أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-8-2017
1395
التاريخ: 19-8-2017
704
التاريخ: 19-8-2017
2959
التاريخ: 2-9-2017
5714
|
اذا كان الانسان يهدف من خلال اللغة الى الابانة والايضاح، ويسعى عن طريقها الى اظهار مشاعره وانفعالاته، فانه عندما يفعل ذلك يكون واعيا بمدلولات الالفاظ، وقد يدرك بدرجة ما الفروق الدلالية بين الالفاظ.
ويستطيع المرء بأدائه اللغوي الذي تمرس عليه ان ينتج جملا عديدة لم يكن قد سمعها، او قرأها، او تعلمها من قبل مما يؤدي الى ان يستقر في وعيه – او لا وعيه – دلالة اللفظ، فيعرف انه قد يكون ثمة ترادف – او تقارب – بين لفظين، ولكن قد يختلف مدلول كل منهما عن الاخر. فقد يتقارب لفظا: " سيدة " و " امرأة "، بل وقد يترادفان في بعض السياقات، ولكننا لا نجد من يشك فيما يحمله لفظ " سيدة " من دلالات تشير الى الوقار والاحترام، مما يخالف ما يومئ اليه لفظ " امرأة " من دلالات توحى بالأنوثة واكتمالها، تماما كما هو الحال في لفظي: " سيد "، و " رجل " ؛ اذ يدل اولهما على
ص31
التبجيل والتعظيم، ويشير ثانيهما الى دلالات ترتبط بالرجولة والمروءة (1).
ولذا فإن اللفظ الواحد يختلف مدلوله من سياق الى آخر ؛ فالفعل " أحب " تختلف دلالاته إذا وُضع في سياقات مختلفة، إذ يمكن القول: أحب وطني، وأحب ابنتي، وأحب الصدق، وأحب الفاكهة، وأحب القراءة....
وفي كل تركيب من التراكيب السابقة تختلف دلالة الفعل عن غيره من التراكيب.
ونحن أيضا يمكننا ان نقول:
- السيارة أسرع من الدراجة.
- القطار أسرع من السيارة.
- الطائرة أسرع من القطار.
ص32
- القطار أسرع من الدراجة.
- الطائرة أسرع من السيارة.
ففي الجمل السابقة هناك مقارنات، ويدهى أن المقارنة بين شيء وآخر تتطلب وجود سمة مشتركة أو عنصر اتفاق – أو أكثر من سمة أو عنصر – بين الشيئين موضوع المقارنة، فنحن، مثلا، نستطيع أن نصف المرأة بأنها جميلة، وكذلك الوردة، ولكننا لا نستطيع أن نقول: إن المرأة أجمل من الوردة، او إن الوردة أجمل المرأة، رغم أننا نصف كلا منهما بالجمال، وهذا يرجع الى ان مدلول الجمال عند المرأة يخالف نظيره في الوردة. ويعنى ذلك أن دلالة الكلمة لا تتحدد إلا في إطار سياقها. قد يكون هناك تحديد منفصل لها في إطارها الذاتي الخاص، ولكن دلالتها النهائية لا تتحدد إلا في إطار السياق الذي يحتويها، ولذلك نعتقد أنه " ليس من الصواب البحث عن معنى الكلمة المفردة في سياق التركيب، يجب أن نعرف أن المعنى المفرد قد اعتراه شيء من التغيير بمجرد دخوله في السياق " (2). فلفظ " الإصلاح "، مثلا، تختلف
ص33
مدلولاته إذا وُضع في سياقات أو تراكيب مختلفة، فنحن نقول: الإصلاح الاقتصادي، وإصلاح الخطأ، وإصلاح الكرسي، والإصلاح بين المتخاصمين... كذلك فإن الفعل " أكل " من الممكن أن يكون بمعنى نهب او سرق في قولنا: أكل مال اليتيم.
ونحن في إطار الوصف يمكننا أن نصف الطقس بأنه بارد، كما يمكننا أن نصف الحرب بأنها باردة، وهو تعبير مستحدث، وإذا كان هناك " طقس حار " في مقابل " طقس بارد "، وبينهما " طقس دافئ أو معتدل "، فهل يمكننا أن نقول: الحرب الساخنة، في مقابل الحرب الباردة، وإذا كانت الحرب الساخنة هي الحرب بالأسلحة، والحرب الباردة هي الحرب بالكلمات، فما هي الحرب الدافئة أو المعتدلة ؟
ومن هنا نقول إن ثمة تضمينا (Connotation) في المترادفات او الألفاظ المتقاربة، فقد يكون في كل لفظ دلالات فرعية إضافة الى دلالته الأصلية، كما أن كل لفظ يحوي – غالبا – شحنات دلالية تختلف عما يحويها غيره، ورغم هذا فإن الترادف التام Complete Synonymy ليس
ص34
مستحيل الحدوث، إلا أن ذلك لا يمكن ان يكون قانونا مطلقا يصح تطبيقه على كل ألفاظ اللغة.
وقضية الترادف من القضايا التي شغلت القدماء والمحدثين على السواء، وكان لها مؤيدون ومنكرون، فمنهم من أكد على وجود الترادف بمعناه الشامل في ألفاظ اللغة، ومن هؤلاء: أبن جني (ت 392 هـ)، وابن سيده (ت 485 هـ). ومنهم من أنكر وجود هذا الترادف التام الكامل، باعتبار أن ثمة شحنة دلالية في كل لفظ لا توجد في نظيره، ومن هؤلاء: ابن الأنباري (ت 237 هـ)، وابن فارس (ت 395 هـ)، وأبو هلال العسكري (ت 395 هـ)، فهؤلاء – وغيرهم ممن تبعهم في قولهم – لم ينكروا إمكانية وقوع الترادف بمعناه العام، ولكنهم نبهوا الى وجود فروق دقيقة بين المترادفات (3).
ونحن نميل الى هذا الرأي الأخير، فلا يستطيع منصف أن ينكر وجود الترادف في العربية بمعناه العام، فمن ينكر مثلا، أن ثمة ترادفاً تاماً بين الأفعال: وضّحَ، وشرح،
ص35
وبيّنَ، وفسّرَ، وفصّلَ (4)، ولكن قد ينكر كثيرون وجود ترادف تام بين مريض وعميد، إذ لو كان اللفظان مترادفين ترادفاً كاملاً وتاماً، لكان بإمكاننا أن نستبدل لفظ " مريض " بلفظ "عميد" في البيت المشهور الذي لا يعرف قائله:
يلومونني في حُبّ ليلى عواذلي ولكنني من حُبّها لعميدُ
فلو قلنا: " ولكنني من حبها لمريض "، ما ظفرنا بالدلالات ذاتها، ففي لفظ " عميد " – وهو من هده العشق – من الدلالات وظلال المعاني ما ليس في لفظ " مريض ". ويشبه ذلك اللفظان: " iLL "، و " Sick " فرغم أن معناهما العام واحد، إلا أنهما يختلفان من حيث اختلاف دلالة كل منهما في السياق الخاص، ولذلك تستخدم " iLL " بدلالة أخرى، كما في التعبير:
" Bird of iLL omen "، كما ان هذا اللفظ " iLL " اكثر ملائمة في الخطاب المهذب Polite Discourse من
ص36
نظيره " Sick ". ومن هذا المنطلق يذهب ألستون William P. Alston الى أن الترادف التام غير ممكن، وأنه يستحيل وجود لفظين يترادفان ترادفاً كاملاً، وإن تحقق هذا الترادف فيه – على الأقل – صعوبة كبيرة (5).
ونخلص من هذا كله الى الإقرار بوجود الترادف بمعناه العام الشامل، إلا أن هناك فروقاً دقيقة بين معظم المترادفات، مما يعني الاعتراف بأن الترادف التام الكامل ليس مستحيلا، ولكنه قليل، " فهو نوع من الكماليات التي لا تستطيع اللغة أن تجود بها في سهولة ويسر. فإذا ما وقع هذا الترادف التام، فالعادة أن يكون ذلك لفترة قصيرة محدودة؛ حيث إن الغموض الذي يعتري المدلول، والألوان أو الظلال المعنوية ذات الصبغة العاطفية أو الانفعالية التي تحيط بهذا المدلول لا تلبث ان تعمل على تحطيمه وتقويض أركانه "(6).
ص37
_______________
(1) يلفت الانتباه – في هذا المقام – شيوع الفظي: رجل، وامرأة، (وجمعهما) في عناوين الروايات العربية، بعكس لفظي: سيد، وسيدة، (وجمعهما).
انظر: د. طه وادي، وحسن سرور: بيليوجرافيا الرواية العربية. مجلة القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب. العدد 88 أكتوبر 1988. الصفحات من 58 – 66.
(2) د. مهدي صالح السامرائي: المجاز في البلاغة العربية. دار الدعوة، حماة، سورية (1394 هـ - 1974 م ). ص 219.
(3) انظر: د. غازي مختار طليمات: نظرات في علم دلالة الألفاظ عند أحمد بن فارس اللغوي.
حوليات كلية الآداب – جامعة الكويت، الحولية الحادية عشرة (1410- 1990). ص52.
(4) انظر: الرماني: الألفاظ المترادفة المتقاربة المعنى. تحقيق: د. فتح الله صالح على المصري. دار الوفاء للطباعة والنشر، المنصورة ج. م. ع. ط 1 (1407 هـ - 1987 م). ص 74، 75.
(5) William P. Alston: " Philosophy of language " , library of Congress , U. S. A. 1964. P. 44.
(6) ستيفن أولمان: دور الكلمة في اللغة. ترجمة: د. كمال بشر. مكتبة الشباب المنيرة، القاهرة (1975). ص97.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|