أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-3-2016
3806
التاريخ: 22-11-2017
3296
التاريخ: 25-3-2016
3776
التاريخ: 20-3-2016
3507
|
نعم، كانت هناك ندحة عن الخروج لو كان يزيد في الخلافة رضى المسلمين من العقل والخلق وسلامة التدبير وعزة الموئل والدولة، وكان المسلمون قد توافَوْا على اختياره لحبهم إياه، وتعظيمهم لعقله وخلقه، واطمئنانهم إلى سياسته، واعتمادهم على صلاحه وإصلاحه.
ولكنه على نقيض ذلك، كان كما علمنا رجلًا هازلًا في أحوج الدول إلى الجد، لا يُرجى له صلاح ولا يرجى منه إصلاح. وكان اختياره لولاية العهد مساومة مكشوفة، قبض كل مساهم فيها ثمن رضاه ومعونته جهرة وعلانية من المال أو الولاية أو المصانعة، ولو قبضوا مثل هذا الثمن ليبايعوا وليٍّا للعهد شرٍّا من يزيد لما همَّهم أن يبايعوه وإن تعطلت حدود الدِّين وتقَّوضت معالم الأخلاق.
وأعجب شيء أن يطلب إلى الحسين بن علي أن يبايع مثل هذا الرجل ويزكيه أمام المسلمين، ويشهد له عندهم أنه نعم الخليفة المأمول، صاحب الحق في الخلافة وصاحب القدرة عليه. ولا مناص للحسين من خصلتين: هذه، أو الخروج! لأنهم لن يتركوه بمعزل عن الأمر لا له ولا عليه.
إن بعض المؤرخين من المستشرقين وضعاف الفهم من الشرقيين ينسَوْن هذه الحقيقة ولا يولونها نصيبها من الرجحان في كف الميزان.
وكان خليقًا بهؤلاء أن يذكروا أن مسألة العقيدة الدينية في نفس الحسين لم تكن مسألة مزاج أو مساومة، وأنه كان رجلًا يؤمن أقوى الإيمان بأحكام الإسلام، ويعتقد أشد الاعتقاد أن تعطيل حدود الدين هو أكبر بلاء يحيق به وبأهله وبالأمة العربية قاطبة في حاضرها ومصيرها؛ لأنه مسلم ولأنه سبط محمد، فمن كان إسلامه هداية
نفس فالإسلام عند الحسين هداية نفس وشرف بيت.
وقد لبث بنو أمية بعد مصرعه ستين سنة يسبُّونه ويسبون أباه على المنابر، ولم يجسر أحد منهم قط على المساس بورعه وتقواه ورعايته لأحكام الدين في أصغر صغيرة يباشرها المرء سرٍّا أو علانية، وحاولوا أن يعيبوه بشيء غير خروجه على دولتهم فقصرت ألسنتهم وألسنة الصنائع والأجُرَاء دون ذلك. فكيف يواجه مثل هذا الرجل خطرًا على الدين في رأس الدولة وعرش الخلافة مواجهة الهوادة والمشايعة والتأمين؟ وكيف يُسام
أن يرشح للإمامة من لا شفاعة له ولا كفاية فيه إلا أنه ابن أبيه؟
لقد كان أبوه معاوية على كفاءة ووقار وحنكة ودراية بشئون الملك والرئاسة، وكان له مع هذا نصحاء ومشيرون أولو براعة وأحلام تكبح من السلطان ما جمح وتقيم ما انحرف وتملي له فيما عجز عنه، وهذا ابنه القائم في مقامه لا كفاءة ولا وقار ولا نصحاء ولا مشيرون، إلا من كان عونًا على شرٍّ أو موافقًا على ضلالة. فما عسى أن تكون الشهادة له بالصلاح للإمامة إلا تغريرًا بالناس وقناعة بالسلامة أو الأجر المبذول على هذا التغرير؟
ثم هي خطوة لا رجعة بعدها إذا أقدم عليها الحسين بما أُثِرَ عنه من الوفاء وصدق السريرة. فإذا بايع يزيد فقد وفى له بقية حياته كما وفى لمعاوية بما عاهده عليه، ولا سيما حين يبايع يزيد على علم بكل نقيصة فيه قد يتعلل بها المتعلِّل لنقض البيعة وانتحال أسباب الخروج.
فمُلك يزيد لم يقُم على شيء واحد يرضاه الحسين لدينه أو لشرفه أو للأمة الإسلامية، ومن طلب منه أن ينصر هذا المُلك فإنما يطلب منه أن ينصر مُلكًا ينكر كل دعواه، ولا يحمد له حالة من الأحوال، ولا تنسَ بعد هذا كله أن هذا الملك كان يقرر دعائمه في أذهان الناس بالغض من الحسين في سمعة أبيه وكرامة شيعته ومريديه.
فكانوا يسبون عليٍّا على المنابر وينعتونه بالكذب والمروق والعصيان، وكانوا يتحرون أنصاره حيث كانوا فيقهرونهم على سبه والنيل منه بمشهد من الناس، وإلا أصابهم العنت والعذاب، وشهروا في الأسواق بالصلب والهوان. فمجاراة هذه الأمور كلها في مفتتح مُلك جديد معناه أنها سُنَّةٌ قد وجبت واستقرت الجيل بعد الجيل بغير أمل في التغيير والتبديل. فمن أَقَرَّ هذه السنة في مفتتح هذا المُلك الجديد فقد ضعف أمله، وضعف أمل أنصاره فيه يومًا بعد يوم، وازداد مع الزمن ضعفًا كما ازدادت حجة خصومه قوة عليه.
هذه هي البواعث النفسية التي كانت تجيش في صدر الحسين يوم دعاه أولياء بن أمية إلى مبايعة يزيد والنزول عن كل حق له ولأبنائه ولأسرته في إمامة المسلمين، كائنًا من كان القائم بالأمر وبالغًا ما بلغ من قلة الصلاح وبطلان الحجة. وهي بواعث لا تثنيه عن الخروج، ولا تزال تُلِحُّ عليه في اتخاذ طريق واحد من طريقين لا معدل عنهما، وهما الخروج إن كان لابد خارجًا في وقت من الأوقات، أو التسليم بما ليست ترضاه له مروءة ولا يرضاه له إيمان.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|