المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



الطريق الأسرع والأسهل للحديث الفعال  
  
2537   10:12 صباحاً   التاريخ: 12-12-2017
المؤلف : ديل كارنيجي
الكتاب أو المصدر : طريقة سهلة وسريعة للحديث الفعال
الجزء والصفحة : ص67-86
القسم : الاسرة و المجتمع / التنمية البشرية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2019 1783
التاريخ: 31-1-2022 1798
التاريخ: 16/10/2022 1497
التاريخ: 2024-02-10 1847

نادراً ما أشاهد التلفاز نهاراً، ولكن أحد أصدقائي طلب مني مؤخراً الاستماع الى استعراض يذاع بعد الظهر، وموجه – أساساً – الى ربات البيوت، وكان هذا البرنامج يحظى بنسبة مشاهدة كبيرة، وأراد صديقي أن أشاهده ظناً بأن الجزء الخاص بمشاركة الجمهور سيعجبني، وقد أعجبني فعلاً. شاهدت هذا الاستعراض مرات عديدة، وكانت تفتنني الطريقة التي نجح بها مدير المراسم في جعل أفراد من الجمهور يلقون كلمات جذابة وملفتة، وبات واضحاً أن هؤلاء الأشخاص ليسوا متحدثين محترفين، ولم يتلقوا أي تدريب في فن التواصل، حتى أن بعضهم كان يخطئ في قواعد النحو، وهجاء بعض الكلمات، ولكن أحاديثهم جميعاً كانت شيقة، وسرعان ما تبدد خوفهم من الكاميرا بعد جمل قليلة، وتمكنوا من جذب انتباه الجمهور.

لمَ حدث هذا ؟ أنا أعرف الإجابة لأنني كنت أوظف الأساليب المستخدمة في هذا البرنامج منذ عدة سنوات، فهؤلاء الناس العاديون – رجالاً ونساءً – استحوذوا على انتباه المشاهدين في كل أنحاء البلاد لأنهم تحدثوا عن أنفسهم، أو عن أكثر اللحظات إحراجاً في حياتهم، أو عن أسعد ذكرياتهم، أو عن كيفية لقائهم بزوجاتهم، أو أزواجهن. لم يكونوا معنيين بمقدمة الكلمة أو متنها أو خاتمتها، ولا بأسلوبهم الخطابي أو بنية عباراتهم، ولكنهم نالوا استحسان الجمهور، واهتمامه الكامل بما قالوا. يعتبر هذا دليلاً مثيراً على – ما اعتبره القاعدة الأولى من ثلاثة قواعد أساسية تنبني عليها الطريقة السريعة، والسهلة لتعلم الحديث العام، وهي :

أولاً: تحدث عن شئ اكسبتك الخبرة أو الدراسة حق الحديث عنه

إن الرجال، والنساء الذين حولوا بقصصهم الواقعية الحيّة البرنامج التلفزيوني الى استعراض شيق كأن يتحدثون من واقع تجربتهم الشخصية، أو يتحدثون عن شئ يعرفونه. تصوركم كان سيصبح البرنامج مملاً، لو أنهم طلبوا من هؤلاء الأشخاص تعريف الشيوعية، أو وصف الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة، ورغم ذلك فهذا الخطأ يقع فيه الكثير من المتحدثين في الكثير من الاجتماعات، ومأدبات الطعام، فهم يقررون الحديث عن موضوعات تقل، أو تنعدم بها معرفتهم الشخصية، ولا تهمهم إلا قليلاً، أو لا تهمهم أبداً، فيختارون موضوعاً مثل الوطنية أو الدميقراطية أو العدالة، وحينئذ – وبعد عدة ساعات من البحث المحموم في كتاب للاقتباسات، أو في كتب للخطب لشتى المناسبات – يجمعون في عجلة بعض العبارات العامة المشوشة التي يتذكرونها من مقرر العلوم السياسية الجامعي، ويواصلون ألقاءهم كلمة لا تتميز إلا بالطول. ولا يحدث أبداً مع هؤلاء المتحدثين اهتمام جمهورهم بالمادة الواقعية التي تبسط هذه المفاهيم الرفيعة.

في اجتماع محلي لمعلمي ديل كارينجي بفندق كونراد هيلتون بشيكاغو، منذ سنوات، بدأ أحد الطلبة المتحدثين كلمته قائلاً: (الحرية، المساواة، الإخاء، هذه هي أكثر الأفكار قوة في معجم البشرية، فبدون الحرية تفقد الحياة معناها، ولك أن تتصور شكل الوجود لو تم تقييد حرية تصرفاتك).

كان ذلك هو أقصى ما وصل اليه، لأن المعلم أوقفه بحكمته، وسأله عن السبب الذي يجعله يؤمن بما يقول، وما لديه من دليل أو تجربة شخصية تدعم حديثه، حينئذ روى لنا قصة مدهشة.

 كان هذا المتحدث الطالب فيما قبل مقاتلاً في حركة سرية فرنسية، وقد أخبرنا عن المهانات التي عانى منها هو وأسرته في ظل الحكم النازي، ووصف بلغة مفعمة بالحيوية كيف هرب من الشرطة السرية، وكيف تمكن في النهاية من الفرار الى أمريكا، وأنهى قصته قائلاً: (عندما سرت اليوم في شارع ميتشيجان قاصداً هذا الفندق، كنت حراً، فأروح أو أغدو كيفما شئت، ومررت برجل شرطة فلم يعر لي بالاً، ودلفت الى هذا الفندق دون الاضطرار الى تقديم بطاقة هوية، وعندما ينتهي هذا الاجتماع أستطيع الذهاب الى أي مكان أختاره في شيكاغو، صدقوني إن الحرية جديرة بأن نقاتل من أجلها) وقف الجمهور تحية لهذا الرجل.

أخبرنا عما علمتك الحياة

المتحدثون الذين يتحدثون عما علمتهم الحياة لا يخفقون أبداً في جذب اهتمام مستمعيهم، وأنا أعرف من واقع خبرتي أنه ليس من السهل إقناع المتحدثين بقبول وجهة نظري هذه، إذ إنهم يتحاشون استخدام التجارب الشخصية باعتبار أنها عادية وقاصرة. لذا فهم يفضلون التحليق في عوالم الأفكار العامة، ولا مبادئ الفلسفية، حيث يندر – لسوء الحظ – الهواء الذي يتنفسه البشر العاديون، وهم يتلون على مسامعنا مقالات افتتاحية في الوقت الذي نتعطش فيه الى سماع الأخبار، وليس منا من يبغض الاستماع الى الافتتاحيات عندما يقدمها لنا رجل يمتلك الحق في تحرير افتتاحية كرئيس تحرير أو ناشر، ولكن النقطة هي: تحدث عما علمتك الحياة، وسأنصت اليك خاشعاً.

قيل إن إميرسون كان لديه الاستعداد دائماً للاستماع الى أي شخص – بغض النظر عن وضاعة منزلته الاجتماعية – لأنه كان يتعلم شيئاً من كل رجل يقابله، وقد استمتعت الى أحاديث للكبار ربما أكثر من أي رجل آخر يعيش في الدول الرأسمالية، ويمكنني أن أقول – حقاً – أنني لم أسمع أبداً حديثاً مملاً عندما يروي المتحدث ما تعلمه من تجاربه في الحياة، بغض النظر عن مدى بساطة، أو تفاهة الدرس.

دعنا نسوق مثالاً للتوضيح: منذ سنوات مضت قام أحد معلمينا بعمل دورة في الحديث العام لكبار موظفي مصارف مدينة نيويورك، والأمر الطبيعي هو انشغال وقت هذه الطائفة، فكان كثيراً ما يصعب عليهم الإعداد بالشكل الملائم، أو عمل شئ من قبيله. فطوال حياتهم، وهم يمتلكون أفكارهم الفردية، ويدعمون قناعاتهم الشخصية، ويرون الأشياء من زواياهم الخاصة، ويعيشون تجاربهم الأصلية. لقد أمضوا أربعين عاماً يعدون المادة اللازمة للأحاديث، ولكن كان يصعب بالنسبة لبعضهم تحقيق ذلك.

في يوم جمعة وجد موظف ممن يعملون في احد مصارف شماليّ المدينة – وهو السيد جاكسون – أن الساعة شارفت الرابعة والنصف، واقترب موعد الدورة، ولكن ما هو الموضوع الذي سيتكلم عنه؟ خرج من مكتبه، واشترى نسخة من مجلة فوربز ماجازين من بائع الصحف، ثم مضى الى مصرف الاحتياطي الفيدرالي حيث تعقد الدورة، وأثناء ركوبه مترو الأنفاق، قرأ مقالاً بعنوان (أمامك عشر سنوات فقط للنجاح) قرأ هذا المقال لا لاهتمامه به على وجه الخصوص، بل لأنه مضطر للحديث في موضوع ما لشغل حصته من الوقت. بعد ذلك بساعة وقف الرجل، وحاول التحدث بأسلوب مقنع وشيق عن محتويات هذا المقال.

فما كان النتيجة.. النتيجة الحتمية؟

إنه لم يستوعب، ولم يعي ما كان يحاول قوله، وعبارة (يحاول قوله) تعبر عن الموقف بدقة، فقد كان يحاول. إذ لم تكن بداخله رسالة حقيقية تبحث عن مخرج، واتضح ذلك من أسلوبه ونبرته، ولكن كيف يمكنه أن يتوقع الجمهور تأثر أكثر من تأثره هو نفسه؟ ظل يشير الى المقال، قائلاً بأن المؤلف قال كذا وكذا. كان المقال متخماً بأفكار فوربز ماجزين، ولكنه للأسف لم يحتوِ إلا على القليل من أفكار السيد جاكسون.

بعد أن أنهى الرجل كلمته قال المعلم: (أيها السيد جاكسون، إننا لسنا مهتمين بتلك الشخصية المبهمة كاتبة ذلك المقال، فهو شخص ليس موجوداً بيننا، ولا يمكننا رؤيته، إنما نحن مهتمون بك وبأفكارك، أخبرنا عما تفكر فيه أنت شخصياً، لا ما قاله شخص آخر، ضع المزيد من أفكار السيد جاكسون في هذه الكلمة، كما لا تتكلم عن الموضوع نفسه الأسبوع القادم؟ اقرأ هذا المقال مرة أخرى، واسأل نفسك هل تتفق مع كاتبه أم لا . فإذا كنت تتفق معه وضح نقاط الاتفاق بملاحظات من تجاربك الخاصة، وإن لم تتفق معه أخبرنا لماذا. دع هذا المقال يكون نقطة البداية التي تدشن منها خطبتك).

أعاد السيد جاكسون قراءة المقال، وتوصل الى أنه لا يتفق مطلقاً مع كاتبه، ففتّش في ذاكرته بحثاً عن أمثلة للتدليل على نقاط الاختلاف، وقام بتطوير أفكاره وتوسيعها بالتفاصيل المأخوذة من تجربته الخاصة كتنفيذي مصرفي وفي الاسبوع التالي عاد الينا وألقى كلمة مليئة بقناعاته الخاصة وقائمة على خلفيته الشخصية، وأعطانا بدلاً من مقال المجلة البالي ركازاً من منجمه الخاص، وعملة سكها بنفسه، وأنا أترك الأمر لك لتقرر أي الكلمتين كان له وقع أكبر على الفصل.

ابحث عن موضوعات في خلفيتك

ذات مرة طلبنا من بعض معلمينا الكتابة على قصاصة من الورق المشكلة التي يرون أنها أكبر ما يواجه المتحدثين المبتدئين، وبعد جدولة القصاصات وجدنا أن (ترك المبتدئين يتحدثون في الموضوع المناسب) هي المشكلة التي تتكرر أكثر مما يكون في الجلسات الأولى من دوراتي).

فما هو الموضوع المناسب؟ بإمكانك التيقن من اختيارك للموضوع المناسب لو عشت معه، وجعلته موضوعك، وذلك من خلال التجربة والتأمل، فكيف تجد الموضوعات؟ تجدها بالغوص في ذاكرتك، والبحث في خلفيتك عن تلك الجوانب المهمة في حياتك، والتي تركت لديك انطباعاً واضحاً. قمنا منذ عدة سنوات مضت بعمل مسح للموضوعات التي جذبت اهتمام المستمعين في فصولنا، فوجدنا أن الموضوعات التي حازت أكبر قدر من استحسان الجمهور هي المعنية بمناطق معينة من خلفية المرء، مثل:

سنوات العمر الأولى والتنشئة. الموضوعات التي تتعامل مع ذكريات الأسرة والطفولة، وأيام المدرسة تجذب الاهتمام على الدوام، لأن معظمنا يهتم بطريقة مواجهة الآخرين للعقبات، وتغلبهم عليها في البيئة التي نشأوا فيها.

دعم أحاديثك – حيثما أمكن – بالأمثلة المأخوذة من سني عمرك الأولى، وشهرة المسرحيات، والأفلام والقصص التي تصف تحديات أولى سنوات العمر تبرهن على قيمة هذه المنطقة ليستمد منها المرء مادة أحاديثه، ولكن أنّى لك التيقن من اهتمام أي شخص بما حدث لك أيام صغرك؟ هناك اختبار واحد، إذا ما كان هناك شئ يبرز بوضوح في ذاكرتك بعدما مرت عليه عدة سنوات، فذلك يضمن – تقريباً – أنه سيحظى باهتمام الجمهور.

الصراعات المبكرة لتحقيق النجاح. تحظى هذه المنطقة بالكثير من اهتمام الناس، وها أنت ثانية تستطيع جذب اهتمامهم بأن تقص عليهم محاولاتك الأولى لتحقيق النجاح في الحياة. كيف حصلت على وظيفة، أو دخلت مهنة بعينها؟ ما هو التحول المفاجئ في الظروف الذي جعلك تسلك هذا المسلك المهني؟ أخبرنا عن انتكاساتك، وآمالك، وانتصاراتك وأن تثبت أقدامك في العالم التنافسي، وتعتبر الصورة الواقعية لحياة المرء موضوعاً لمضمون النجاح – تقريباً – إذا ما رُويت بلا غرور.

الهوايات والترفيه. تنبني موضوعات هذه المساحة على الاختيار الشخصي، وما دامت كذلك، فهي موضوعات تجذب الانتباه، بالإضافة الى أنك لن تخطئ عندما تتحدث عن شئ تمارسه من باب المتعة المحضة، وسوف يساعدك حماسك الطبيعي لهوايتك على التعبير عن هذا الموضوع لأي جمهور.

المناطق المعرفية الخاصة. سنوات العمل الطويلة في مجال واحد تجعلك خبيراً في تخصصك، ويمكنك التيقن من جذب الانتباه المتسم بالاحترام إذا ناقشت جوانب وظيفتك، أو مهنتك بناء على سنوات الخبرة أو الدراسة.

التجارب غير العادية. هل سبق أن قابلت رجلاً عظيماً؟ هل أطلقت عليك النيران في الحرب؟ هل مررت بأزمة روحية في حياتك؟ كل هذه تجارب تصلح تماماً كمادة لكلمتك.

المعتقدات والقناعات. لعلك كرّست قدراً كبيراً من الوقت، والجهد في التفكير في وضعك بالنسبة للموضوعات الحيوية التي تواجه العالم اليوم. وإذا كرست ساعات كثرة لدراسة القضايا الهامة، فأنت تمتلك الحق في الحديث عنها، ولكن عندما تفعل ذلك تأكد من ذكر أمثلة معينة لقناعاتك، فالجماهير لا تستسيغ كلمة مليئة بالتعميمات، ومن فضلك لا تعتبر القراءة العارضة لبعض المقالات الصحفية إعداداً كافياً للحديث عن هذه الموضوعات، وإذا كانت معرفتك بموضوع ما تفوق قليلاً معرفة الجمهور به فمن الأفضل تجنبه. من ناحية أخرى، فإذا كرست سنوات لدراسة موضوع ما، فهو بلا شك يناسبك تماماً، وعليك أن تستخدمه مهما تكلف الأمر.

...ان إعداد الكلمة لا يتمثل فحسب في تدوين بعض الكلمات على الورق بلا تفكير، أو استظهار مجموعة من الجمل، ولا يكمن في نقل بعض الأفكار التي تخص شخصاً آخر من مقال صحفي، أو كتاب قرأته في عجالة سريعة، ولكنه يتضح في الغوص بعمق في عقلك، وقلبك وإخراج بعض من القناعات الأساسية التي اختزنتها الحياة هناك، ولا تشك أبداً في وجود المادة فيها، فهي موجودة فعلاً ، وبكميات وفيرة وتنتظر أن تكتشفها !. لا ترفض مزدرياً تلك المادة بحجة أنها شخصية للغاية، أو تافهة لا يسمعها الجمهور.

لقد استمتعت كثيراً وتأثرت بعمق بهذه الأحاديث، أكثر من استمتاعي، وتأثري بكثير من المتحدثين المحترفين.

وأنت لن تستطيع تلبية المطلب الثاني لتعلم الحديث العام بسرعة وسهولة إلا إذا تحدثت عن شئ تمتلك حق الحديث عنه. وإليك هذا المطلب.

ثانياً: تأكد أن الموضوع يثيرك

ليست كل الموضوعات التي يمتلك حق الحديث عنها تجعلنا نشعر بالإثارة، فنظراً لأني أؤمن بمبدأ افعل الشئ بنفسك – على سبيل المثال، وأنا مؤهل يقيناً للحديث عن غسيل الأطباق، ولكن هذا الموضوع لا يثيرني بشكل أو بآخر، والحقيقة أنني لا أحبذ ذكره مطلقاً، رغم أني سمعت ربات بيوت – أقصد تنفيذيات منزليات – يلقين كلمات رائعة عن نفس هذا الموضع. لقد آثرن في أنفسهم فورة من النقمة على المهمة الأبدية لغسيل الأطباق، أو طورن طرقاً بارعة لتجنب هذه المهمة الروتينية البغيضة، وكنتيجة لذلك، فقد أصبحن قادرات على التحدث بفاعلية عن هذا الموضوع الخاص بغسيل الأطباق.

ها هو سؤال سيساعدك على تحديد مدى مناسبة الموضوعات التي تشعر بتأهيلك لمناقشتها على الملأ: لو وقف شخص، وعارض وجهة نظرك بشكل مباشر، فهل ستضطر الى التحدث باقتناع وجدية دفاعاً عن موقفك؟ إذا كنت ستفعل، فأنت لديك الموضوع الذي يناسبك. وقعت يدي مؤخراً على بعض الملاحظات التي دونتها في 1926، بعد أن زرت الدورة السابعة لعصبة الأمم في جينيف بسويسرا، واليك فقرة منها: (بعد أن قام ثلاثة، أو أربعة من المتحدثين فاقدي الروح بقراءة نصوصهم، اعتلى المنصة ممثل كندا السير جورج فوستر، وشعرت بسعادة غامرة عندما لاحظت أنه لا يحمل أوراقاً، أو مذكرات من أية نوع، ظل يومئ بشكل دائم تقريباً، وكان متحمساً لما يقول. ولديه شئ يرغب بشدة في التعبير عنه. كان يحاول جاداً أن ينقل للجمهور معتقدات يجلها في قلبه، وأصبحت جديته واضحة كوضوح بحيرة جينيف عبر النافذة. لقد صورت تلك الكلمة بأسلوب جميل. المبادئ التي أؤديها في دوراتي التعليمية).

وغالباً ما استرجع الكلمة التي ألقاها السير جورج، فقد كان صادقاً وجاداً، ولم يكن لهذا الصدق أن يتجلى بدون اختيار الموضوعات التي أحس بها القلب، ودرسها العقل. أما الأسقف فولتون جيه. شين – الذي يعد واحداً من أنشط خطباء أمريكا، وأكثرهم فاعلية – فقد تعلم هذا الدرس في وقت مبكر من حياته.

أورد شين في كتابه الحياة جديرة بأن نحياها قائلاً: (تم اختياري عضواً في فريق المناظرات في الكلية، وفي الليلة السابقة لمناظرة نوتردام، استدعاني أستاذ المناظرة الى مكتبه وعنفني.

(أنت سيء للغاية، ولم تشهد الكلية في تاريخها من هو أسوأ منك في الخطابة).

(أجبت محاولاً تبرير موقفي: (حسناً، إذا ما كنت على هذه الدرجة من السوء، فلمَ اخترتني عضواً في الفريق؟).

(أجاب قائلاً: (لأنك تستطيع التفكير، لا لأنك تستطيع الحديث، اقبع في ذلك الركن، وهذه فقرة من كلمتك ادرسها بعناية) أخذت أردد إحدى الفقرات مرات، ومرات لمدة ساعة، وفي النهاية قال: (هل ترى أي خطأ في ذلك؟) قلت (لا) من جديد: مرت ساعة ونصف، ساعتان، ساعتان ونصف، وفي نهايتها أصابني الإرهاق، وعندئذ قال الأستاذ: (ألم تر الخطأ بعد؟).

(ولأنني ذكي بطبيعتي، وبعد أن أمضيت ساعتين ونصف من العناء، فقد بدأت أفهم. وقلت: (نعم، أنا لست بصادق، أنا لست نفسي، أنا لا أتحدث كما لو كنت أعني ما أقول).

عند هذه النقطة تعلم الأسقف شين درساً ظل يذكره دائماً وهو: أن يجعل كلامه معبراً عن نفسه، فأصبح موضوعه يشعره بالإثارة، وعندئذ فقط قال الأستاذ الحكيم: (أنت الآن جاهز للتحدث!).

وعندما يقول أحد طلاب دوراتي: (ليس هناك شئ يثيرني، وإذن فأنا أحيا حياة رتيبة)، فإن معلمينا مدربون على سؤاله عما يفعله في وقت الفراغ، واحد منهم يذهب الى السينما، وآخر يلعب البولينج، وثالث يزرع الورد، وأحد الرجال أخبر معلمه أنه يقوم بجمع أمشاط الثقاب، وعندما سأله المعلم عن هذه الهواية الغريبة، بدأ الرجل يشعر بالإثارة تدريجياً، وسرعان ما كان يستخدم الإشارات وهو يصف الصناديق التي يحتفظ فيها بمجموعاته، وأخبر معلمه أن لديه أمشاط ثقاب من كل بلدان العالم تقريباً، وعندما أصبح الرجل مثاراً تجاه موضوعه المفضل، أوقفه المعلم قائلاً: (لما لا تحدثنا عن هذا الموضوع؟ إنني أراه رائعاً) فقال الرجل أنه ظن عدم اهتمام أحد به! ها هو رجل أمضى سنوات من عمره يمارس هواية هو مولع بها، ورغم ذلك فهو يشك في قيمتها كموضوع يتحدث عنه. طمأن المعلم هذا الرجل بأن الطريق الوحيد لقياس أهمية موضوع ما هو أن تسأل نفسك عن مدى اهتمامك به، فتحدث الرجل تلك الليلة بحماس هاوٍ جمع الأشياء، وسمعت في وقت لاحق أنه لاقى قدراً معيّناً من التقدير المحلى بالذهاب الى العديد من النوادي، والحديث عن جمع أمشاط الثقاب.

يقودنا هذا المثال مباشرة الى المبدأ الإرشادي الثالث لمن يبحثون عن طريقة سريعة وسهلة لتعلم الحديث العام.

ثالثاً: كن تواقاً الى إشراك مستمعيك في كلمتك

يحتوي كل موقف تحدثي على ثلاثة عوامل: المتحدث، والكلمة أو الرسالة، والجمهور، وقد تناولت القاعدتان الأوليان في هذا الفصل العلاقات المتبادلة بين المتحدث والكلمة، ولكن حتى هذه النقطة لا يوجد موقف تحدثي، وهو لن يخرج الى الحياة إلا عندما يتلو المتحدث كلمته على مسامع جمهور حيّ، وقد يكون الحديث جيد الإعداد، وربما يتعلق بموضوع يثير المتحدث، ولكن لابد من إدخال عامل آخر في إلقاء الكلمة كي يكتمل النجاح، لابد للمتحدث من إشعار مستمعيه بأهمية ما سيقوله لهم، ولا يكفي أن يجد المتحدث إثارة في الموضوع، بل لابد أن يكون متحمساً لنقل إثارته الى مستمعيه. كل المتحدثين المشهورين في عالم الفصاحة كانوا يتحلون بصفة بارزة، ألا وهي القدرة على الإقناع، أو الحماسة، سمّها كما تشاء والمتحدث الفعال يرغب بشدة في أن يشعر مستمعوه بما يشعر، وأن يتفقوا مع وجهة نظره، وأن يفعلوا ما يراه صواباً بالنسبة لهم، وأن يستمتعوا بتجربته، ويعيشونها معه ثانية، فهو متمركز حول الجمهور لا حول نفسه، ويعرف نجاح كلمته، أو فشلها شئ لا يقرره هو، بل ستقرره عقول المستمعين، وقلوبهم.

قمت بتدريب عدد من رجال فرع المعهد الأمريكي للصرافة بمدينة نيويورك على الحديث أثناء حملة لترشيد الإنفاق. أحد الرجال على وجه الخصوص لم يفهمه الجمهور، كانت الخطوة الأولى في طريق مساعدة ذلك الرجل هي إشعال الحماس في قلبه وعقله تجاه موضوعه.

أخبرته أن يمضي لحاله، ويفكر في هذا الموضوع حتى يصبح متحمساً له، وطلبت منه أن يتذكر بأن سجلات محكمة الإشهاد بنيويورك تشير الى أن أكثر من 85% من الناس لا يتركون شيئاً بعد موتهم، وأن نسبة 3,3% فحسب تترك 10% من آلاف الدولارات أو أكثر. كان عليه أن يضع في ذهنه دائماً أن لا يطالب الناس بأن يسدوا إليه معروفاً، أو يفعلوا له شيئاً لا يطيقونه. كان عليه أن يقول لنفسه: (إنني أعد هؤلاء الناس ليحصلوا على اللحم، والخبز والكساء، والراحة في شيخوختهم، وليتركوا أزواجهم، وأطفالهم آمنين). كان عليه أن يتذكر أنه ماض لأداء خدمة اجتماعية جليلة. بإيجاز ينبغي عليه أن يكون محارباً يفيض بالحماس.

فكر الرجل ملياً في هذه الحقائق، ودرسها في عقله، وأثار اهتمام نفسه، وأرقد حماسته وأصبح يشعر بأنه صاحب رسالة حقيقية، وعندما مضى ليلقي حديثه أصبح هناك رنين في كلماته التي تحمل الاقتناع في طياتها، فجعل مستمعيه يحبون فوائد الاقتصاد، لأنه كان يتوق بشدة الى مساعدة الناس، وهو بذلك لم يعد مجرد متحدث مسلح بالحقائق، بل كان واعظاً يناصر قضية جديرة.

ذات مرة اعتمدت في مسلكي المهني بشكل كبير على القواعد المذكورة في كتب الخطابة، وبهذا الفعل كنت أعكس فحسب بعضاً من العادات السيئة التي غرسها بداخلي المدرسون الذين لم يقلعوا عن اتباع الأساليب المتكلفة لفن الخطابة.

إنني لن انسى أبداً أول دروسي في الخطابة، فقد علموني أن اترك ذراعي يتدلى مرتخياً الى جانبي، وباطن كفي الى الخلف، وأصابعي نصف مغلقة وإبهامي يلمس ساقي، وتم تدريبي على رفع الذراع عالياً في منحنى بهيّ الصورة، وأن أدير رسغي دائرة رائعة، ثم أبسط السبابة أولاً، يتلوه الإصبع الثاني، وأخيراً الخنصر، وعند إتمام الحركة الجمالية، كان الذراع يعود في نفس المنحني ويستقر بجانب الساق. كان الأداء بأكمله متكلفاً، وعديم الحيوية، ولم يكن فيه شئ معقول أو صادق.

لم يقم معلمي بأية محاولة ليجعلني أضفي شخصيتي على حديثي، ولا ليجعلني أتحدث كإنسان حي طبيعي أحادث جمهوري بأسلوب نشط.

قارن بين هذا المنهج الميكانيكي للتدريب على الحديث، وبين الثلاث قواعد الأساسية التي ناقشناها في هذا الفصل، والتي تعتبر أساس منهجي للتدريب على الحديث الفعال.

الطريق الأسرع والأسهل للحديث الفعال

المؤلف : ديل كارنيجي

الكتاب : طريقة سهلة وسريعة للحديث الفعال [ص67-86]

________________________________

نادراً ما أشاهد التلفاز نهاراً، ولكن أحد أصدقائي طلب مني مؤخراً الاستماع الى استعراض يذاع بعد الظهر، وموجه – أساساً – الى ربات البيوت، وكان هذا البرنامج يحظى بنسبة مشاهدة كبيرة، وأراد صديقي أن أشاهده ظناً بأن الجزء الخاص بمشاركة الجمهور سيعجبني، وقد أعجبني فعلاً. شاهدت هذا الاستعراض مرات عديدة، وكانت تفتنني الطريقة التي نجح بها مدير المراسم في جعل أفراد من الجمهور يلقون كلمات جذابة وملفتة، وبات واضحاً أن هؤلاء الأشخاص ليسوا متحدثين محترفين، ولم يتلقوا أي تدريب في فن التواصل، حتى أن بعضهم كان يخطئ في قواعد النحو، وهجاء بعض الكلمات، ولكن أحاديثهم جميعاً كانت شيقة، وسرعان ما تبدد خوفهم من الكاميرا بعد جمل قليلة، وتمكنوا من جذب انتباه الجمهور.

لمَ حدث هذا ؟ أنا أعرف الإجابة لأنني كنت أوظف الأساليب المستخدمة في هذا البرنامج منذ عدة سنوات، فهؤلاء الناس العاديون – رجالاً ونساءً – استحوذوا على انتباه المشاهدين في كل أنحاء البلاد لأنهم تحدثوا عن أنفسهم، أو عن أكثر اللحظات إحراجاً في حياتهم، أو عن أسعد ذكرياتهم، أو عن كيفية لقائهم بزوجاتهم، أو أزواجهن. لم يكونوا معنيين بمقدمة الكلمة أو متنها أو خاتمتها، ولا بأسلوبهم الخطابي أو بنية عباراتهم، ولكنهم نالوا استحسان الجمهور، واهتمامه الكامل بما قالوا. يعتبر هذا دليلاً مثيراً على – ما اعتبره القاعدة الأولى من ثلاثة قواعد أساسية تنبني عليها الطريقة السريعة، والسهلة لتعلم الحديث العام، وهي :

أولاً: تحدث عن شئ اكسبتك الخبرة أو الدراسة حق الحديث عنه

إن الرجال، والنساء الذين حولوا بقصصهم الواقعية الحيّة البرنامج التلفزيوني الى استعراض شيق كأن يتحدثون من واقع تجربتهم الشخصية، أو يتحدثون عن شئ يعرفونه. تصوركم كان سيصبح البرنامج مملاً، لو أنهم طلبوا من هؤلاء الأشخاص تعريف الشيوعية، أو وصف الهيكل التنظيمي للأمم المتحدة، ورغم ذلك فهذا الخطأ يقع فيه الكثير من المتحدثين في الكثير من الاجتماعات، ومأدبات الطعام، فهم يقررون الحديث عن موضوعات تقل، أو تنعدم بها معرفتهم الشخصية، ولا تهمهم إلا قليلاً، أو لا تهمهم أبداً، فيختارون موضوعاً مثل الوطنية أو الدميقراطية أو العدالة، وحينئذ – وبعد عدة ساعات من البحث المحموم في كتاب للاقتباسات، أو في كتب للخطب لشتى المناسبات – يجمعون في عجلة بعض العبارات العامة المشوشة التي يتذكرونها من مقرر العلوم السياسية الجامعي، ويواصلون ألقاءهم كلمة لا تتميز إلا بالطول. ولا يحدث أبداً مع هؤلاء المتحدثين اهتمام جمهورهم بالمادة الواقعية التي تبسط هذه المفاهيم الرفيعة.

في اجتماع محلي لمعلمي ديل كارينجي بفندق كونراد هيلتون بشيكاغو، منذ سنوات، بدأ أحد الطلبة المتحدثين كلمته قائلاً: (الحرية، المساواة، الإخاء، هذه هي أكثر الأفكار قوة في معجم البشرية، فبدون الحرية تفقد الحياة معناها، ولك أن تتصور شكل الوجود لو تم تقييد حرية تصرفاتك).

كان ذلك هو أقصى ما وصل اليه، لأن المعلم أوقفه بحكمته، وسأله عن السبب الذي يجعله يؤمن بما يقول، وما لديه من دليل أو تجربة شخصية تدعم حديثه، حينئذ روى لنا قصة مدهشة.

 كان هذا المتحدث الطالب فيما قبل مقاتلاً في حركة سرية فرنسية، وقد أخبرنا عن المهانات التي عانى منها هو وأسرته في ظل الحكم النازي، ووصف بلغة مفعمة بالحيوية كيف هرب من الشرطة السرية، وكيف تمكن في النهاية من الفرار الى أمريكا، وأنهى قصته قائلاً: (عندما سرت اليوم في شارع ميتشيجان قاصداً هذا الفندق، كنت حراً، فأروح أو أغدو كيفما شئت، ومررت برجل شرطة فلم يعر لي بالاً، ودلفت الى هذا الفندق دون الاضطرار الى تقديم بطاقة هوية، وعندما ينتهي هذا الاجتماع أستطيع الذهاب الى أي مكان أختاره في شيكاغو، صدقوني إن الحرية جديرة بأن نقاتل من أجلها) وقف الجمهور تحية لهذا الرجل.

أخبرنا عما علمتك الحياة

المتحدثون الذين يتحدثون عما علمتهم الحياة لا يخفقون أبداً في جذب اهتمام مستمعيهم، وأنا أعرف من واقع خبرتي أنه ليس من السهل إقناع المتحدثين بقبول وجهة نظري هذه، إذ إنهم يتحاشون استخدام التجارب الشخصية باعتبار أنها عادية وقاصرة. لذا فهم يفضلون التحليق في عوالم الأفكار العامة، ولا مبادئ الفلسفية، حيث يندر – لسوء الحظ – الهواء الذي يتنفسه البشر العاديون، وهم يتلون على مسامعنا مقالات افتتاحية في الوقت الذي نتعطش فيه الى سماع الأخبار، وليس منا من يبغض الاستماع الى الافتتاحيات عندما يقدمها لنا رجل يمتلك الحق في تحرير افتتاحية كرئيس تحرير أو ناشر، ولكن النقطة هي: تحدث عما علمتك الحياة، وسأنصت اليك خاشعاً.

قيل إن إميرسون كان لديه الاستعداد دائماً للاستماع الى أي شخص – بغض النظر عن وضاعة منزلته الاجتماعية – لأنه كان يتعلم شيئاً من كل رجل يقابله، وقد استمتعت الى أحاديث للكبار ربما أكثر من أي رجل آخر يعيش في الدول الرأسمالية، ويمكنني أن أقول – حقاً – أنني لم أسمع أبداً حديثاً مملاً عندما يروي المتحدث ما تعلمه من تجاربه في الحياة، بغض النظر عن مدى بساطة، أو تفاهة الدرس.

دعنا نسوق مثالاً للتوضيح: منذ سنوات مضت قام أحد معلمينا بعمل دورة في الحديث العام لكبار موظفي مصارف مدينة نيويورك، والأمر الطبيعي هو انشغال وقت هذه الطائفة، فكان كثيراً ما يصعب عليهم الإعداد بالشكل الملائم، أو عمل شئ من قبيله. فطوال حياتهم، وهم يمتلكون أفكارهم الفردية، ويدعمون قناعاتهم الشخصية، ويرون الأشياء من زواياهم الخاصة، ويعيشون تجاربهم الأصلية. لقد أمضوا أربعين عاماً يعدون المادة اللازمة للأحاديث، ولكن كان يصعب بالنسبة لبعضهم تحقيق ذلك.

في يوم جمعة وجد موظف ممن يعملون في احد مصارف شماليّ المدينة – وهو السيد جاكسون – أن الساعة شارفت الرابعة والنصف، واقترب موعد الدورة، ولكن ما هو الموضوع الذي سيتكلم عنه؟ خرج من مكتبه، واشترى نسخة من مجلة فوربز ماجازين من بائع الصحف، ثم مضى الى مصرف الاحتياطي الفيدرالي حيث تعقد الدورة، وأثناء ركوبه مترو الأنفاق، قرأ مقالاً بعنوان (أمامك عشر سنوات فقط للنجاح) قرأ هذا المقال لا لاهتمامه به على وجه الخصوص، بل لأنه مضطر للحديث في موضوع ما لشغل حصته من الوقت. بعد ذلك بساعة وقف الرجل، وحاول التحدث بأسلوب مقنع وشيق عن محتويات هذا المقال.

فما كان النتيجة.. النتيجة الحتمية؟

إنه لم يستوعب، ولم يعي ما كان يحاول قوله، وعبارة (يحاول قوله) تعبر عن الموقف بدقة، فقد كان يحاول. إذ لم تكن بداخله رسالة حقيقية تبحث عن مخرج، واتضح ذلك من أسلوبه ونبرته، ولكن كيف يمكنه أن يتوقع الجمهور تأثر أكثر من تأثره هو نفسه؟ ظل يشير الى المقال، قائلاً بأن المؤلف قال كذا وكذا. كان المقال متخماً بأفكار فوربز ماجزين، ولكنه للأسف لم يحتوِ إلا على القليل من أفكار السيد جاكسون.

بعد أن أنهى الرجل كلمته قال المعلم: (أيها السيد جاكسون، إننا لسنا مهتمين بتلك الشخصية المبهمة كاتبة ذلك المقال، فهو شخص ليس موجوداً بيننا، ولا يمكننا رؤيته، إنما نحن مهتمون بك وبأفكارك، أخبرنا عما تفكر فيه أنت شخصياً، لا ما قاله شخص آخر، ضع المزيد من أفكار السيد جاكسون في هذه الكلمة، كما لا تتكلم عن الموضوع نفسه الأسبوع القادم؟ اقرأ هذا المقال مرة أخرى، واسأل نفسك هل تتفق مع كاتبه أم لا . فإذا كنت تتفق معه وضح نقاط الاتفاق بملاحظات من تجاربك الخاصة، وإن لم تتفق معه أخبرنا لماذا. دع هذا المقال يكون نقطة البداية التي تدشن منها خطبتك).

أعاد السيد جاكسون قراءة المقال، وتوصل الى أنه لا يتفق مطلقاً مع كاتبه، ففتّش في ذاكرته بحثاً عن أمثلة للتدليل على نقاط الاختلاف، وقام بتطوير أفكاره وتوسيعها بالتفاصيل المأخوذة من تجربته الخاصة كتنفيذي مصرفي وفي الاسبوع التالي عاد الينا وألقى كلمة مليئة بقناعاته الخاصة وقائمة على خلفيته الشخصية، وأعطانا بدلاً من مقال المجلة البالي ركازاً من منجمه الخاص، وعملة سكها بنفسه، وأنا أترك الأمر لك لتقرر أي الكلمتين كان له وقع أكبر على الفصل.

ابحث عن موضوعات في خلفيتك

ذات مرة طلبنا من بعض معلمينا الكتابة على قصاصة من الورق المشكلة التي يرون أنها أكبر ما يواجه المتحدثين المبتدئين، وبعد جدولة القصاصات وجدنا أن (ترك المبتدئين يتحدثون في الموضوع المناسب) هي المشكلة التي تتكرر أكثر مما يكون في الجلسات الأولى من دوراتي).

فما هو الموضوع المناسب؟ بإمكانك التيقن من اختيارك للموضوع المناسب لو عشت معه، وجعلته موضوعك، وذلك من خلال التجربة والتأمل، فكيف تجد الموضوعات؟ تجدها بالغوص في ذاكرتك، والبحث في خلفيتك عن تلك الجوانب المهمة في حياتك، والتي تركت لديك انطباعاً واضحاً. قمنا منذ عدة سنوات مضت بعمل مسح للموضوعات التي جذبت اهتمام المستمعين في فصولنا، فوجدنا أن الموضوعات التي حازت أكبر قدر من استحسان الجمهور هي المعنية بمناطق معينة من خلفية المرء، مثل:

سنوات العمر الأولى والتنشئة. الموضوعات التي تتعامل مع ذكريات الأسرة والطفولة، وأيام المدرسة تجذب الاهتمام على الدوام، لأن معظمنا يهتم بطريقة مواجهة الآخرين للعقبات، وتغلبهم عليها في البيئة التي نشأوا فيها.

دعم أحاديثك – حيثما أمكن – بالأمثلة المأخوذة من سني عمرك الأولى، وشهرة المسرحيات، والأفلام والقصص التي تصف تحديات أولى سنوات العمر تبرهن على قيمة هذه المنطقة ليستمد منها المرء مادة أحاديثه، ولكن أنّى لك التيقن من اهتمام أي شخص بما حدث لك أيام صغرك؟ هناك اختبار واحد، إذا ما كان هناك شئ يبرز بوضوح في ذاكرتك بعدما مرت عليه عدة سنوات، فذلك يضمن – تقريباً – أنه سيحظى باهتمام الجمهور.

الصراعات المبكرة لتحقيق النجاح. تحظى هذه المنطقة بالكثير من اهتمام الناس، وها أنت ثانية تستطيع جذب اهتمامهم بأن تقص عليهم محاولاتك الأولى لتحقيق النجاح في الحياة. كيف حصلت على وظيفة، أو دخلت مهنة بعينها؟ ما هو التحول المفاجئ في الظروف الذي جعلك تسلك هذا المسلك المهني؟ أخبرنا عن انتكاساتك، وآمالك، وانتصاراتك وأن تثبت أقدامك في العالم التنافسي، وتعتبر الصورة الواقعية لحياة المرء موضوعاً لمضمون النجاح – تقريباً – إذا ما رُويت بلا غرور.

الهوايات والترفيه. تنبني موضوعات هذه المساحة على الاختيار الشخصي، وما دامت كذلك، فهي موضوعات تجذب الانتباه، بالإضافة الى أنك لن تخطئ عندما تتحدث عن شئ تمارسه من باب المتعة المحضة، وسوف يساعدك حماسك الطبيعي لهوايتك على التعبير عن هذا الموضوع لأي جمهور.

المناطق المعرفية الخاصة. سنوات العمل الطويلة في مجال واحد تجعلك خبيراً في تخصصك، ويمكنك التيقن من جذب الانتباه المتسم بالاحترام إذا ناقشت جوانب وظيفتك، أو مهنتك بناء على سنوات الخبرة أو الدراسة.

التجارب غير العادية. هل سبق أن قابلت رجلاً عظيماً؟ هل أطلقت عليك النيران في الحرب؟ هل مررت بأزمة روحية في حياتك؟ كل هذه تجارب تصلح تماماً كمادة لكلمتك.

المعتقدات والقناعات. لعلك كرّست قدراً كبيراً من الوقت، والجهد في التفكير في وضعك بالنسبة للموضوعات الحيوية التي تواجه العالم اليوم. وإذا كرست ساعات كثرة لدراسة القضايا الهامة، فأنت تمتلك الحق في الحديث عنها، ولكن عندما تفعل ذلك تأكد من ذكر أمثلة معينة لقناعاتك، فالجماهير لا تستسيغ كلمة مليئة بالتعميمات، ومن فضلك لا تعتبر القراءة العارضة لبعض المقالات الصحفية إعداداً كافياً للحديث عن هذه الموضوعات، وإذا كانت معرفتك بموضوع ما تفوق قليلاً معرفة الجمهور به فمن الأفضل تجنبه. من ناحية أخرى، فإذا كرست سنوات لدراسة موضوع ما، فهو بلا شك يناسبك تماماً، وعليك أن تستخدمه مهما تكلف الأمر.

...ان إعداد الكلمة لا يتمثل فحسب في تدوين بعض الكلمات على الورق بلا تفكير، أو استظهار مجموعة من الجمل، ولا يكمن في نقل بعض الأفكار التي تخص شخصاً آخر من مقال صحفي، أو كتاب قرأته في عجالة سريعة، ولكنه يتضح في الغوص بعمق في عقلك، وقلبك وإخراج بعض من القناعات الأساسية التي اختزنتها الحياة هناك، ولا تشك أبداً في وجود المادة فيها، فهي موجودة فعلاً ، وبكميات وفيرة وتنتظر أن تكتشفها !. لا ترفض مزدرياً تلك المادة بحجة أنها شخصية للغاية، أو تافهة لا يسمعها الجمهور.

لقد استمتعت كثيراً وتأثرت بعمق بهذه الأحاديث، أكثر من استمتاعي، وتأثري بكثير من المتحدثين المحترفين.

وأنت لن تستطيع تلبية المطلب الثاني لتعلم الحديث العام بسرعة وسهولة إلا إذا تحدثت عن شئ تمتلك حق الحديث عنه. وإليك هذا المطلب.

ثانياً: تأكد أن الموضوع يثيرك

ليست كل الموضوعات التي يمتلك حق الحديث عنها تجعلنا نشعر بالإثارة، فنظراً لأني أؤمن بمبدأ افعل الشئ بنفسك – على سبيل المثال، وأنا مؤهل يقيناً للحديث عن غسيل الأطباق، ولكن هذا الموضوع لا يثيرني بشكل أو بآخر، والحقيقة أنني لا أحبذ ذكره مطلقاً، رغم أني سمعت ربات بيوت – أقصد تنفيذيات منزليات – يلقين كلمات رائعة عن نفس هذا الموضع. لقد آثرن في أنفسهم فورة من النقمة على المهمة الأبدية لغسيل الأطباق، أو طورن طرقاً بارعة لتجنب هذه المهمة الروتينية البغيضة، وكنتيجة لذلك، فقد أصبحن قادرات على التحدث بفاعلية عن هذا الموضوع الخاص بغسيل الأطباق.

ها هو سؤال سيساعدك على تحديد مدى مناسبة الموضوعات التي تشعر بتأهيلك لمناقشتها على الملأ: لو وقف شخص، وعارض وجهة نظرك بشكل مباشر، فهل ستضطر الى التحدث باقتناع وجدية دفاعاً عن موقفك؟ إذا كنت ستفعل، فأنت لديك الموضوع الذي يناسبك. وقعت يدي مؤخراً على بعض الملاحظات التي دونتها في 1926، بعد أن زرت الدورة السابعة لعصبة الأمم في جينيف بسويسرا، واليك فقرة منها: (بعد أن قام ثلاثة، أو أربعة من المتحدثين فاقدي الروح بقراءة نصوصهم، اعتلى المنصة ممثل كندا السير جورج فوستر، وشعرت بسعادة غامرة عندما لاحظت أنه لا يحمل أوراقاً، أو مذكرات من أية نوع، ظل يومئ بشكل دائم تقريباً، وكان متحمساً لما يقول. ولديه شئ يرغب بشدة في التعبير عنه. كان يحاول جاداً أن ينقل للجمهور معتقدات يجلها في قلبه، وأصبحت جديته واضحة كوضوح بحيرة جينيف عبر النافذة. لقد صورت تلك الكلمة بأسلوب جميل. المبادئ التي أؤديها في دوراتي التعليمية).

وغالباً ما استرجع الكلمة التي ألقاها السير جورج، فقد كان صادقاً وجاداً، ولم يكن لهذا الصدق أن يتجلى بدون اختيار الموضوعات التي أحس بها القلب، ودرسها العقل. أما الأسقف فولتون جيه. شين – الذي يعد واحداً من أنشط خطباء أمريكا، وأكثرهم فاعلية – فقد تعلم هذا الدرس في وقت مبكر من حياته.

أورد شين في كتابه الحياة جديرة بأن نحياها قائلاً: (تم اختياري عضواً في فريق المناظرات في الكلية، وفي الليلة السابقة لمناظرة نوتردام، استدعاني أستاذ المناظرة الى مكتبه وعنفني.

(أنت سيء للغاية، ولم تشهد الكلية في تاريخها من هو أسوأ منك في الخطابة).

(أجبت محاولاً تبرير موقفي: (حسناً، إذا ما كنت على هذه الدرجة من السوء، فلمَ اخترتني عضواً في الفريق؟).

(أجاب قائلاً: (لأنك تستطيع التفكير، لا لأنك تستطيع الحديث، اقبع في ذلك الركن، وهذه فقرة من كلمتك ادرسها بعناية) أخذت أردد إحدى الفقرات مرات، ومرات لمدة ساعة، وفي النهاية قال: (هل ترى أي خطأ في ذلك؟) قلت (لا) من جديد: مرت ساعة ونصف، ساعتان، ساعتان ونصف، وفي نهايتها أصابني الإرهاق، وعندئذ قال الأستاذ: (ألم تر الخطأ بعد؟).

(ولأنني ذكي بطبيعتي، وبعد أن أمضيت ساعتين ونصف من العناء، فقد بدأت أفهم. وقلت: (نعم، أنا لست بصادق، أنا لست نفسي، أنا لا أتحدث كما لو كنت أعني ما أقول).

عند هذه النقطة تعلم الأسقف شين درساً ظل يذكره دائماً وهو: أن يجعل كلامه معبراً عن نفسه، فأصبح موضوعه يشعره بالإثارة، وعندئذ فقط قال الأستاذ الحكيم: (أنت الآن جاهز للتحدث!).

وعندما يقول أحد طلاب دوراتي: (ليس هناك شئ يثيرني، وإذن فأنا أحيا حياة رتيبة)، فإن معلمينا مدربون على سؤاله عما يفعله في وقت الفراغ، واحد منهم يذهب الى السينما، وآخر يلعب البولينج، وثالث يزرع الورد، وأحد الرجال أخبر معلمه أنه يقوم بجمع أمشاط الثقاب، وعندما سأله المعلم عن هذه الهواية الغريبة، بدأ الرجل يشعر بالإثارة تدريجياً، وسرعان ما كان يستخدم الإشارات وهو يصف الصناديق التي يحتفظ فيها بمجموعاته، وأخبر معلمه أن لديه أمشاط ثقاب من كل بلدان العالم تقريباً، وعندما أصبح الرجل مثاراً تجاه موضوعه المفضل، أوقفه المعلم قائلاً: (لما لا تحدثنا عن هذا الموضوع؟ إنني أراه رائعاً) فقال الرجل أنه ظن عدم اهتمام أحد به! ها هو رجل أمضى سنوات من عمره يمارس هواية هو مولع بها، ورغم ذلك فهو يشك في قيمتها كموضوع يتحدث عنه. طمأن المعلم هذا الرجل بأن الطريق الوحيد لقياس أهمية موضوع ما هو أن تسأل نفسك عن مدى اهتمامك به، فتحدث الرجل تلك الليلة بحماس هاوٍ جمع الأشياء، وسمعت في وقت لاحق أنه لاقى قدراً معيّناً من التقدير المحلى بالذهاب الى العديد من النوادي، والحديث عن جمع أمشاط الثقاب.

يقودنا هذا المثال مباشرة الى المبدأ الإرشادي الثالث لمن يبحثون عن طريقة سريعة وسهلة لتعلم الحديث العام.

ثالثاً: كن تواقاً الى إشراك مستمعيك في كلمتك

يحتوي كل موقف تحدثي على ثلاثة عوامل: المتحدث، والكلمة أو الرسالة، والجمهور، وقد تناولت القاعدتان الأوليان في هذا الفصل العلاقات المتبادلة بين المتحدث والكلمة، ولكن حتى هذه النقطة لا يوجد موقف تحدثي، وهو لن يخرج الى الحياة إلا عندما يتلو المتحدث كلمته على مسامع جمهور حيّ، وقد يكون الحديث جيد الإعداد، وربما يتعلق بموضوع يثير المتحدث، ولكن لابد من إدخال عامل آخر في إلقاء الكلمة كي يكتمل النجاح، لابد للمتحدث من إشعار مستمعيه بأهمية ما سيقوله لهم، ولا يكفي أن يجد المتحدث إثارة في الموضوع، بل لابد أن يكون متحمساً لنقل إثارته الى مستمعيه. كل المتحدثين المشهورين في عالم الفصاحة كانوا يتحلون بصفة بارزة، ألا وهي القدرة على الإقناع، أو الحماسة، سمّها كما تشاء والمتحدث الفعال يرغب بشدة في أن يشعر مستمعوه بما يشعر، وأن يتفقوا مع وجهة نظره، وأن يفعلوا ما يراه صواباً بالنسبة لهم، وأن يستمتعوا بتجربته، ويعيشونها معه ثانية، فهو متمركز حول الجمهور لا حول نفسه، ويعرف نجاح كلمته، أو فشلها شئ لا يقرره هو، بل ستقرره عقول المستمعين، وقلوبهم.

قمت بتدريب عدد من رجال فرع المعهد الأمريكي للصرافة بمدينة نيويورك على الحديث أثناء حملة لترشيد الإنفاق. أحد الرجال على وجه الخصوص لم يفهمه الجمهور، كانت الخطوة الأولى في طريق مساعدة ذلك الرجل هي إشعال الحماس في قلبه وعقله تجاه موضوعه.

أخبرته أن يمضي لحاله، ويفكر في هذا الموضوع حتى يصبح متحمساً له، وطلبت منه أن يتذكر بأن سجلات محكمة الإشهاد بنيويورك تشير الى أن أكثر من 85% من الناس لا يتركون شيئاً بعد موتهم، وأن نسبة 3,3% فحسب تترك 10% من آلاف الدولارات أو أكثر. كان عليه أن يضع في ذهنه دائماً أن لا يطالب الناس بأن يسدوا إليه معروفاً، أو يفعلوا له شيئاً لا يطيقونه. كان عليه أن يقول لنفسه: (إنني أعد هؤلاء الناس ليحصلوا على اللحم، والخبز والكساء، والراحة في شيخوختهم، وليتركوا أزواجهم، وأطفالهم آمنين). كان عليه أن يتذكر أنه ماض لأداء خدمة اجتماعية جليلة. بإيجاز ينبغي عليه أن يكون محارباً يفيض بالحماس.

فكر الرجل ملياً في هذه الحقائق، ودرسها في عقله، وأثار اهتمام نفسه، وأرقد حماسته وأصبح يشعر بأنه صاحب رسالة حقيقية، وعندما مضى ليلقي حديثه أصبح هناك رنين في كلماته التي تحمل الاقتناع في طياتها، فجعل مستمعيه يحبون فوائد الاقتصاد، لأنه كان يتوق بشدة الى مساعدة الناس، وهو بذلك لم يعد مجرد متحدث مسلح بالحقائق، بل كان واعظاً يناصر قضية جديرة.

ذات مرة اعتمدت في مسلكي المهني بشكل كبير على القواعد المذكورة في كتب الخطابة، وبهذا الفعل كنت أعكس فحسب بعضاً من العادات السيئة التي غرسها بداخلي المدرسون الذين لم يقلعوا عن اتباع الأساليب المتكلفة لفن الخطابة.

إنني لن انسى أبداً أول دروسي في الخطابة، فقد علموني أن اترك ذراعي يتدلى مرتخياً الى جانبي، وباطن كفي الى الخلف، وأصابعي نصف مغلقة وإبهامي يلمس ساقي، وتم تدريبي على رفع الذراع عالياً في منحنى بهيّ الصورة، وأن أدير رسغي دائرة رائعة، ثم أبسط السبابة أولاً، يتلوه الإصبع الثاني، وأخيراً الخنصر، وعند إتمام الحركة الجمالية، كان الذراع يعود في نفس المنحني ويستقر بجانب الساق. كان الأداء بأكمله متكلفاً، وعديم الحيوية، ولم يكن فيه شئ معقول أو صادق.

لم يقم معلمي بأية محاولة ليجعلني أضفي شخصيتي على حديثي، ولا ليجعلني أتحدث كإنسان حي طبيعي أحادث جمهوري بأسلوب نشط.

قارن بين هذا المنهج الميكانيكي للتدريب على الحديث، وبين الثلاث قواعد الأساسية التي ناقشناها في هذا الفصل، والتي تعتبر أساس منهجي للتدريب على الحديث الفعال.




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.