أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-4-2017
2825
التاريخ: 12-6-2016
6389
التاريخ: 8-6-2016
14603
التاريخ: 1-9-2020
4163
|
شكل القرار هو ما يشتمله القرار من مظاهر خارجية، وعندما لا تراعي الادارة ولا تلتزم بالشروط والاجراءات الشكلية الواجبة الاتباع في اصدار القرار نكون امام ما يسمى بعيب الشكل، فعيب الشكل هو (عدم احترام القواعد الشكلية والإجرائية المقررة في القوانين واللوائح لاصدار القرارات الإدارية، سواء أكان ذلك بإهمال تلك القواعد كليا ام بمخالفتها جزئيا)(1) وصدور القرار من جهة إدارية مختصة غير كافٍ لصحة القرار وإنما لا بد ان يصدر باتباع إجراءات واعمال تحضيرية وأشكال تختلف من قرار للآخر(2) فالمشرع يستهدف من النص على قواعد الشكل والإجراءات تحقيق مصلحة الإدارة والأفراد في وقت واحد فمصلحة الإدارة تتحقق من خلال حمايتها من التسرع واتخاذ قرارات غير مدروسة ووزن الأمر تحقيقا للمصلحة العامة لذلك فهي ليست مجرد روتين او عقبات او قواعد إجرائية لا قيمة لها. اما مصلحة الأفراد فتتمثل بالضمانات التي توفرها قواعد الشكل والإجراءات في مواجهة السلطة الإدارية وقراراتها، فمثلاً مصادرة التامين النهائي لا يستخدم للتاخير في تنفيذ الاعمال ، لأن له مهمة حددها القانون ضمان لاجراء العمل على الوجه الاكمل ، لذلك فان استخدام مصادرة التامين في غير ما حدده القانون يشكل انحرافاً بالاجراءات، من ثم يكون حقيقياً بالالغاء(3). وهذا ما أكدته محكمة القضاء الإداري في مصر في حكمها المؤرخ 1/7/1957 بالقول: (من المقرر فقهاً وقضاءً ان الأصل في الشكليات والإجراءات انها مقررة لمصلحة عامة قدرها المشرع))(4). فالإدارة حرة في اختيار الشكل الذي تفرغ بها إرادتها لان القاعدة العامة تقضي بان المشرع إذا لم يحدد شكلا معينا للقرار فانه في هذه الحالة يمكن ان يظهر باي شكل فقد يكون مكتوباً أو شفاهةً او بالإشارة أو عن طريق التلكس (Telex) والذي عده القضاء الإداري في الفرنسي شكلا من الأشكال التي يمكن ان تعبر الإدارة به عن قرارها(5). فالإجراء بوصفه سبيلاً لاقتضاء الحق، او ضمانه لعدم الانحراف بالسلطة لا تعدو شرعيته في نطاق دراستنا- ان تكون محاولة للتوفيق بين أمرين: الفاعلية والضمان: فاعلية قيام الإدارة بوظيفتها التنفيذية على النحو المقتضى قانوناً وضمان لا تبقى حالة تعدية على حقوق الأفراد المكفولة دستوريا وهو يمثل سياجا يحد من تطرف سلطة الإدارة في اتخاذ الجزاء(6). والإجراءات في نطاق قرار الجزاء تكون على نوعين: إجراءات جزائية خاصة ووجه الخصوصية فيها اختلافها تبعا لنوع الجزاء فهي ليست لازمة الاتباع في جميع الجزاءات وانما تكون واجبة في بعضها دون البعض الآخر وإجراءات جزائية عامة يلزم استيفاؤها لمختلف الجزاءات الإدارية ايا كان نوع الجزاء ومهما يكن مجال انطباقه(7) وان جوهرية الإجراء وعلى نحو ما يقول بعض الفقهاء لا تعد في حقيقتها ان تكون معيارا تفسيريا لارادة المشرع، وانفاذ هذه الإرادة تبعا لظروف الحالة المعروضة(8) فالإجراءات هي نفسها تختلف اختلافا واضحا من حالة الى أخرى تبعا لطبيعة وأهمية الموضوع وتبعا لاعتبارات عديدة منها الهدف من تدخل الإدارة ومدى ما تقتضيه المصلحة العامة من اتخاذ تدابير فورية فبعض الدول تأخذ بنظام الرقابة القضائية الى مدى يكاد يشتمل كل نشاط الإدارة بحيث تكون مهمة الرقابة هنا إخضاع تلك الإجراءات لقواعد وأصول عامة ووضع التوجهات الضرورية عن طريق أعمال لوسيلة الرقابة اللاحقة على المشروعية(9). لذلك من اجل تسليط الضوء على الرقابة على شرعية الشكل والإجراءات في نطاق قرار الجزاء يقضي دراستها من خلال ثلاثة أقسام:
نتناول في هذا المجال ما استقر عليه القضاء بشان التفرقة التي ابتدعها مجلس الدولة الفرنسي بين ما يعد من الإجراءات والشكليات الجوهرية وبين الشكليات ولإجراءات الثانوية وباستقراء أحكام القضاء نجد ان هنالك أربعة معايير للحكم على جوهرية الإجراء.
المعيار الأول: الجزاء القانوني المترتب على إغفاله.
المعيار الثاني: طبيعة المصلحة ما إذا كانت المصلحة جديرة بالاعتبار في نظر المشرع ام لا.
المعيار الثالث: معيار الأثر.
المعيار الرابع: صاحب المصلحة(10).
في ضوء ما تقدم بشأن جوهرية الإجراءات المتفاوتة التي تسبق توقيع الجزاء يتبين بأن هذه الإجراءات يمكن تصنيفها الى عدة أنواع وهي:
يعني ضرورة ان تحيط الإدارة المخالف علما بما تنوي اتخاذه من اجراء في مواجهته قبل حدوثه، بهدف تدارك الموقف وتصحيح وفسح المجال للمخالف لإزالة أسباب المخالفة وهو في هذه الحالة يعد إنذار قبل إنزال الادارة الجزاء عليه الإدارة غير ملزمة ان يتخذ الأخطار (الإنذار) شكلاً معينا، ما لم يلزمها المشرع بذلك(11)، ومن الجدير بالذكر ان الاعذار يتم بمختلف الطرائق التي يحددها القانون . ففي مصر يكون اعذار المدين بانذاره استناداً الى المادة (219) من القانون المدني المصري او ان تتم على الوجه المبين في قانون المرافعات او الاتفاق في العقد على ان يكون المدين معذراً بمجرد حلول الاجل للوفاء بالتزاماته من دون الالتزام باتخاذ أي اجراء(12). وفي فرنسا نجد الاعذار يتم على وفق الطريق الاداري الذي تحدده الادارة في العقد او قد يكون عن طريق رسالة مسجلة موجهه الى المتعاقد(13). اما في العراق فانه بموجب المادة (257) من القانون المدني يكون المدين معذراً بإنذاره ويجوز أن يتم الاعذار بأي طلب عتابي آخر كما يجوز أن يكون مترتباً على اتفاق يقضي بأن يكون المدين معذراً بمجرد حلول الأجل دون حاجة إلى انذار(14). وبناء عليه يتضح لنا بان قاعدة الاعذار ليست مطلقة اذ يمكن الاتفاق على الاعفاء منها لأنه ليست من النظام العام فضلاً انه لا يوجد شكل محدد لصيغة الاعذار لذلك فالادارة تلتزم ببذل عناية كافية في سبيل ارسال الاخطار اليه اما اذا قصرت في هذا فانه يؤدي الى بطلان الجزاء لتخلف اجراء جوهري فيه وهذا ما اكدته المحكمة الادارية العليا المصرية في حكمها المرقم 858 والصادر في 6/1/1968 الذي تذهب فيه (في حالة ما اذا كانت الادارة لم تقم باخطار صاحب العطاء الثاني لتنفيذ العملية فانها لا تستحق المصاريف الادارية المطالب بها)(15). أما الالتزام الآخر للادارة فهو إعطاء المخالف المهلة الكافية والتي يمكن من خلالها ازالة اسباب المخالفة بدءا من تاريخ اعذاره وهذه المدة كثيراً ما يتولى المشرع تحديدها ولكنه في بعض الاحيان قد يكتفي بالنص على الالتزام ويترك للإدارة تحديد المدة حسب ظروف كل حالة (16) ومن يتابع مواد القانون المدني العراقي يجد ان المشرع لم يقم بتحديد مدة الاعذار باعتبار ان الادارة هي المسؤولة عن حسن سير المرفق العام فهي الاجدر في تحديد المدة التي يمكن ان يتم فيها اصلاح المخالفات وهذا براينا مسلك يتسم بالمرونة لان تحديد المدة يعد قيداً على حرية المتعاقد ويخلق مشاكل في التطبيق منها متى تبدأ المدة و تنتهي بالعكس.
لقد أستقر الفقه والقانون على أنه إذا الزم القانون اخذ رأي لجنة فنية معينة قبل إصدار قرار معين فان هذا الإجراء يعتبر ضرورياً حتى ولو كان رأي هذه اللجنة استشاريا لمن ينعقد له الاختصاص بإصدار القرار والمسالة هنا لا ترتبط بمدى الالتزام بالرأي بقدر ما تتعلق بأهمية رأي هذه الجهة لكي يكون مصدر القرار على بينة به فيسدده في خطأ ويحميه من الزلل حال التقدير(17). وهذا ما نصت عليه المادة ( 25) فقرة (ب) من نظام الاشغال الحكومية الاردني المرقم (71) لسنة 1986 التي تنص على أن (للوزير شطب تصنيف أي مقاول او مستشار تكرر عدم وفائه بالالتزام او سحب منه اكثر من مشروع ، وذلك بناء على تنسيب لجنة فنية خاصة يشكلها لهذه الغاية) وعلى نحو ما يبدو من هذا النص ان رأي اللجنة استشاري وغير ملزم للوزير فهذا الاخير يلتزم فحسب وفقاً لمنطوق النص باخذ رأي اللجنة ولكنه لا يكون ملزماً بالتقيد به(18) . وهنالك مسألة يجب أخذها بالحسبان تتمثل في ان المشرع يطلب اخذ رأي لجنة او هيئة قبل إصدار القرار الجزائي- دون ان يحدد طبيعتها وهنا لا يكون للإدارة حجة في عدم تحديد طبيعة اللجنة قبل اتخاذها القرار ان ترجع الى أي لجنة وانما تلتزم بان تكون اللجنة التي ترجع إليها متخصصة فيما تشار فيه وهو التزام يستلزمه المنطق ولا يحتاج الى نص يقرره وبخلافه فان القرار يلحقه عيب يؤدي الى عدم مشروعيته والتشكيل الباطل للجنة يعكس أثره على قرار الجزاء الذي يعد غير مشروع مما يجعل مصيره الإلغاء(19).
إذا كان اخذ رأي لجنة او جهة فنية يعد لازما حتى ولو كان رأيها استشاريا، فانه من باب أولى يكون على الإدارة الامتثال لهذا الرأي إذا استوجب المشرع ضرورة الموافقة عليه قبل إصدار قرار الجزاء ولا يكون لها تطبيق جزاء لم توافق عليه تلك اللجنة فمثلاً القانون الجديد للمناقصات والمزايدات المصرية رقم 89 لسنة 1998 قد تطلب اخذ رأي ادارة الفتوى المختصة بمجلس الدولة مقدماً قبل اصدار قرار الاعفاء من توقيع الغرامة وهذه الشكلية أي (اخذ رأي ادارة الفتوى المختصة) واجبة الاتباع في حالات الاعفاء من توقيع الغرامة كافة(20).
القسم الثالث: موانع إتمام الشكلية
ولقد استقر القضاء على ان استحالة إتمام الشكلية يعفي الإدارة من الالتزام به ويحمي قرارها في ذات الواقعة أن يشوبه البطلان والتي تجد مبررها في (مبدا الضرورة) والذي يقضي بان الضرورات تبيح المحظورات بيد ان هذه الضرورة مقيدة بقيدين:
1- انها تقدر بقدرها فلا يجوز التوسع في أعمالها من ناحية.
2- انها تخضع في تقديرها لرقابة القضاء من ناحية أخرى وهذا ما أكدته محكمة القضاء الإداري في حكمها الصادر في 26 فبراير 1952 إذ تذهب فيه (… ان ما تقضي به الضرورة استثناء لملابسات خاصة يخضع لحكم هذه الضرورة طبقا للنظرية المعروفة (على ان تقدر الضرورة بقدرها) وعلى ان يخضع تقديرها لرقابة هذه المحكمة))(21) وهذه الأحكام تسري في نطاق الجزاءات الإدارية بقدر سريانها في غيرها من القرارات الإدارية بوصفها من ناحية فرعا من هذا الأصل لان الجزاء الإداري لا يعدو ان يكون واحدا من تلك القرارات يجري عليه ما يجري بشأنها هذا الى ان الجزاء بصفته نظاما عقابيا يكون واجباً بتطبيق القواعد اللازمة لتحقيق الموازنة بين حق الإدارة في العقاب ضمانا لتأدية اعمالها بشكل لا يلحق ضرر بالصالح العام وحق الفرد في ان يحاط بالحماية الكافية(22). فالاستحالة المادية لإتمام الشكلية قد تعود الى الإدارة نفسها فهنا لا يعد قرار الجزاء معيبا بما يسمح للقضاء بإلغائه لنقص في الإجراءات ناتجة عن فعل صاحب الشان نفسه سواء كان هذا السلوك فعلا ام امتناعا. والفعل يتمثل بإعطاء للإدارة بيانات خاطئة عن محل أقامته بشكل يصعب معه إرسال الإنذار السابق على اتخاذ الجزاء فهنا لا يجوز للمتعاقد ان يطالب قضائيا بإلغائه استناداً الى تجاهل الإدارة لإجراء كان يوجب عليها القانون اتخاذه اما الامتناع فيتجلى بعدم ترك أي معلومات تتعلق بمحل أقامته بحيث يمكن من خلالها الاستدلال عليه لمخاطبته إجرائيا(23). في رأينا ان هذا القصور من جانب ذوي الشان لا يمكن ان يعطي الإدارة فرصة التصرف على هذا النحو بشكل مطلق والا كان هذا مراعاة لتحكمها فالقضاء عندما يعترف للإدارة بتلك السلطة فانه في نفس الوقت يمارس رقابة صارمة خشية عدم إتخاذها ذريعة بتطبيق إجراء جوهري بزعم ان المخالف حال بتصرفه من دون إتمامه. أما استحالة اتمام الشكلية بسبب ظروف غير اعتيادية فالقضاء في هذه الحالة يسمح للادارة بالتحرر بالقدر الذي يمكنها من اداء عملها ، والظروف غير العادية تتصف بالعمومية والخصوصية في الوقت ذاته واذا أردنا حصرها في نطاق القانون الإداري فهل تشمل القوة القاهرة وحالة الضرورة والاستعجال ؟ بصفة عامة أن كل ظرف يحول دون السير المنظم للمرفق العام يتطلب تدخلا سريعا من الإدارة ولا يجدي لمواجهته اتباع الإجراءات الاعتيادية لان ذلك يقضي إلى استفحال أثره وصعوبة التغلب عليه. والمسالة التي تثار بهذا الخصوص ان التجاوز الإجرائي بسبب ظروف غير عادية في نطاق الجزاءات الإدارية قد يكون مصدره المشرع ذاته وذلك لانه يعفي الإدارة من الالتزام بمراعاة الإجراءات العادية حال الضرورة من ناحية ويضع بعض الإجراءات الاستثنائية كبديل للإجراءات المعتادة تلتزم الإدارة باتباعها اذ ما واجهها ظرف مألوف من ناحية أخرى. وباعتبار الجزاء يمثل اعتداء على حق او انتقاص من حرية الافراد فلذلك فأن الإجراءات التي تحاط به تكون بمثابة ضمانات مقررة لمصلحة الأفراد لذلك فان تجاوز الإدارة لهذه الإجراءات إهمالا او قصدا فان البطلان يلحق هذا القرار ولا يجوز للإدارة التجاوز عنه بحجة انه مقرر لصالحها فان إغفال التقيد به لا يطهر قرارها من شائبة المخالفة القانونية إلا إذا لم ينطو على اعتداء على مصلحة جوهرية لذوي الشان لان هذا يمثل استثناء وهذا يقتضي أعمال الاستثناء في أضيق نطاق ومن الأوضاع المهمة لقواعد الشكل والإجراءات في نطاق قرار الجزاء منها كفالة حق الدفاع وبهذا الصدد ما يمكن قوله ان الجزاء الإداري كالجزاء الجنائي لا يمكن الأخذ فيه بالتخمين وانما يؤسس على الجزم واليقين وهذا المبدأ مستقر عليه الذي يقول ان القرار الجزائي ليس هدفه العقاب وانما هو طريقه يمكن من خلالها يمكن للقائم به ان يقيم موازين القسط بين حق الدولة في العقاب وحق المتهم في الدفاع عن نفسه وهذا المبدأ الذي استقر عليه حق الدفاع وهذا الحق الذي اصبح يعد تطوراً قضائياً وضمانة جوهرية ليس على المستوى الجنائي والتأديبي فحسب وانما على مستوى الجزاءات الإدارية عامة التطبيق ايضا والجزاءات العقدية على وجه الخصوص. وكفالة حق الدفاع يتمثل من خلال أمور عدة تتجلى بإعلام صاحب الشان بالوقائع المنسوبة اليه مسبقا وهذا يختلف عن الإنذار السابق لتوقيع الجزاء الذي يكون هدفه وقائياً اما الآخر فهو دفاعي يتوجب إحاطة بالوقائع المنسوبة(24). أما تسيب القرار الإداري وأثره في الجزاء فمن المعلوم ان تسبب القرار الإداري يختلف عن سببه ولا يعني اتحادهما في الاشتقاق اللغوي ترادفهما في المعنى فالتسبب معناه قيام الإدارة ببيان أو ذكر السبب الذي حملت عليه قرارها واستندت في إصداره، اما السبب فهو مسالة تثار قبل صدور القرار الذي تدفع الإدارة الى اتخاذه ويستوي في ذلك كون المسألة واقعية ام قانونية(25) أما حدود رقابة القاضي على تسبيب الجزاء الإداري فانه على الرغم من المزايا المترتبة عليه والتي تتجلى بإضافة نوع من الشفافية الإدارية التي توجب إلا يخفى من تصرفات الإدارة خافية على أحد ضمانه لصاحب الشان من خلال إحاطته علما بأسباب القرار فأما أن يقتنع به وأما لا فيسلك سبيل القانون للتخلص منه اما تظلما او طعنا وفائدة للقاضي في رقابته على صحة القرار لمعرفة قدر أصابه او خطا الإدارة في فرضه استنادا إلى ما ساقته واستندت عليه من أسباب وهذا ما استقر عليه الفقه والقضاء لسنوات عديدة استناداً الى المبدأ القاضي بان الإدارة لا تلتزم بتسبيب قراراتها إلا إذا الزمها بذلك نص قانوني او لائحي(26) وعلى القاعدة ذاتها تواترت أحكام القضاء الإداري المصري إذا تقول المحكمة الإدارية العليا بان (الجهة الإدارية ليست ملزمة بذكر أسباب قرارها ان لم يلزمها القانون بذكر هذه الأسباب)(27) وفي حكم صدر لها في 12 يوليو عام 1958 حيث تقول (يجب التنبيه الى الفرق بين وجوب تسبيب القرار الإداري كأجراء شكلي قد يتطلبه القانون… وبين وجوب قيامه على سبب يبرره صدقا وحقا. فلئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها إلا إذا وجب القانون ذلك عليها… إلا ان القرار الإداري سواء اكان لازما بتنبيه كإجراء شكلي ام لم يكن هذا التسبيب لازما. يجب ان يقوم على سبب يبرره حقا أي في الواقع وفي القانون. وذلك كركن لانعقاده باعتبار القرار تصرفا قانونيا…ولا يقوم أي تصرف قانوني بغير سببه)(28). وإذا كان الجزاء يشكل وسيلة الأدارة لممارسة اعمالها فان احتمال انحراف هذه الجهة به امر وارد وخاصة وانها هنا تتمتع في اتخاذه سلطات عديدة، سلطة التحقيق والحكم معا ولذا لا بد من ضمانات وصمامات امان تحول دون إساءة هذه السلطات وهذا يستلزم إسناد الجزاءات الى جهة الإدارة بضرورة توافر الضمانات ذاتها التي يتمتع بها الفرد تجاه القضاء الجزائي ومن ابرز هذه الضمانات التسبيب الذي غداً مطلباً قانونياً فجميع القوانين التي نظمت الجزاءات الإدارية سواء في مصر او فرنسا اوجبت ان يكون القرار الجزائي مسببا ومن ثم فانه يعد وفقا لمعايير التمييز بين الشكليات الجوهرية وغير الجوهرية إجراء جوهريا يرتب القضاء على تخلفه عدم مشروعية الجزاء(29) لذلك فان الخطورة ليست في احتواء جهة معينة لتلك الإجراءات وانما الخطورة مبعثها تجرد القائم بها من ضمانات الحيدة والاستقلال فلا محاجة في ان يكون الجامع لها هو القضاء ذاته، اما ان تكون الإدارة هي القابضة عليها فهذا معناه إمكانية الانحراف في تطبيقها، او إساءة استعمال سلطاتها، ذلك انها حال تأديتها لتلك المهمة تكون بمثابة الخصم والحكم في ان واحد والأمر على ذلك النحو يؤدي بها الانحراف بالإجراءات بشكل يقضي الى ما لا يحمد عقباه(30).
______________
1- ينظر:
- د. محسن خليل، القضاء الاداري ورقابته لاعمال الادارة، ط2، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1968، ص475.
- د. خالد رشيد الدليمي، مبدأ المشروعية والرقابة على أعمال الإدارة، محاظرات مطبوعة بالرونيو ألقاها على طلبة المرحلة الثالثة لكلية القانون جامعة بغداد، ص127.
- د. فؤاد العطار، القضاء الإداري، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1966-1967، ص654.
- د. غازي فيصل مهدي، اوجه الطعن بالإلغاء والطعن بالنقض في مجال القضاء الاداري، بحث منشور في مجلة جامعة صدام 2001، ص193.
- د. محسن خليل، قضاء الإلغاء، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1989، ص95.
2- أنظر: د. علي محمد بدير واخرون، مبادئ احكام القانون الاداري، مديرية دار الكتب للطباعة والنشر، بغداد، 1993، ص428، علي حسين احمد غيلان الفهداوي، الاتجاهات الحديثة في الرقابة القضائية على السلطة التقديرية للادارة، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون – جامعة بغداد، 2000، ص31.
3- د. زكي محمد النجار، حدود سلطات الادارة في توقيع عقوبة الغرامة ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1999، 2000، ص90.
4- د. سامي جمال الدين، قضاء الملاءمة والسلطة التقديرية للإدارة، جامعة الإسكندرية، 1992، ص95.
وانظر كذلك: د. طعمية الجرف، رقابة القضاء لاعمال الإدارة العامة، قضاء الإلغاء، دار النهضة العربية، 1984، ص276-277.
5- أنظر: أستاذنا الدكتور ماهر صالح الجبوري، القرار الإداري، دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد، 1991، ص114، وانظر كذلك: د. بشار عبد الهادي الذي يذهب في مؤلفه التفويض في الاختصاص، ط1، دار الفرقان، عمان، 1982، ص155 بان: (الأصل ان القرارات الإدارية لا تصدر بشكل معين ولا تستلزم اتباع إجراءات خاصة محددة فقد تصدر شفاها او كتابة فالقاعدة العامة احترام إرادة المشرع والعمل بمقتضى النص) وانظر كذلك: د. سامي جمال الدين، المرجع نفسه، ص95، الذي اشار الى العديد من الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري في مصر بهذا الخصوص ومنها الحكم الصادر بتاريخ 18/11/1947 الذي تقول فيه: ((لا يشترط في القرار الإداري ان يصدر في شكل معين او بصيغة معينة بل يقوم هذا الوصف متى أعلنت جهة الإدارة عن ارادتها بقصد إحداث اثر قانوني))، وفي حكمها الصادر بتاريخ 18/12/1965 الذي تذهب فيه: ((ان جهة الإدارة غير مقيدة بشكل معين تفصح فيه عن ارادتها الملزمة ما لم يحتم القانون اتباع شكل خاص بالنسبة لقرار معين)).
6-Jean-Marie Abuby and Robert ducos-ader: precis Dalloz (institutions adminis tratives), 3ed, Paris, Dalloz, 1973, P. 423.
7- Jean Marie auby and Robert ducos Ader . op. Cit, P. 423.
8-أنظر: د. سعد عصفور ود. محسن خليل، القضاء الإداري، منشاة المعارف، إسكندرية، ص468.
9- بيرتيل وينيرجرين (Bertilwennergren)، حماية الأفراد في مواجهة الإجراءات الإدارية بغير الطريق القضائي تقرير مقدم الى المؤتمر الدولي الرابع للعلوم الإدارية نقله الى العربية الأستاذ عادل محمود عبد الباقي 1968 منشور في مجلة العلوم الإدارية، ع1، س1970، ص223-226.
10- د. محمد باهي ابو يونس، الرقابة القضائية على شرعية الجزاءات الادارية العامة، دار الجامعة الجديدة للنشر، الاسكندرية، 2000، ص141.
- والجدير بالذكر الى ان الفقه الفرنسي قد طرح بهذا الصدد العديد من المعايير للتمييز بين الشكليات الجوهرية والشكليات غير الجوهرية ولكن رغم الجهود الذي بذلها الفقه في هذا المجال فلم يكن هنالك معيار مانع جامع لتمييز بين نوعي الشكليات ولمزيد من التفاصيل يراجع د. محسن خليل، القضاء الإداري اللبناني، دار النهضة العربية، بيروت 1982، ص603-604 وقد صدرت العديد من الأحكام بهذا الخصوص من المحكمة الإدارية العليا في مصر ومنها قرارها المؤرخ في 12 مايو 1979 حيث تقول فيه: (من حيث ان قواعد الشكل في إصدار القرار الإداري ليست كأصل عام هدف في ذاتها، او طقوسها لامندوحة من اتباعها تحت جزاء البطلان الحتمي وانما هي إجراءات منشؤها المصلحة العامة ومصلحة الأفراد على السواء يفرق فيها بين الشكليات الجوهرية التي تنال من تلك المصلحة ويقدح اغفالها سلامة القرار وصحته وغيرها من الشكليات الثانوية….) أنظر: مجموعة المبادئ القانونية التي أقرتها المحكمة الإدارية العليا خلال خمسة عشر عاما (1965-1980) قضية رقم 571 لسنة 8 قضائية، جـ الثالث، ص2043.
11- د. محمد باهي أبو يونس، مرجع سابق، ص142-146 .
12- المادة (219) من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 وتعديلاته.
13-Fouad- AL Attar: Le marche de Travaux Publics , these, paris, 1953, P.266.
14-المادة (257) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 وتعديلاته.
15- حكم المحكمة الادارية العليا المصرية رقم 858 والصادر في 6/1/1968 اشار اليه د. حسان عبد السميع هاشم، الجزاءات المالية في العقود الادارية، دار النهضة العربية،القاهرة، 2002 ، ص106، ويوافق هذا الاتجاه الدكتور عبد المجيد فياض الذي يذهب بالقول الى (ان الاعذار يعد من الاجراءات الجوهرية التي يترتب على تخلفه عدم مشروعية الجزاء وان اقرار هذا الجزاء يخضع للرقابة القضائية من زاويتين المشروعية والملاءمة ويمكن للقاضي في احوال معينة الغاء الجزاء غير الصحيح). مرجع سابق ، ص91.
16- د. محمد باهي ابو يونس، مرجع سابق ، ص141.
17- د. محمد باهي ابو يونس، المرجع نفسه ، ص142- 146
18- د. النظام القانوني للمناقصات العامة دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 1999، ص190.
19- د. محمد باهي أبو يونس، مرجع سابق، ص150.
20- المادة (23) من قانون المناقصات والمزايدات المصرية رقم 89 لسنة 1998 اشار اليه د. زكي محمد النجار، حدود سلطات الادارة في توقيع عقوبة الغرامة ، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1999، 2000. ، ص60.
21- د. محمد باهي أبو يونس، المرجع نفسه، ص150 وانظر كذلك: حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في 26 فبراير 1952 دعوى رقم 589 لسنة 4 قضائية مجموعة السنة السادسة ص511 اشار اليه في المرجع= =نفسه، ص153، ولمزيد من التفاصيل حول نظرية الظروف الاستثنائية باعتبارها من الموانع التي لا تؤثر في صحة القرارات الإدارية يراجع:
prosper weil : op. Cit, p. 90-91.
22- د. محمد باهي أبو يونس، مرجع سابق، ص154.
23- د. محمد باهي أبو يونس ، المرجع نفسه، ص155.
24- د. محمد باهي أبو يونس، مرجع سابق، ص156 وما بعدها وانظر كذلك: د. عبد المجيد فياض، نظرية الجزاءات في العقد الاداري، ط1، دار الفكر العربي القاهرة، 1975، ص91-98 الذي يذهب بان الأعذار يعتبر من الإجراءات الجوهرية التي يترتب على تخلفها عدم مشروعية الجزاء،وان إقرار هذا الجزاء يخضع للرقابة القضائية من زاويتي المشروعية والملاءمة، ويمكن للقاضي في أحوال معينة إلغاء الجزاء غير الصحيح مع ذلك هنالك بعض الأمور التي تعفى فيها الإدارة من الأعذار ومنها ما تتطلبه طبيعة الأشياء.
وخير مثال على ذلك ما أشارت عليه المادة (220) من القانون المدنيالعراقي، وهي حالة ما إذا اصبح تنفيذ الالتزام غير ممكن او غير مجد بفعل المدين وايضا هنالك حالات لا يتطلب فيها الأعذار وذلك عندما يكون تنفيذ العقد يغلب عليه طابع الضرورة الملحة مثل توريد مهمات تتعلق بالمجهود الحربي خلال وقت الحرب او الحالة التي تتطلب اتخاذ إجراء جزائي سريع لضمان استمرار وانتظام المرفق من خطر يهدده كما في حالة وضع المرفق تحت الحراسة وانظر كذلك:
Andre de laubadere : droitadaministratif: op. Cit, P. 313.
الذي أشار الى حكم مجلس الدولة الفرنسي في 3 تشرين الأول 1959 في قضية (Simon ) والذي أكد في هذا الحكم جواز تطبيق حق الدفاع في نطاق العقود الإدارية كضمانات مقررة لمتعاقد إزاء السلطات والامتيازات التي تمتع بها الإدارة.
25- د. محمد رفعت، القضاء الإداري، إسكندرية، 1990، ص172.
26- د. محمد باهي أبو يونس، مرجع سابق، ص189.
27- أنظر: حكم المحكمة الإدارية العليا المرقم 1586 والمؤرخ في 22 مايو 1965، مجموعة عشر سنوات 1955-1965، جـ2، ص1167.
28- أنظر: حكم المحكمة الإدارية العليا المؤرخ في 12 يوليو عام 1958، واشار اليه د. عبد الرحمن نورجان الأيوبي، القضاء الإداري في العراق دراسة مقارنة، دار مطابع الشعب، 1965، ص207.
29- د. محمد باهي أبو يونس، مرجع سابق، ص192-193 ، وهذا ما اكده د.عبد المجيد فياض الذي يذهب بالقول (بان المقاول ينشأ له حق في الاعفاء من النتائج الباهظة المترتبة على وضع المقاولة تحت الادارة المباشرة فضلاً عن تعويضه عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب في حالة عدم اتباع الادارة الشكليات المقررة لهذا الاجراء والمتمثلة بصدور قرار وضع المقاول تحت الادارة المباشرة كتابةً وان يتضمن الأسباب التي تقرر من اجلها وماهية الأعمال التي تخضع لهذا الاجراء واعلان المقاول رسمياً وبالشكل المنصوص عليه في العقد) مرجع سابق ، ص235.
30- د. غنام محمد غنام، القانون الاداري الجنائي والعقوبات التي تحول دون تطوره مشار اليه في مجلة الحقوق الكويتية، العدد الثاني، السنة الثامنة عشرة، يونيه 1994، ص33.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|