المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

الدُّعَاءِ لِلْكَرْبِ وَ الْهَمِّ وَ الْحُزْنِ وَ الْخَوْفِ‏ - بحث روائي
17-10-2016
مـخـاطـر المـصـرف
2024-04-01
Kneser-Sommerfeld Formula
25-3-2019
نظام حكم الدولة الاشورية
14-1-2017
من آفات اللسان
31-12-2021
السند لأمر
30-4-2017


تفسير آية (93) من سورة المائدة  
  
5878   03:17 مساءً   التاريخ: 19-10-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الميم / سورة المائدة /

قال تعالى : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [المائدة : 93].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآية (1) :

{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} أي : إثم وحرج {فيما طعموا} من الخمر والميسر ، قبل نزول التحريم ، وفي تفسير أهل البيت عليهم السلام : فيما طعموا من الحلال ، وهذه اللفظة صالحة للأكل والشرب جميعا {إذا ما اتقوا} شربها بعد التحريم {وأمنوا} بالله {وعملوا الصالحات} أي : الطاعات {ثم اتقوا} أي : داموا على الاتقاء {وآمنوا} أي : داموا على الإيمان {ثم اتقوا} بفعل الفرائض {وأحسنوا} بفعل النوافل .

وعلى هذا يكون الاتقاء الأول : اتقاء الشرب بعد التحريم ، والاتقاء الثاني هو الدوام على ذلك . والاتقاء الثالث : اتقاء جميع المعاصي ، وضم الإحسان إليه .

وقيل : إن الاتقاء الأول هو اتقاء المعاصي العقلية التي تختص المكلف ، ولا تتعداه.

والإيمان الأول هو الإيمان بالله تعالى وبما أوجب الله تعالى الإيمان به ، والإيمان بقبح هذه المعاصي ، ووجوب تجنبها . والاتقاء الثاني هو اتقاء المعاصي السمعية ، والإيمان بقبحها ، ووجوب اجتنابها . والاتقاء الثالث : يختص بمظالم العباد وبما يتعدى إلى الغير من الظلم والفساد.

وقال أبو علي الجبائي : إن الشرط الأول يتعلق بالزمان الماضي ، والشرط الثاني يتعلق بالدوام على ذلك ، والاستمرار على فعله ، والشرط الثالث يختص بمظالم العباد ، ثم استدل على أن هذا الاتقاء يختص بمظالم العباد بقوله :

{أحسنوا} فإن الإحسان إذا كان متعديا ، وجب أن تكون المعاصي التي أمروا باتقائها قبله أيضا متعدية ، وهذا ضعيف لأنه لا تصريح في الآية بأن المراد به الإحسان المتعدي ، ولا يمتنع أن يريد بالإحسان فعل الحسن والمبالغة فيه ، وإن اختص الفاعل ، ولا يتعداه ، كما يقولون لمن بالغ في فعل الحسن : أحسنت وأجملت ، ثم لو سلم أن المراد به الإحسان المتعدي ، فلم لا يجوز أن يعطف فعل متعد على فعل لا يتعدى؟ ولو صرح تعالى فقال : واتقوا القبائح كلها ، وأحسنوا إلى غيرهم ، لم يمتنع . ولعل أبا علي إنما عدل في الشرط الثالث عن ذكر الأحوال ، لما ظن أنه لا يمكن فيه ما أمكن في الأول والثاني ، وهذا ممكن غير ممتنع بأن يحمل الشرط الأول على الماضي ، والثاني على الحال ، والثالث على المنتظر المستقبل . ومتى قيل : إن المتكلمين عندهم لا واسطة بين الماضي والمستقبل ، فإن الفعل إما أن يكون موجودا فيكون ماضيا ، وإما أن يكون معدوما فيكون مستقبلا ، وإنما ذكر الأحوال الثلاثة النحويون فجوابه : إن الصحيح أنه لا واسطة في الوجود بين المعدوم والموجود ، كما ذكرت ، غير أن الموجود في أقرب الزمان لا يمتنع أن نسميه حالا ، ونفرق بينه وبين الغابر السالف ، والغابر المنتظر.

ووجدت السيد الأجل المرتضى علي بن الحسين الموسوي ذكر في بعض مسائله أن المفسرين تشاغلوا بإيضاح الوجه في التكرار الذي تضمنته هذه الآية ، وظنوا أنه المشكل فيها ، وتركوا ما هو أشد إشكالا من التكرار ، وهو أنه تعالى نفى الجناح عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فيما يطعمونه بشرط الاتقاء والإيمان وعمل الصالحات ، والإيمان وعمل الصالحات ليس بشرط في نفي الجناح ، فإن المباح إذا وقع من الكافر ، فلا إثم عليه ولا وزر .

قال : ولنا في حل هذه الشبهة طريقان أحدهما : أن يضم إلى المشروط المصرح بذكره غيره ، حتى يظهر تأثير ما شرط ، فيكون تقدير الآية : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وغيره ، إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ، لأن الشرط في نفي الجناح لا بد من أن يكون له تأثير حتى يكون متى انتفى ، ثبت الجناح . وقد علمنا أن باتقاء المحارم ينتفي الجناح ، فيما يطعم ، فهو الشرط الذي لا زيادة عليه . ولما ولي ذكر الاتقاء الإيمان ، وعمل الصالحات ، ولا تأثير لهما في نفي الجناح ، علمنا أنه أضمر ما تقدم ذكره ليصح الشرط ، ويطابق المشروط ، لان من اتقى المحارم فيما لا يطعم ، لا جناح عليه فيما يطعمه ، ولكنه قد يصح أن يثبت عليه الجناح ، فيما أخل به من واجب ، أو ضيعه من فرض ، فإذا شرطنا انه وقع اتقاء القبيح ممن آمن بالله وعمل الصالحات ، ارتفع الجناح عنه من كل وجه ، وليس بمنكر حذف ما ذكرناه لدلالة الكلام عليه ، فمن عادة العرب أن يحذفوا ما يجري هذا المجرى وتكون قوة الدلالة عليه مغنية عن النطق به ، ومثله قول الشاعر :
تراه كأن الله يجدع أنفه * وعينيه إن مولاه ثاب له وفر (2) لما كان الجدع لا يليق بالعين ، وكانت معطوفة على الانف الذي يليق الجدع به ، أضمر ما يليق بالعين من البخص (3) ، وما يجري مجراه .

والطريق الثاني : هو أن يجعل الإيمان وعمل الصالحات هنا ، ليس بشرط حقيقي ، وإن كان معطوفا على الشرط ، فكأنه تعالى لما أراد أن يبين وجوب الإيمان ، وعمل الصالحات ، عطفه على ما هو واجب من اتقاء المحارم لاشتراكهما في الوجوب ، وإن لم يشتركا في كونهما شرطا في نفي الجناح فيما يطعم ، وهذا توسع في البلاغة يحار فيه العقل استحسانا واستغرابا انتهى كلامه .

وقد قيل أيضا في الجواب عن ذلك : إن المؤمن يصح أن يطلق عليه بأنه لا جناح عليه ، والكافر مستحق للعقاب مغمور ، فلا يطلق عليه هذا اللفظ ، وأيضا فإن الكافر قد سد على نفسه طريق معرفة التحريم والتحليل ، فلذلك خص المؤمن بالذكر . وقوله {والله يحب المحسنين} أي يريد ثوابهم ، أو إجلالهم وإكرامهم ، وتبجيلهم . ويروى أن قدامة بن مظعون شرب الخمر في أيام عمر بن الخطاب ، فأراد أن يقيم عليه الحد فقال {ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا} الآية ، فأراد عمر أن يدرأ عنه الحد فقال علي : " أديروه على الصحابة ، فإن لم يسمع أحدا منهم ، قرأ عليه آية التحريم ، فادرؤوا عنه الحد ، وإن كان قد سمع فاستتيبوه ، وأقيموا عليه الحد ، فإن لم يتب ، وجب عليه القتل " .

_____________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 413-415 .

2. ثاب : عاد . الوفر من المال أو المتاع : الكثير الواسع .

3. لبخص : قلع العين بشحمها .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآية (1) :

اتفق المفسرون على انه لما نزل تحريم الخمر قال بعض الصحابة لرسول اللَّه (صلى الله عليه وآله) : كيف بإخواننا الذين ماتوا وقد شربوها ؟ فنزلت هذه الآية ، وهي تدل بمجموعها على أن من شرب الخمرة قبل بيان حكمها فلا بأس عليه إذا كان من المؤمنين المتقين ، ومن هنا اتفق الفقهاء على ان كل شيء مطلق ، حتى يرد فيه نهي .

وبعد أن اتفق المفسرون على أن هذا المعنى هو المقصود من الآية ، اختلفوا في السبب الموجب لتكرار التقوى ثلاث مرات ، حيث ذكرت أولا مع الإيمان والعمل الصالح ، وثانيا مع الإيمان فقط ، وثالثا مع الإحسان . . ونقل الرازي في ذلك خمسة أقوال . وقال صاحب مجمع البيان : المراد بالاتقاء الأول اتقاء شرب الخمر بعد تحريمها ، وبالاتقاء الثاني الدوام على ذلك ، وبالاتقاء الثالث اتقاء جميع المعاصي مع ضم الإحسان . وقال بعض المفسرين الجدد : لم تسترح نفسي لشيء من التفاسير ، ولم يفتح اللَّه عليّ بشيء .

والذي نحتمله ، واللَّه أعلم ، ان الغرض من هذا التكرار أن يبين اللَّه سبحانه ان المتقي حقا هو من اتقى اللَّه في جميع أطواره وحالاته ، شابا وكهلا وشيخا ، وفي السراء والضراء ، وان من مات على ذلك فهو في أمن وأمان .

___________________________

1. تفسير الكاشف ، ج3 ، ص 123-124 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآية (1) :

قوله تعالى : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا} إلى آخر الآية الطعم والطعام هو التغذي ، ويستعمل في المأكول دون المشروب ، وهو في لسان المدنيين البر خاصة ، وربما جاء بمعنى الذوق ، ويستعمل حينئذ بمعنى الشرب كما يستعمل بمعنى الأكل قال تعالى : {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} [ البقرة : 249 ] ، وفي بعض الروايات عن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله : أنه قال في ماء زمزم أنه طعام طعم وشفاء سقم.

والآية لا تصلح بسياقها إلا أن تتصل بالآيات السابقة فتكون دفع دخل تتعرض لحال المؤمنين ممن ابتلي بشرب الخمر قبل نزول التحريم أو قبل نزول هذه الآيات ، وذلك أن قوله فيها : {فِيما طَعِمُوا} مطلق غير مقيد بشيء مما يصلح لتقييده ، والآية مسوقة لرفع الحظر عن هذا الطعام المطلق ، وقد قيد رفع الحظر بقوله : {إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} والمتيقن من معنى هذا القيد ـ وقد ذكر فيه التقوى ثلاث مرات ـ هو التقوى الشديد الذي هو حق التقوى.

فنفي الجناح للمؤمنين المتقين عن مطلق ما طعموا (الطعام المحلل) إن كان لغرض إثبات المفهوم في غيرهم أي إثبات مطلق المنع لغير أهل التقوى من سائر المؤمنين والكفار ناقضه أمثال قوله تعالى : {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ} [ الأعراف : 32 ] ، على أن من المعلوم من مذاق هذا الدين أنه لا يمنع أحدا عن الطيبات المحللة التي تضطر الفطرة إلى استباحتها في الحياة.

وإن لم تكن الآية مسوقة لتحريمه على غير من ذكر عاد المعنى إلى مثل قولنا : يجوز الطعام للذين آمنوا وعملوا الصالحات بشرط أن يتقوا ثم يتقوا ثم يتقوا ، ومن المعلوم أن الجواز لا يختص بالذين آمنوا وعملوا الصالحات بل يعمهم وغيرهم ، وعلى تقدير اختصاصه بهم لا يشترط فيه هذا الشرط الشديد.

ولا يخلو عن أحد هذين الإشكالين جميع ما ذكروه في توجيه الآية بناء على حمل قوله : {فِيما طَعِمُوا} على مطلق الطعام المحلل فإن المعنى الذي ذكروه لا يخرج عن حدود قولنا : لا جناح على الذين آمنوا وعملوا الصالحات إذا اتقوا المحرمات أن يطعموا المحللات ، ولا يسلم هذا المعنى عن أحد الإشكالين كما هو واضح.

وذكر بعضهم : أن في الآية حذفا ، والتقدير : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا وغيره إذا ما اتقوا المحارم ، وفيه أنه تقدير من غير دليل مع بقاء المحذور على حاله.

وذكر بعضهم : أن الإيمان والعمل الصالح جميعا ليس بشرط حقيقي بل المراد بيان وجوب اتقاء المحارم فشرك معه الإيمان والعمل الصالح للدلالة على وجوبه ، وفيه أن ظاهر الآية أنها مسوقة لنفي الجناح فيما طعموا ، ولا شرط له من إيمان أو عمل صالح أو اتقاء محارم على ما تقدم ، وما أبعد المعنى الذي ذكره عن ظاهر الآية .

وذكر بعضهم : أن المؤمن يصح أن يطلق عليه أنه لا جناح عليه ، والكافر مستحق للعقاب فلا يصح أن يطلق عليه هذا اللفظ ، وفيه أنه لا يصح تخصيص المؤمنين بالذكر فليكن مثل قوله تعالى : {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ} [ الأعراف : 32 ] ، وقوله : {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً} [ الأنعام : 145] حيث لم يذكر في الخطاب مؤمن ولا كافر ، أو مثل قوله : {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ـ إلى قوله ـ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ} [ الحجرات : 13] حيث وجه الخطاب إلى الناس الشامل للمؤمن والكافر.

وذكر بعضهم : أن الكافر قد سد على نفسه طريق معرفة التحريم والتحليل فلذلك خص المؤمن بالذكر ، وفيه ما في سابقه من الإشكال مع أنه لا يرفع الإشكال الناشئ من قوله : {إِذا مَا اتَّقَوْا} {إلخ} .

فالذي ينبغي أن يقال : إن الآية في معنى الآيات السابقة عليها على ما هو ظاهر اتصالها بها ، وهي متعرضة لحال من ابتلي من المسلمين بشرب الخمر وطعمها ، أو بالطعم لشيء منها أو مما اقتناه بالميسر أو من ذبيحة الأنصاب كأنهم سألوا بعد نزول التحريم الصريح عن حال من ابتلي بشرب الخمر ، أو بها وبغيرها مما ذكره الله تعالى في الآية قبل نزول التحريم من إخوانهم الماضين أو الباقين المسلمين لله سبحانه في حكمه.

فأجيب عن سؤالهم أن ليس عليهم جناح إن كانوا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات إن كانوا جارين على صراط التقوى بالإيمان بالله والعمل الصالح ثم الإيمان بكل حكم نازل على النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله ثم الإحسان بالعمل على طبق الحكم النازل.

وبذلك يتبين أن المراد بالموصول في قوله : {فِيما طَعِمُوا} هو الخمر من حيث شربها أو جميع ما ذكر من الخمر والميسر والأنصاب والأزلام من حيث ما يصح أن يتعلق بها من معنى الطعم ، والمعنى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما ذاقوه قبل نزول التحريم من خمر أو منها ومن غيرها من المحرمات المذكورة.

وأما قوله : {إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} فظاهر قوله : {إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} إنه إعادة لنفس الموضوع المذكور في قوله : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ} للدلالة على دخالة الوصف في الحكم الذي هو نفي الجناح كقوله تعالى في خطاب المؤمنين : {ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [ البقرة : 232] ، وهو شائع في اللسان .

وظاهر قوله : {ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} اعتبار الإيمان بعد الإيمان ، وليس إلا الإيمان التفصيلي بكل حكم حكم مما جاء به الرسول من عند ربه من غير رد وامتناع ، ولازمه التسليم للرسول فيما يأمر به وينهى عنه قال تعالى : {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} : الحديد : 28 ، وقال تعالى : {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ ـ إلى أن قال ـ فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [ النساء ـ 65 ] ، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وظاهر قوله : {ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} إضافة الإحسان إلى الإيمان بعد الإيمان اعتبارا ، والإحسان هو إتيان العمل على وجه حسنة من غير نية فاسدة كما قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً} [ الكهف : 30 ] ، وقال : {الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [ آل عمران : 172] ، أي يكون استجابتهم ابتغاء لوجه الله وتسليما لأمره لا لغرض آخر ، ومن الإحسان ما يتعدى إلى الغير ، وهو أن يوصل إلى الغير ما يستحسنه ، قال تعالى : {وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} [ البقرة : 83 ] ، وقال : {وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ} [ القصص : 77] .

والمناسب لمورد الآية هو المعنى الأول من معنيي الإحسان ، وهو إتيان الفعل على جهة حسنة فإن التقوى الديني لا يوفى حقه بمجرد الإيمان بالله وتصديق حقية دينه ما لم يؤمن تفصيلا بكل واحد واحد من الأحكام المشرعة في الدين فإن رد الواحد منها رد لأصل الدين ، ولا أن الإيمان التفصيلي بكل واحد واحد يوفى به حق التقوى ما لم يحسن بالعمل بها وفي العمل بها بأن يجري على ما يقتضيه الحكم من فعل أو ترك ، ويكون هذا الجري ناشئا من الانقياد والاتباع لا عن نية نفاقية فمن الواجب على المتزود بزاد التقوى أن يؤمن بالله ويعمل صالحا ، وأن يؤمن برسوله في جميع ما جاء به ، وأن يجري في جميع ذلك على نهج الاتباع والإحسان.

وأما تكرار التقوى ثلاث مرات ، وتقييد المراتب الثلاث جميعا به فهو لتأكيد الإشارة إلى وجوب مقارنة المراتب جميعا للتقوى الواقعي من غير غرض آخر غير ديني ، وقد مر في بعض المباحث السابقة أن التقوى ليس مقاما خاصا دينيا بل هو حالة روحية تجامع جميع المقامات المعنوية أي أن لكل مقام معنوي تقوى خاصا يختص به.

فتلخص من جميع ما مر أن المراد بالآية أعني قوله : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا} إلى آخر الآية ، أنه لا جناح على الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيما ذاقوه من خمر أو غيره من المحرمات المعدودة بشرط أن يكونوا ملازمين للتقوى في جميع أطوارهم ومتلبسين بالإيمان بالله ورسوله ، ومحسنين في أعمالهم عاملين بالواجبات وتاركين لكل محرم نهوا عنه فإن اتفق لهم أن ابتلوا بشيء من الرجس الذي هو من عمل الشيطان قبل نزول التحريم أو قبل وصوله إليهم أو قبل تفقههم به لم يضرهم ذلك شيئا.

وهذا نظير قوله تعالى في آيات تحويل القبلة في جواب سؤالهم عن حال الصلوات التي صلوها إلى غير الكعبة : {وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} [ البقرة : 143] .

وسياق هذا الكلام شاهد آخر على كون هذه الآية : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ) ، إلخ} متصلة بما قبلها من الآيات وأنها نازلة مع تلك الآيات التي لسانها يشهد أنها آخر الآيات المحرمة للخمر نزولا ، وأن بعض المسلمين كما يشعر به لسان الآيات ـ على ما استفدناه ـ آنفا لم يكونوا منتهين عن شربها ما بين الآيات السابقة المحرمة وبين هذه الآيات.

ثم وقع السؤال بعد نزول هذه الآيات عن حال من ابتلي بذلك وفيهم من ابتلي به قبل نزول التحريم ، ومن ابتلي به قبل التفقه ، ومن ابتلي به لغير عذر فأجيبوا بما يتعين به لكل طائفة حكم مسألته بحسب خصوص حاله ، فمن طعمها وهو على حال الإيمان والإحسان ، ولا يكون إلا من ذاقها من المؤمنين قبل نزول التحريم أو جهلا به فليس عليه جناح ، ومن ذاقها على غير النعت فحكمه غير هذا الحكم .

وللمفسرين في الآية أبحاث طويلة ، منها ما يرجع إلى قوله : {فِيما طَعِمُوا} وقد تقدم خلاصة الكلام في ذلك .

ومنها ما يرجع إلى ذيل الآية من حيث تكرر التقوى فيه ثلاث مرات ، وتكرر الإيمان وتكرر العمل الصالح وختمها بالإحسان.

فقيل : إن المراد بقوله : {إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} اتقوا المحرم وثبتوا على الإيمان والأعمال الصالحة ، وبقوله : {ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} ثم اتقوا ما حرم عليهم بعد كالخمر وآمنوا بتحريمه ، وبقوله : {ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} ثم استمروا وثبتوا على اتقاء المعاصي واشتغلوا بالأعمال الجميلة.

وقيل : إن هذا التكرار باعتبار الحالات الثلاث : استعمال الإنسان التقوى والإيمان بينه وبين نفسه ، وبينه وبين الناس ، وبينه وبين الله تعالى ، والإحسان على هذا هو الإحسان إلى الناس ظاهرا .

وقيل : إن التكرار باعتبار المراتب الثلاث : المبدأ والوسط والمنتهى ، وهو حق التقوى .

وقيل : التكرار باعتبار ما يتقى فإنه ينبغي أن تترك المحرمات توقيا من العقاب ، والشبهات تحرزا عن الوقوع في الحرام ، وبعض المباحات تحفظا للنفس عن الخسة ، وتهذيبا عن دنس الطبيعة.

وقيل : إن الاتقاء الأول اتقاء عن شرب الخمر والإيمان الأول هو الإيمان بالله ، والاتقاء الثاني هو إدامة الاتقاء الأول والإيمان الثاني إدامة الإيمان الأول ، والاتقاء الثالث هو فعل الفرائض ، والإحسان فعل النوافل.

وقيل : إن الاتقاء الأول اتقاء المعاصي العقلية ، والإيمان الأول هو الإيمان بالله وبقبح هذه المعاصي ، والاتقاء الثاني اتقاء المعاصي السمعية والإيمان الثاني هو الإيمان بوجوب اجتناب هذه المعاصي ، والاتقاء الثالث يختص بمظالم العباد وما يتعلق بالغير من الظلم والفساد ، والمراد بالإحسان الإحسان إلى الناس.

وقيل : إن الشرط الأول يختص بالماضي ، والشرط الثاني بالدوام على ذلك والاستمرار على فعله ، والشرط الثالث يختص بمظالم العباد ، إلى غير ذلك من أقوالهم .

وجميع ما ذكروه مما لا دليل عليه من لفظ الآية أو غيرها يوجب حمل الآية عليه ، وهو ظاهر بالتأمل في سياق القول فيها والرجوع إلى ما قدمناه .

___________________________

1. تفسير الميزان ، ج6 ، ص 104-109 .

تفسير الأمثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآية (1) :

تجيب هذه الآية الذين يتساءلون عن الماضين قبل نزول آية تحريم الخمر والميسر ، أو الذين لم يسمعوا بعد تلك الآية لبعد مناطقهم التي يعيشون فيها ، فتقول : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا} (2) ولكنّها تشترط لتلك التقوى والإيمان والعمل الصالح : {إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ} ، ثمّ تكرر ذلك {ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} وللمرّة الثالثة تكرر الآية بقليل من الاختلاف {ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا) ، وتنتهي بالتوكيد {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.

هنالك كلام كثير بين المفسّرين القدامى والمحدثين حول هذا التكرار ، فبعض يراه للتوكيد ويقول : أنّ أهمية التقوى والإيمان والعمل الصالح تقتضي الإعادة والتكرار والتوكيد .

إلّا أنّ جمعا آخر من المفسّرين يعتقدون أنّ كلّ جملة من هذه الجمل المكررة تشير إلى حقيقة منفصلة عن الأخرى ، وأنّ هناك احتمالات متعددة بشأن اختلاف كل جملة عن الأخرى ، ولكن معظم هذه الاحتمالات لا يقوم عليها دليل أو شاهد.

ولعل خير ما قيل بهذه الخصوص هو قولهم : أنّ المقصود بالتقوى في المرّة الاولى هو ذلك الإحساس الداخلي بالمسؤولية والذي يسوق الإنسان نحو البحث والتدقيق في الدين ، ومطالعة معجزة الرّسول صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله‌ وسلم والبحث عن الله ، فتكون نتيجة ذلك الإيمان والعمل الصالح ، وبعبارة أخرى : إذا لم يكن في الإنسان شيء من التقوى فإنّه لا يتجه إلى البحث عن الحقيقة ، وعليه فإن ورد كلمة «التقوى» لأوّل مرّة في هذه الآية إشارة إلى هذا المقدار من التقوى ، وليس في هذا تناقض مع بداية الآية التي تقول : {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ...} لأنّ الإيمان هنا يمكن أن يكون بمعنى التسليم الظاهري ، بينما الإيمان الذي يحصل بعد التقوى هو الإيمان الحقيقي .

وتكرار التقوى للمرّة الثّانية إشارة إلى التقوى التي تنفذ إلى أعماق الإنسان فيزداد تأثيرها ، وتكون نتيجتها الإيمان الثابت الوطيد الذي يؤدي إلى العمل الصالح ، ولذلك لم يرد «العمل الصالح» بعد «الإيمان» في الجملة الثّانية : {ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا} أي أنّ هذا الإيمان من الثبوت والنفاذ بحيث لا حاجة معه لذكر العمل الصالح .

وفي المرحلة الثّالثة يدور الكلام على التقوى التي بلغت حدّها الأعلى بحيث أنّها فضلا عن دفعها إلى القيام بالواجبات ، تدفع إلى الإحسان أيضا ، أي إلى الأعمال الصالحة التي ليست من الواجبات .

وعليه فإنّ هذه الضروب الثلاثة من التقوى تشير إلى ثلاث مراحل من الإحساس بالمسؤولية وكأنّها تمثل المرحلة (الابتدائية) والمرحلة (المتوسطة) والمرحلة (النهائية) ، ولكل مرحلة قرينة تدل عليها في الآية .

أمّا ما ذهب إليه مفسّرون آخرون بشأن تناول الآية ثلاثة أنواع من التقوى وثلاثة أنواع من الإيمان فلا قرينة عليه ولا شاهد في الآية .

___________________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 626-627 .

2. تطلق كلمة عام «الطعام» على المأكولات غالبا ، ولكنّها قد تطلق على المشروبات أيضا ، كما جاء في الآية (249) من سورة البقرة : {فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} .

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .