أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2017
2318
التاريخ: 21-8-2017
2988
التاريخ: 21-8-2017
2633
التاريخ: 8-8-2017
2741
|
وأما جعفر بن أبي طالب، فحسبه من العظمة شهادة الرسول الأقدس بأنّه يشبهه خلقاً وخلقاً، ذلك الخلق الكريم الموصوف في الذكر الحكيم بقوله عز شأنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]وحيث لم ينصّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على صفة خاصة من أخلاقه، فلا جرم من شمول تلك الكلمة الذهبية: " أشبهت خَلقي وخُلقي " لجميع ما اتصف به الرسول حتّى الدنس من الرِّجس والآثام.
ولو تنازلنا عن القول بعموم التشبيه لهذه الخاصة فلا بدّ من القول بتحقّق أظهر صفات المشبّه به للمشبه، ولا شكّ في أنّ ذلك المعنى أظهر ما في خلقه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم).
وغير خاف أنّ هذه الكلمة قالها النّبي لما تنازع عنده أمير المؤمنين وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة في ابنة حمزة بن عبد المطلب، وكان كُلّ منهم يريد القيام بتربيتها.
وذلك أن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خرج من مكة بعد انقضاء الأجل بينه وبين أهل مكة في عمرة القضاء الواقعة في السنة السابعة للهجرة، تبعته ابنة حمزة تقول: يا عم خذني معك، فأخذها أمير المؤمنين ودفعها إلى فاطمة (عليها السلام)، وفي المدينة جرى ذلك النزاع بينهم، فقال رسول اللّه لزيد: " أنت أخوها ومولانا "، وقال لجعفر: " اشبهت خَلقي وخُلقي "، وقال لأمير المؤمنين: " أنت منّي وأنا منّك "، ثُمّ قضى بها للخالة وهي أسماء بنت عميس .
هذا هو الحديث المذكور في الجوامع، والنظرة الصادقة فيه تفيدنا معرفة السرّ في اختلاف خطاب النّبي مع ابني عمّه، وكُلّ منهما نصح له في التلبية على الدعوى الإِلهية، وأخلص في المفاداة في سبيل تبليغ الرسالة خصوصاً مع معرفته بأساليب المحاورة ; لأنّه سيّد البلغاء {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] ، فلا جرم حينئذ من كون الوجه فيه هو الإشارة إلى صفة سامية تحلّى بها أمير المؤمنين وتخلّى عنها جعفر، وليست هي إلاّ خلافة اللّه الكبرى، فإنّ علياً (عليه السلام) حامل ما عند رسول اللّه الأعظم من علم متدفّق، وفقه ناجع، وخبرة شاملة، وتأمّل فيّاض، وخلق عظيم لا يستطيع البشر القيام به.
وهذا هو الذي تفيده المنزلة في قوله: " أنت منّي وأنا منك "، بعد فرض المباينة بينهما في الحدود الشخصية. والنّبي لا ينطلق ساهياً ولا لاهياً، فلا بدّ أن يكون قاصداً تلك المنزلة الكبرى التي لم يحوها جعفر وإن بلغ في خدمة الدين كُلّ مبلغ.
وهذا النزاع إنّما هو في الحضانة التي هي سلطنة وولاية على تربية الطفل وإدارة شؤونه، وقد كان لابنة حمزة يومئذ أربع سنين.
وهذا القضاء ـ كما يفيدنا سقوط حضانة الأُم إذا تزوجت ـ يُفيدنا أولوية الخالة على العمّة، فإنّ عمّتها صفية كانت موجودة يومئذ وأُمها سلمى متزوجة بشداد بن الهادي الليثي حليف بني هاشم.
ويرشدنا طلب أمير المؤمنين الحضانة إلى أنّ أولوية الخالة على غيرها من الأقارب إنّما هو عند المخاصمة، وإلاّ فلم يخفِ الحكم على سيّد الوصيين، وهو مستقى الأحكام وينبوعها، وقد امتزجت ذاته المقدّسة بالمعارف الإلهية والأسرار الربوبية واستمدّ من اللوح المحفوظ.
ولعلّ السرّ الدقيق في مخاصمته معهما تعريف الأُمة مقامه الرفيع ومنزلته الكبرى التي لا يدانيها كُلّ أحد، والواجب عليه ـ بما أنّه المنقذ الأكبر وإمام الأُمة ـ إرشادها إلى الطريق اللاحب بأيّ نحو من أنحاء الكلام.
لقد كان جعفر ملازماً لصاحب الرسالة ملازمة الظلّ لديه، يرقب أفعاله وتروكه، ويسمع تعاليمه وعظاته، ويبصر أعماله وحكمه، ويقتصّ أثره منذ كان يصل جناح الرسول الأيسر في الصلاة بعد أمير المؤمنين وخديجة الكبرى.
وكانت قريش تخبط في غلواء جحودها، وتغلي مراجل بغضائها على الصادع بالدين الحنيف، وعلى كُلّ ذلك تمرّنه التعاليم النبويّة الخاصّة به، وتكهَربه تهذيبات المشرّع الأطهر، ولا تدعه جاذبة الدعوة الإلهية يلوي يميناً ولا شمالاً.
ومن هنا أئتمنه صاحب الرسالة على نشر كلمة التوحيد وعلى ضعفاء المسلمين يوم بعثه إلى الحبشة في السنة الخامسة من الهجرة، فأدّى النصيحة، ونهض بالدعوة حتّى استمال النجاشي إلى الإسلام، فآمن غير أن منيته حالت دون أُمنيته.
ولو لم يكن جعفر بتلك المنزلة الرفيعة لما تعاقبت مفاخرات أئمة الدين به، كما افتخروا بعمّه أسد اللّه وأسد رسوله في كثير من مفاخراتهم:
ففي احتجاج الطبرسي: أنّ أمير المؤمنين احتجّ على أهل الشورى بأنّ أخاه جعفر المزيّن بجناحين في الجنّة، يحلّ فيها حيث شاء، فلم يردّ عليه أحد، بل قابلوه بالتسليم والقبول.
وفي نهج البلاغة فيما كتب به إلى معاوية: أنّ قوماً قطعت أيديهم في سبيل اللّه، ولكُلّ فضل، حتّى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم قيل له: الطيار في الجنّة وذو الجناحين.
فلو لم يكن كفاحه عن الدين عن بصيرة نافذة ويقين ثابت لما افتخر به المعصومون والعارفون بمآل العباد، حتّى جعلوا مواقفه في الدين ذريعة إلى التوسّل إلى مطلوبهم.
ولحزمه الثابت، ومواقفه المحمودة، وإصابته في الرأي، وقديم إيمانه أمّره النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة مؤتة على المسلمين، ولم يجعل عليه أميراً، فإذا قتل فالأمير زيد بن حارثة، فإن قتل فالأمير عبد اللّه بن رواحة .
فما ذهب إليه فريق من المؤرّخين من تقديم زيد وابن رواحة عليه، يدفعه صحيح الأثر والاعتبار الصادق.
وهذه العظمة هي التي تركت قدومه من الحبشة يوم فتح خيبر أعظم موهبة منح اللّه تعالى بها نبيّه، تعادل ذلك الفتح المبين، حتّى قال (صلى الله عليه وآله وسلم): " ما أدري بأيّهما أُسرّ بقدوم جعفر أم بفتح خيبر "، ثُمّ قال له: " ألا أحبوك، ألا أمنحك "؟ فظنّ الناس أنّه يعطيه ذهباً وفضّة ; لما فتح اللّه عليه من خيبر، فقال له جعفر: بلى يا رسول اللّه، فعلّمه صلاة التسبيح وهي المعروفة بصلاة جعفر .
وهذه الحبوة من الرسول الكريم لابن أخيه حيث علم أنّ من فرط قداسته لا يروقه إلاّ ما كان من عالم القدس، فخلع عليه بها، وجعله وسام شرف له، وهي من المتواترات بين العامّة والخاصّة، كما نصّ عليه المجلسي في البحار .
ولكن شرذمة من مناوئي أهل البيت لم يرق لهم ثبوت تلك المنحة لأخي أمير المؤمنين، وحيث لم يسعهم أن يلصقوها بواحد منهم زحزحوها إلى العبّاس بن عبد المطلب كما في شفاء السقام للسيّد جعفر الكتاني صفحة 20.
وقد كشفت الحقيقة عن نفسها، وأماطت ستار التمويه بافتعال هذه النسبة من عكرمة مولى ابن عباس الكذّاب بنصّ الذهبي في الميزان، وياقوت في المعجم، وابن خلكان في الوفيات بترجمته .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|