أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2016
2244
التاريخ: 4-12-2016
1808
التاريخ: 15-7-2019
1926
التاريخ: 20-5-2021
2370
|
لقد كانت في هذه الغزوة قصص وعبر التي وقعت في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة. جاء في تاريخ الخميس: أن جماعة من الأنباط قدموا المدينة، وأخبروا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن ملك الروم قد هيأ جيشا كبيرا لغزو العرب في شبه الجزيرة وأعد العدة للقضاء على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأتباعه الذين أصبحوا يهددون المناطق المتاخمة لحدود الحجاز. وحينما اتصل به هذا النبأ لم يتردد لحظة في مواجهة تلك الحشود التي أعدتها الروم، وقرر أن يكون على رأس جيش قوي لصد الغزاة، والقضاء على كل أمل يراودهم. وأتم النبي تجهيز جيش كبير بلغ تعداده ثلاثين ألفا، وقيل: أربعين ألفا، وقيل: سبعين ألفا، واتفق المؤرخون والمحدثون بأنه أمر عليا (عليه السلام) بأن يبقى في هذه الغزوة بالمدينة، وهي الغزوة الوحيدة التي لم يشترك بها علي (عليه السلام)، وقد تركه في المدينة ليقوم بمقامه، خوفا من أن ينتفض عليها المنافقون والأعراب ممن أسلموا خوفا وطمعا، والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم بأنه لا يصلح لهذه المهمة غيره وذلك عندما اشتد ساعد المنافقين والمناوئين للإسلام وأعلنوا ذلك جهارا.
ولما سار النبي بالجيش ثقل على المنافقين بقاء علي في المدينة، فقالوا: إن محمدا لم يستخلفه في المدينة إلا استثقالا له وكرها به، لأنهم كما يبدو وقد صمموا على أن يعبثوا في المدينة إلا استثقالا له وكرها به، لأنهم كما يبدو قد صمموا على أن يعبثوا في المدينة خلال غيبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عنها، ووجود علي (عليه السلام) فيه سيحول بينهم وبين ما عزموا عليه وخططوا له، وظنوا أنهم إذا أثاروه بمثل هذه الإشاعات سيلحق بالرسول ويستعمل غيره ممن هو أضعف منه ولا يستطيع أن يحول بينهم وبين ما يضمرون، وما كان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) غافلا عنه. ولما شاعت مقالتهم في المدينة، وبلغت عليا (عليه السلام) أخذ سلاحه ولحق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو نازل بالجرف فقال: يا نبي الله، لقد زعم المنافقون بأنك إنما خلفتني لأنك استثقلتني وتخففت مني، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما جاء في رواية الطبري، وابن هشام في سيرته، وتاريخ أبي الفداء وغيره: إنما خلفتك لما ورائي - وأضاف إلى ذلك الشيخ المفيد -: أن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك، فأنت خليفتي في أهل بيتي، ودار هجرتي وقومي، أما ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. ورجع علي (عليه السلام) إلى المدينة بناء على أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورد الله كيد المنافقين إلى نحورهم. وكان ممن تخلف عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو الخيثمة أحد بني سالم، فقد جاء إلى أهله بعد أن مضى رسول الله بأيام، وعنده زوجتان، فوجد كل واحدة منهما قد رشت عريشها وهيأت له الطعام والماء، فوقف على باب العريشين ونظر إلى زوجتيه وإلى ما صنعتا له، وقال: رسول الله في الضح والريح والحر، وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء مقيم في ماله، ما هذا بالنصف، والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهيا لي زادا، ففعلتا. ولما أتم تجهيزه قدم ناضحه وحمل عليه زاده والتحق برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي الطريق أدرك عمير بن وهب الجمحي يطلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فترافقا ولحقا برسول الله في تبوك. ومضى رسول الله في طريقه، ولما بلغ الحجر وبها أطلال لمنازل ثمود منقورة في الصخر، أسرع السير حتى جاوز الوادي والحجر، وهو وادي قوم صالح وديارهم، وهم ثمود الذين سكنوا ذلك الوادي، وقال: لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا، ولما تجاوز الحجر أصبح لا ماء معه ولا مع أصحابه، وقد نزلوا على غير ماء، فشكوا إليه العطش - وكان الوقت صائفا حارا - فاستقبل (صلى الله عليه وآله وسلم) القبلة ودعا، ولم يكن في السماء سحابة، فما زال يدعو حتى اجتمعت السحب من كل ناحية، فما برح من مكانه حتى نزل المطر وانكشفت السحب فسقى الناس وارتووا عن آخرهم وملأوا أسقيتهم، فقال أحد المسلمين لبعض المنافقين: ويحك أبعد هذا شيء؟ وهل بقي عندك شيء من الأريب؟ فقال: إنما هي سحابة مارة. وانطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والجيش الذي معه في طريقه إلى تبوك، وقصرت ببعض المسلمين رواحلهم، ومنهم أبو ذر الغفاري - جندب بن جنادة - فأخذ يعالج بعيره ليلحق بالجيش فلم تجده المحاولة، فلما يئس أخذ متاعه عنه وحمله على ظهره وترك بعيره في مكانه، وجعل يجد السير ليلحق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأى أحد المسلمين رجلا مسرعا ليلحق بهم فأخبر بذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده. وقبل أن يصل النبي بجيشه إلى تبوك كانت أخباره قد بلغت الروم كما بلغتها من قبل أخبار انتصاراته المتتالية في جميع معاركه التي خاضها مع قريش وغيرها من القبائل العربية، فتجسدت لديهم المخاطر، وقدروا أن محمدا لو انتصر في هذه المعركة سوف لا يقف عند حد، وستتبعها انتصارات أخرى، وبالتالي قد تتعرض الإمبراطورية الرومانية بكاملها لغزو هذا الجيش الذي زودته السماء بالانتصارات بكل أسباب القوة وذاق حلاوة النصر وأصبح يفكر فيه وحينما يدخل المعركة لا يتصور غيره، وفي الوقت ذاته كان الجندي المسلم لا يرى للحياة وزنا ما دام سينتقل منها إلى حياة دائمة ونعيم لا يزول. ولقد عرف الرومان كل ذلك وتصوروا أمامهم المخاطر، وتجسدت في مخيلتهم المآسي التي قد يجرها الصدام مع هذا الجيش الذي لا يرى الجنة إلا تحت ضلال الأسنة، فهو إن قتل فله النصر، وإن قتل فله الجنة.
وبعد الدراسة الجدية، والتشاور فيما بينهم آثروا الانسحاب من مواقعهم التي كانوا عليها إلى داخل بلادهم، ويلزموا حصونهم، فإن غزاهم غاز نازلوه ودافعوا عنها خاصة فيما لو تعرضت لغزو المسلمين. ولما انتهى المسلمون إلى تبوك وعلموا أن القوم قد انسحبوا منها إلى داخل بلادهم نزلوا بها، ينازلون من يحاول أن يقف بطريقهم.
مؤامرة الاغتيال:
قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه المجيد {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة: 65] (1). نزلت هذه الآية في جماعة من المهاجرين والأنصار، كانوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في تبوك وهم اثنا عشر رجلا وقد تعاقدوا فيما بينهم وتعاهدوا على اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو راجع من تبوك، وقال بعضهم لبعض: إذا لم نقدر عليه وسألنا بماذا كنتم؟ نقول له كنا نخوض ونلعب كما جاء في الآية. وجاء في بحار الأنوار عن كتاب دلائل النبوة للشيخ أبي بكر أحمد البيهقي بسند ينتهي إلى عروة بن الزبير، أنه قال: لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قافلا من تبوك إلى المدينة، حتى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه وتآمروا عليه أن يطرحوه في العقبة، وأرادوا أن يسلكوها لهذه الغاية، فأخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خبرهم، فقال لأصحابه: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم. فأخذ النبي العقبة وأخذ الناس بطن الوادي، إلا النفر الذين أرادوا المكر به، فقد استعدوا وتلثموا، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حذيفة بن اليمان، وعمار بن ياسر فمشيا معه مشيا، وأمر عمارا أن يأخذ بزمام الناقة وحذيفة يسوقها، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكزة القوم من ورائهم قد غشوهم، فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر حذيفة أن يراهم ويتعرف عليهم، فرجع ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم وضربها بالمحجن وأبصر القوم متلثمين فأرعبوا حين أبصروا حذيفة وظنوا أن مكرهم قد ظهر فأسرعوا حتى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتى أدرك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلما أدركه قال: اضرب الناقة يا حذيفة وامش أنت يا عمار، فأسرعوا وخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا حذيفة هل عرفت أحدا منهم؟ فقال: عرفت راحلة فلان وفلان، وكانت ظلمة الليل قد غشيتهم وهم متلثمون فقال رسول الله: هل عرفت ما شأنهم وما يريدون؟ قال: لا يا رسول الله، قال: فإنهم فكروا أن يسيروا معي حتى إذا صرت في العقبة طرحوني فيها، فقال: هلا ترأف بهم إذا جاءك الناس؟ قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولون: إن محمدا قتل أصحابه، ثم سماهم بأسمائهم (2).
وذكر قصة المؤامرة اليعقوبي في تاريخه مجملة وقال: أن حذيفة كان يقول: إنه يعرفهم بأسمائهم. وممن صادفه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد رجوعه إلى المدينة اذكر هذه القصة والآية التي نزلت بشأنهم. وإليك تفسير آية 118 من سورة التوبة:
{وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 118]. وقد نزلت هذه الآية في شأن كعب بن مالك ومرارة ابن الربيع، وهلال بن أمية، وذلك أنهم تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يخرجوا معه إلى غزوة تبوك، لا عن نفاق ولكن عن تواني ثم ندموا، فلما رجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة جاءوا إليه واعتذروا فلم يكلمهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعرض عنهم، ثم توجهوا إلى إخوانهم المسلمين وسلموا عليهم فلم يردوا عليهم فهجرهم الناس حتى أهليهم وجاءت نساؤهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلن له: نعتزلهم؟ فقال: لا ولكن لا يقربوكن. فضاقت عليهم المدينة فخرجوا إلى رؤوس الجبال، وكان أهليهم يجيئون لهم بالطعام ولا يكلمونهم فقال بعضهم لبعض: قد هجرنا الناس ولا يكلمنا أحد منهم، فهلا نتهاجر نحن أيضا فتفرقوا ولم يجتمع منهم اثنان، وحلفوا أن لا يكلم بعضهم البعض حتى يتوب الله تعالى عليهم أو يموتوا. وبقوا على ذلك خمسين يوما، يتضرعون إلى الله تعالى ويستغفرون إليه، عند ذلك قبل الله توبتهم وأنزل فيهم الآية المذكورة في صدر البحث.
بعد رجوع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من تبوك وانتصاراته الباهرة، والغنائم الهائلة التي حصل عليها، وخضوع شرائح من الإفرنج له وإعطائه الجزية عن يد وهم صاغرون، وخذلان الكفرة الرومان والمشركين من الأعراب الذين آزروهم، ورد كيد المنافقين في المدينة إلى نحورهم خائبين خاسرين، جاء جماعة ممن تخلف عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعتذرون إليه عن تخلفهم وما صدر منهم مما يسيئه، فلم يقبل معذرتهم، وبدأ يتشدد في معاملة المنافقين شدة لم يألفوها من قبل بعد ما تبين له (صلى الله عليه وآله وسلم) إن التساهل معهم يشجعهم على التمرد والعصيان، وبث الفوضى في صفوف المسلمين. وخاصة بعد أن عسكر ابن أبي السلول فيهم، ولم يكونوا بأقل مما كان معه (صلى الله عليه وآله وسلم) عددا من أصحابه، كما جاء ذلك في رواية ابن هشام وابن سعد وغيرهما في كتب السير والتاريخ. وجاء خبرهم في القرآن الكريم ليطلع الرسول العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) على كثير من أخبارهم وتصرفاتهم الفاسدة، ويحذره مكرهم ووساوسهم، ويأمره أن لا يستعين بهم في حرب أعدائه، وأن لا يقبل لهم عذرا - أو معذرة - فقال سبحانه وتعالى في سورة التوبة: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (83) وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } [التوبة: 83، 84] (3) إلى قوله تعالى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 94، 95] (4). إلى كثير من الآيات التي تعرضت لحالهم ووصفتهم بواقعهم، وقد سميت سورة التوبة بالفاضحة لأنها تعرضت للمنافقين وأعمالهم ونواياهم التي كانوا يبيتونها ضد الإسلام والمسلمين، وفضحتهم. ومن المنافقين الذين تستروا بالإسلام منذ السنين الأولى لدخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة: أبو حبيبة بن الأزعر، وثعلبة بن حاطب، وهلال بن أمية، ومتعب بن قشير، ووديع بن ثابت، وعبادة بن حنيف، وهؤلاء مع جماعة غيرهم وعددهم اثنا عشر رجلا قد اشتركوا في بناء المسجد الذي نهى الله رسوله عن الصلاة فيه، وسماه مسجدا ضرارا كما جاء في الآيات 107 - 109 من سورة التوبة.
مسجد ضرار:
وجاء في مجمع البيان وغيره: أن بني عمرو بن عوف قد بنو مسجد قبا بعد أن وضع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحجر الأساس له حين مكوثه عندهم بانتظار علي والفواطم، وطلبوا من النبي أن يصلي فيه فجاءهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصلى فيه وأصبح المسجد مركزا للاجتماع والنظر فيما يعود على المسلمين بالخير، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف، وعزموا على أن يبنوا مسجدا في مقابله كي لا يحضروا مع جماعة المسلمين الذين أخلصوا في إسلامهم، وكانوا اثني عشر رجلا، وقيل أكثر من ذلك كما مر ذكرهم. فلما أتموا بناءه جاءوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يتجهز إلى تبوك - كما جاء في بعض كتب التفسير والسيرة - فقالوا: يا رسول الله لقد بنينا مسجدا لذوي العلة والحاجة والليلة الممطرة، وإنا نحب أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال لهم: إني على جناح سفر فإذا رجعنا صلينا إن شاء الله. فلما رجع النبي من تبوك وأراد أن يصلي فيه نزلت الآيات من سورة التوبة بشأنه: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [التوبة: 107 - 109] (5). وكان أحد المنافقين وهو أبو عامر الراهب - الذي سماه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالفاسق، وهو من الخزرج، وهو أبو حنظلة الشهيد بأحد والمعروف بغسيل الملائكة كما مر ذكره في غزوة أحد - كان في المدينة متجاهرا بالنفاق، هرب إلى مكة مع عدد من أتباعه، والتحق بالمشركين، وكان في مقدمة من حرض المشركين على حرب رسول الله وأصحابه في المدينة، كما أنه اشترك مع المشركين في أحد ومعه خمسون رجلا من أتباعه، وهذا المنافق هو الذي أمر أتباعه ببناء هذا المسجد، وكان قد ترهب في الجاهلية ولبس المسوح، فلما دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة كان يشاغب عليه. وبعد أن فتح النبي مكة التجأ أبو عامر إلى الطائف، ولما أسلم أهل الطائف التحق ببلاد الشام وتنصر، وقد أرسل إلى المنافقين من أتباعه أن يتموا بناء المسجد ويجدوا في أمرهم، ووعدهم بأنه سيذهب إلى قيصر الروم ويحرضه على إرسال جيش قوي إلى المدينة للقضاء على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن معه من المسلمين، فكان المنافقون يتوقعون ذلك، ولكنه هلك قبل أن يتصل بملك الروم، فقد أراح الله العباد والبلاد من شره. ولما نزل الوحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقص عليه حديث هذا المسجد أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بهدمه وإحراقه، وأمرهم أن يتخذوا محله مكانا للأوساخ والنفايات.
________
(1) سورة التوبة الآية 65.
(2) من المعلوم من سير الحوادث أن المسألة إذا كانت تتعلق بكبار الصحابة فلا ترد أسماؤهم صريحة فيها، ويأتي التعبير عنهم بفلان وفلان، وكل مورد من هذا القبيل فهو يعني جماعة يخاف الراوي من التصريح بأسمائهم، أما إذا لم يكن الحادث مع الكبار من الصحابة فيأتي الاسم صريحا، كما يبدو ذلك للمتتبع، وقد تحدثنا عن هذه الناحية خلال حديثنا عن غزوة أحد. (*)
(3) سورة التوبة الآية 83 - 84.
(4) سورة التوبة الآية 94 - 95.
(5) سورة التوبة الآية 107 - 109.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|