرابة الخبيث من الطيب لا تنفعه شيئا - ضرب مثلا بامرأة فرعون على ان صلة الطيب بالخبيث لا تضره شيئا ، فقد آمنت آسية بنت مزاحم باللَّه وكتبه ورسله وكفرت بزوجها فرعون ، فهددها بالقتل فآثرت مرضاة اللَّه ونعيمه على ملك فرعون وسلطانه ، وتبرأت منه ومن عمله ، وسألت اللَّه سبحانه أن يشملها برحمته ، وينعم عليها من فضله . وفي تفسير الطبري : ان فرعون أرسل رجاله إليها ، وقال لهم : أنظروا أعظم صخرة تجدونها ، فإن بقيت

على الايمان باللَّه فالقوا الصخرة عليها ، وان رجعت فهي امرأتي ، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء ، فأبصرت بيتها في الجنة ، فمضت على قولها ، فانتزع اللَّه روحها ، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح . وفي بعض التفاسير ان طلبها من اللَّه أن يبني لها عنده بيتا هومن باب الجار قبل الدار .

{ومَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وكُتُبِهِ وكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ} . أحصنت فرجها كناية عن طهارتها مما رماها به اليهود من البغاء والفجور ، والمراد بالنفخ من روحه تعالى انه منح الحياة لوليدها السيد المسيح تماما كما منح الحياة لآدم : {فَإِذا سَوَّيْتُهُ ونَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} - 29 الحجر . والمعنى ان اللَّه سبحانه ضرب مثلا للمؤمنات بالسيدة العفيفة مريم التي آمنت باللَّه ورسله وكتبه ، فاصطفاها على نساء عصرها ، وصانها من الدنس بفضله وحملت وليدها بكلمته . وتقدم مثله في أكثر من آية . أنظر تفسير الآية 171 من سورة النساء ج 2 ص 500 .

__________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص367-369.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

تتضمن الآيات الكريمة مثلين يمثل بهما الله سبحانه حال الكفار والمؤمنين في أن شقاء الكفار وهلاكهم إنما كان بخيانتهم لله ورسوله وكفرهم ولم ينفعهم اتصال بسبب إلى الأنبياء المكرمين، وأن سعادة المؤمنين وفلاحهم إنما كان بإخلاصهم الإيمان بالله ورسوله والقنوت وحسن الطاعة ولم يضرهم اتصال بأعداء الله بسبب فإنما ملاك الكرامة عند الله التقوى.

يمثل الحال أولا: بحال امرأتين كانتا زوجين لنبيين كريمين عدهما الله سبحانه عبدين صالحين - ويا له من كرامة - فخانتاهما فأمرتا بدخول النار مع الداخلين فلم ينفعهما زوجيتهما للنبيين الكريمين شيئا فهلكتا في ضمن الهالكين من غير أدنى تميز وكرامة.

وثانيا: بحال امرأتين إحداهما امرأة فرعون الذي كانت منزلته في الكفر بالله أن نادى في الناس فقال: أنا ربكم الأعلى، فآمنت بالله وأخلصت الإيمان فأنجاها الله وأدخلها الجنة ولم يضرها زوجية مثل فرعون شيئا، وثانيتهما مريم ابنة عمران الصديقة القانتة أكرمها الله بكرامته ونفخ فيها من روحه.

وفي التمثيل تعريض ظاهر شديد لزوجي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث خانتاه في إفشاء سره وتظاهرتا عليه وآذتاه بذلك، وخاصة من حيث التعبير بلفظ الكفر والخيانة وذكر الأمر بدخول النار.

قوله تعالى: {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما} إلخ، قال الراغب: الخيانة والنفاق واحد إلا أن الخيانة تقال اعتبارا بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتبارا بالدين ثم يتداخلان فالخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر ونقيض الخيانة الأمانة، يقال: خنت فلانا وخنت أمانة فلان.

انتهى.

وقوله: {للذين كفروا} إن كان متعلقا بالمثل كان المعنى: ضرب الله مثلا يمثل به حال الذين كفروا أنهم لا ينفعهم الاتصال بالعباد الصالحين، وإن كان متعلقا بضرب كان المعنى: ضرب الله الامرأتين وما انتهت إليه حالهما مثلا للذين كفروا ليعتبروا به ويعلموا أنهم لا ينفعهم الاتصال بالصالحين من عباده وأنهم بخيانتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل النار لا محالة.

وقوله: {امرأة نوح وامرأة لوط} مفعول {ضرب} والمراد بكونهما تحتهما زوجيتهما لهما.

وقوله: {فلم يغنيا عنهما من الله شيئا} ضمير التثنية الأولى للعبدين، والثانية للامرأتين، والمراد أنه لم ينفع المرأتين زوجيتهما للعبدين الصالحين.

وقوله: {وقيل ادخلا النار مع الداخلين} أي مع الداخلين فيها من قوميهما كما يلوح من قوله في امرأة نوح: {حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول{: هود: 40، وقوله في امرأة لوط: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود: 81] ، أو المعنى مع الداخلين فيها من الكفار.

وفي التعبير بقيل بالبناء للمفعول، وإطلاق الداخلين إشارة إلى هوان أمرهما وعدم كرامة لهما أصلا فلم يبال بهما أين هلكتا.

قوله تعالى: {وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة} إلخ، الكلام في قوله: {للذين آمنوا} كالكلام في قوله: {للذين كفروا}.

وقوله: {إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة} لخص سبحانه جميع ما كانت تبتغيه في حياتها وترومه في مسير عبوديتها في مسألة سألت ربها وذلك أن الإيمان إذا كمل تواطأ الظاهر والباطن وتوافق القلب واللسان فلا يقول الإنسان إلا ما يفعل ولا يفعل إلا ما يقول فيكون ما يرجوه أو يتمناه أو يسأله بلسانه هو الذي يريده كذلك بعمله.

وإذ حكى الله فيما يمثل به حالها ويشير إلى منزلتها الخاصة في العبودية دعاء دعت به دل ذلك على أنه عنوان جامع لعبوديتها وعلى ذلك كانت تسير مدى حياتها، والذي تتضمنه مسألتها أن يبني الله لها عنده بيتا في الجنة وينجيها من فرعون وعمله وينجيها من القوم الظالمين فقد اختارت جوار ربه والقرب منه على أن تكون أنيسة فرعون وعشيقته وهي ملكة مصر وآثرت بيتا يبنيه لها ربها على بيت فرعون الذي فيه مما تشتهيه الأنفس وتتمناه القلوب ما تقف دونه الآمال فقد كانت عزفت نفسها ما هي فيه من زينة الحياة الدنيا وهي لها خاضعة وتعلقت بما عند ربه من الكرامة والزلفى فآمنت بالغيب واستقامت على إيمانها حتى قضت.

وهذه القدم هي التي قدمتها إلى أن جعلها الله مثلا للذين آمنوا ولخص حالها وما كانت تبتغيه وتعمل له مدى حياتها في مسير العبودية في مسألة حكى عنها وما معناها إلا أنها انتزعت من كل ما يلهوها عن ربها ولاذت بربها تريد القرب منه تعالى والإقامة في دار كرامته.

فقوله: {امرأة فرعون} اسمها على ما في الرواية آسية، وقوله: {إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة} الجمع بين كون البيت المبني لها عند الله وفي الجنة لكون الجنة دار القرب من الله وجوار رب العالمين كما قال تعالى: {بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].

على أن الحضور عنده تعالى والقرب منه كرامة معنوية والاستقرار في الجنة كرامة صورية، وسؤال الجمع بينهما سؤال الجمع بين الكرامتين.

وقوله: {ونجني من فرعون وعمله} تبر منها وسؤال أن ينجيها الله من شخص فرعون ومن عمله الذي تدعو ضرورة المصاحبة والمعاشرة إلى الشركة فيه والتلبس به، وقيل: المراد بالعمل الجماع.

وقوله: {ونجني من القوم الظالمين} وهم قوم فرعون وهو تبر آخر وسؤال أن ينجيها الله من المجتمع العام كما أن الجملة السابقة كانت سؤال أن ينجيها من المجتمع الخاص.

قوله تعالى: {ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} إلخ، عطف على امرأة فرعون والتقدير وضرب الله مثلا للذين آمنوا مريم إلخ.

ضربها الله مثلا باسمها وأثنى عليها ولم يذكر في كلامه تعالى امرأة باسمها غيرها ذكر اسمها في القرآن في بضع وثلاثين موضعا في نيف وعشرين سورة.

وقوله: {التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} ثناء عليها على عفتها، وقد تكرر في القرآن ذكر ذلك ولعل ذلك بإزاء ما افتعله اليهود من البهتان عليها كما قال تعالى: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء: 156] ، وفي سورة الأنبياء في مثل القصة: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا} [الأنبياء: 91].

وقوله: {وصدقت بكلمات ربها} أي بما تكلم به الله سبحانه من الوحي إلى أنبيائه كما قيل، وقيل: المراد بها وعده تعالى ووعيده وأمره ونهيه، وفيه أنه يستلزم كون ذكر الكتب مستدركا.

وقوله: {وكتبه} وهي المشتملة على شرائع الله المنزلة من السماء كالتوراة والإنجيل كما هو مصطلح القرآن ولعل المراد من تصديقها كلمات ربها وكتبه كونها صديقة كما في قوله تعالى: {ما المسيح بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة{: المائدة: 75.

وقوله: {وكانت من القانتين} أي من القوم المطيعين لله الخاضعين له الدائمين عليه غلب فيه المذكر على المؤنث.

ويؤيد هذا المعنى كون القنوت بهذا المعنى واقعا فيما حكى الله من نداء الملائكة لها {يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين{: آل عمران: 43، وقيل: يجوز أن يراد بالقانتين رهطها وعشيرتها الذين كانت مريم منهم وكانوا أهل بيت صلاح وطاعة، وهو بعيد لما تقدم.

على أن المناسب لكون المثل تعريضا لزوجي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يراد بالقانتين مطلق أهل الطاعة والخضوع لله تعالى.

_________________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19،ص 303-306.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

إن القرآن يحذر زوجتي الرسول اللتين اشتركتا في إذاعة سره ، بأنكما سوف لن تنجوا من العذاب لمجرد كونكما من أزواج النبي كما فعلت زوجتا نوح ولوط فواجهتا العذاب الإلهي .

كما تتضمن الآيات الشريفة تحذيرا لكل المؤمنين بأن القرب من أولياء الله والانتساب إليهم لا يكفي لمنع نزول عذاب الله ومجازاته .

وورد في كلمات بعض المفسرين أن زوجة نوح كانت تدعى " والهة " وزوجة لوط " والعة " (3) بينما ذكر آخرون عكس ذلك أي أن زوجة لوط اسمها ( والهة ) وزوجة نوح اسمها ( والعة ) (4) .

وعلى أية حال فإن هاتين المرأتين خانتا نبيين عظيمين من أنبياء الله .

والخيانة هنا لا تعني الانحراف عن جادة العفة والنجابة ، لأنهما زوجتا نبيين ولا يمكن أن تخون زوجة نبي بهذا المعنى للخيانة ، فقد جاء عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " ما بغت امرأة نبي قط " .

كانت خيانة زوجة لوط هي أن أفشت أسرار هذا النبي العظيم إلى أعدائه ، وكذلك كانت زوجة نوح ( عليه السلام ) .

وذهب الراغب في " المفردات " إلى أن للخيانة والنفاق معنى واحدا وحقيقة واحدة ، ولكن الخيانة تأتي في مقابل العهد والأمانة ، والنفاق يأتي في الأمور الدينية وما تقدم من سبب النزول ومشابهته لقصة هاتين المرأتين توج ب كون المقصود من الخيانة هنا هو نفس هذا المعنى .

وعلى كل حال فإن الآية السابقة تبدد أحلام الذين يرتكبون ما شاء لهم أن يرتكبوا من الذنوب ويعتقدون أن مجرد قربهم من أحد العظماء كاف لتخليصهم من عذاب الله ، ومن أجل أن لا يظن أحد أنه ناج من العذاب لقربه من أحد الأولياء ، جاء في نهاية الآية السابقة : فلم يغنينا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين .

ثم يذكر القرآن الكريم نموذجين مؤمنين صالحين فيقول : وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون .

من المعروف أن اسم زوجة فرعون ( آسية ) واسم أبوها ( مزاحم ) وقد آمنت منذ أن رأت معجزة موسى ( عليه السلام ) أمام السحرة ، واستقر قلبها على الإيمان ، لكنها حاولت أن تكتم إيمانها ، غير أن الإيمان برسالة موسى وحب الله ليس شيئا يسهل كتمانه ، وبمجرد أن اطلع فرعون على إيمانها نهاها مرات عديدة وأصر عليها أن تتخلى عن رسالة موسى وربه ، غير أن هذه المرأة الصالحة رفضت الاستسلام إطلاقا .

وأخيرا أمر فرعون أن تثبت يداها ورجلاها بالمسامير ، وتترك تحت أشعة  الشمس الحارقة ، بعد أن توضع فوق صدرها صخرة كبيرة . وفي تلك اللحظات الأخيرة كانت امرأة فرعون بهذا الدعاء إذ قالت : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين وقد استجاب لها ربها وجعلها من أفضل نساء العالم إذ يذكرها في صف مريم .

في رواية عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران ، وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون " (4) .

ومن الطريف أن امرأة فرعون كانت تستصغر بيت فرعون ولا تعتبره شيئا مقابل بيت في الجنة وفي جواره تعالى ، وبذلك أجابت على نصائح الناصحين في أنها ستخسر كل تلك المكاسب وتحرم من منصب الملكة ( ملكة مصر ) وما إلى ذلك . لسبب واحد هو أنها آمنت برجل راع كموسى .

وفي عبارة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين تضرب مثلا رائعا للمرأة المؤمنة التي ترفض أن تخضع لضغوط الحياة ، أو تتخلى عن إيمانها مقابل مكاسب زائلة في هذه الدنيا .

لم تستطع بهارج الدنيا وزخارفها التي كانت تنعم بها في ظل فرعون ، والتي بلغت حدا ليس له مثيل . لم تستطع كل تلك المغريات أن تثنيها عن نهج الحق ، كما لم تخضع أمام الضغوط وألوان العذاب التي مارسها فرعون . وقد واصلت هذه المرأة المؤمنة طريقها الذي اختارته رغم كل الصعاب واتجهت نحو الله معشوقها الحقيقي .

وتجدر الإشارة إلى أنها كانت ترجو أن يبني الله لها بيتا عنده في الجنة لتحقيق بعدين ومعنيين : المعنى المادي الذي أشارت إليه بكلمة " في الجنة " ، والبعد المعنوي وهو القرب من الله " عندك " وقد جمعتهما في عبارة صغيرة موجزة .

ثم يضرب الله تعالى مثلا آخر للنساء المؤمنات الصالحات ، حيث يقول جل من قائل : ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا (5) .

فهي امرأة لا زوج لها أنجبت ولدا صار نبيا من أنبياء الله العظام ( من اولي العزم ) .

ويضيف تعالى قائلا : وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين .

كانت في القمة من حيث الإيمان ، إذ آمنت بجميع الكتب السماوية والتعاليم الإلهية ، ثم إنها كانت قد أخضعت قلبها لله ، وحملت قلبها على كفها وهي على أتم الاستعداد لتنفيذ أوامر الباري جل شأنه .

ويمكن أن يكون التعبير ب‍ ( الكتب ) إشارة إلى كل الكتب السماوية التي نزلت على الأنبياء ، بينما التعبير ب‍ ( كلمات ) إشارة إلى الوحي الذي لا يكون على شكل كتاب .

ونظرا لرفعة مقام مريم وشدة إيمانها بكلمات الله ، فقد وصفها القرآن الكريم في الآية ( 75 ) من سورة المائدة ( صديقة ) .

وقد أشار القرآن إلى مقام هذه المرأة العظيمة في آيات عديدة ، منها ما جاء في السورة التي سميت باسمها أي ( سورة مريم ) .

على أية حال فإن القرآن الكريم تصدى للشبهات التي أثارها بعض اليهود المجرمين حول شخصية هذه المرأة العظيمة ، ونفى عنها كل التهم الرخيصة حول عفافها وطهارتها وكل ما يتعلق بشخصيتها الطاهرة .

والتعبير ب‍ ونفخنا فيه من روحنا لإظهار عظمة وعلو هذه الروح ، كما أشرنا إلى ذلك سابقا . أو بعبارة أخرى : إن إضافة كلمة ( روح ) إلى " الله " إضافة تشريفية لبيان عظمة شيء مثل إضافة " بيت " إلى " الله " .

ومن الغريب ما كتبه بعض المفسرين من اعتبارهم عائشة أفضل النساء ، وأنها أعظم من غيرها من النساء ذوات القدر الكبير والشأن عند الله . ولقد كان حريا بهم أن لا يتطرقوا إلى هذا الحديث في هذه السورة ، التي نزلت لتعلن خلاف ما ذهبوا إليه وبشكل صريح لا يقبل الجدل . فإن كثيرا من مفسري ومؤرخي أهل السنة أكدوا على أن اللوم والتوبيخ اللذين وردا في الآيات السابقة كانا موجهين إلى زوجتي الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) " حفصة " و " عائشة " ومنها ما جاء في صحيح البخاري الجزء السادس صفحة 195 ونحن ندعو بهذه المناسبة أهل التفكير الحر جميعا لأن يعيدوا تلاوة آيات هذه السورة ثم ليتعرفوا على قيمة وجدارة مثل هذه

الأحاديث .

____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14 ، ص297 -301

2 - " القرطبي " ج 10 ، ص 6680 .

3 - " روح المعاني " ج 28 ، ص 142 ( وقيل أن اسم امرأة نوح " واغلة " أو " والغة " ) .

4 - الدر المنثور ، ج 6 ، ص 246 .

5 - يوجد شرح مفصل في كتابنا هذا في ذيل الآية ( 91 ) من سورة الأنبياء يتعلق بما هو

المقصود من تعبير " الفرج " .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .