أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-01-2015
2018
التاريخ: 30-01-2015
1915
التاريخ: 30-01-2015
1657
التاريخ: 12-10-2014
1645
|
إنّ من أطلّ النظر على حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) يقف على أنّه كان يعبد الله سبحانه ويعتكف ب « حراء » كل سنة شهراً ، ولم يكن اعتكافه مجرّد تفكير في جلاله وجماله وآياته وآثاره ، بل كان مع ذلك متعبداً لله قانتاً له ، وقد نزل الوحي عليه وخلع عليه ثوب الرسالة وهو متحنث (1) ب « حرّاء » ، وذلك مما اتفق عليه أهل السير والتاريخ.
قال ابن هشام : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجاور ذلك الشهر من كل سنة ، يطعم من جاءه من المساكين ، فإذا قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جواره من شهره ذلك ، كان أوّل ما يبدأ به إذا انصرف من جواره ، الكعبة ، قبل أن يدخل بيته ، فيطوف بها سبعاً أو ما شاء الله من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته ، حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته ، من السنة التي بعثه الله تعالى فيها; وذلك الشهر شهر رمضان ، خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ، ورَحِمَ العبادَ بها ، جاءه جبريلُ (عليه السلام) بأمر الله تعالى (2).
ولم تكن عبادته منحصرة بالاعتكاف أو الطواف حول البيت بعد الفراغ منه ، بل دلت الروايات المتضافرة عن أئمّة أهل البيت على أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حج عشرين حجة مستسراً (3).
روى غياث بن إبراهيم ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « لم يحج النبي بعد قدوم المدينة إلاّ واحدة ، وقد حج بمكة مع قومه حجّات » (4).
ولم تكن أعماله الفردية أو الاجتماعية منحصرة في المستقلات العقلية ، كالاجتناب عن البغي والظلم وكالتحنن على اليتيم والعطف على المسكين ، بل كان في فترة من حياته راعياً للغنم ، وفي فترات أُخرى ضارباً في الأرض للتجارة ، ولم يكن في القيام بهذه الأعمال في غنى عن شرع يطبق أعماله عليه ، إذ لم يكن البيع والربا والخل والخمر ولا المذكّى وغيره عنده سواسية ، وليست هذه الأُمور ونظائرها مما يستقل العقل بأحكامها.
فطبيعة الحال تقتضي أن يكون (صلى الله عليه وآله وسلم) عارفاً بأحكام عباداته وطاعاته ، واقفاً على حرام أفعاله وحلالها ، في زواجه ونكاحه في حلّه وترحاله ، ولولاه أشرف على اقتراف ما حرّمه الله سبحانه في عامّة شرائعه ، والاقتراف أو الدنو منه يناقض أهداف البعثة ، فإنّها لا تتحقّق إلاّ بعمله قبل بعثته بما سوف يدعو إليه بعد بعثته.
وعلى ضوء هذه المقدمة يبطل القول الأوّل من أنّه لم يكن متعبّداً بشرع أصلاً ، لما عرفت من أنّ العبادة والطاعة لا تصح إلاّ بعد معرفة حدودها وخصوصيّاتها عن طريق الشرع ، كما أنّ الاجتناب عن محارم الله في العقود والإيقاعات وسائر ما يرجع إلى أعماله وأفعاله الفردية والاجتماعية ، يتوقف على معرفة الحلال والحرام ، حتى يتخذه مقياساً في مقام العمل ، وعند ذاك كيف يصح القول بأنّه لم يكن متعبّداً بشرع أصلاً ؟ وإلاّ يلزم أن ننكر عباداته وطاعاته قبل البعثة أو نرميه باقتراف الكبائر في تلك الفترة ، وهو يضاد عصمته قبل البعثة كما يضاد أهدافها.
قال العلاّمة المجلسي : قد ورد في أخبار كثيرة أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يطوف وأنّه كان يعبد الله في حراء ، وأنّه كان يراعي الآداب المنقولة من التسمية والتحميد عند الأكل وغيره ، وكيف يجوّز ذو مسكة من العقل ، على الله تعالى أن يهمل أفضل أنبيائه أربعين سنة بغير عبادة ؟! والمكابرة في ذلك سفسطة ، فلا يخلو إمّا أن يكون عاملاً بشريعة مختصة به أوحى الله إليه بها ، وهو المطلوب ، أو عاملاً بشريعة غيره (5).
نعم روى أحمد في مسنده ، عن سعيد بن زيد قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة هو وزيد بن حارثة ، فمرَّ بهما زيد بن عمرو بن نفيل فدعوه إلى سفرة لهما ، فقال يابن أخي إنّي لا آكل مما ذبح على النصب ، قال : فما رؤي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك أكل شيئاً مما ذبح على النصب ، قال : قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنّ أبي كان كما قد رأيت وبلغك ، ولو أدركك لآمن بك واتبعك فاستغفر له ؟ قال : نعم ، فاستغفر له فإنّه يبعث يوم القيامة أُمَّة واحدة (6).
نحن لا نعلق على هذا الحديث شيئاً سوى أنّه يستلزم أن يكون زيد أعرف بأحكام الله تعالى من النبي الأكرم ، الذي كان بمقربة من البعث إلى هداية الأُمّة ، أضف إليه أنّ الحديث مروي عن طريق سعيد بن زيد الذي يَدّعي فيه شرفاً لأبيه ، وفي الوقت نفسه نقصاً للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم). { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } [الكهف : 5].
__________________
(1) التحنث : هو التحنف ، بدّلت الفاء ( ثاء ) ، كما يقال ( جدف ) مكان جدث ، بمعنى القبر ، وربّما يقال : بأنّه بمعنى الخروج عن الحنث بمعنى الاثم ، كما أنّ التأثم هو الخروج عن الإثم ، والأوّل هو الأولى.
(2) السيرة النبوية : 1 / 236.
(3) الوسائل : 8 / 87 باب 45 ، استحباب تكرار الحج والعمرة ; البحار : 11 / 280.
(4) الوسائل : 8 / 88 باب 45 ، استحباب تكرار الحج والعمرة ، الحديث 4.
(5) البحار : 18 / 280.
(6) مسند أحمد : 1 / 189 ـ 190.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|