أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-12-2014
4312
التاريخ: 4-4-2017
4083
التاريخ: 4-5-2017
3346
التاريخ:
3875
|
في الوَقت الّذي كنّا نسطّر فيه مواضيع هذا الفصل كان سجن القطيف يضمُّ بين جدرانه شاباً حر الضمير شجاعاً مقداماً له يكن له من ذنب إلاّ أنه الّف كتاباً باسم أبو طالب مؤمن قريش يتناول إسلام أبي طالب وإيمانه وإخلاصه مثبتاً كل ذلك من مصادر أهل السنّة .
فطلبت منه السلطات القضائيّة في الحجاز ـ وفي عصر يتسمُ بحرّية التفكير والبيانِ والاعتقاد ـ بأن يتراجع عن كلامه وحيث إنه لم يكن ليريد أن ينكر حقيقة اعتقد بها عن قناعة ويقين حكمت عليه تلك السلطات بالإعدام.
وقد نجا هذا الفتى الشجاع والكاتب الحرّ من الاعدام اثر جهود اسلامية واسعة وخُفِضت عقوبته إلى الحبس المؤبّد الّذي خفّض اثر جهود اسلامية مرّة اُخرى إلى عقوبة الجَلد ثمانين جلدة!!.
وهو الآن يلبث في أحد السجون بانتظار المصير المجهول إذ على المسلمين إما أن يهتمّوا بالأمر ويطلبوا من السلطات القضائية السعودية صرف النظر عن عقوبته بل والافراج عنه نهائياً.
وإما أن يفقد هذا الشاب المجاهد الشجاع البريء حياته تحت سياط تلك السلطات الجائرة الحاكمة زوراً وقهراً على أرض الحجاز .
لقد سقطت مؤامرة الحصار الاقتصادي ضدّ النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) بفعل إقدام ثلة من ذوي المروءة وأيضاً بفضل صمود النبيّ (صـلى الله علـيه وآله) وثباتهم العظيم. وخرج النبيّ وأنصاره من شِعب أبي طالب بعد ثلاث سنوات من النفي والعذاب وعادوا إلى منازلهم ظافرين مرفوعي الرؤوس.
وعاد التعامُل الاقتصادي مع المسلمين إلى ما كان عليه قبل الحصار وكانت أوضاع المسلمين تسير نحو الانتعاش والانفراج شيئاً فشيئاً وإذا برسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) يُفاجَأ بحادث مؤلم مرٍّ ذلك هو وفاة شخصية كبرى أحدث فقدانها أثراً سيّئاً في نفوس المسلمين وبخاصة المستضعفين منهم.
ولقد كان هذا الأثر عظيماً جداً بحيث لا يمكن قياسه بشيء بالنظر إلى تلك الظروف الحساسة وذلك لأن نمو أية عقيدة وفكرة إنما يكون في ظل عاملين أساسيّين :
أحدهما : حرية التعبير والآخر : القوة الدفاعية الّتي تحمي أصحاب تلك العقيدة والفكرة ضدّ حملات الخصوم الّتي لا ترحم.
ولقد كان المسلمون ـ آنذاك ـ يتمتعون بحرية البيان والتعبير ولكنهم افتقدوا بسبب الحادث المفاجئ المذكور .
العاملَ الجوهري والمصيري الثاني يعني : حامي الإسلام والمدافع الوحيد عنه الّذي وافته المنية في تلك الايام الحساسة وحُرم المسلمون بوفاته من حمايته ودفاعه ووقايته.
أجل لقد فَقَد رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) حاميه العظيم الّذي تولى مهمة كفالته والدفاع عنه والمحافظة على حياته بصدق واخلاص وجدّ ورغبة وكان يقيه بنفسه وذويه ويؤثره على نفسه وأولاده وينفق عليه من ماله حتّى كَبُرَ وصار له مال وطول منذ أن كان (صـلى الله علـيه وآله) في السنة الثامنة من عمره وحتّى يوم وفاة ذلك الحامي العظيم ورسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) في الخمسين من عمره.
لقد فَقَد رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) شخصيةً خاطبها عبدُالمطلب عند وفاته بالشعر قائلا :
اُوصِيكَ يا عَبدَ مناف بعدي
بموحد بَعدَ أبيهِ فَردِ
فأجابه أبو طالب قائلا : يا أبَه لا توصِيَّنِ بمحمّد فانه إبني وابن أخي .
ولعلّ رسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) قد تذكر في اللحظة الّتي ظهر فيها على جبين ابي طالب عرقُ الموت جميع الحوادث الحلوة والمرة وقال في نفسه :
1 ـ إن هذا الشخص المسجّى على فراش الموت هو عمّه الرؤوف الّذي ظلَّ يحرسه بالليل والنهار طيلة سنوات الحصار في الشعب فاذا جاء الليل قام عند رأسه بالسيف يحرسه.
ورسول اللّه (صـلى الله علـيه وآله) مضطجع ثم يقيمه من فراشه إذا مضى شطرٌ من الليل ويضجعه في موضع آخر ويضجع مكانه ولده علي بن أبي طالب حتّى لا تغتاله قريش بعد أن رَصَدوا مكانه وكمنوا له وكان يفعل أبو طالب ذلك طوال الليل كله فيفديني بولده علي ويقيني به حتّى إذا قال له عليٌ ليلة : يا أبتاه إني مقتول ذات ليلة .
فأجابه أبو طالب بنبرة المتحمّس الصبور :
إصبِرَن يا بُنَيَّ فَالصبِرُ أحجى
كُلُّ حَىٍّ مَصِيرُه لِشُعُوبِ
قَد بَلَوناك وَالبَلاءُ شَديدٌ
لِفِداءِ النَجِيبِ وَابنِ النَجيبِ
فأجابه عليّ بكلام اكثر حلاوةً وعمقاً قائلاً :
أَتَامُرُني بالصَّبرِ في نَصر أحمَدٍ؟
وَ وَاللّهِ ما قُلتُ الّذي قُلتُ جازعاً
وَلكِنَّني أَحبَبتُ أن تَرَ نُصرَتي
وَتعلَمَ أَنّي لَم أَزَل لَكَ طائِعاً
2 ـ إن هذا الجثمان الّذي فارقته الروح هو جثمان عمّي العطوف الّذي شُرّدَ هو وذووه وعرَّض نفسَه وأهلَه للبَلاء والمحنَة بسبب الحصار لأجلي وأمر بأن يحرسونني ليلَ نهار تاركاً زعامته وسيادته وكلّ شؤُونه للحفاظ عليَّ والإبقاء على رسالتي وأرسل إلى قريش رسالةً قويةً أعلنَ فيها عن وُقُوفه إلى جانبي وانه لن يسلمني ويخذلني مادام حيّاً إذ قال :
فَلا تَحسبُونا خاذِلين مُحمَّداً
لذي غُربة مِنّا وَلا مُتَقرّب
سَتَمنعُه مِنّا يَدٌ هاشِميّةٌ
وَمَركَبُها في الناسِ أخشن مركب
بعد أن تحقق موت ابي طالب ارتفع الصراخ والنحيب من منازله وبيوته واجتمع حول بيته العدوُّ والصديقُ والقريبُ والبعيد واشترك الجميعُ في مراسيم دفنه بقلوب آلمتها الفجيعة به وقرّحها الحزنُ عليه.
وهل ترى تنتهي آثار وردود فعل وفاة شخصية عظيمة الشأن مثل ابي طالب الّذي كان زعيم قريش وسيد عشيرته بمثل هذه السرعة والبساطة؟
كلا بل سيكون لفقدانه اكبر الأثر على مسيرة الدعوة كما ستعرف ذلك مستقبلا.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الفكرية والثقافية يجري اختبارات مسابقة حفظ دعاء أهل الثغور
|
|
|