أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-11-2016
3059
التاريخ: 2024-08-14
432
التاريخ: 7-11-2016
10448
التاريخ: 2-2-2017
3390
|
مناطق الأطراف العربية
أولًا: في المصادر المسمارية
توزعت مناطق التجمع والتحضر القديمة في الأجزاء الوسطى والشمالية من شبه الجزيرة العربية بشرقها وغربها. على نحو ما توزعت به في الجنوب تحت تأثير عدد من العوامل الاقتصادية والعوامل الجغرافية. فانتشر أغلبها حول الطرق التجارية الرئيسية الواصلة بين أجزاء شبه الجزيرة والمؤدية منها إلى البلاد المجاورة، كما انتشر بعضها على مناطق الحواف بين أطراف الصحراء وبين حدود دول الهلال الخصيب القريبة منها، فضلًا عن انتشارها الداخلي في الواحات والنجوع والقرى حول العيون والآبار والنهيرات الصغيرة وفي مناطق الحرات.
وانصرفت تسمية عرب، التي تداولتها نصوص التاريخ القديم على العرب الشماليين أكثر منها على العرب الجنوبيين، كما انصرفت للدلالة على أعراب البادية أكثر منها على أهل الحواضر. وذلك على الرغم مما تناقلته أغلب مؤلفات الأخباريين من تسمية أهل الجنوب باسم العرب العاربة وتسمية أهل الشمال باسم العرب المستعربة.
أ) في العصر الأشوري:
اتسع المجال العربى في عصوره القديمة لما كان يتعدى شبه الجزيرة إلى قرب بوادي الشام والعراق وسيناء أيضًا. وبهذا المعنى الواسع ورد أقدم لفظ مكتوب مؤكد لتسمية العرب في النصوص المسمارية الآشورية خلال القرن التاسع قبل الميلاد. ولا يعني وروده في هذا القرن بداية ظهوره أو بداية ظهور العرب بحال من الأحوال. فهناك قرائن تدل على قدم وجود العرب بخصائصهم وخصائص لغتهم منذ عهود سبقته بآمال طويلة. ومن الباحثين من يحتمل ورود تعبير قريب من تعبير العرب في نص مسماري من عهد نارام سين الملك السامي الآكدي خلال القرن الثالث والعشرين ق. م وإن كانت قراءته لا تزال موضعًا للجدل.
وكان التوسع الآشوري قد امتد في القرن التاسع ق. م إلى بوادي الشام وضغط على ما في جنوبها من مناطق التجمعات العربية. وحاولت دويلات المنطقة أن تقف في وجه تقدمه بتكوين حلف كبير بزعامة إمارة دمشق وما حولها. وهنا ذكرت نصوص شلما نصر الثالث الملك الآشوري في عام 853 ق. م.
أنه انضم إلى هذا الحلف فيمن انضموا إليه ألف راكب جمل من رجال جنديبو أريبي (أو الأريبي). ويعتبر لفظ جنيديبو تحريفًا لاسم جندب أو جندبة. كما يعتبر لفظ أريبي تحريفًا لصفة العربي. وقد لقب جنديبو هذا بلقب الملك، ويبدو أنه كان يعيش بقبيلته العربية أو يتردد بها على البادية الواقعة إلى الجنوب الشرقي من دمشق. وإذا صح أنه اشترك في الحرب ضد الآشوريين بألف راكب جمل فعلًا لدل ذلك على سعة نفوذه وكثرة رجاله قياسًا على إمكانات عصره.
وتعددت إشارات النصوص الآشورية بعد ذلك إلى الجماعات العربية القريبة من دولتها والواقعة على طرق التجارة الواصلة إليها. ورددت القول بانتصارات ملوكها العراقيين وجيوشهم على هذه الجماعات وتلقي الجزى منها. وهي أخبار تحتمل الصدق كما تحتمل الشك. فيحتمل صدق بعضها على أساس عدم تعادل كفتي الفريقين من حيث العدد والعدة ومن حيث وفرة الموارد. ولكن يتعين الشك في بعضها الآخر على أساس أنها أخبار تواترت من جانب واحد وهو الجانب الآشوري الذي سجل انتصارات أصحابه دون هزائمهم. وجلي أنه لو كان خصومه من العرب الشماليين قد استخدموا الكتابة حينذاك وسجلوا بها أخبارهم، لأمكن مقارنة أخبار الجانبيين ببعضهما البعض والخروج منهما بما هو أقرب إلى الصحة. وعلى أية حال فإن ما ذكرته النصوص الآشورية نفسها عن تعدد حروب الجانبين يدل ضمنًا على استمرار مقاومة القبائل العربية التي اعتمدت على مهارتها في الكر والفر وقتال الصحراء، ووعورة مناطقها، وعملها على مضايقة خصومها عن طريق تهديد قوافل تجارتهم. واستطاعت على الرغم من قلتها النسبية أن تسجل صفحات مجيدة في الدفاع عن أرضها واستقلالها.
ذكرت النصوص المسمارية الآشورية أسماء ممالك وقبائل عدة مثل سبأ وقيدرى وتيماء ومصوري وتمودي وخايابا ومساء ... إلخ. وكان أهم ما تضمنته فيما نكتفي به مؤقتًا وفيما يفيد التاريخ العربي العام هو أنها ذكرت أسماء خمس ملكات عربيات على أقل تقدير حكمن في جهة ما من شمال شبه الجزيرة العربية فيما بين أواسط القرن الثامن ق. م، وبين أواسط القرن السابع ق. م. ولم تحدد مكان دولتهن صراحة، ولكنها ذكرت خلال الحديث عنهن أحيانًا اسم أداوماتو وذلك مما دفع إلى احتمال حكمهن في دومة الجندل أو بقربها في منطقة الجوف الشمالي، كما نسبت إلى إحداهن كهانة معبودتها الكبرى دلبات، وذلك مما قد يعني بدوره أن حكمهن اعتمد على تقاليد دينية جعلت رياسة الكهنوت لكبريات نساء الأسرة المالكة وسمحت لهن بوراثة الحكم واحدة بعد أخرى أو بنتًا بعد أمها.
وهكذا أشارت النصوص المسمارية في القرن الثامن ق. م إلى ملكتين عربيتين أطلقت على كل منهما لقب ملكة أريبي. وذكرت أقدمهما باسم زبيبي تحريفًا عن زبيبة، وأضافت أنها اعترفت بالطاعة لدولة آشور وأدت الجزية إلى ملكها. وذكرت الثانية باسم سمسى (تحريفًا عن شمس) في مناسبتين: مناسبة أدت الجزية فيها إلى الملك الآشوري كسابقتها، ومناسبة أخرى خلعت فيها هذه الطاعة وساعدت البدو الآراميين أعداء الآشوريين. وتركت رجالها يهددون القوافل الآشورية، فحاربتها القوات الآشورية وخربت بلدتين في أرضها وأجبرتها على الطاعة، ثم عين الملك الآشوري مندوبًا له في عاصمتها يتلقب بلقب قيبو أي قيم كي يشرف على سياستها ويكتب إليه عن أمرها.
ولم يكتف الآشوريون بأن يسجلوا نصرهم على قوم شمس كتابة فقط، وإنما أسرفوا في تصويره بما أشبع كبرياءهم، وبقي منه ما يصور فارسين آشوريين على جوادين يلاحقان برمحيهما محاربًا عربيًا يجري مسرعًا ببعيره ويلتفت إليهما في ضراعة بعد أن أصيب بعيره بسهم في جنبه كاد يرديه. وصوروا عددًا من قتلى جيش الملكة وقتلى حلفائها ممدين على الثرى تحت سنابك الجوادين. وزادوا فصوروا امرأة بثوب كاس تسير باكية تلطم وجهها بكفها أو تستره خجلًا بكفها وتمسك باليد الأخرى جرة كبيرة ويعقبها عدد من نياقها. وليس من المستبعد أنهم أرادوا أن يرمزوا بها إلى الملكة شمس نفسها وإلى عجزها واستسلامها وعودتها إلى رعاية الإبل.
وأشارت النصوص الآشورية في القرن السابع ق. م إلى ملكتين عربيتين أخرتين: يتيئة وتلخونو، تحريفًا فيما يبدو عن اسمي يطيعة وتلهونة، وذكرت عن يطيعة أنها ناصبت الآشوريين العداء وربما تحالفت مع كبير الآراميين في العراق مردوك أيبا ليدينا الثاني ضد الملك الآشوري. وأسندت قيادة جيشها إلى أخيها بسقانو تحريفًا فيما يبدو عن الباشق. ولكن الجيوش الآشورية هزمت جيشها وأسرت أخاها.
وسلكت الملكة تلهونة (أو تلخونو) مسلكها الخاص في سبيل الدفاع عن أرضها ومصالحها، فتحالفت مع من ذكرته النصوص الآشورية باسم خزا إيلي أو حزائيل، ملك قبائل قيدار المجاورة لأرضها في منطقة الجوف. وعهدت إليه بقيادة جيشهما المشترك ضد الآشوريين، ولكن حلفهما فشل في أداء مهمته، على الأقل في حدود ماروته المصادر الآشورية، وفرت الملكة إلى أداوماتو (دومة؟) فلحقت بها القوات الآشورية على الرغم من وعورة الطريق وضيقت الحصار عليها حتى أسرتها هي أو الملكة أبكالاتو كما أسرت ابنتها تبؤة، واستولت على تماثيل معبوداتها، ويبدو أنه فت في عضد الملكة أنه نشب خلاف بينها وبين حليفها حزائيل عقب هزيمتها الأولى أو خلال حصار أداوماتو، فخرج إلى قلب البادية ونجا نفسه مؤقتًا وعز على الجند الآشوريين أن يتعقبوه وإن كانوا قد دمروا بلده، واستولوا على تماثيل بعض معبوداته.
ولعله كان من جراء طول المقاومة والرغبة في إعادة السلام إلى الطرق التجارية أن اتبع البلاط الآشوري سياسة المهادنة، فتعهد الأميرة العربية الصغيرة تبؤة بالتربية والرعاية رغبة في أن تشب وفية مخلصة للملكية الآشورية وعندما بلغت سنًا مناسبة اعترف بها ملكة على قومها.
وربطت النصوص الآشورية بين ملكة عربية أخرى وبين إيا إيلو بن حزائيل ملك قيدار كحليفة له ضمن ملوك صغار آخرين، وذكرت هذه الملكة باسم بائيلو ملكة أخيلو. واعتبر اللغوي إذوارد جلازر اسم بائيلو تحريفًا عن الاسم العربي باهلة، كما قرب اسم أخيلو إلى اسم ديار أخلة أو أجلة في منطقة الخرج في نجد. وبرر رأيه بما روته المصادر المتأخرة عن سكنى قبيلة باهلة التي يشبه اسمها اسم الملكة القديمة في هذه الديار، ولكن لازال رأيه هذا في مرحلة الفروض.
ب) في العصر البابلي الأخير:
عندما ورثت الدولة البابلية الكلدانية مناطق النفوذ الآشوري في الشرق الأدنى كان من الطبيعي أن تتجدد العلاقات الاقتصادية السلمية أو المناوشات الحربية بينها وبين الإمارات العربية التي تحف بهذه المناطق، لولا أن النصوص البابلية لم تسجل شيئًا كثيرًا عن هذه العلاقات حربًا كانت أم سلمًا، إلى جانب الحقيقة الأخرى المتوقعة وهي أن العرب بدورهم لم يعثر لهم على نصوص تتحدث عن أحوالهم معها.
وظل الحال على هذا الغموض حتى اشتد التنافس بين دولة بابل وبين دولة الفرس. ومالت أحوال بابل إلى التدهور، فحاول آخر ملوكها نابونهيد أن يجرب حظه مع المناطق العربية عله يسترجع بها بعض مجده الذاهب فغزا جنوب الشام حتى إدوم وغزة، ثم أناب عنه على عرش بابل ولي عهده، ولأمر ما اتجه إلى واحة تيماء، ربما ليحيي أهميتها الاقتصادية على الطريق التجاري الرئيسي بين شمال غرب شبه الجزيرة العربية وبين العراق من ناحية وبين البحر المتوسط من ناحية أخرى. ثم ينتفع بمواردها، أو على أمل أن يستعين بها وبوسطها البدوي على تطعيم جيشه بقوات فتية يستعد بها لمعركة قريبة بينه وبين الفرس، أو على أسوأ تقدير ليهيئ بها ملجأ يبعده عن طائلة الفرس حين الضرورة.
وعلى الرغم من هذه الأغراض الملحة لم يكن نابونهيد موفقًا في سياسته، فاشتد على تيماء التي أراد أن يتخذها قاعدة جديدة لحكمه وفتك برؤسائها وأخضع سكانها وقتل ملكها، ثم أعاد تسويرها وأقام بها بضع سنوات في قصر جديد محصن على مثال قصره البابلي. ومد نفوذه منها جنوبًا على ساحل الحجاز وربما وصل حتى يثرب. وأخيرًا أدرك عقم محاولته فعاد إلى بابل حيث لم يلبث حتى خسر دولته كلها أمام الفرس فى عام 538 ق. م ولازالت أغلب آثار هذا العصر البابلي في تيماء مطمورة تحت أنقاض العصور التي تلته.
جـ) في العصر الفارسي:
أدى مشروع نابو نهيا الفاشل في تيماء إلى عكس ما أراده منها، إذ كان من نتيجته أن وجه أطماع الفرس إليها وإلى ما حولها من المناطق العربية بعد أن مدوا نفوذهم على الهلال الخصيب كله. وأحس أمراء بادية فلسطين وما في جنوبها بعنفوان الفرس وشدتهم فآثروا السلامة معهم بحيث روى المؤرخ هيرودوت أن قمبيز ملك الفرس وهو في طريقه إلى فتح مصر في عام 525 ق. م. حالف ملكًا من ملوك البادية كان يعبد هو وقومه اللات قرب خليج العقبة. أو بمعنى آخر أجبره. على أن يزوده بالإبل والماء ويرشد جيشه إلى مسالك الصحراء المؤدية إلى مصر, فعالج البدوي مشكلة الماء بملء بطون الجمال إلى حين الحاجة إليه، وعمل على إعداد ما يشبه الخراطيم الطويلة من جلود الماشية لتجري بالماء من نهير في بلده إلى ثلاث قنوات تصب في ثلاثة صهاريج ضخمة بالصحراء.
وأيا ما كان في رواية هيرودوت هذه من الصحة أو من الخيال. فقد رددت نصوص الملك الفارسي دارا أن قبائل أربايا، أي القبائل العربية التي انتشرت في بادية جنوب الشام وعلى أطرافها كانت تؤدي إلى دولته كميات هائلة من البخور والطيوب وما إليها على هيئة الجزى والهدايا. وكان هذا أمرًا طبيعيًا في عصر أصبح الفرس فيه أقوى دولة في الشرق الأوسط من غير منازع بعد أن شاخت بقية دوله الأخرى وتهاوت إلى حين.
وامتد النفوذ الفارسي إلى واحة تيماء نظرًا لما لها من أهمية تجارية. ويبدو أنه كان نفوذًا غير مباشر لم يحس أهل الواحة بشدة وطأته. بحيث أن أغلب ما وجد بها من الآثار يرجع إلي أيامه وما تلاه. وتقع أطلال تيماء القديمة هذه في جنوب الواحة الحالية. وكان يحيط بها سور يتراوح سمكه بين175 وبين320 من الأمتار ويبلغ ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار. أما امتداده فقد قدره دوتي بنحو ثلاثة أميال، بينما قدره سافينياك وجوسن بثلاثة كيلو مترات فقط. مما يعني أن المنطقة لا تزال تتطلب دراسة واسعة للكشف عن حقائق ماضيها، لاسيما وأنه كشف فيها بالفعل وعن طريق المصادفات ثم البحوث المحدودة بقايا قليلة من معابدها ومقابرها ونصبها الدينية. وهذه يحمل أقدمها تأثيرات عراقية ومصرية وفارسية، ويحمل أحدثها تأثيرات نبطية ورومانية نظرًا لكثرة اتصالاتها الخارجية القديمة وبحكم موقعها التجاري المتوسط. وذلك إلى جانب الخصائص المحلية التي ظهرت في أسماء معبوداتها القديمة.
د) الأطراف الشرقية:
توافر للأطراف الشرقية من شبه الجزيرة العربية نصيب قليل مما أتت به المصادر المسمارية ولكنه على قلته لا يعدم ما يؤيده من الكشوف الأثرية الحديثة التي سنتناول نتائجها في صفحات تالية. وعرفت أهم هذه الأطراف في النصوص المسمارية بأسماء دلمون وماجان وملوخا. ولأمر ما اعتبرت الأساطير السومرية دلمون جنة استقر السومريون زمنًا بها قبل أن يدخلوا أرض العراق.
وذهب الترجيح إلى أنها، أي: دلمون، تمثلت في جزيرة البحرين. ثم تواتر ذكرها تاريخيًا وشمل اسمها فيما يعتقد بعض الباحثين المحدثين جزءًا من ساحل الأحساء المواجه لها. وذكرت نصوص الملك سرجون الآكدي في القرن الرابع والعشرين ق. م. أن إشراف دولته امتد على دلمون وماجان وملوخا وأن سفنها سارت على مياه آكد، وذلك مما دعا إلى اعتبار هذه الأقطار الثلاثة أقطارًا بحرية وساحلية ذات خبرة بالملاحة وصناعة السفن، ويعمل أهلها بالنقل البحري والتجارة البحرية. ولهذا سارت سفنهم في مياه الفرات طاعة لدولة آكد. وهكذا يتجه بعض الرأي إلى اعتبار ماجان تشغل ما تشغله عمان الحالية. وأضافت نصوص مسمارية أخرى أنه كان يستورد منها للعراق الخشب والنحاس والأحجار الصلبة. أما ملوخا التي ذكرت النصوص المسمارية أنه كان يستورد منها الذهب والخشب الثمين، فلم يتيسر تحديد موضعها الفعلي حتى الآن، وإن لم يستبعد أنها وقعت بين المنطقتين الأخريين دلمون وماجان أو البحرين وعمان. وذهبت آراء أخرى إلى المضي باتساع المناطق السابقة أو بعضها حتى وادي السند.
وتعاقبت نصوص مسمارية أخرى بابلية وآشورية بعد عهد سرجون تكرر المعنى الذي أراده بامتداد النفوذ العراقي على هذه الأجزاء الشرقية. ولكن يبدو أنه كان نفوذًا تجاريًا فقط. قام على أساس استيراد المواد الأولية التي ذكرناها وبعض منتجات بخور منطقة ظفار. وما يتجمع من منتجات الهند وجزر المحيط الهندي على سواحل الخليج العربي لتصريفه في أسواق العراق.
وزادت النصوص الآشورية فأشارت في القرن الثامن ق. م إلى أريبيي مطلع الشمس وعنت بهم أعراب الشروق قرب الخليج العربي.
وأخذت بعض الجاليات الفينيقية تتوافد على هذه المناطق الساحلية خلال العصر الفارسي، ومارست نشاطها التجاري فيها وفي البحار القريبة منها. ونقلت إليها بعض عناصر حضارتها. ثم ازدادت أعداد التجار الفينيقيين وتأثيراتهم واختلاطهم بالسكان المحليين في العصر الهيلينستي وهو ما يخرج عن دائرة المصادر المسمارية. وقد شهدت به تسمية جبيل لإحدى مدن المنطقة الشرقية.
ثانيًا: من نتائج الكشوف الأثرية الحديثة:
ارتبطت أغلب الاكتشافات الأثرية في سواحل الخليج العربي وجزره مؤخرًا بجهود بعثة دانماركية لآثار ما قبل التاريخ، وما تبعها من بعثات أخرى:
أ) في البحرين: استهلت هذه البعثة عملها في عام 1953 في مناطق الظران وأدوات ما قبل التاريخ الحجرية على جبل الدخان والمنطقة الصحراوية في البحرين وامتدت منها إلى غيرها من مواطن الدهور الحجرية بها. ثم اتسعت مجالات بحثها فالتفتت إلى رجم المقابر التي بلغ من كثرتها أن بدت في هيئة الغرود الطبيعية في الصحراء. وقد قدر عددها بنحو مائة ألف وتنوعت بين كبيرة وصغيرة، ومخروطية ومستطيلة. وتفاوت متوسط ارتفاعات المقابر ذات القواعد الدائرية بين المتر وبين الستة أمتار، بل وارتفع أكبرها إلى 12 مترًا وبلغ قطر قاعدته 17 مترًا. وأحاط ببعضها سور دائري. وذلك إلى جانب مقابر أخرى صغيرة دفن أصحابها في جرار من الفخار.
وتنقلت أعمال الكشف الأثري إلى حيث تتبعت شواهد العمران القديم في العواصم الأولى التي نسبت إلى عهود متفاوتة يحتمل أن أقدمها عاصر الحضارة السومرية، وعاصر بعضها العصر الآشوري الحديث والعصر البابلي الأخير، كما عاصر أحدثها الحضارة السلوكية الهيلنستية والحضارة البارثية، مع انقطاع عمرانها في فترات أخرى بعوامل مختلفة. وتمثلت أهم مكتشفات البعثة في أطلال معابد باربار بمستوياتها الثلاث المتعاقبة وبعض عناصرها الباقية الأمر الذي شجع على تسمية أهم الفترات الحضارية بجزيرة البحرين باسم حضارة باربار.
وتنوعت حصيلة ما بقي من مناطق السكن والعبادة والدفن، من أنواع الآثار المنقولة. فشملت كمية كبيرة نسبيًا من أواني الفخار والأواني الحجرية، ومجموعات من الأختام الدلمونية المستديرة ذات القمة المدببة والمسطحة. والتي نقش بعضها بمناظر محلية، ونقش بعضها الآخر بمناظر تشبه مناظر الأختام القديمة في العراق وفي وادي السند، وذلك مما يدل على العلاقات الحضارية أو التجارية بين هذه الأقطار الثلاثة، وذلك فضلًا على مجموعات من الأواني والتماثيل المعدنية والمرمرية الصغيرة، وقطع نحاسية وأخرى من العقيق واللازورد. وأوزان محلية ومنقولة ... إلخ.
وأيدت هذه الآثار المنوعة الأهمية النسبية لجزيرة البحرين في العصور القديمة كمركز لمنطقة دلمون التي رددت المصادر المسمارية ذكرها، ومركزًا لحضارة خاصة بها وهي حضارة باربار، فضلًا على كونها جزءًا من حضارة الخليج العربي في مجمله.
ب) في الكويت: تركزت أغلب أعمال البعثة الدانماركية منذ عام 1958 في دولة الكويت في جزيرة فيلكا أو جزيرة أكاروس كما سميت بالإغريقية في عهد الإسكندر الأكبر. وقد ذكرتها المصادر الكلاسيكية كمحطة تجارية نظرًا لموقعها الاستراتيجي المناسب عند مدخل الخليج، ولما هيأته من المرفأ الآمن والمياه العذبة لسفن التجارة. وبقيت البعثة فيها على مستويات متعاقبة عادت بأقدم مظاهر سكانها إلى أواسط وأواخر الدهر الحجري القديم وإلى العصر الخالكولتى: النحاس الحجري. وقيل: إن بعضها عاصر الحضارة السومرية في العراق خلال النصف الأول من الألف الثالث ق. م، وحضارة كولى في السند، وما يمتد من العصر الآكدي حتى عهد إسين-لارسا في العراق (من أوائل القرن 33 ق. م إلى أواخر القرن 18 ق. م.) حيث قلت مظاهر العمران لفترات طويلة حتى عاد نشاطها مع عهد الإسكندر والعصر السليوكي الذي مثلت فيلكا فيه مركزًا تجاريًا وحضاريًا جمع إلى صبغته المحلية والخليجية عناصر أخرى إغريقية وهيلينستية وفدت مع نشاط الملاحة والتجارة في هذا العصر وما تلاه. وظلت اتصالات الجزيرة بشبه الجزيرة العربية قائمة وعثر في أرضها على نصوص عربية قديمة.
وتعددت الآثار الثابتة في مواقع التنقيب في جزيرة فيلكا وتمثلت في أطلال محلات سكنية وأفران ومواقد وأسوار وحصون، ومعابد محلية مثل معبد إنزاك ومواقع عبادة آلهة الينابيع ومصادر المياه. وأخرى هيلنستية مثل معبد أرتيميس. وتباينت أطلال هذه الآثار في أحجامها وفي مدى أهميتها. كما تباينت وتداخلت في أزمنتها، لاسيما بالنسبة لمناطق السكن ومراكز العبادة التي أعيد استخدام بعضها جزئيًا أو كليًا في فترات متعاقبة، بحيث قد يضم الموقع الواحد أحيانًا بين آثار من عصور ما قبل التاريخ وبين آثار من العصر الهيلينستى متقاربة من بعضها أو مختلطة مع بعضها وقد لوحظت كثرة استخدام الأحجار في المباني القديمة على عادة بعض أهل جنوب شبه الجزيرة العربية، مع قلة البناء باللبن الذي اعتاده أهل العراق القريبين منهم.
وكالعادة احتوت هذه الأطلال على آثار صغيرة منقولة تضمنت أعدادًا من أواني الفخار والأواني الحجرية والأسلحة الصغيرة والأحجار المنقوشة والتماثيل البشرية والحيوانية الصغيرة وقطع من العملات المحلية والهلنستية والعربية القديمة، وعدة آلاف من أختام صغيرة تنوعت بأشكالها وموضوعاتها بين أختام إقليمية مستديرة أنتجتها حضارة الخليج، وأختام أسطوانية قلدت أختام العراق، وأختام رباعية قلدت أختام وادي السند، بل وشكل أحد الأختام على هيئة الأختام المصرية القديمة. ونقشت على هذه الأختام أشكال مختصرة لكائنات بشرية وحيوانية وأشياء طبيعية وزخارف تخطيطية عبرت عن بعض عقائد أصحابها وأخيلتهم وأساطيرهم ومستوى فنونهم.
جـ) في قطر: باشرت البعثة الدانماركية أعمالها في الساحل الغربي من قطر. وعثرت على كميات كبيرة من أدوات حجرية صنفتها في أربع حضارات بدائية ترجع إلى فترات من الدهر الحجري المتوسط والدهر الحجري الحديث والعصر النحاسي الحجري. وغلبت على حياة الدهور والعصور حرفة الصيد وحرفة الرعي ثم القليل من الزراعة. ووجدت البعثة رسومًا مختصرة على جوانب الصخور صورت مناظر زخرفية وملاحية وعقائدية. كما وجدت بقايا بلدة يرجع عمرانها إلى أواسط الألف الأول ق. م.
د) في دولة الإمارات العربية: ركزت البعثة أغلب أعمالها في أبو ظبي في جزيرة أم النار التي قيل: إنها اكتسبت اسمها من كثرة ما وجد بها من أحجار كانت تستخدم محطات لإيقاد النار. ثم اتسع البحث إلى منطقة العين وقرية هيلي. وظهرت شواهد أربع مراحل للعمران في محلات قديمة ذات مساكن منوعة. كما وجدت أعداد كثيرة من رجم المقابر المستديرة الفردية والأسرية، وأرجع أقدمها إلى فترات من الألف الثالث ق. م. وبني أكبرها بالحجر، وصورت على مداخلها مناظر إبل وماشية وحيات.
واحتفظت بعض المقابر ببعض ما زود الموتى به من أوان وخناجر وأدوات للزينة، ويحتمل أن أهل جزيرة أم النار القدامى أخذوا في بعض عصورهم بتضحية الأتباع حين دفن سادتهم.
هـ) في الساحل الشرقي للملكة السعودية:
توزعت الأكوام الأثرية الصغيرة على طول الساحل الشرقي للملكة السعودية في مثل تاج والقطيف وتاروت والعقير والظهران وجبيل. وكان لكل هذه المواضع نشاطها الاقتصادي كمراكز بحرية وبرية لتجارة المرور، فضلًا على تجارتها المحلية. مما دلت عليه كتابات الرحالة والمؤرخين الكلاسيكيين وبعض المصادر العربية القديمة.
وعثر فيما عثر عليه على أعداد من التماثيل الطينية الصغيرة لإناث وحيوانات. وقامت البعثة الدانماركية بتجميع أعداد كبيرة من كسر الفخار الخشن والرقيق، والأواني الفخارية والحجرية، ومباخر مربعة - ويبدو أنها كانت من آثار عمران لبلدة عاصرت الحضارة السلوكية أو الهيلينستية. كما عثر على نقش بكتابة عربية جنوبية قديمة في ثاج.
وفي شبه جزيرة تاروت على امتداد القطيف تعددت رجم المقابر ذات الشكل المخروطي. ووجدت البعثة الدانماركية آثار عمران متقطع متفاوت قد يبدأ معاصرًا لحضارة العبيد في أقدم طبقاته، ويمتد به الزمن حتى عهد حضارة باربار في البحرين. ويضم مخلفات من الأدوات الحجرية الصغيرة لدهور ما قبل التاريخ، ومخلفات من كسر الفخار.
وامتدت البحوث إلى جرها القديمة وهي الجرعاء العربية والعقير الحالية، على أساس ما شهد به الرحالة الكلاسيكيون من ثرائها ونشاطها الواسع في تجارة المرور، الترانزيت، خلال العصر السليوكي. وقد تعددت بالفعل أكوام أثرية كثيرة فيما بين العقير وبين الظهران، واستغلت البعثة الدانماركية ما وجد على سطوحها من كسر الفخار والأواني الحجرية لتصنيفها وتوقيت صناعتها.
وفي الوقت ذاته كان لقرب مناطق النفط من الظهران أثر في توجيه الأنظار إلى ما كشف في أرضها مصادفة من الآثار خلال مد الطرق وتعبيدها وحفر الآبار. ونبه بيتر بروس كورنول إلى أهمية موقعها وضخامة جبانتها القديمة، ونسبها إلى كبار منطقة دلمون الذين شمل نفوذهم البحرين والأحساء.
وتفاوتت مقابر هذه الجبانة فيما بينها في سعتها وأهميتها ومحتوياتها. واحتوى أكبرها على توابيت حجرية وجدران مبنية.
و) من كشوف البعوث العربية:
حاولت بعض البعثات الوطنية والعربية أن تدلي بدلوها في الكشف عن جوانب من تراث الخليج القديم. فأولت وزارة التربية في البحرين اهتمامها لموقعي الحجر والشاخورة منذ عام 1970، وجرى الكشف عن مقابر يحتمل إرجاعها إلى ما يعاصر العصر الكاسي في العراق. وما يعاصر العصر السليوكي. وهي مقابر مستديرة صغيرة تنتمي لطوائف اجتماعية مختلفة. وغالبًا ما كسيت جوانبها الداخلية بملاط وعلتها قطع حجرية، وأدت إلى مدخلها درجة حجرية أو أكثر من درجة.
وأولت دولة الإمارات العربية اهتمامًا بالكشف في أنحائها عن المزيد من المدافن القديمة. ووجدت على بعض أحجار المقابر رسوم هيئات بشرية وحيوانية ومناظر صيد. وتضمنت الآثار المنقولة التي عثر عليها من أوان وكسر الفخار أعدادًا مزخرفة بأشكال حيوانية وتخطيطية على الطريقة المحلية أحيانًا. وبما يقلد بعض زخارف الفخار الخارجية في مثل بامبور وكلى، أحيانًا أخرى.
وانصب كثير من الاهتمام في نجد بالمملكة العربية السعودية على منطقة الفاو. وكانت مستوطنة قديمة على الطريق التجاري بين نجران وبين أطراف العراق عبر وادي الدواسر. وكشف فيها عن آثار عمرانها القديم وما تخلف عنه من الأواني الحجرية والفخارية فضلًا عن نقوش نصب المقابر ومخربشات الصخور مما اختلط فيه الأسلوب العربي الجنوبي بالأسلوب العربي الشمالي ويحتمل ربطه إلى حد ما بنشاط مملكة كندة قبل ظهور الإسلام.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|