المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



تفسير الاية (6-9) من سورة التحريم  
  
4771   10:11 صباحاً   التاريخ: 4-2-2018
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التحريم /

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 6، 9].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

لما أدب سبحانه نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أمر عقبيه المؤمنين بتأديب نسائهم فقال مخاطبا لهم {يا أيها الذين آمنوا قوا} أي احفظوا واحرسوا وامنعوا {أنفسكم وأهليكم نارا} والمعنى قوا أنفسكم وأهليكم النار بالصبر على طاعة الله وعن معصيته وعن اتباع الشهوات وقوا أهليكم النار بدعائهم إلى الطاعة وتعليمهم الفرائض ونهيهم عن القبائح وحثهم على أفعال الخير وقال مقاتل بن حيان وهو أن يؤدب الرجل المسلم نفسه وأهله ويعلمهم الخير وينهاهم عن الشر فذلك حق على المسلم أن يفعل بنفسه وأهله وعبيده وإمائه في تأديبهم وتعليمهم.

 ثم وصف سبحانه النار التي حذرهم منها فقال {وقودها الناس والحجارة} أي حطب تلك النار الناس وحجارة الكبريت وهي تزيد في قوة النار وقد مر تفسيره {عليها ملائكة غلاظ شداد} أي غلاظ القلوب لا يرحمون أهل النار أقوياء يعني الزبانية التسعة عشر وأعوانهم {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} وفي هذا دلالة على أن الملائكة الموكلين بالنار معصومون عن القبائح لا يخالفون الله في أوامره ونواهيه وقال الجبائي إنما عنى أنهم لا يعصونه ويفعلون ما يأمرهم به في دار الدنيا لأن الآخرة ليست بدار تكليف وإنما هي دار جزاء وإنما أمرهم الله تعالى بتعذيب أهل النار على وجه الثواب لهم بأن جعل سرورهم ولذاتهم في تعذيب أهل النار كما جعل سرور المؤمنين ولذاتهم في الجنة ثم حكى سبحانه ما يقال للكفار يوم القيامة فقال {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم} وذلك أنهم إذا عذبوا يأخذون في الاعتذار فلا يلتفت إلى معاذيرهم ويقال لهم لا تعتذروا اليوم فهذا جزاء فعلكم وذلك قوله {إنما تجزون ما كنتم تعملون}.

 ثم عاد سبحانه إلى خطاب المؤمنين في دار التكليف فقال {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله} من معاصيه وارجعوا إلى طاعته {توبة نصوحا} أي خالصة لوجه الله وروى عكرمة عن ابن عباس قال قال معاذ بن جبل يا رسول الله ما التوبة النصوح قال أن يتوب التائب ثم لا يرجع في ذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع وقال ابن مسعود التوبة النصوح هي التي تكفر كل سيئة وهوفي القرآن ثم تلا هذه الآية وقيل أن التوبة النصوح هي التي يناصح الإنسان فيها نفسه بإخلاص الندم مع العزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح وقيل هي أن يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على أن لا يعود فيه عن الحسن وقيل هي الصادقة الناصحة عن قتادة وقيل هي أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن عن الكلبي وقيل هي التوبة المقبولة ولا تقبل ما لم يكن فيها ثلاث خوف أن لا تقبل ورجاء أن تقبل وإدمان الطاعة عن سعيد بن جبير وقيل هي أن يكون الذنب نصب عينيه ولا يزال كأنه ينظر إليه وقيل هي من النصح وهو الخياطة لأن العصيان يخرق الدين والتوبة ترقعه وقيل لأنها جمعت بينه وبين أولياء الله كما جمع الخياط الثوب وألصق بعضه ببعض وقيل لأنها أحكمت طاعته وأوثقتها كما أحكم الخياط الثوب وأوثقه.

 {عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} أي يحطها عنكم ويدخلكم الجنة وعسى من الله واجب ثم قال {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} أي لا يعذبهم الله بدخول النار ولا يذلهم بذلك بل يعزهم بإدخالهم الجنة وقيل لا يخزي الله النبي أي لا يشوره فيما يريده من الشفاعة بل يشفعه في ذلك {نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} مفسر في سورة الحديد وقال أبوعبد الله (عليه السلام) يسعى أئمة المؤمنين يوم القيامة بين أيديهم وبأيمانهم حتى ينزلوهم منازلهم في الجنة {يقولون ربنا} وهو في موضع نصب على الحال تقديره قائلين ربنا {أتمم لنا نورنا} وقيل أن قوله {والذين آمنوا معه} مبتدأ و{نورهم يسعى} خبره و{يقولون أتمم لنا نورنا} خبر آخر من {الذين آمنوا} وحال منهم وفيه وجه آخر ذكرناه في الإعراب وقيل {أتمم لنا نورنا} معناه وفقنا للطاعة التي هي سبب النور {واغفر لنا} أي استر علينا معاصينا ولا تهلكنا بها {إنك على كل شيء قدير} من إطفاء نور المنافقين وإثبات نور المؤمنين.

 ثم خاطب سبحانه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {يا أيها النبي جاهد الكفار} بالقتال والحرب {والمنافقين} بالقول الرادع عن القبيح لا بالحرب إلا أن فيه بذل المجهود فلذلك سماه جهادا وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قرأ جاهد الكفار بالمنافقين وقال أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يقاتل منافقا قط إنما كان يتألفهم {وأغلظ عليهم} أي اشدد عليهم من غير محاباة وقيل اشدد عليهم في إقامة الحد عليهم قال الحسن أكثر من يصيب الحدود في ذلك الزمان المنافقون فأمر الله تعالى أن يغلظ عليهم في إقامة الحد {ومأواهم} أي م آل الكفار والمنافقين {جهنم وبئس المصير} أي المال والمستقر.

 ثم ضرب الله المثل لأزواج النبي حثا لهن على الطاعة وبيانا لهن أن مصاحبة الرسول مع مخالفته لا تنفعهن فقال {ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا} أي نبيين من أنبيائنا {صالحين فخانتاهما} قال ابن عباس كانت امرأة نوح كافرة تقول للناس أنه مجنون وإذا آمن بنوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به وكانت امرأة لوط تدل على أضيافه فكان ذلك خيانتهما وما بغت امرأة نبي قط وإنما كانت خيانتهما في الدين وقال السدي كانت خيانتهما أنهما كانتا كافرتين وقيل كانتا منافقتين وقال الضحاك خيانتهما النميمة إذا أوحى الله إليهما أفشتاه إلى المشركين {فلم يغنيا عنهما من الله شيئا} أي ولم يغن نوح ولوط مع نبوتهما عن امرأتيهما من عذاب الله شيئا {وقيل} أي ويقال لهما يوم القيامة {ادخلا النار مع الداخلين} وقيل أن اسم امرأة نوح واغلة واسم امرأة لوط واهلة وقال مقاتل والغة و والهة .

_______________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص61-64.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ} . المراد بالحجارة هنا الأصنام لقوله تعالى : {إِنَّكُمْ وما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ} - 98 الأنبياء . والمعنى إذا كان المؤمن يشعر بالمسؤولية أمام اللَّه عما يقول ويفعل ، ويخاف من غضبه وعذابه - فإن عليه أن يعلم انه مسؤول أيضا أمام اللَّه عن أهله وأولاده ، وان من واجبه أن يمد يده إلى العمل على صلاحهم وتقويمهم ، وإذا كان الأب يفعل الكثير من أجل ولده حرصا عليه وعلى مستقبله

في هذه الحياة الفانية فأولى له أن يعمل لسعادته في الحياة الباقية ، وأن يقيه ما هو أشد وأعظم من غدرات الزمان وضرباته . . ولكن . . ما يصنع الأب المؤمن مع هذا الجيل الجديد الذي يريد من الآباء أن يخضعوا لأمره ، وينزلوا على رأيه ؟

{عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ} على الجفاة الطعام الذين طغوا وبغوا في الحياة الدنيا على عباد اللَّه وعياله {لا يَعْصُونَ} - أي الملائكة الغلاظ - {اللَّهً ما أَمَرَهُمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ} . يسرعون إلى طاعة اللَّه من غير توان ، وهو يقول لهم مشيرا إلى كل سفاح أثيم : {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} - 31 الحاقة .

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} . ان هذا اليوم يوم حساب وجزاء على الأعمال ، لا يوم توبة ومعذرة ، وبأي شيء يعتذر الذين تدور مصانعهم ليل نهار لإنتاج الموت والدمار ؟

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ويُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ} . عسى من اللَّه معناها الوجوب والتوبة النصوح هي الصادقة في الاقلاع الخالصة لوجه اللَّه وحده ، وهي مبسوطة لكل من أذنب وأساء ، وأيضا هي حسنة عظمى تجبّ ما قبلها من السيئات ، وتستوجب ثواب اللَّه وجنانه {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ} . هذا تعريض بأعداء النبي ، وانه مخزيون دنيا وآخرة ، والا فمن الذي يتصور ان اللَّه يخزي محمدا يوم القيامة ، وقد كانت حياته في الدنيا رحمة للناس أجمعين .

{والَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا واغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . تقدم مثله في الآية 12 من سورة الحديد {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ والْمُنافِقِينَ واغْلُظْ عَلَيْهِمْ ومَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وبِئْسَ الْمَصِيرُ} . أبدا . . لا رأفة ولا هوادة مع الطغاة اللئام . . ولا شيء لهم عند الحق والعدل إلا السيف ، وأي شرع وقانون يرحم ويتساهل مع الذين يستهينون بحياة الناس ، وينشرون الرعب والذعر في القلوب ، ويقولون : من لم يكن معنا وعبدا لنا فهو علينا وعدو لنا . . وما له عندنا إلا السلاح الجهنمي ؟ . وبالتالي ، فإن الرحمة والرأفة هي القضاء على العدوان وأهله . . واللَّه سبحانه رحيم في ناره تماما كما هو رحيم في جنته .

___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص365-366.

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} إلخ، {قوا} أمر من الوقاية بمعنى حفظ الشيء مما يؤذيه ويضره، والوقود بفتح الواو اسم لما توقد به النار من حطب ونحوه.

والمراد بالنار نار جهنم وكون الناس المعذبين فيها وقودا لها معناه اشتعال الناس فيها بأنفسهم كما في قوله تعالى: { ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر: 72].

فيناسب تجسم الأعمال كما هو ظاهر الآية التالية {يا أيها الذين كفروا} إلخ، وفسرت الحجارة بالأصنام.

وقوله: {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} أي وكل عليها لإجراء أنواع العذاب على أهلها ملائكة غلاظ شداد.

والغلاظ جمع غليظ ضد الرقيق والأنسب للمقام كون المراد بالغلظة خشونة العمل كما في قوله الآتي: {جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم} الآية 9 من السورة، والشداد جمع شديد بمعنى القوي في عزمه وفعله.

وقوله: {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} كالمفسر لقوله: {غلاظ شداد} أي هم ملتزمون بما أمرهم الله من أنواع العذاب لا يعصونه بالمخالفة والرد ويفعلون ما يؤمرون به على ما أمروا به من غير أن يفوت منهم فائت أو ينقص منه شيء لضعف فيهم أو فتور فهم غلاظ شداد.

وبهذا يظهر أن قوله: {لا يعصون الله ما أمرهم} ناظر إلى التزامهم بالتكليف، وقوله: {ويفعلون} إلخ، ناظر إلى العمل على طبقه فلا تكرار كما قيل.

قال في التفسير الكبير، في ذيل الآية: وفيه إشارة إلى أن الملائكة مكلفون في الآخرة بما أمرهم الله تعالى به وبما ينهاهم عنه، والعصيان منهم مخالفة للأمر والنهي.

وفيه أن الآية وغيرها مما تصف الملائكة بمحض الطاعة من غير معصية مطلقة تشمل الدنيا والآخرة فلا وجه لتخصيص تكليفهم بالآخرة.

ثم إن تكليفهم غير سنخ التكليف المعهود في المجتمع الإنساني بمعنى تعليق المكلف - بالكسر - إرادته بفعل المكلف - بالفتح - تعليقا اعتباريا يستتبع الثواب والعقاب في ظرف الاختيار وإمكان الطاعة والمعصية بل هم خلق من خلق الله لهم ذوات طاهرة نورية لا يريدون إلا ما أراد الله ولا يفعلون إلا ما يؤمرون، قال تعالى: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26، 27] ولذلك لا جزاء لهم على أعمالهم من ثواب أو عقاب فهم مكلفون بتكليف تكويني غير تشريعي مختلف باختلاف درجاتهم، قال تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ } [الصافات: 164] ، وقال عنهم: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: 64].

والآية الكريمة بعد الآيات السابقة كالتعميم بعد التخصيص فإنه تعالى لما أدب نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ببيان ما لإيذائهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأثر السيىء عمم الخطاب فخاطب المؤمنين عامة أن يؤدبوا أنفسهم وأهليهم ويقوهم من النار التي وقودها نفس الداخلين فيها أي إن أعمالهم السيئة تلزمهم وتعود نارا تعذبهم ولا مخلص لهم منها ولا مناص عنها.

قوله تعالى: {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون} خطاب عام للكفار بعد ما جوزوا بالنار فإنهم يعتذرون عن كفرهم ومعاصيهم فيخاطبون أن لا تعتذروا اليوم – وهو يوم الجزاء إنما تجزون نفس ما كنتم تعملون أي إن العذاب الذي تعذبون بها هو عملكم السيىء الذي عملتموه وقد برز لكم اليوم حقيقته وإذ عملتموه فقد لزمكم أنكم عملتموه والواقع لا يتغير وما حق عليكم من كلمة العذاب لا يعود باطلا فهذا ظاهر الخطاب.

وقيل: المعنى: لا تعتذروا - اليوم - بعد دخول النار فإن الاعتذار توبة والتوبة غير مقبولة بعد دخول النار إنما تجزون ما لزم في مقابل عملكم من الجزاء في الحكمة.

وفي اتباع الآيات السابقة بما في هذه الآية من خطاب القهر تهديد ضمني وإشعار بأن معصية الله ورسوله ربما أدى إلى الكفر.

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} إلخ، النصح تحري فعل أو قول فيه صلاح صاحبه، ويأتي بمعنى الإخلاص نحو نصحت له الود أي أخلصته - على ما ذكره الراغب - فالتوبة النصوح ما يصرف صاحبه عن العود إلى المعصية أو ما يخلص العبد للرجوع عن الذنب فلا يرجع إلى ما تاب منه.

لما أمر المؤمنين بوقاية أنفسهم وأهليهم من النار أمرهم جميعا ثانيا بالتوبة وفرع عليه رجاء أن يستر الله سيئاتهم ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار.

وقوله: {يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} قال الراغب: يقال: خزي الرجل يخزى من باب علم يعلم إذا لحقه انكسار إما من نفسه وإما من غيره فالذي يلحقه من نفسه وهو الحياء المفرط مصدره الخزاية، والذي يلحقه من غيره ويعد ضربا من الاستخفاف مصدره الخزي والإخزاء من الخزاية والخزي جميعا قال: وعلى نحو ما قلنا في خزي ذل وهان فإن ذلك متى كان من الإنسان نفسه يقال له الهون - بفتح الهاء - والذل ويكون محمودا، ومتى كان من غيره يقال له: الهون - بضم الهاء - والهوان والذل ويكون مذموما.

انتهى ملخصا.

{فقوله: {يوم} ظرف لما تقدمه، والمعنى: توبوا إلى الله عسى أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم الجنة في يوم لا يخزي ولا يكسر الله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بجعلهم محرومين من الكرامة وخلفه ما وعدهم من الوعد الجميل.

وفي قوله: {النبي والذين آمنوا معه} اعتبار المعية في الإيمان في الدنيا ولازمه ملازمتهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وطاعتهم له من غير مخالفة ومشاقة.

ومن المحتمل أن يكون قوله: {الذين آمنوا} مبتدأ خبره {معه} وقوله: {نورهم يسعى} إلخ، خبرا ثانيا، وقوله: {يقولون} إلخ، خبرا ثالثا فيفيد أنهم لا يفارقون النبي ولا يفارقهم يوم القيامة، وهذا وجه جيد لازمه كون عدم الخزي خاصا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسعي النور وسؤال إتمامه خاصا بالذين معه من المؤمنين وتؤيده آية الحديد الآتية.

ومن الممكن أن يكون {معه} متعلقا بقوله: {آمنوا} وقوله: {نورهم يسعى} إلخ، خبرا أولا وثانيا للموصول.

وقوله: {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} تقدم بعض الكلام في معناه في قوله تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد: 12] ، ولا يبعد أن يكون ما بين أيديهم من النور نور الإيمان وما بأيمانهم نور العمل.

وقوله: {يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير} يفيد السياق أن المغفرة المسئولة سبب لتمام النور أو هو ملازم لتمام النور فيفيد أن في نورهم نقصا والنور نور الإيمان والعمل فلهم نقائص بحسب درجات الإيمان أو آثار السيئات التي خلت محالها في صحائفهم من العبودية في العمل فيسألون ربهم أن يتم لهم نورهم ويغفر لهم، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} [الحديد: 19].

قوله تعالى: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير} المراد بالجهاد بذل الجهد في إصلاح الأمر من جهتهم ودفع شرهم ففي الكفار ببيان الحق وتبليغه فإن آمنوا وإلا فالحرب وفي المنافقين باستمالتهم وتأليف قلوبهم حتى تطمئن قلوبهم إلى الإيمان وإلا فلم يقاتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منافقا قط.

وقيل: المراد اشدد عليهم في إقامة الحدود لأن أكثر من يصيب الحد في ذلك الزمان المنافقون.

وهما كما ترى.

___________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص295-298.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قوا أنفسكم وأهليكم النار :

تخاطب الآيات السابقة جميع المؤمنين ، وترسم لهم المنهج الصالح لتربية الزوجات والأولاد والأسرة بشكل عام ، فهي تقول أولا : {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة} .

وذلك بحفظ النفس من الذنوب وعدم الاستسلام للشهوات والأهواء ، وحفظ العائلة من الانحراف بالتعليم والتربية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتهيئة الأجواء الصالحة والمحيط الطاهر من كل رذيلة ونقص .

وينبغي مراعاة هذا البرنامج الإلهي منذ اللحظات الأولى لبناء العائلة ، أي منذ أول مقدمات الزواج ، ثم مع أول لحظة لولادة الأولاد ، ويراعى ويلاحظ بدقة حتى النهاية .

وبعبارة أخرى : إن حقوق الزوجة والأولاد لا تقتصر على توفير المسكن والمأكل ، بل الأهم تربية نفوسهم وتغذيتها بالأصول والتعاليم الإسلامية وتنشئتها نشأة تربوية صحيحة .

والتعبير ب‍ " قوا " إشارة إلى أن ترك الأطفال والزوجات دون أية متابعة أو إرشاد سيؤدي إلى هلاكهم ودخولهم النار شئنا أم أبينا . لذا عليكم أن تقوهم وتحذروهم من ذلك .

" الوقود " هو المادة القابلة للاشتعال مثل ( الحطب ) وهو بمعنى المعطي لشرارة النار كالكبريت - مثلا - فإن العرب يطلقون عليه ( الزناد ) .

وبناء على هذا فإن نار جهنم ليس كنيران هذا العالم ، لأنها تشتعل من داخل البشر أنفسهم ومن داخل الصخور وليس فقط صخور الكبريت التي أشار إليها بعض المفسرين ، فإن لفظ الآية مطلق يشمل جميع أنواع الصخور .

وقد اتضح في هذا العصر أن كل قطعة من الصخور تحتوي على مليارات المليارات من الذرات التي إذا ما تحررت الطاقة الكافية فيها فسينتج عن ذلك نار هائلة يصعب على الإنسان تصورها .

وقال بعض المفسرين : إن " الحجارة " عبارة عن تلك الأصنام التي كانوا يعبدونها .

ويضيف القرآن قائلا : {عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} .

وبهذا لا يبقى طريق للخلاص والهروب ، ولن يؤثر البكاء والالتماس والجزع والفزع .

ومن الواضح أن أصحاب الأعمال والمكلفين بتنفيذها ، ينبغي أن تكون معنوياتهم و روحيتهم تنسجم مع تلك المهام المكلفين بتنفيذها . ولهذا يجب أن يتصف مسؤولو العذاب والمشرفون عليه بالغلظة والخشونة ، لأن جهنم ليست مكانا للرحمة والشفقة ، وإنما هي مكان الغضب الإلهي ومحل النقمة والسخط الإلهيين . ولكن هذه الغلظة والخشونة لا تخرج هؤلاء عن حد العدالة والأوامر الإلهية . إنما : يفعلون ما يؤمرون دون أية زيادة أو نقصان .

وتساءل بعض المفسرين حول تعبير ( لا يعصون ) الذي ينسجم مع القول بعدم وجود تكليف يوم القيامة . ولكن يجب الانتباه إلى أن الطاعة وعدم العصيان من الأمور التكوينية لدى الملائكة لا التشريعية .

بتعبير آخر : إن الملائكة مجبولون على الطاعة غير مختارين ، إذ لا رغبة ولا ميل لهم إلى سواها .

في الآية اللاحقة يخاطب الكفار ويصف وضعهم في ذلك اليوم العصيب بقوله : {يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون} .

قد جاءت هذه الآية بعد الآية السابقة التي خاطب بها المؤمنين ، ليكون واضحا أن عدم الالتزام بأوامر الله وعدم الاهتمام بالنساء والأولاد والأهل قد تكون نتيجته وعاقبته كعاقبة الكفار يوم القيامة .

والتعبير ب‍ {إنما تجزون ما كنتم تعملون} يؤيد هذه الحقيقة مرة أخرى ، وهي أن جزاء المؤمنين يوم القيامة إنما هو أعمالهم نفسها التي تظهر أمامهم وترافقهم . ومما يؤيد ذلك أيضا التعبير الذي ورد في الآية السابقة الذي يقول إن نار جهنم : {وقودها الناس والحجارة} .

ومما يجدر ذكره أن عدم قبول الاعتذار ناتج عن كونه نوعا من التوبة ، والتوبة لا تقبل في غير هذا العالم ، سواء كان قبل دخول النار أو بعد دخولها .

ويلقي القرآن الضوء في الآية اللاحقة على طريق النجاة من النار حيث يقول : {يا أيها الناس توبوا إلى الله توبة نصوحا} .

نعم . إن أول خطوة على طريق النجاة هي التوبة والإقلاع عن الذنب ، التوبة التي يكون هدفها رضا الله والخوف منه . التوبة الخالصة من أي هدف آخر كالخوف من الآثار الاجتماعية والآثار الدنيوية للذنوب . وأخيرا التوبة التي يفارق بها الإنسان الذنب ويتركه إلى الأبد .

ومن المعلوم أن حقيقة التوبة هي الندم على الذنب ، وشرطها التصميم على الترك في المستقبل . وأما إذا كان العمل قابلا لأن يجبر ويعوض فلابد من الجبران والتعويض ، والتعبير ب‍ يكفر عنكم إشارة إلى هذا المعنى . وبناء على هذا يمكننا تلخيص أركان التوبة بخمسة أمور ( ترك الذنب ، الندم ، التصميم على الاجتناب في المستقبل ، جبران ما مضى ، الاستغفار ) .

" نصوح " من مادة نصح ، بمعنى طلب الخير بإخلاص ، ولذلك يقال للعسل الخالص بأنه ( ناصح ) وبما أن من يريد الخير واقعا يجب أن يكون عمله توأما للإتقان جاءت كلمة " نصح " أحيانا بهذا المعنى ، ولذا يقال للبناء المتين بأنه " نصاح " - على وزن كتاب - ويقال للخياط " ناصح " ، وكلا المعنيين – أي الخلوص والمتانة - يجب توفرهما في التوبة النصوح (2) .

وأما حول المعنى الحقيقي للتوبة النصوح ؟ فقد وردت تفاسير مختلفة ومتعددة حتى أوصلها البعض إلى 23 تفسيرا (3) .

غير أن جميع هذه التفاسير تعود إلى حقيقة واحدة وفروعها والأمور المتعلقة بها وشرائطها المختلفة .

ومن هذه التفاسير القول بأن التوبة ( النصوح ) يجب أن تتوفر فيها أربعة شروط : الندم الداخلي ، الاستغفار باللسان ، ترك الذنب ، والتصميم على الاجتناب في المستقبل .

وقال البعض الآخر بأنها ( أي التوبة النصوح ) ذات شروط ثلاثة ( الخوف من عدم قبولها ، والأمل بقبولها ، والاستمرار على طاعة الله .

أو أن التوبة " النصوح " التي تجعل الذنوب دائما أمام أعين أصحابها ، ليشعر الإنسان بالخجل منها .

أو أنها تعني إرجاع المظالم والحقوق إلى أصحابها ، وطلب التحليل وبراءة الذمة من المظلومين ، والمداومة على طاعة الله .

أو هي التي تشتمل على أمور ثلاثة : قلة الأكل ، قلة القول ، قلة النوم .

أو التوبة النصوح هي التي يرافقها بكاء العين ، واشمئزاز القلب من الذنوب وما إلى ذلك من فروع التوبة الواقعية وهي التوبة الخالصة التامة الكاملة .

جاء في حديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما سأله معاذ بن جبل عن " التوبة النصوح " أجابه قائلا : " أن يتوب التائب ثم لا يرجع في الذنب كما لا يعود اللبن

إلى الضرع " (4) .

وبهذا التعبير اللطيف يتضح أن التوبة يجب أن تحدث انقلابا في داخل النفس الإنسانية ، وتسد عليها أي طريق للعودة إلى الذنب ، وتجعل من الرجوع أمرا مستحيلا كما يستحيل إرجاع اللبن إلى الضرع والثدي .

وقد جاء هذا المعنى في روايات أخرى ، وكلها توضح الدرجة العالية للتوبة النصوح ، فإن الرجوع ممكن في المراتب الدنيا من التوبة ، وتتكرر التوبة حتى يصل الإنسان إلى المرحلة التي لا يعود بعدها إلى الذنب .

ثم يشير القرآن الكريم إلى آثار التوبة الصادقة النصوح بقوله : {عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم} .

{ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} .

{يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه} .

{نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم} ويضئ لهم طريقهم في المحشر ويوصلهم إلى الجنة .

وهنا يتوجهون إلى الله بطلب العفو : {ويقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير} .

وبذلك تكون التوبة ( النصوح ) لها خمس ثمرات مهمة :

الأولى : غفران الذنوب والسيئات .

الثانية : دخول الجنة المملوءة بنعم الله .

الثالثة : عدم الفضيحة في ذلك اليوم العصيب الذي ترتفع فيه الحجب وتظهر فيه حقائق الأشياء ، ويفتضح الكاذبون الفجار . نعم في ذلك اليوم سيكون للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والمؤمنين شأن عظيم ، لأنهم لم ولن يقولوا إلا ما هو واقع .

الرابع : أن نور إيمانهم وعملهم يتحرك بين أيديهم فيضئ طريقهم إلى الجنة .

( واعتبر بعض المفسرين أن " النور " الذي يتحرك أمامهم إنما هو نور العمل ، وكان لنا تفسير آخر أوردناه في ذيل الآية 12 من سورة الحديد ) .

الخامس : يتجهون إلى الباري أكثر من ذي قبل ، ويرجونه تكميل نورهم والغفران الكامل لذنوبهم .

نماذج من النساء المؤمنات والكافرات :

بما أن المنافقين يفرحون لإفشاء أسرار الرسول وإذاعة الأخبار الداخلية عن بيته ، ويرحبون ببروز المشاجرات والاختلافات بين زوجاته - التي مضت الإشارة إليها في الآيات السابقة - بل إنهم كانوا يساهمون في إشاعة تلك الأخبار وإذاعتها بشكل أوسع ، نظرا لكل ذلك فقد خاطب القرآن الكريم الرسول بأن يشدد على المنافقين والكافرين ويغلظ عليهم . حيث يقول : يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير .

الجهاد ضد الكفار قد يكون مسلحا أو غير مسلح ، أما الجهاد ضد المنافقين فإنه بدون شك جهاد غير مسلح ، لأن التاريخ لم يحدثنا أبدا عن أن الرسول خاض مرة معركة مسلحة ضد المنافقين . لهذا ورد في الحديث عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " إن رسول الله لم يقاتل منافقا قط إنما يتألفهم " (5) .

وبناء على ذلك فإن المراد من الجهاد ضد المنافقين إنما هو توبيخهم وإنذارهم وتحذيرهم ، بل وتهديدهم وفضحهم ، أو تأليف قلوبهم في بعض الأحيان . فللجهاد معنى واسع يشمل جميع ذلك . والتعبير ب‍ " أغلظ عليهم " إشارة إلى معاملتهم بخشونة وفضحهم وتهديدهم ، وما إلى ذلك .

ويبقى هذا التعامل الخاص مع المنافقين ، أي عدم الصدام المسلح معهم ، ما داموا لم يحملوا السلاح ضد الإسلام وذلك بسبب أنهم مسلمون في الظاهر ، وتربطهم بالمسلمين روابط كثيرة لا يمكن معها محاربتهم كالكفار ، أما إذا حملوا السلاح فيجب أن يقابلوا بالمثل ، لأنهم سوف يتحولون إلى ( محاربين ) .

ولم يحدث مثل ذلك أيام حياة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لكنه حدث في خلافة أمير

المؤمنين علي ( عليه السلام ) حيث خاض ضدهم معركة مسلحة .

وذهب بعض المفسرين إلى أن المقصود من " الجهاد ضد المنافقين " الذي ورد ذكره في الآية السابقة هو إجراء الحدود الشرعية بحقهم ، فإن أكثر الذين كانوا تجرى عليهم الحدود هم من المنافقين . ولكن لا دليل على ذلك ، كما لا دليل على أن الحدود كانت تجرى على المنافقين غالبا .

__________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14، ص289-297.

2 - يتصور البعض أن " نصوح " اسم شخص معين ، وذكروا له قصة مفصلة ، ولكن يجب الالتفات إلى أن " نصوح " ليس اسما لشخص ، بل يعطي معنى وصفيا رغم أنه لا يبعد صحة القصة المذكورة .

3 - تفسير القرطبي ، ج 10 ، ص 66 و 67 .

4 - مجمع البيان ، ج 10 ، ص 318 .

5 - مجمع البيان ، ج 10 ، ص 331 .

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .