أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-5-2017
1464
التاريخ: 16-11-2016
4447
التاريخ: 2-11-2018
1201
التاريخ: 6-11-2017
5450
|
الخطوات الاُولى للتزييف
[كان هنالك] رأي عام إسلامي قد توارث اُموراً أصبحت عنده في حكم المسلّمات، لذا فإن الزنادقة قد استغلوا هذه الأرضية الخصبة الممهدة لهم أبشع استغلال، لأن الأذهان كانت مهيأة لقبول رواياتهم من قبل، فكيف ومتى تكوّن هذا الرأي العام الذي نجد الكثير من المؤرخين يحاولون مجاملته؟
إن الاُمور ستكون أكثر وضوحاً إذا تتبعنا القضية من بدايتها.
ذكر المؤرخون أن معاوية بن أبي سفيان "استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين، فلما أمّره عليها، دعاه وقال له: أما بعد، فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تُقرع العصا، وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد أردتُ إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك، ولستُ تاركاً إيصاءك بخصلة: لا تترك شتم عليّ وذمّه، والترحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب لأصحاب علي والاقصاء لهم، والإطراء بشيعة عثمان والادناء لهم! فقال له المغيرة: قد جَرّبت وجُرّبت، وعملتُ قبلك لغيرك فلم يذممني، وستبلو فتحمد أو تذم.
فقال: بل نحمد إن شاء الله.
فأقام المغيرة عاملا على الكوفة، وهو أحسن شيء سيرة، غير أنه لا يدع شتم علي والوقوع فيه، والدعاء لعثمان والاستغفار له... (1).
هكذا كانت البداية، فمنذ أن استولى معاوية على مقاليد الاُمور، وجلس على كرسي الخلافة، بدأ بتشكيل الخميرة الاعلامية التي سوف تبدأ بالانتشار والتغلغل في أذهان الناس، ويتربى عليها الأجيال شيئاً فشيئاً حتى تصبح عندها من المسلمات.
ولما كانت الكوفة هي أخطر المعاقل بالنسبة للاُمويين، فإن معاوية جرّب هذا الاسلوب مبتدئاً بها، ثم جاءت الخطوات التالية في تعميم هذا الأمر على كافة الولايات والأمصار.
روى المدائني في كتاب (الأحداث) قال:
كتب معاوية نسخة واحدة الى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمة ممن روى شيئاً من فضل أبي تراب وأهل بيته.
فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون علياً ويبرؤون منه، ويقعون في أهل بيته، وكان أشد الناس بلاءً حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي (عليه السلام)، فاستعمل عليهم زياد بن سميّة، وضمّ إليه البصرة، فكان يتتبّع الشيعة وهو بهم عارف، لأنه كان منهم أيام علي (عليه السلام) ; فقتلهم تحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشرّدهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.
وكتب معاوية الى عمّاله في جميع الآفاق، ألاّ يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه; فأدنوا مجالسهم وقرّبوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته! ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصّلات والكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة، إلاّ كتب اسمه وقرّبه وشفّعه فلبثوا بذلك حيناً...(2).
هكذا بدأت سياسة معاوية الاعلامية في تشكيل الرأي العام الإسلامي المناهض لعلي بن أبي طالب وشيعته، والمتعاطف مع عثمان بن عفان وشيعته، وامتد ذلك على مدى عشرين عاماً من خلافة معاوية، وهي مدة تكفي لنشوء جيل على هذه العقيدة الجديدة.
ولم يتوان معاوية طيلة مدة حكمه عن الاستمرار في هذه السياسة ودفعها الى الأمام بشكل مستمر، ولم يقبل نصيحة أو رأياً حتى من معاونيه الذين قال ابن أبي الحديد المعتزلي: اشتركوا معه في أداء هذه المهمة وانجاحها.
" روى الزبير بن بكار في (الموفقيات) -وهو غير متهم على معاوية، ولا منسوب الى اعتقاد الشيعة، لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي (عليه السلام) والانحراف عنه-:
قال المطرّف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية، وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف اليّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب مما يرى منه; إذ جاء ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة، وظننت أنه لأمر حدث فينا، فقلت: مالي أراك مغتماً منذ الليلة؟ فقال: يا بني، جئتُ من عند أكفر الناس وأخبثهم! قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سنّاً يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا وبسطت خيراً، فإنك قد كبرت، ولو نظرت الى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم، فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه.
فقال: هيهات هيهات، أي ذكر أرجو بقاءه؟ ملك أخو تيم فعدل، وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر. ثم ملك أخو عدي، فاجتهد وشمّر عشر سنين; فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلاّ أن يقول قائل: عمر، وإن ابن أبي كبشة ليُصاح به كل يوم خمس مرات أشهد أن محمّداً رسول الله فأي عمل يبقى وأيُّ ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك! لا والله إلاّ دفناً دفناً!" (3).
وقد أدرك المغيرة بعد هذا اللقاء، أن لا مندوحة له من الاستمرار في انتهاج السياسة التي رسمها له معاوية حتى النهاية، رغم أن المغيرة كان يعلم جيداً أن ما يذكره من فضل عثمان وذم عليّ لا حقيقة له، ولكنه ملزم به، وبخاصة في بلدة مثل الكوفة، وما جرى بينه وبين صعصعة بن صوحان -فيما أورده المؤرخون- يدل على ذلك، إذ أنه "بلغه أنه يعيب عثمان بن عفان ويكثر ذكر علي ويفضّله، وكان المغيرة دعاه وقال له: إيّاك أن يبلغني عنك أنك تعيب عثمان، وإياك أن يبلغني أنك تظهر شيئاً من فضل علي، فأنا أعلم بذلك منك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بأظهار عيبه للناس، فنحن ندع شيئاً كثيراً مما أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بدّاً، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا، فإن كنت ذاكراً فضله، فاذكره بينك وبين أصحابك في منازلكم سراً، وأما علانية في المسجد، فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا...
وهكذا استمرت السياسة على هذا المنوال طيلة عهد بني اُمية، بعد أن وضع معاوية لِبنتها الاُولى، فمرّت السنوات الطوال، وفتحت الأجيال الجديدة أعينها على واقع جديد، فالاعلام الرسمي المعلن الذي تتبناه الدولة، تظهر عثمان بن عفان وشيعته من بني اُمية وغيرهم، هم أصحاب الفضائل والمحاسن العظيمة، بينما تختفي الحقائق عن فضل علي بن أبي طالب وشيعته وأهل بيته من على ساحة الاعلام الرسمي، ليتناقلها العارفون بها سراً، فيسير هذان الخطان جنباً لجنب، ويبدأ عصر التدوين، فتأتي الأخبار من مصادرها على نوعين، نوع تتبناه الدولة رسمياً، يحمل في جوفه كل الأخبار الزائفة، ونوع يتبناه طلاب الحقيقة، ممن لا يخالطون السلطان ولا يقتاتون على موائده، وتأتي الشواهد لتثبت ذلك كله.
____________
(1) تاريخ الطبري 5: 253، الكامل في التاريخ 3: 472.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 11: 44.
(3) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 5: 129.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|