أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-10-2019
1154
التاريخ: 16-11-2016
2113
التاريخ: 23-5-2017
5768
التاريخ: 26-9-2018
2049
|
سياسة معاوية
ثم دس معاوية للحسن (عليه السلام) السم وإنفرد بالأمر... وهذا كله مفصل في كتب التاريخ كلها فليرجع اليه من شاء، وقد أعرضنا عن تفصيله لما يقتضيه المقام من الإختصار.
ركب معاوية السلطة، ووقف بعدها ليعلن فصل الدين عن الدولة صراحة، ويقول (يا أهل الكوفة أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وأَلي رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم له كارهون.
ألا إن كل دم أصيب في هذه مطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين) (1)
وهذا منه إعلان صريح بما يلي:
1 ـ أن العبادات قد فصلت عن القيادة والسياسة، فالأولى لكم فيها اتباع الشرع وما قال الله وقال الرسول، والثانية لي وأنا حر فيها.
2 ـ أنه قاتل الناس ليتأمر عليهم، ويأخذ القيادة بحد السيف.
3 ـ أن الناس كارهون له في ذلك، إذ لم يكن ما فعله يحظى بذرة رضا.
4 ـ التخلص من كل العهود والمواثيق والشروط التي قطعها على نفسه مع الإمام الحسن ومع الأشخاص والقبائل، وأن الدماء التي أريقت في سبيل وصوله الى السلطة، والمعارك التي قتل فيها عشرات الألوف من المسلمين لا حساب عليها ولا قود ولا عقاب، وعلى الأمة إذن أن تنسى ما كان، وتبدأ صفحة جديدة من تاريخها، الذي ستبدأ أحداثه وفق تصور جديد، وسياسة مغايرة.
ثم قاد معاوية الثورة المضادة بمعنى الكلمة، فأسس جهازاً لتشويه أهل الحق، وآخر لتصفية المعارضين جسدياً، واخترع الأحاديث، ولفق التفاسير، وأنشأ الفرق الفكرية المعارضة، ونشر بين المسلمين السكوت على الظلم والظالمين بل وتأييدهم، وأن الأسلم لهم عند احتدام المعركة بين الحق والباطل الفرار الى رؤوس الجبال خشية الفتنة، وأرهب الآمنين من الناس، وصادر أموال المعارضين ظلماً وعدواناً، وأغدق أموال الدولة على حزبه ومؤيديه، وعطل الحدود وأوقف الشرع، وابتدع في الدين على النحو المفصل في تاريخنا المقروء الذي يعرفه كل صبي.
غير أن خطورة ما فعله معاوية تكمن في أنه ما فعله باسم أية نظرية أخرى صراحةً بل باسم الإسلام، فإذا الإسلام الذي قدمه للناس شيئاً آخر يعاكس تمام الإسلام المحمدي.
فكان ثورة مضادة سارت في الإتجاه المعاكس كلية، لكنها تحمل اسم الإسلام القديم.
وأخطر من هذا كله أن مشايخنا وعلماءنا ـ إن صح وصفهم بالعلماء ـ غلفوا هذا السم الزعاف بطبقة حلوة المنظر، وقالوا لنا إنه لم يكن انقلاباً على الإسلام بأي معنى بل كان إجتهاداً، وأخذنا نحن من أيديهم هذا السم المدسوس، واعتقدنا أنه الدواء الناجع الفعال الذي يشفى ما بنا ـ بل وما بالأجيال المسلمة الى يوم القيامة ـ من كل الأسقام، واشتركنا معهم في هذه الجريمة، وضللنا معهم أنفسنا وأبناءنا والأجيال التالية، ولم نفكر لحظة في أن ما قاله مشايخنا ينبغي فحصه والتروي في قبوله، وأن الأخطاء المخالفة للإسلام لابد وأن نعترف بها ونتجنبها في كل مسيرة، ليكون ما لدينا من إسلام صافياً رائقاً، وتمادينا تحت تخدير العواطف فإذا بنا ليوم في مآزق وحفر عميقه حفرها لنا علماؤنا، وقفزنا فيها بإرادتنا دون وعي، ولا نستطيع اليوم أن نخرج منها.
والأغبى من هذا التصرف، أننا نبصق في وجه كل من ألقى لنا حبلاً من عقل لنستمسك به، ونخرج من هذه الحفر الى حيث الهواء النقي، والفكر الإسلامي الحر، الذي لا يقدس الأوراق ولا الأشخاص، إلا ما ومن كان منها مقدساً يستحق التقديس حقاً.
هكذا رأينا كيف اختارت الأمة قيادة باختيارها الحر في النور، كما حدث مع الإمام علي (عليه السلام) بعد أن كان الوقت المناسب قد مضى، وهو ما يعتبر شكلاً آخر من أشكال تعيين القيادة يختلف عما سبقه من أشكال.
ثم ما إن تولت القيادة الجديدة حتى بدأت الطوابير الخفية في العمل لإقصائها، فرأينا شكلاً وأسلوباً آخر للقيادة هو ما فعله معاوية، وهو ما يقودنا الى نتائج تستحق إمعان الفكر:
أولاً:
إن بيعة علي (عليه السلام) إذا كانت هي الصواب أو الطريق الطبيعي لاختيار القيادة، لأنها تمت برضا المسلمين ومشورتهم، فما حكم ما فعله معاوية ؟ وإن كان ما فعله معاوية لا غبار عليه، فكيف يمكن الدفاع عن بيعة علي (عليه السلام) ونحن أهل السنة نؤمن بخلافته الراشدة وبيعته السليمة ؟
ثانياً:
أن الطريقة التي وصل بها معاوية الى الحكم وتصدر القيادة إن كانت صحيحة وفق الإسلام ـ ولا أعتقد بصحتها أبداً ـ فكيف يمكن إغلاق باب البغي والإنقلابات العسكرية ضد النظام الإسلامي، إن شاء له الله أن يقوم هنا أو هناك ؟ لأن هذا يمكن أن يقع في أي وقت بعد اللحظة الأولى التي تتأسس فيها دولة إسلام.
فما موقفنا من هذه الإنقلابات ومن يفعلها، بشرط أن يكون موقفا متسقاً مع تاريخنا وإسلامنا، لأننا إذا آمنا بما فعله معاوية، ثم أدانت أجيالنا الإنقلابات العسكرية كطريق للوصول الى السلطة وأخذ القيادة، وقعنا في تناقض يعطي من قام بالإنقلاب فرصة ليقول: والله أسوتي في ذلك معاوية، وأنتم لستم بأعلم منه ولا تعتقدون بخطئة.
فماذا نقول له ؟
ثالثاً:
أننا لا نستطيع اعتبار طريقة معاوية شكلاً من أشكال الإسلام، ثم في نفس الوقت نؤمن بعدم شرعية النظم التي تركبنا، خصوصاً في الدول العربية، لأن كل هذه النظم في حقيقة الأمر امتداد لنظام معاوية تستمد منه شرعيتها في الإستيلاء على قيادة الأمة، وتقتدي به.
وقد يقول أحدنا: يا عزيزي إن عدم شرعيتها في أنها لا تطبق الإسلام ولا تحكم بما أنزل الله، فأقول: قد فعلها النميري من قبل وضياء الحق، فهل صارت نظمهما إسلامية؟ وأين الإسلام الذي طبقوه، ولماذا لم يستمر بعدهم.
إن هذه الجنينية في التفكير ـ التي تزعم أن الحاكم إذا شرع في تطبيق الإسلام، وجب علينا أن ندعوه أمير المؤمنين بصرف النظر عن طريقة وصوله الى القيادة ـ لو تمسكنا بها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، لأن الشرعية شيء آخر ولها معايير مختلفة، وهو ما قد أشير اليه في الباب القادم.
نحن إذن أمام معضلة وعلينا حلها: إما أن يكون أسلوب معاوية وأفعاله خطأ، وبالتالي فالأنظمة التي تركبنا اليوم في العالم العربي والإسلامي خطأ وغير شرعية.
وإما أن نعتقد صحة طريق معاوية، ولا نستطيع أن نمس هذه الأنظمة بسوء، وتكون كلها على صواب وشرعية، وإياكم وأن تفتحوا فمكم بكلمة ضدها.
يقول معاوية لسفيان بن عوف الغامدي أحد قادته العسكريين، وقد بعثه ليغير على المسلمين في العراق:
(إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم، وتفرح كل من له هوى فينا منهم، وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر، فاقتل كل من لقيته ممن ليس على رأيك، وأخرب كل ما مررت به من القرى، وأحرب الأموال فإن حرب الأموال شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلب) (2)
هذا مثل من آلاف الأقوال والسياسات التي أثرت عن معاوية، وحفظتها لنا كتب التاريخ، فماذا لو اقتدى بها حكامنا، أنغضب ونسب ونلعن ؟ وإذا قالوا: إن لنا في معاوية أسوة حسنة وقد سبقنا إليها ومعه أكثر الصحابة، وما اعترض عليه أحد من كبارهم وهم أهل العقد والحل، فماذا نقول لهم ؟
وإذا راق للبعض أن يقولوا إن الجيل الأول كانوا صحابة، أما نحن فلسنا بصحابة.
قلنا أفنزلت الشريعة سواء للكل وفي كل العصور ؟ أم استثني الصحابة من أحكامها ؟ أم أن لدينا شريعيتن أحدهما للصحابة والجيل الأول والثانية للمسلمين من الدرجات الثانية والعاشرة أمثالنا ؟ فإن كان لدينا دليل على أن ما ينطبق علينا لا ينطبق على الصحابة فأين هو، هاتوه ففيه حل جميع المعضلات.
إن وصول معاوية إلى قيادة خير أمة لم يكن غير نتيجة منطقية لأزمة القيادة التي ألقى الأمة والدولة في دوامتها نفر من كبار الجيل الأول، لاعتبارات آخر ما فيها مصلحة الدين والدولة، فظلت مخالفاتهم تتعاظم يوماً بعد يوم حتى وجد المسلمون أنفسهم بين أنياب بني أمية، ومنذ ذلك الحين ونحن نتوارث هذه السياسات، يحكمنا بها الطواغيت، فيركبوننا ويقضون علينا مآربهم، ونستكين لهم بهذه السياسات، لا فرق بين ماضينا وحاضرنا، فما نراه اليوم ليس إلا صورة عصرية مما ارتكبه الأوائل ومارسه السلف، وليس من سبيل الى إصلاح الحاضر إلا بالوقوف موقفاً محدداً من هذا الماضي، ورفض ما خالف ومن خالف فيه أحكام الإسلام، وهي واضحة جلية من أجل أن نعرف رأسنا من أرجلنا، على الأقل قبل قليل من يوم القيامة.
لكن مصيبتنا السوداء أننا نعيش على فتات ماضينا، نلوك حوادثه، ونمضغ سيرة السلف دون أن نزيل عنها ما علق بها، فيتحول كل هذا في دمائنا أفيوناً وبلادةً، دون أن نحس، لأن هذه الوقائع قد حولت الى معتقدات تقدم لنا ملفوفة في أوراق إسلامية، حملت أسماء مشاهير، وما طبعت إلا في مطابع السلطة.
____________
(1) الكامل لابن الأثير: 6/220، مصر، 1356هـ.
(2) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد الشافعي: 2/85 ـ 86.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|