أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2017
1772
التاريخ: 23-6-2018
36900
التاريخ: 10-4-2017
6795
التاريخ: 4-4-2017
5401
|
تظهر انظمة الضبط الاداري, عند تقييدها للأنشطة الفردية, حفاظاً على النظام العام, بمظاهر متعددة وفقاً لما تتضمنه من قواعد عامة, ويختلف اثرها ضيقاً واتساعاً بالنسبة للأنشطة الفردية بصورة تدريجية, وتتمثل هذه المظاهر بالحظر او المنع والاذن السابق (الترخيص), والاخطار وتنظيم النشاط, الامر الذي يقتضي تناول هذه المظاهر بشكل مفصل كل على انفراد.
اولاً: الحظر او المنع
يقصد بانظمة الحظر او المنع هي انظمة الضبط الاداري التي تتضمن عادة نهياً او منعاً من القيام بعمل او اجراء معين عند ممارسة نشاط محدد من الانشطة الفردية, سواء كان ذلك المنع من حيث الغرض ام الزمان ام المكان, ومن ذلك على سبيل المثال منع مرور المركبات في طريق عام بوقت محدداً ومنع عرض احد الافلام المخلة بالاداب او منع عقد اجتماع او مظاهرة في الطريق العام او منع الاتجار ببعض المواد او صناعتها كالاسلحة, وغير ذلك من صور حظر النشاط لغرض المحافظة على النظام العام. ويلاحظ بان المقصود بحظر النشاط الفردي او منعه, هو الحظر او المنع الجزئي او المؤقت وليس الحظر او المنع الكلي او الدائم, باعتبار ان هذا الاخير انما يمثل مخالفة دستورية في كفالة الحقوق والحريات العامة متى ما كان النشاط الفردي مباح قانوناً, حيث لا يجوز لسلطة الضبط الاداري باي حال من الاحوال ان تعمل على الغاء الحرية او النشاط بصورة مطلقة, اضافة الى ان الغاية التي تسعى الى تحقيقها الجهة المذكورة هي المحافظة على النظام العام, وهو مالا يستوجب دائماً حظراً كلياً وشاملاً للنشاط الفردي.(1)
وقد استقرت احكام القضاء الاداري, على عدم الاقرار بمشروعية الاجراءات الادارية المتخذة من قبل سلطة الضبط الاداري, والتي تحظر الانشطـة الفرديـة بشكل مطلق, فقد قضى مجلـس الدولة الفرنسي, على سبيل المثال, , بانه ((اذا كان من حق العمدة منع النداء على الصحف في الصباح او استعمال مكبرات الصوت في مكان معين او منطقة معينة, حرصاً على راحة السكان وسكينتهم, فلا يملك استعمال هذا الحق في جميع الاوقات وكل انحاء المدينة))(2). كما قضى بانه ((اذا كان العمدة وهو الممثل لاحدى سلطات الضبط الاداري, يهدف الى توفير احد عناصر النظام العام وهي السكينة العامة, فليس له من اجل ذلك ان يمنع ادارة الات المصانع ليلاً دون تحديد ميعاد معين لحظر ادارتها, ذلك ان الحظر او المنع هو وسيلة استثنائية بحيث لا يتعين على سلطات الضبط اللجوء اليها الا اذا استحالت المحافظة على النظام العام باي وسيلة اخرى))(3). ثم تواترت احكام مجلس الدولة الفرنسي على السير بذات الاتجاه,(4), حيث قضى بانه ((اذا كان العمدة يملك بمقتضى حكم المادة (131) من قانون المحليات سلطة تنظيم ممارسة نشاط تجاري, فانه لا يملك سلطة فرض حظر شبه دائم على التجارة الجائلة على كل اراضي القرية, الا في منطقة محددة جداً وباستثناء يومين في الاسبوع...))(5). واذا كان الغرض من اصدار انظمة الضبط الاداري هو المحافظة على النظام العام, فان تحقيق الغاية المذكورة ينبغي ان يكون بايسر الوسائل المتاحة امام الجهة الادارية المختصة, وحيث ان حظر او منع النشاط يعد من اكثر مظاهر انظمة الضبط شدة بالنسبة للانشطة الفردية, فان ذلك يوجب على الجهة الاداريـة المختصة عدم اللجوء اليها ما لم تستنفد ما يتاح امامها من وسائل اخرى, اضافـة الى ان هنالك من الاستثناءات التي يجب اخذها بنظر الاعتبار عند حظر او منع النشاط الفردي, فعلى سبيل المثال ان منع المرور بوقت معين للمركبات بطريق معين قد يقتضي استثناء مركبات الاسعاف او الاطباء من المرور فيه لاهمية ذلك في تحقيق غاية اخرى, لذا فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي بان ((حظر وقوف السيارات في احد الشوارع فلا يجوز ان يمتد الحظر الى سيارات اصاحب منافذ الطرق ولا الى سيارات الاطباء والاسعاف))(6).
وقد اقرت احكام القضاء الاداري بمشروعية الاجراءات الادارية التي تتخذها سلطة الضبط الاداري بحظر او منع احد الانشطة الفردية, بصورة جزئية او مؤقتة للحفاظ على النظام العام, حيث قضى مجلس الدولة الفرنسي بانه ((يجوز للادارة ان تمنع المرور في شارع معين لضيقه حيث يخشى ان يصبح مسرحاً للحوادث))(7), كما قضت المحكمة الادارية في مصر بان ((حظر تشغيل المطاحن ليلاً بقرار عام يسري على جميع المطاحن على حد سواء لا يعدو ان يكون مجرد تنظيم, حتى لا يسبب تشغيلها في هذا الوقت قلقاً او ازعاجاً للسكان...))(8).
ثانياً: الاذن السابق (الترخيص):
وهو المظهر الثاني لانظمة الضبط الاداري, ويكون اقل تقييداً للانشطة الفردية مقارنة عما هو عليه الحال بالنسبة لحظر او منع النشاط الفردي, ويقصد به اشتراط حصول الافراد على اذن او موافقة من الجهة الادارية المختصة وسابق على ممارسة احد الانشطة الفردية فعلاً لغرض القيام بـه, ومن ذلك على سبيـل المثال الحصول على رخصة قيادة المركبات او اجازة البناء او الاذن باستخدام مكبرات الصوت في احد المناسبات.(9) وحيث ان الجهة الادارية عادة ماتضع شروطاً محددة يجب توافرها بالنسبة لطالبي الاذن او الترخيص لغرض ممارسة نشاط معين, فان ما يجب الاشارة اليه ابتداء ان صلاحية الجهة المذكورة عند البت بالطلب المقدم اليها, انما تكون صلاحية مقيدة وليست تقديرية, اذ ان على تلك الجهة ان تمنح ذلك الاذن او الترخيص لكل فرد يتقدم بذلك الطلب متى ما توافرت الشروط المحددة سلفاً فيه, وليس لها اثر ذلك منح الاذن لبعض الافراد وحجبه عن غيرهم, رغم توافر الشروط المطلوبة فيهم كافة, بحيث يكون قرارها بالرفض في مثل هذه الحالة غير مشروع ويستوجب الالغاء, وذلك بسبب مخالفته لمبدا المساواة بين الافراد بذلك التصرف.(10) ويلاحظ بان القاعدة العامة المطبقة بصدد منح الاذن, تتمثل بان الحريات التي يكفلها الدستور او القانون, لا تخضع لنظام الاذن من الجهة الادارية لغرض ممارستها من قبل الافراد, طالما لم يرد النص على ذلك من قبل المشرع صراحة, الامر الذي يترتب عليه ان فرض نظام الاذن بالنسبة لتلك الحريات من قبل الجهة الادارية, انما يكون غير مشروعاً وجديراً بالالغاء,(11) فعندما يرد النص في الدستور صراحة على حرية ممارسة الشعائر الدينية على سبيل المثال, فلا يمكن لسلطة الضبط ان توجب الحصول على اذن سابق لممارسة تلك الحرية. اما في حالة ما اذا ورد النص صراحة على وجوب اخضاع ممارسة الحريات التي يكلفها الدستور او القانون لنظام الاذن السابق, او الحريات التي لا يكلفـها الدستـور او القانون, فلا يوجد مانع من اخضاعها لنظام الاذن السابق, على ان تتقيد الجهة الادارية المختصة بمبدا المساواة بين الافراد عند منح الاذن او رفضه.(12) ان الحكمة من فرض نظام الاذن او الترخيص السابق, تتمثل بان هنالك من الانشطة الفردية التي تتصل مباشرة بالنظام العام, وان فرض هذا النظام عند ممارسة احد هذه الانشطة من قبل سلطة الضبط الاداري, انما يفسح المجال امامها لاتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة للحفاظ على النظام العام, للحيلولة دون اختلاله او اضطرابه اثناء مباشرة النشاط الفردي, وتوقي اثارها السلبية لكل حالة على انفراد, وبحسب الظروف الزمانية او المكانية.(13) ان تبني الجهة الادارية المختصة, لنظام الاذن السابق عند ممارسة بعض الانشطة الفردية, انما يوجب اتخاذ قرار اداري صريح بصدده, سواء تم ذلك بالموافقة ام الرفض, لذا فانه لا يمكن الاعتداد بالقرار الاداري السلبي في هذه الحالة, الامر الذي يترتب عليه انه لايمكن الاكتفاء بالطلب المقدم لممارسة النشاط الفردي فقط, دون رد صريح من الجهة الادارية, سلباً ام ايجاباً, وفي حالة ما اذا حدد القانون مدة زمنية محدة لغرض الاجابة على الطلب المقدم بالموافقة او الرفض, فان انتهاء تلك المدة دون اجابة الطلب بقرار اداري صريح, لا يمكن اعتباره موافقة ضمنية لممارسة ذلك النشاط, ذلك على اعتبار ان تحديد تلك المدة الزمنية بنص القانون لغرض البت بالطلب المقدم, هو لغرض فسح المجال امام سلطة الضبط المختصة للوقوف على اهمية ممارسة النشاط واثره على النظام العام, ثم قيامها على الرد بالنسبة للطلب المقدم اليها لاحقاً, لذا فان مضيء تلك المدة دون البت بالطلب لا يمكن عده من قبيل الموافقة الضمنية, وبالتالي فلا يمكن ممارسة النشاط الفردي عند ذلك.(14) واذا كانت الجهة الادارية ملزمة بمنح الاذن لممارسة نشاط معين لكل فرد عند توافر الشروط المحددة سابقاً بالنسبة لطالب الاذن, الا ان ذلك لايمنع تلك الجهة من الغاء الاذن الذي منحته للافراد سابقاً او التعديل فيه, متى ما تطلبت المحافظة على النظام العام ذلك الالغاء او التعديل, اذ ان منح الاذن بموجب قرار اداري لا ينشأ حقاً مكتسباً للافراد, بل يقتصر الاثر القانوني بمنح الاذن على ازالة الموانع القانونية التي تقف حائلاً دون ممارسة النشاط الفردي, بحيث يكون لطالب الاذن بعد الموافقة عليه مركزاً قانونياً عاماً وليس مركزاً فردياً خاصاً به دون غيره من الافراد الاخرين,(15) لذا فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي ((بحق العمدة – وفق احكام قانون المحليات – بسحب التراخيص الممنوحة لاصحاب مركبات الاجرة عند عدم التقييد بالقواعد التي يجب الالتزام بها عند ممارسة هذا النشاط, والتي ورد النص عليها عند منح الاذن)).(16) وقد استقرت احكام القضاء العراقي, على السير بذات الاتجاه, اذ قضت محكمة التمييز بانه ((يجوز للبلدية ان تمتنع عن اعطاء اجازة البناء اذا كان البناء مخالفاً لنصوص القانون))(17), كما قضت بانه ((يجوز للبلدية عدم منح اجازة بناء لقطعة ارض داخلة ضمن التصميم الاساس للمدينة ما دام ذلك يستند الى نص في القانون))(18) وذهبت ايضاً الى ان ((المادة الاولى من نظام مراقبة الحمامات رقم 60 لسنة 1937 قد نص على عدم جواز فتح حمام عام الا باجازة سنوية من السلطة الصحية))(19) واخيراً فقد قضت بانه ((لايجـوز انشاء اكشـاك خشبية الا باجازة من الجهة المختصة وكانت هناك ضرورة بمقتضى التعليمات التي يصدرها امين العاصمة)).(20)
ثالثاً: الاخطار:
الاخطار هو المظهر الثالث لانظمة الضبط الاداري التنظيمية, ويعد اقل مساساً بالحريات العامة مقارنة مع المظهرين السابقين وهما حظر النشاط والاذن السابق, وبموجب هذا النظام, فان النشاط الفردي لا يكون محظوراً كما لا يتوجب لممارسته من الحصول على اذن سابق من الجهة الادارية المختصة, حيث يقتصر الوضع بالنسبة لهذا النظام على اعلام سلطة الضبط الاداري بالرغبة مسبقاً على ممارسة احد الانشطة الفردية, وذلك لغرض احاطتها علماً بماهية ذلك النشاط, واتخاذ الاحتياطات اللازمة لحماية النظام العام من الاخطار التي قد تحصل عند ممارسة النشاط الفردي في الوقت المناسب.(21) ويكون الاخطار على نوعين, فهو اما ان لا يقترن بحق الجهة الادارية بالاعتراض, على ممارسة النشاط اوالحرية, بينما يكون لها ذلك الحق في النوع الثاني, وقدر تعلق الامر بالنوع الاول المتمثل بالاخطار غير المقترن بالاعتراض, فان للافراد ممارسة النشاط او الحرية بمجرد اعلام الجهة الادارية بالرغبة في ذلك, دون حاجة للانتظار بغية الموافقة على الطلب المقدم, لذا فان هذا النوع من الاخطار انما يكون في مرحلة وسط بين اباحة النشاط وبين الحصول على اذن سابق من الادارة, وهو يمثل اقل الاساليب الوقائية اعاقة للحرية او النشاط, مقارنة مع نظام الاذن السابق.(22) اما النوع الثاني من الاخطار فهو الذي يقترن بحق الجهة الادارية بالاعتراض على ممارسة النشاط او الحرية, فان للجهة الادارية بموجبه حق الاعتراض على ممارسة الافراد للنشاط في حالة عدم استيفاء الطلب المقدم للشروط والبيانات المحددة قانوناً, والواجب توافرها فيه, وفي هذا النوع يتشابه الاخطار مع نظام الاذن السابق,(23) الا ان ذلك لا يمنع من وجود فروقات جوهرية بينهما تتمثل بانه يجب ان يصدر قرار اداري صريح في نظام الاذن السابق لغرض ممارسة الافراد للنشاط وذلك بخلاف عما هو عليه بالنسبة لنظام الاخطار, اذ لا يشترط صدور قرار اداري بصدد الطلب المقدم بالموافقة او الرفض, مما يترتب على ذلك انه وفي حالة ما اذا حدد القانون فترة زمنية معينة للرد على الطلب المقدم لغرض ممارسة النشاط, فان انقضاء هذه المدة دون الرد على الطلب انما يعد رفضاً له بالنسبة لنظام الاذن السابق, بينما هو لا يعتبر كذلك بالنسبة لنظام الاخطار, بل يعد موافقة ضمنية على ذلك الطلب, لذا فانه لا يوجد ما يمنع الافراد من ممارسة النشاط المراد القيام به في تلك الحالة, طالما ان الجهة الادارية لم تعترض على ذلك عند تقديم الطلب به, والسبب في ذلك التمييز بين نظامي الاذن السابق والاخطار, يتمثل ان الغاية المراد تحقيقها عند فرض نظام الاذن السابق, لا يمكن ان تتحقق في حالة اتباع نظام الاخطار, ذلك ان النشاط المراد ممارسته بموجب نظام الاخطار انما هو نشاط يجوز ممارسته بمجرد تقديم طلب بذلك او مضيء المدة القانونية دون اعتراض عليه من الجهة الادارية, اضافة الى ان تحديد مدة زمنية معينة للرد او الاعتراض على النشاط في نظام الاخطار, يكون لغرض حث الجهة الادارية على سرعة التصرف فيه.(24) ان الحكمة من فرض نظام الاخطار هو التوفيق بين ممارسة بعض الحريات المعنوية وحماية النظام العام وذلك من خلال عدم تقييد ممارسة تلك الحريات بقيود تحول دون ممارستها, وبذات الوقت فان تلك الممارسة لا يمكن ان تكون بشكل مطلق, قد يرتب اثـاره السلبية على حقوق وحريات الاخرين, وبالتالي كان من الاجدر اخضاعها لنظام الاخطار, كونه يمثل الوسيلة المناسبة التي تمكن الجهة الادارية من اتخاذ الاحتياطات اللازمة للمحافظة على النظام العام.(25) ويلاحظ بان فرض نظام الاخطار لا يمكن ان يتم من قبل الجهة الادارية عن طريق انظمة الضبط الاداري, حيث ان المشرع ولوحده هو الذي يحدد وجوب الاخذ بنظام الاخطار وبيان الحريات المقيدة به, وتطبيق ذلك في الظروف العادية, الا انه لا يوجد ما يمنع الجهة الادارية من فرض هذا النظام في الظروف الاستثنائية, حيث تتوسع السلطات الممنوحة لتلك الجهة في الظروف الاستثنائية عادة.(26) ويطبق نظام الاخطار بشكل واضح عند ممارسة حق الاجتماع, ففي فرنسا لا يمكن ممارسة حرية الاجتماعات العامة الا بتوافر عدة شروط, ومن بينهما وجوب اخطار الجهة الادارية المختصة سلفاً, على ان يتضمن تحديد زمان ومكان الاجتماع, وان يوقع عليه اثنان من الاشخاص المتمتعين بالحقوق المدنية والسياسية,وان يكون احدهما على الاقل مقيماً في المنطقة المراد عقد الاجتماع فيها, وان يقدم الاخطار قبل موعد الاجتماع باربع وعشرين ساعة, ويتم ذلك عادة وفق احكام القانون المؤرخ 30/ يونيو/ 1881 (27). اما في مصر فقد ورد النص في المادة (54) من الدستور المصري لعام 1971 على ان ((للمواطنين حق الاجتماع الخاص في هدوء غير حاملين سلاحـاً ودون حاجة الى أخطار سابق ولا يجوز لرجال الامن حضور اجتماعاتهم الخاصة)), حيث يفهم من النص المذكور, وبمفهوم المخالفة له بأن عقد الاجتماعات العامة في مصر تستلزم اخطار الجهة الادارية المختصة بذلك(28). ولم يرد نص مشابه لذلك في الدساتير العراقية, حيث ورد النص في المادة (38) من الدستور العراقي الحالي لعام 2005 على ان ((تكفل الدولة بما لا يخل بالنظام العام والاداب. اولاً: حرية التعبير عن الراي بكل الوسائل. ثانياً: حرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر. ثالثاً: حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون)), اذ يفهم من النص المذكور مع عدم صدور القانون المنظم لتلك الحريات حتى الوقت الحاضر, بان عقد الاجتماعات سواء الخاصة منها ام العامة, لا تتطلب اخطار الجهة الادارية المختصة, وحبذا لو ان المشرع الدستوري قد عمد الى النص على ذلك صراحة في الدستور الحالي حفاظاً على النظام العام.
رابعاً: تنظيم النشاط
اذا كانت المظاهر السابقة لانظمة الضبط الاداري تتضمن حظرا او منعاً للأنشطة الفردية, او وجوب الحصول على اذن سابق او اخطار الجهة الادارية المختصة لممارستها, فان الامر على خلاف ذلك بالنسبة لتنظيم النشاط الفردي, اذ يقتصر الامر في هذا المظهر على وجود تعليمات وارشادات عامة يجب التقيد بها ومراعاتها عند ممارسة الانشطة الفردية, ومن ذلك على سبيل المثال الانظمة المتعلقة بتنظيم المركبات في الشوارع العامة او الانظمة المتعلقة بصيد الطيور او الاسماك او الانظمة المتعلقة بتنظيم المظاهرات السلمية في الشوارع.
ويعد تنظيم النشاط اقل مظاهر انظمة الضبط الاداري تقييداً للانشطة الفردية, وهو يفضل بالتالي على بقية المظاهر الاخرى, على اعتبار انه يقتصر على مجرد تنظيم لممارسة الانشطة الفردية, حفاظاً على النظام العام.(29) لذا فانه لا يمكن الاعتداد بالراي القائل بان تنظيم النشاط يعد اكثر مظاهر انظمة الضبط تقييداً للانشطة الفردية,(30) كون التنظيم المذكور عادة ما يتضمن توجيهات عامة تبين كيفية ممارسة النشاط الفردي مفصلاً دون ان يقيده باية قيود اخرى كما هو الحال بالنسبة للمظاهر الاخرى لانظمة الضبط الاداري, من حظر النشاط او وجوب الحصول على اذن سابق او اخطار الجهة الادارية به. واذا كان الاصل هو ممارسة الحرية والاستثناء على ذلك هو تنظيم النشاط, فان ما يترتب عليه ان لا يؤدي ذلك التنظيم الى حظر ممارسة حرية ما, متى ما كان الحق في ممارستها مشروعاً وغير مخالف للقانون, وان يكون الغرض من التنظيم هو حماية النظام العام حصرا كما ان القيود الواردة فيه انما تكون مؤقتة وغير دائمة, وان يشتمل على الاستثناءات التي يمكن ان ترد على القاعدة العامة فيه, لذا فقد قضى مجلس الدولة الفرنسي بان ((حظر المرور او الوقوف بالسيارات في شارع معين لاسباب تتعلق بامن الناس بسبب تعبيد هذا الطريق, لا يمنع من اباحة مرور المشاة للعودة الى مساكنهم..)),(31) كما قضى ايضاً بانه ((يتعين في التنظيم الصحي فرض التحوطات اللازمة لتامين الناس من مخاطر المساكن المقامة بالخشب بدلاً من حظر بنائها في دائرة البلدة)).(32)
________________
1- د. رمضان محمد بطيخ: الوسيط في القانون الاداري, دار النهضة العربية, القاهرة, 1997, ص795.
2- قراره المؤرخ 17/ يونيو/ 1938, اورده د. محمد شريف اسماعيل: الوظيفة الادارية للشرطة, دراسة مقارنة, بدون دار نشر, 1995, ص84
قراره المؤرخ 17/ 1/ 1938, اورده منيب محمد ربيع: ضمانات الحرية في مواجهة سلطات الضبط الاداري, رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق, جامعة عين شمس, 1981, ص97-98.
4- ومن ذلك الغاء القرارات الادارية المتعلقة يمنع ممارسة التصوير الفوتغرافي في الشوارع مطلقاً, او منع مرور المركبات في الطرق الزراعية, او منع اقامة المصورين في المناطق السياحية, لتفصيل ذلك ينظر د. محمود عاطف البنا: الوسيط في القانون الاداري, ط2, دار الفكر العربي, 1992, ص385.
5- قراره المؤرخ 26/ ابرل/ 1993, اورده مجدي احمد فتح الله حسن: فاعلية الاداء الضبطي لرجال الشرطة, دار النهضة العربية, القاهرة, 2002, ص161.
6- قراره المؤرخ 16/ ابرل/ 1958, اورده د. محمود عاصف البنا: الوسيط في القانون الاداري, المصدر السابق, ص387
7- قراره المؤرخ 9/ مارس/ 1958, اورده عاشور سليمان صالح: مسؤولية الادارة عن اعمال وقرارات الضبط الاداري, منشورات جامعة قاريوس, بنغازي, ط1, 1997, ص170.
8- قرارها الرقم 79 في 16/14/1960 اورده د. عبد العليم عبد المجيد مشرف: دور سلطات الضبط الاداري في تحقيق النظام العام واثره على الحريات العامة, دار النهضة العربية, 1998, ص136.
9- د. محمد سعيد النجار: مبادئ واحكام القانون الاداري, ط1, القاهرة, بدون دار نشر, 93-94, ص466
10-Geurges Burdeau: Les Liberte's publiques, 4e'd, paris, L.G.D.J.1972, P.41
11- د. احمد حافظ نجم: القانون الاداري، دارسة مقارنة لتنظيم ونشاط الادارة العامة, ط1, دار الفكر العربي, القاهرة, 1981, ص396, د. طعيمة الجرف: القانون العام, دراسة مقارنة لنظم الحكم والادارة, القسم الثاني, مكتبة القاهرة الحديثة, القاهرة, 1962, ص41
12-Vedele et delevolve': op.cit, p.531.
13- د. محمود سعد الدين الشريف: اساليب الضبط الاداري والقيود الواردة عليه, بحث منشور في مجلة مجلس الدولة المصري, س12, 1964, ص27.
14- د. داود عبد الرزاق الباز: اصول القانون الاداري, دراسة مقارنة بالفقه الاسلامي, الكتاب الاول, ط1, دار النهضة العرابية, القاهرة, 1996, ص216.
15- د. محمد عبيد الحساوي القحطاني: الضبط الاداري, سلطاته وحدوده, دار النهضة العربية, القاهرة, 2003, ص228, عاشور سليمان صالح: مسؤولية الادارة عن اعمال وقرارات الضبط الاداري, منشورات جامعة قاريوس, بنغازي, ط1, 1997, ص172.
16- قراره المؤرخ 7/ مايو/ 1993, اورده د. مجدي احمد فتح الله حسن: المصدر السابق, ص164.
17- قرارها الرقم 416/ ح/ 64 في 7/ 5/ 1964, منشور في مجلة ديوان التدوين القانوني, ع1, حزيران, س5, 1966, ص165.
18- قرارها الرقم 522/ ح/ 64 في 21/ 5/ 1964, منشور في مجلة ديوان التدوين القانوني, , ص166.
19- قرارها المرقم 1007/ ح/ 64 في 14/ 11/ 1964, منشور في مجلة ديوان التدوين القانوني, , ص169.
20- قرارها المرقم 138/ ح/ 64 في 20/ 7/ 1964, منشور في مجلة ديوان الندوني القانوني, المصدر السابق, ص170.
21- د. عمر احمد حسبو: حرية الاجتماع, دراسة مقارنة, دار النهضة العربية, القاهرة, 1999, ص81. د. محمود ابو السعود حبيب: القانون الاداري, دار الثقافة الجامعية, القاهرة, 1993, ص359. منيب محمد ربيع: ضمانات الحرية في مواجهة سلطات الضبط الاداري, رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق, جامعة عين شمس, 1981, ص99.
22- د. محمود سعد الدين الشريف: اساليب الضبط الاداري, المصدر السابق, ص30.
23- د. عبد الله حنفي: القانون الاداري, النشاط الاداري, الكتاب الثاني, بدون دار نشر, 2000-2001 ، ص93 ، د.مجدي احمد فتح الله حسن:المصدر السابق،ص165 .
24- د. محمود عاطف البنا: الوسيط في القانون الاداري, ط2, دار الفكر العربي, 1992, ص390.
25- محمد الطيب عبد اللطيف: نظام الترخيص والاخطار في القانون المصري, رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق, جامعة القاهرة, 1956, ص485
26- د. عمر احمد حسبو: حرية الاجتماع, دراسة مقارنة, دار النهضة العربية, القاهرة, 1999, ص83.
27- وقد تم الغاء شرط الاخطار في القانون الفرنسي لاحقاً بموجب القانون المؤرخ 28/ مارس/ 1907, حيث نصت المادة الثانية منه على ان ((تلغى من قانون 30/ يونيو/ 1881, وقانون 9/ ديسمبر/ 1905, وقانون 2/ يناير/ 1907 الاحكام المخالفة للمادة الاولى من هذا القانون)). لتفصيل ذلك ينظر افكار عبد الرزاق عبد السميع: حرية الاجتماع, دراسة مقارنة, رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية الحقوق, جامعة القاهرة, 2002, ص202
28-د. مجدي احمد فتح الله حسن: المصدر السابق, ص165.
29- د- عبد الرؤوف هاشم محمد بسيوني: نطرية الضبط الاداري في النظم الوضعية المعاصرة وفي الشريعة الاسلامية, ط2, دار النهضة العربية, القاهرة, 2004, ص141. د. عمرو احمد حسبو: المصدر السابق, ص91. د. محمود سعد الدين الشريف: اساليب الضبط الاداري والقيود الواردة عليه, بحث منشور في مجلة مجلس الدولة المصري, س12, 1964, ص31
30- منيب محمد ربيع: المصدر السابق, ص222
31- قراره المؤرخ 20/ 1/ 1932, اورده عاشور سليمان صالح: مسؤولية الادارة عن اعمال وقرارات الضبط الاداري, منشورات جامعة قاريوس, بنغازي, ط1, 1997, ص174.
32- قراره المؤرخ 8/ نوفمبر/ 1935, اورده د. عبد الحليم عبد المجيد مشرف: دور سلطات الضبط الاداري في تحقيق النظام العام, , ص146.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|