المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9100 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

الميزان في تفسير القرآن : تفسير أدبي اجتماعي
16-10-2014
البيت البلاستيكي المتنقل
31-5-2017
ملاحظات على طريق تهذيب الروح
15-4-2016
Fredholm Integral Equation of the First Kind
30-12-2018
تشريع القبلة في الإسلام
8-10-2014
يحيى بن محمّد الزُباري
28-8-2016


خليل ألرحمن وخليل الإنسان  
  
3564   05:30 مساءً   التاريخ: 7-11-2017
المؤلف : عباس محمود العقاد .
الكتاب أو المصدر : ابراهيم ابو الانبياء
الجزء والصفحة : ص4-15.
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / أسرة النبي (صلى الله عليه وآله) / آبائه /

في العالم اليوم أكثر من ألف مليون إنسان يدينون بالموسوية والمسيحية والاسلام، وهي الأديان التي جاء بها موسى وعيسى ومحمد (عليهم السلام)، وهم الأنبياء الثلاثة الكبار الذين ينتمون جميعا إلى الخليل إبراهيم ... لا جرم 1 يسمى خليل الرحمن.
ولا جرم تتجمع الجهود كلها للبحث عن تاريخه المجهول في أغوار الأرض، فإن علم الأحافير لم ينحصر في البحث عن تاريخ أحد قط كما انحصر في البحث عن تاريخ أبي الأنبياء، وما تجردت البعوث إلى العراق وفلسطين ومصر لسؤال الأرض عن مكنون من أسرارها، كذلك السر المكنون الذي ينطوي عل أعمق أسرار الروح والضمري.
قال منقب من أولئك المنقبين الذين عرفوا باسم الحفريين: إن الناس قد بدءوا بالحفر في الآثار طلبا للذهب ولقايا الحني والجوهر، ثم عرف الناس شيئا أنفس من تلك المعادن يبحثون عنه ويتهافتون على استخراجه وتحصيله؛ وهو التاريخ المقدس، أو تاريخ المعاني العليا التي ترتفع به إلى السماء، ولها مستودع في جوف الرغام٢.
وكل شيء يغليه الإنسان يحفزه إلى ذلك السر الذي تقاسمته الأرض والسماء.
فإلى جانب البحث عن أصول العقائد يبحث المنقبون في تاريخ الخليل عن فتوح لا نظير لها في تاريخ الإنسان.
وقد أكثر المؤرخون من القول في أنباء الفتوح التي غيرت مجرى التاريخ، أو غريت علاقة الإنسان كله بالعالم الذي يحيط به ويحتويه.
ولكن المؤرخين لا يستطيعون أن يذكروا فتئا من تلك الفتوح أعظم عملا، وأبقى أثرا في تاريخ الإنسان، من تلك الفتوح التي اقترنت بدعوة الخليل.
إن دعوة الخليل قد اقرنت بالتوحيد، واقرنت بميزان العدل الإلهي، واقترنت بإعلاء العبادة إلى ما فوق الطبيعة والجثمان.
وهذه هي الفتوح التي لا نظير لها فيما تحدث عنه المؤرخون من فتوح الحياة الإنسانية منذ أقدم عصورها إلى العصر الحديث.
لا نظير لها فيما فتحه الإنسان من هذا العالم حين سخر النار، أو سخر الحيوان، أو سخر الكهرباء، أو سخر الذرة عل جلالة فعلها وضآلة قدرها، وهي أقوى المسخرات فيما عرفه إلى اليوم.
هذه فتوح فيما يملكه الإنسان.
أما تلك الفتوح ففيها ملاك الإنسان كله، فيما يعلمه وما لا يعلمه، وفيما يبديه وفيما يخفيه.
تلك فتوح غريت عالم الإنسان الظاهر وعالمه الباطن، وليس قصارى الأمر فيها أنها عبادة جديدة أفضل من عبادات سبقتها، وإن كانت العبادة الفضلى غنماً يغليه من يقتنيه، ويفديه بكل ما يعيه وما لا يعيه.
كلا ... بل هي عبادة فضل، وفكر فاضل، ونظر جديد إلى الكون وإلى الإنسان وبني نوعه في وحدته وفي اجتماعه.
وهي فتوح تصحح مقاييس الفكر وتبدل علاقة الإنسان بنفسه وبدنياه، وتحسب من أجل ذلك في سجلات العالم، ورياضات الخلق، وقوانين الاجتماع.
إن حقائق الكون الكبرى لن تنكشف لعقل ينظر إلى الكون كأنه أشتات مفرقة بين الأرباب، يتسلط عليها هذا بإرادة، ويتسلط عليها غريه بإرادة تنقضها وتمضي بها إلى وجهة غري وجهتها، فلم يكن التوحيد عبادة أفضل من عبادات الثرك وكفى؛ بل هو علم أصح، ونظر أصوب، ومقياس لقوانين الطبيعة أدق وأوفى، ومن هنا صدرت كل فكرة عظيمة عن الكون من عقل فيلسوف مؤمن بالوحدانية، وإن لم تبلغه دعوة الأنبياء.
أما ميزان العدل الإلهي فهو الذي أقام المساواة بين الناس عل دعامتها الراسخة، وكل ما عداها من دعامة فإنما هي دعائم القوة ممن يقدر عليها، سواء اقتدر عليها بسطوته الباطشة، أو بتأليب الطوائف والجماعات، وما كان للعدل بين الناس من سبيل وهم يقيسون بعضهم إلى بعض، ويطلبون المساواة بين أقوى الأقوياء منهم وأضعف الضعفاء.
فإذا ارتفع الميزان إلى اليد الإلهية، فهذا القوي مهما يبلغ من القوة، وذلك الضعيف مهما يبلغ من الضعف ندَّان٣ متساويان، ومخلوقان أمام خالق واحد، ما زاد من قوة أحدهما فهو من عطاء ذلك الخالق، وما نقص من قوة الآخر فهو من قضائه، ومن دواعي رحمته وبلائه، وإليه المرجع في حسابه أو جزائه، فلا يدخله أحد في حساب غري ذلك الحساب، ولا يعرضه أحد عل ميزان غري ذلك الميزان.
وقد ارتفع الإنسان كله حين رفع عبادته من الطبيعة إلى ما فوق الطبيعة، وحين أصبحت حاجته إلى المعبود شيئا أرفع من مطالب الأديان، وضرورات الغرائز والطباع.
كان أقل من الطبيعة فأصبح أعظم منها.
كان مسلوب الحيلة أمامها، فأصبح له من فوقها مرجع لا يعنيه غضبها ورضاها.
ولم يكن له إلا أن يخضع لها أو يحتال عليها. 
فأصبح له أن يواجهها ويقف أمامها، بل عل أكتافها. 
أصبح له كيانه الأدبي في وجهها.
وليس الفتح المبين في هذا أنه يرى فيها ما يحسن وما لا يحسن، وما يرضاه ضمريه وما لا يرضاه.
وإن الواقع الذي لا مرية فيه أن الإنسان قد ملك الذرة الصغرى، فملك من الطبيعة قوتها الكبرى، وأنه خليق بهذه القوة أن يضل ويطغى، ولكن اليقين الحق أنه لن يكبح ذلك الطغيان من نفسه بقوة الطبيعة صغراها وكبراها، وإنما يكبحه — إذا قدر له أن يكبحه — بسلطان من ذلك الفتح المبين، ما بقي له وما زاد عليه بعد آلاف السنين.
هذه الفتوح قد عرفت جميعا قبل عصر الخليل، ولكنها لم تقترن بدعوة قط في عالم النبوة قبل دعوته (عليه السلام).
وهذا هو الفارق المهم في العواقب وفي مراحل التاريخ.
أو هو الفارق بين دعوة النبي وبين غيرها من الدعوات.
فالتوحيد لم يكن مجهولا قبل عصر إبراهيم، وكذلك ميزان العدل الإلهي، وكذلك
عبادة ((الحق)) فوق الطبيعة وفوق مطالب الأبدان.
كان المصريون الأقدمون يؤمنون بالإله الواحد، وكان من معتقداتهم أن الروح في العالم الآخر ميزانا يقدر لها الحسنات والسيئات، وكانت كلمة الله هي القوة التي تفعل ما تريد.
ولكنها لم تكن دعوة نبوة ورسالة، ولعلها جاءت في زمن لم تتهيأ فيه النفوس للعلم بالوحدانية، نبذ الشرك، وتعدد الأرباب.
وكانت في جملتها دعوة كهان يسترون ما يعلمون، ولا يبوحون للناس بأسرار الديانة إلا بمقدار.
وكان ميزان السماء يزن لكل روح حسناتها وسيئاتها، ويحسب الملوك من الأرباب الذين يتصرفون في الأرواح خلال الحياة وبعد الممات.
ولما جهر ((إخناتون)) بدعوة التوحيد والمساواة بين عباد لله، صدرت دعوته من قصر الدولة كأنها مراسيم الملك وقوانين الحكومة، ولم تلبث أن بطلت في قصر الدولة نفسه بمراسيم من قبيل تلك المراسيم، وقوانين يطيعها الناس أشد من طاعتهم لتلك القوانين؛ لأنها تستعين بدهاء الكهان وسلطان العرف والعادة.
وكان أناس من الحكماء يعرقون لله كأنهم يعرفون حلا مقنعا لمسألة الوجود، أو كأنهم يفرفونه خالقا للكون، ولا يزيدون.
ومما لا ريب فيه أن عقيدة التوحيد قد سرت من مصر في صورة من الصور إلى بلاد المشرق، ومنها بلاد البحر الأبيض ووادي النهرين.
ومما لا ريب فيه أنها كانت سر الخاصة وذوي الرسالة في المحاريب والقصور، وأن تعدد الأرباب قد سرى منها كذلك إلى الشعوب سريان العرف والمحاكاة.
أما الإله الواحد الذي اتزن بدعوة إبراهيم، فلم يكن حل مسألة، ولم يكن سر أحبار وحكماء، ولم يكن خالق الكون والناس ولا مزيد.
بل كان خالق الكون والناس، وحاكم الكون والناس، وكان منه الأمر والنهي، وإليه المرجع والمآب.
كانت عبادته ((مسألة حية)) تمتزج بسرائر النفس، وتنبعث منها فضائل الخير، ولا تنزوي عنها زاوية في الكون ولا في ضمير الإنسان.
كانت دعوته صرخة تسمع وتتجاوب بها الآفاق، ولم تكن لغزا يخفي وتتحاجى4 به العقول.
كانت صحبة البيت والطريق، وصحبة اليقظة والمنام، وصحبة العزلة والجماعة، وصحبة الحياة قبل الميلاد وبعد الموت، ولم تزل حتى أصبحت وهي صحبة الخلود الذي لا يعرف الفناء.
ولم تصبح كذلك قبل رسالة النبوة حين انبعث بها النبي أبو الأنبياء ... حين بم بها إبراهيم.
وما كان لنبوة واحدة أن تؤدي رسالة التوحيد وتفرغ منها في عمر رجل أو عمر جيل ... وإنما هي نبوة بعدها نبوات.
ولو كانت دون ذلك خطرا لكفى أن تقوم بها دعوة واحدة، وأن تتكفل لها ببقائها، ولكان بها الغنى عن التعقيب والتذكير . 
ولكنها على خطرها هذا لا تتم في رسالة واحدة، ولا تستغني عن مرتقى بعد مرتقى، ثم عن قرار بعد قرار.
وعاش الخليل ما عاش والتوحيد في قومه مشوب5 بالشرك والضلال، وفارق الدنيا والخلقاء من بعده يتقدمون وينكسون، ويستقيمون وينحرفون، ولم ينقض من بعده عهد إلا وهو ينبئ الناس أنها نبوة تتلوها نبوات، وأنها أمانة موروثة في أعقابه لا تنقطع في جيل، ولا بد لها من ورثة أبرار ... ومن شك في ذلك فإنما هو شاك في بداهة العقل، وضرورة الزمن، وحكم التاريخ، فوق الشك في الكتب والأنبياء.
وإنما المستحيل في العقول أن تنفرد رسالة إبراهيم في أعقابه، فلا تأتي بعدها رسالة في أولئك الأعقاب.
ولا دليل في العقول علي نسب الأعقاب أقرب من هذا الدليل، ولا دليل علي المرسلين منهم أثبت منه عند النظر القويم.
فلو مضت رسالة إبراهيم بغير رسالة بعدها لكان هذا هو العجب المردود، ولو قام بتلك الرسالات التالية فرع من غير أصله، ونبت من غير معدنه؛ لكان هذا أعجب وأولى بالرد والارتياب.
ولا يعقل العقل إلا أنه نبي أبو الأنبياء، كما كان وكما ينبغي لا محالة أن يكون ...
وكم بين توحيد الأعقاب وبيت التوحيد كما تلقاه عصر الخليل من بون بعيدا! إنه لأبعد من مسافة الزمن بينهما، وليست مسافة الزمن بينهما بالشوط القريب ... ولكن الذي يبدأ لا بد أن يبدأ، ولا بد أن يبدأ من خطوته الأولى ولا يبدأ من منتهاه.
وإلى ذلك المبدأ يرجع اليوم ألف مليون من بني الإنسان أو يزيدون، لا أول لهم في قداسة الحياة غير ذلك الأول، ولا رائد لهم في موازين العدل والصلاح قبل ذلك الرائد ومَن خلَف على أعقابه من الرُّوَّاد..
ومن ذلك المبدأ شخص ذلك الركب الحاشد في طريقه إلى الله، وتقدم من اسم الله ذي العرش إلى اسم لله الرحمن الرحيم.
إنه - لا جرم - خليل الرحمن ... وإنه - لا جرم - خليل الإنسان. 
وسيرته في الصفحات التالية هي س-رية الخليلين، عل هدي الأسلاف، وعل هدي الأعقاب.
وعل هدي الأسلاف والأعقاب ينبغي أن تكتب كل دعوة عامة، وأن توصف كل بعثة نبوية خوطب بها الناس عل اختلاف المدارك والمعارف والطباع.
فنحن لا نتصور الدعوة في صورتها الحقيقية الشاملة إلا إذا عرفنا صورتها في نفوس المخاطبين بها، سواء منهم من فهم أو من لم يفهم، ومن أحسن الاعتقاد أو أساء.
وعل قدر العلم بالضلالة نفهم عمل الهداية التي أزالتها، أو عالجت أن تزيلها بما كان لها من الجهد والوسيلة.
فلا غنى في دراسة تاريخ الخليل عن الاحاطة بما ورد عنه وقيل في شتى المصادر في مختلف البيئات والعصور.
وينفعنا الخطأ هنا كما ينفعنا الصواب.
بل الخطأ هنا من الصواب أنفع؛ لأن رسالة النبي قائمة عل إزالة خطأ وتبيين الضلالة فيه، فعل قدر ما نعلمه من جوانب الخطأ وخباياه، نعلم القوة التي تتصدى له، وتصلح لعلاجه والغلبة عليه ...
إن منهج البحث تمليه علينا طبيعة البحث نفسه، في الزمن الذي نكتبه فيه، ونحن ندرس سيرة الخليل كما وضحت لنا منذ فاتحة القرن العشرين. ولقد أثار القرن العشرون في هذه السيرة مشكلات لم يعرفها الأقدمون، وأتى فيها بمعلومات من بطون الحفائر وخفايا الآثار لم تكن في حساب أحد ممن عرضوا لهذه السيرة قبل مائة سنة.
من هذه المشكلات التي أثارها القرن العشرون: وجود إبراهيم في التاريخ؛ هل هو شخصية تاريخية، أو هو صور؛ من صور الخيال تجمعت حولها متفرقات العقائد من هنا وهناك؟
ومن المشكلات التي أثارها هذا القرن: علاقة إبراهيم بمكة وبيت الله الحرام؛ هل ذهب إبراهيم إلى مكة؟ وهل كانت له علاقة ببيت الله الحرام فيها، أو تلك علاقة لم تفهم على سند صحيح من الواقع، ولم تنجلِ الدراسات العصرية عما يؤيدها بالدليل المقبول؟
ونحن نكتب هذه السيرة وأمامنا هذه المشكلات من مصادرها القوية، وأمامنا كذلك أسبابها وأسباب الإعراض عنها والرد عليها.
ونجملها بداءة فنقول: إنها لا تقوم على سند من العلم، سواء كان الباحث الحديث ينفي وجود إبراهيم جزما ويقينا، أو يشك في وجوده ولا يقطع باليقين إلى جانب النفي أو جانب الإثبات.
فالذي ينفي وجود إبراهيم جزما ويقينا لا يستند إلى حجة واحد؛ من حجج العلم، ولا يزيد على مجرد الإنكار، والذي يشك يبني شكه على أسباب لا يعتبرها العلم ولا العقل من أسباب الشك في وجود شيء ... لأنه يستند في شكه على كثر؛ الأعاجيب والخوارق والأساطير التي تخللت سيرة إبراهيم كما رواها الأقدمون.
ومثل هذا السبب لم يبطل وجود شيء قط، وإن كانت أعاجيبه وخوارقه وأساطيره مما ترفضه جميع العقول في العصر الحديث.
فهذه الشمس يغرب بها المثل في الظهور والثبات، وليس أكثر من الخرافات التي رويت عن مشرقها ومغربها، وعن نشأتها وحركتها، وعن الديانات التي تقدسها وتفرض عبادتها، وليس أكثر في العصر الحاضر من الخلاف على عمرها، وحقيقة تكوينها، وأسباب حرارتها، وطبيعة مادتها؛ لأنها هي طبيعة الماد؛ على العموم.
والهرم الأكبر لا يمتري في وجوده أحد، ولم يذكر عن إبراهيم بعض ما ذكر عنه من الأسرار.
ومن الزراية بالعلم أن يقوم الشك على غير أساس؛ فليست الحقيقة خصما لنا في محكمة نقول له: تقدم أنت بجميع أسانيدك وإلا أنكرنا عليك دعواك.
وإنما الحقيقة قضيتنا نحن، وليست بدعوى خصم يلزمه الدليل ولا يلزمنا؛ فما لم يكن للشك سبب فهو زراية بالعلم، وزراية بالعقل، وزراية بأمانة التفكري.
ومن السخف أن نلزم الأقدمين بالبرهان على سيرة إبراهيم ولا نلزم به أنفسنا، كأنهم أصحاب الشأن كله ونحن ثمة غرباء متفرجون.
فلا موجب للجزم بإنكار وجود إبراهيم ولا للشلك في وجوده اعتمادا عل كشف جديد من كشوف العلم في القرن العشرين.
أما علاقته بمكة والبيت الحرام، فالأمر فيها أعجب من أمر المختلفين على ((شخصيته التاريخية))؛ لأن الذين ينكرون تلك العلاقة لم يدعوا لها سندا من العلم ولا من الكشوف العصرية، بل هم يعتمدون على بعض المصادر الدينية للجزم ببطلان المصادر الأخرى، أو هم يعتمدون عل المصادر الاسرائيلية للجزم ببطلان المصادر الإسلامية، ولا شأن للعلم الحديث هنا، بل هو تمييز رواية دينية عل رواية دينية تخالفها، ولا محل لإقحام العلم العصري بين الروايتين.
بل هناك محل للتحفظ الشديد في قبول الرواية الإسرائيلية؛ لأنها امتزجت بسياسة الملك والتنازع عليه، وكل دعوى المملكة الإسرائيلية في الزمن القديم قائمة عل الأسلوب الذي كتبت به سيرة الخليل في أيامه الأخرى على التخصيص.
هذه نظرتنا إلى المشكلات التي طرأت على سيرة إبراهيم في القرن العشرين، وهذه نظرتنا إلى المعلومات التي أتى بها من كشوفه و أحافيره وتعليقاته، ومبلغ حقها في تمحيص السيرة أنها تفض بعض الغوامض، ولكنها لا تنفي ((الشخصية التاريخية))، تُوجب الشك فيها بحجة علمية ...


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ -  لا جرم: في الأصل بمنزلة ((لا بد)) ثم تحولت إلى معنى القسم فصارت بمنزلة ((حقَّا))
2- الرغام: التراب.
3- نِدَّان: النِّدُّ: الشبيه والمماثل.
4- تتحاجى: تحاجى القوم: تطارحوا الأحاجي؛ أي الألغاز.
5- مَشُوب: مخلوط.

 




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.