أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-3-2016
3782
التاريخ: 4-9-2019
1955
التاريخ: 16-3-2016
4855
التاريخ: 26-4-2017
3670
|
تهدف العملية القضائية التي يجريها القاضي الجنائي التوصل إلى الحقيقة الواقعية، فكل نشاط أو جهد ذهني يبذله القاضي خلال هذه العملية ينبغي من ورائه الوقوف على الوقائع كما حدثت، فإذا استقرت لديه تلك الحقيقة وارتاح ضميره للصورة الذهنية التي تكونت له يمكننا القول أن القاضي وصل إلى حالة الاقتناع(1) وبما أن حرية القاضي الجنائي تعني أن القاضي هو الذي يقدر بحرية قيمة الأدلة المطروحة أمامه على حسب اقتناعه الشخصي، دون أن يملي عليه المشرع وجهة معينة يلزمه بإتباع وسائل محددة للكشف عن الحقيقة كقاعدة عامة، فليس معنى ذلك أن القاضي يؤسس اقتناعه بناء على عواطفه وتخميناته وتصوراته الشخصية، وإنما يجب أن يتحدد هذا الاقتناع بشروط وضمانات معينة، تضمن حق المتهم من ناحية، وتمنع تحكم هذا المبدأ من ناحية أخرى(2)
أولا: أن يكون اقتناع القاضي مبنيا على الجزم واليقين.
لكي تكون قناعة القاضي سليمة في تقديرها للأدلة، يجب أن تكون النتيجة التي توصل إليها تتفق مع العقل والمنطق، وتكون مطابقة للنموذج المنصوص عليه في القانون وهو ما يطلق عليه بالحقيقة القضائية، والتي يشترط فيها أن تتفق مع الحقيقة الواقعية(3). فحرية القاضي الجنائي أن لا يبنى حكمه على مجرد الظن والتخمين بل يجب التأكد، وبشكل جازم مبني على اليقين بأن المتهم الماثل أمامه هو من قام بارتكاب الفعل المجرم، فالحقيقة لا يمكن توافرها إلا باليقين لا مجرد الظن والاحتمال.(4) باعتبار أن هذا الشرط- أن تبني الأحكام على الجزم واليقين- ما هو إلا نتيجة مترتبة ومنطقية على قاعدة الأصل في الإنسان البراءة. فالأحكام الصادرة بالبراءة يجب ألا تبقى إلا على حجج قطيعة الثبوت تفيد الجزم واليقين فإذا ما ثار في نفس القاضي نوع من الشك وجب عليه أن يفسره لمصلحة المتهم(5) .فالدليل اليقيني هو الذي يجسد حقيقة الواقعة أمام المحكمة تأكيدا لا يداخلها في حقيقته شك، فتقتنع بحدوث الواقعة كما دل عليها الدليل(6) والجدير بالذكر في هذا المقام أن اليقين المطلوب ليس اليقين الشخصي فحسب، الذي يتكون وجد أن القاضي وما يطمئن إليه وما يرتاح إليه ضميره، بل يجب توفر اليقين القضائي الذي يفرض نفسه على القاضي وعلى كافة من يتطلعون بالعقل والمنطق إلى أدلة الدعوى، بحيث لا يكون عمل القاضي ابتاعا للوقائع وانتزاعا من الخيال(7) وفي الحقيقة إن ما أحدثه العلم من تطور في مجالات الإثبات له أثره الواضح في تقريب الحقيقة القضائية من الحقيقة الواقعية، وفي ذلك يقول احد القضاة الأمريكيين أنه في الماضي كانت المحاكم تعتمد على شهادة الإنسان فقط، ولكن جاء العلم الحديث بالمساعدات الجديدة كالمجهر، والكهرباء، وأشعة رونتجن، وغيرها من الوسائل العلمية، مما أدى إلى قلب مهمة المحكمة إلى نظام يوصلنا بدقة إلى الحقيقة، وذلك من خلال الأجهزة العلمية، هذه الأخيرة التي لا تتعارض على ما استقر عليه العمل في الأخذ بنظام الإثبات الحر الداعي لأن يكون القاضي عقيدته بكامل حرية، باعتبار أن الاستعانة بالدليل العلمي لا تتعدى كونها نوعا من التوسع في مجال الاستفادة من القرائن العلمية، والتي يجب إدخالها تحت إطار العمل بالسلطة التقديرية للقاضي، خاصة وان الفصل في الدعوى قد يثير المساس ببعض الضمانات اللصيقة بحماية الحرية الفردية والكرامة الإنسانية، التي لا يحسن تقديرها غير القاضي(8).
ثانيا: أن يفسر الشك لمصلحة المتهم.
بالرغم من أن الدليل العلمي قد أحدث تطورا هائلا في مجال الإثبات الجنائي مما يجعله مقبولا أمام المحكمة، إلا أنه قد يوجد في الدعوى ما يجعل القاضي يقتنع ولو احتمالا يدعو إلى الشك، بأن شخصا آخر قد ارتكب الجريمة. ولذلك فإنه يجب على القاضي أن يقتنع اقتناعا يقينيا بارتكاب المتهم للتهمة، فإذا لم يقتنع وثار لديه نوع من الشك، وجب عليه أن يقض ببراءته تطبيقا لقاعدة أن الشك يفسر لمصلحة المتهم(9) ومن المعروف قانونيا أنه يكفي سلامة الحكم بالبراءة أن يشكك القاضي في مرحلة إسناد التهمة إلى المتهم، إلا أن محكمة النقص الفرنسية لا تأخذ بمبدأ أن الشك يفسر لمصلحة المتهم إلا في نطاق ضيق، فالشك في الأدلة لا يكفي وحده لتبرئة المتهم،بل يجب أن يستند هذا الشك على أدلة قاطعة(10) في حين نجد أن المشرع الجزائري بالرغم من أنه لم ينص في قانون الإجراءات الجزائية على هذا المبدأ وكيفية تطبيقه العملي، إلا أن قضاء المحكمة العليا استقر على أنه :"إذا لم تتوصل الجهة القضائية من خلال الأدلة المجتمعة لديها إلى اليقين، أي يقين بإسناد التهمة إلى المتهم المسائل أمامها، فأنه يتعين عليها إن تقض بالبراءة"(11)
ثالثا- تسبب الأحكام : من المقرر أن للقاضي الجنائي السيادة التامة في تكوين اقتناعه أي أنه حر في أن يستمد عقيدته من أي مصدر يطمئن إليه ضميره ما دام مطروح على بساط البحث في الجلسة. فالقاضي لا يكون ملزما بتسبيب اقتناعه وبيان العناصر التي كونت هذا الاقتناع، إذا أنه يكتفي بإعلانه لاقتناعه بصدق الدليل أو عدم صدقه، والجدير بالذكر في هذا المقام أن إعفاء القاضي من تسبب اقتناعه، لا يعفيه من تسبب أحكامه، فتسبب الاقتناع يتطلب بيان تفاصيل تقدير القاضي للأدلة وتحديد مدى تأثير كل منها على ضميره، وتحليل الطريقة التي كون بها اقتناعه، أما تسبيب الأحكام فهو إثبات وجود الواقعة الإجرامية(12) وهذا ما استقر عليه قضاة المحكمة العليا :" أن قناعة القضاة مشروطة بضرورة تسبيب قرارهم دون تناقض مع العناصر الموجودة بملف الدعوى والمناقشات التي دارت حولها أمامهم"(13) وهو كذلك ما نصت عليه المادة 379 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، لذلك يجب أن يشمل حكم القاضي الصادر بالإدانة أو البراءة على جميع الأسباب التي نبني عليها الحكم كما يجب أن يشمل ظروف كل واقعة والعقوبة الواجبة وكذلك نص القانون الذي حكم على ضوئه القاضي إذا كان صادر بالإدانة(14) لذلك فإن القاضي ملزم بذكر الأدلة التي اعتمد عليها وكانت مصدرا لاقتناعه، ولكنه غير ملزم بتحديد علة إقناعه لهذه الأدلة، فهو ملزم بإثبات بما اقتنع، ولكنه غير ملتزم بتحديد لماذا اقتنع، باعتبار ذلك يدخل في نطاق سلطته التقديرية، ولذلك لا يكفي مجرد الإشارة إلى الأدلة التي استند إليها القاضي في حكمه بل يجب سرد مضمونها بطريقة واقعية بين مدى تأييده للواقعة التي اقتنع بها(15) والواقع أن استخدام الوسائل العلمية والتقنية في ارتكاب الجريمة أو الكشف عن ملابساتها أضاف على عاتق القاضي عبئا ألزمه التأني في عدم إصدار أحكامه جزافا، كما ألزمه تبيين أسباب اتخاذ الحكم وعلة صدوره، لأن في ذلك ضمانة أساسية استلزمها القانون للعدالة الجنائية. والجدير بالذكر هنا أن تخلف مثل هذا الإجراء من شأنه أن يعرض حكم القاضي إلى الطعن فيه بالنقض أمام محكمة القانون، وهو ما نصت عليه المادة 500/4 من قانون الإجراءات الجزائية.(16) وبما أن تسبب الأحكام يعتبر وسيلة تدفع القاضي إلى الدقة والحرص في تقدير الأدلة تقديرا يتماشى مع قواعد العقل والمنطق لهذا فالتسبب الذي يجريه القاضي نجده يتضمن جانبين:
الأول: أن يعرض القاضي في حكمه جميع الأسباب الواقعية والقانونية التي قادته إلى إصدار حكمه.
الثاني: أن تعبر هذه الأسباب عن العملية العقلية التي وصل بها القاضي لنتيجة معينة(17)
___________________
1- كريم بن عادة بن غطاي العنزي، الاقتناع الذاتي للقاضي الجنائي بين الشريعة والقانون مع التطبيق في المملكة العربية السعودية، أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2003 ، ص 34
2- محمد عيد الغريب، حرية القاضي الجنائي في الاقتناع اليقيني وأثره في تسبب الأحكام الجنائية، دون طبعة، الناشر دار النهضة العربية، القاهرة، 2008 ، ص 129
3- العربي شحط عبد القادر، نبيل صقر، الإثبات في المواد الجزائية في ضوء الفقه والاجتهاد القضائي، دون الطبعة، دار الهدى للطباعة والنشر، عين مليلة، الجزائر، 2006 ، ص 34
4- محمد ناجي عبد الحكيم هاشم، الإثبات الجنائي ومدى حرية القاضي في تكوين عقيدته، مجلة المحاماة، دار الطباعة الحديثة، العددان التاسع والعاشر، 1991 ، ص 146
5- رمزي، رياض عوض، سلطة القاضي الجنائي في تقدير الأدلة، دون طبعة، النشر دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص 32 .
6- إيمان محمد علي الجابري، يقين القاضي الجنائي، دون طبعة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2005 ، ص 296
7- محمد عيد الغريب، المرجع السابق، ص 130.
8- أحمد حبيب السماك، نظام الإثبات في الشريعة والقانون الوضعي، مجلة الحقوق، الصادرة عن مجلس النشر العلمي، جامعة الكويت، العدد الثاني، 1997، ص 152 .
9- مروك نصر الدين، محاضرات في الإثبات الجنائي، الجزء الأول، دار هومة، الجزائر، 2003 ، ص609.
10- مروك نصر الدين، المرجع نفسه، ص 517 .
11- مروك نصر الدين، المرجع نفسه، ص 612 .
12- مروك نصر الدين، المرجع السابق، ص 634 .
13- مروك نصر الدين، المرجع نفسه، ص 514
14- أغليس بوزيد، تلازم مبدأ الإثبات الحر بالإقناع الذاتي للقاضي الجزائي، دون طبعة دار الهدى للطباعة، عين مليلة الجزائر، 2010 ، ص 125 .
15- محمد عيد الغريب، المرجع السابق، ص 136 .
16- اغليس بوزيد، المرجع السابق، ص 126
17- فاضل زيدان محمد، سلطة القاضي الجنائي من تقدير الأدلة الجنائية، الطبعة الثالثة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2010 ، ص 337
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|