أقرأ أيضاً
التاريخ:
3366
التاريخ: 13-5-2016
3069
التاريخ: 30-3-2017
3025
التاريخ: 2-4-2017
3689
|
... اتماما للفائدة ندرج نص الآية التي نزلت في هذا المجال، والتي تسبّبت جملتان منها في إثارة الشكوك لدى بعض الجاهلين بحقائق السيرة النبويّة الزكية، ونعطي بعض التوضيحات اللازمة حولهما : وإليك نص الآية أولا :
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 37] .
وفيما يلي الجملتان اللتان تحتاجان الى التوضيح : وتخفي في نفسك ما الله مبديه.
فما ذا كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يخفي في نفسه وقد أظهره الله وأبداه بعد كل تلك النصيحة التي نصح بها (صلى الله عليه واله) زيدا؟
ربما يتصوّر أحد أنّ الأمر الذي كان يخفيه رسول الله (صلى الله عليه واله) هو رغبة النبيّ (صلى الله عليه واله) في تطليق زيد زوجته زينب أي أنه وان كان رسول الله (صلى الله عليه واله) ينهى زيدا في الظاهر عن تطليق زينب، إلا أنه كان في سرّه يرضى بذلك بل يرغب فيه ليتسنّى له بعد ذلك أن يتزوجها هو.
ولا شك أنّ هذا الاحتمال غير صحيح مطلقا لأن النبيّ (صلى الله عليه واله) إذا كان يبطن مثل هذا الأمر، فلما ذا لم يبد الله سبحانه نيّته هذه بآيات اخرى، في حين أنه سبحانه وعد في هذه الجملة بأن يظهر ما كان يخفيه رسول الله في نفسه إذ قال تعالى : مَا اللهُ مُبْدِيهِ ؟!
ولهذا قال المفسرون : إن المقصود مما كان يخفيه هو الوحي الالهي الّذي أنزله الله عليه، وتوضيح ذلك هو : أنّ الله تعالى أوحى إليه بأن زيدا سيطلّق زوجته رغم نصيحة النبيّ، وأنه (صلى الله عليه واله) سيتزوج بها من بعده لإبطال سنّة جاهلية مقيتة ( وهي حرمة الزواج بمطلّقة الدعيّ ).
ومن هنا كان رسول الله (صلى الله عليه واله) حين نصيحته لزيد ونهيه عن تطليق زينب زوجته ملتفتا ومنتبها إلى هذا الوحي الالهيّ أيضا، ولكنه أخفى هذا الوحي عن زيد وغيره، ولكن الله تعالى أخبر النبيّ في نفس تلك الجملة بأنه تعالى سيبدي للناس ما يخفيه رسول الله (صلى الله عليه واله) في قلبه، وأن الامر لن يبقى خافيا على أحد بإخفائه (صلى الله عليه واله) له.
ويشهد بهذا المعنى أنّ القرآن الكريم اظهر الامر في ذيل نفس هذه الآية إذ قال : {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37].
فمن هذا التعقيب يستفاد أن ما كان يخفيه رسول الله (صلى الله عليه واله) هو الوحي الالهي، بأنه عليه أن يتزوج بزوجة دعيّه بعد طلاقها لإبطال سنة جاهلية خاطئة.
2 ـ واما الجملة الثانية التي هي بحاجة الى التوضيح فهي قوله تعالى : وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ. غير أن هذا القسم من الآية هي الجملة الثانية الأقلّ إيهاما وغموضا من الجملة السابقة بدرجات، لأن تجاهل سنّة عريقة متجذرة في بيئة منحرفة (وهي الزواج بمطلّقة الدعيّ) يقترن ـ بطبيعة الحال وحتما ـ بحرج نفسيّ يزول ويرتفع لدى الأنبياء بتوجههم إلى الأمر الالهي..
واذا كان النبيّ (صلى الله عليه واله) يعاني من حرج نفسيّ شديد من هذه القضيّة فانما هو لأجل أنه (صلى الله عليه واله) كان يتصوّر أن جماعة العرب الذين لم يكن عهدهم بالإسلام طويلا، لم يمر على انقطاعهم عن عاداتهم وتقاليدهم الجاهلية سوى زمن قصير سيقولون : إن النبي ارتكب عملا سيّئا، والحال أن الامر ليس كما يعتقدون.
قال العلامة الطباطبائي في هذا الصدد : قوله : لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج أدعيائهم لمّا قضوا منهن وطرا تعليل للتزويج وبيان مصلحة للحكم. وقوله : و كان أمر الله مفعولا مشير الى تحقق الوقوع وتأكيد للحكم.
ومن ذلك يظهر أن الذي كان النبيّ (صلى الله عليه واله) يخفيه في نفسه هو ما فرض الله له أن يتزوجها لا هواها، وحبه الشديد لها وهي بعد مزوّجة كما ذكره جمع من المفسرين، واعتذروا بأنها حالة جبليّة لا يكاد يسلم منها البشر فإن فيه أولا : منع أن يكون بحيث يقوى عليه التربية الإلهية. وثانيا : أنه لا معنى حينئذ للعتاب على كتمانه وإخفائه في نفسه فلا مجوّز في الإسلام لذكر حلائل الناس
والتشبّب بهن.
ولما كانت المسألة مسألة وضع قانون جديد لهذا مضى القرآن الكريم يؤكدها ويزيل عنصر الغرابة عنها فقال تعالى : {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا * مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا} [الأحزاب: 38 - 48] .
ففي هذه الآيات اشارة إلى :
1 ـ أن ما قام به النبي من التزوج بزينب كان بأمر الله، وكان على سبيل سنّ قانون وتشريع سنة ولكن بصورة عملية، وإن ذلك القانون علم الله ضرورتها وقدرها وزمانها ومكانها.
2 ـ أن زيدا ليس ابن محمّد (صلى الله عليه واله) انما هو متبنّاه ودعيّه بل هو ابن والده حارثة واقعا وحقيقة وليس ذلك إلاّ تقرير وتأكيد للحقيقة التي سبقت الاشارة إليها في قوله تعالى : وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ.
3 ـ أن ما قام به رسول الله (صلى الله عليه واله) من التزوج بمطلّقة متبنّاه هو جزء من تشريعه الذي يشرّعه بأمر الله وإذنه تعالى لتسير عليه البشرية، وفق آخر رسالة السماء الى الأرض، لا أنه أمر واقع بدافع شخصي.
4 ـ إن الله هو الذي يعلم ما يصلح لهذه البشرية وما يصلحها وهو الذي فرض على النبيّ ما فرض ليحلّ للناس ازواج أدعيائهم اذا ما قضوا منهن وطرا وانتهت حاجتهم منهن واطلقوا سراحهن. قضى الله هذا وفق علمه بكل شيء، ومعرفته بالاصلح والاوفق من النظم والشرائع.
5 ـ إن ما سنّه الله للمسلمين وما اختاره تعالى للامة الاسلامية في مجال العلاقات العائلية يريد بها الخير والخروج من الظلمات إلى النور، فعليهم ان يذكروه ويشكروه أبدا ودائما، فانه سيكون لهم لو أطاعوه وسبّحوه وذكروه شأن في الملأ الاعلى فهو يصلي عليهم وملائكته، ويذكرهم هناك بالخير، وانما يفعل كل هذا من منطلق الرحمة والعناية بهم.
6 ـ أن وظيفة النبي (صلى الله عليه واله) في المسلمين هي ( الشهادة ) عليهم، فليحسنوا العمل، وهي ( التبشير ) لهم بما ينتظر العاملين من رحمة وغفران، و ( الانذار ) للغافلين المسيئين بما ينتظرهم من عذاب ونكال، و ( الدعوة الى الله ) لا إلى دنيا أو مجد أو عزة قومية أو عصبيّة جاهلية، وذلك باذن الله فما هو بمبتدع، ولا بقائل من عنده شيئا.
7 ـ ان على النبي (صلى الله عليه واله) أن يبشّر المؤمنين المطيعين لاوامر الله بأن لهم فضلا كبيرا، ولا يطيع الكافرين، والمنافقين، وألاّ يحفل أذاهم له وللمؤمنين، وان يتوكل على الله وحده وهو بنصره كفيل، وهو يوحي بأن المنافقين أرجفوا بالنبي (صلى الله عليه واله) في هذه القضية، ارجافا عظيما.
وكل هذه الامور توحي بأن تغيير تلك السنة الجاهلية ( عدم الزواج بمطلّقة المتبنّى ) كانت عملية صعبة فاحتاجت إلى كل هذا التعقيب، وبالتالي تثبيت الله للنفوس فيه، كي تتلقى ذلك الأمر بالرضى والقبول والتسليم، وهذا هو الحال عند سنّ القوانين المهمّة والخطيرة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|