أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-03-23
735
التاريخ: 2024-09-21
160
التاريخ: 6-12-2016
983
التاريخ: 27-8-2017
661
|
قال تعالى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } [المدثر: 4، 5].
وقال {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222].
تطلق النجاسة في اللغة على سوء السريرة، وقبح الأعمال، وعند الفقهاء هي القذارة المادية التي يجب إزالتها لأجل الصلاة أو الطواف الواجب، وهي أنواع :
البول:
1- سئل الإمام (عليه السّلام)عن الثوب أو الجسد يصيبه البول؟ قال: « اغسله مرتين ».
وهذا محل وفاق بين الفقهاء.
الغائط:
2- سئل الإمام (عليه السّلام)عن الدقيق يصيب فيه خرء الفأر: هل يجوز أكله ؟ قال :
«إذا بقي منه شيء، فلا بأس، يؤخذ أعلاه».
وهذا محل وفاق أيضا على شريطة أن يكون البول والغائط من انسان أو حيوان غير مأكول اللحم، وله دم سائل، وهو الدم الذي يجتمع في العروق، ويخرج عند قطعها بقوة ودفق.
وقد ثبت عن الإمام الصادق (عليه السّلام)أنّه قال: « اغسل ثوبك من بول ما لا يؤكل لحمه. ولا تغسل ثوبك من بول شيء يؤكل لحمه ».
وقال الشيخ الهمداني في مصباح الفقيه: «ان نجاسة البول والعذرة من الإنسان، وبعض صنوف الحيوانات، كالهرة والكلب، ونحوهما كادت تكون ضرورية، كطهارة الماء، فلا ينبغي إطالة الكلام بذكر الأخبار الخاصة المتضافرة الدالة على نجاستهما».
الطيور:
قال الإمام الصادق (عليه السّلام) « كل شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله». أي أن كل طائر، وان كان غير مأكول اللحم فبوله وخرؤه طاهران.
ورب قائل: ان هذه الرواية الدالة على طهارة فضلات كل طائر، حتى ولو كان غير مأكول اللحم كالخفاش تتنافى مع الرواية المتقدمة الدالة على نجاسة فضلات غير مأكول اللحم، ولو كان طائرا كالخفاش، ومع هذا التعارض فبأي الروايتين نأخذ؟
الجواب:
نأخذ برواية الطهارة، دون رواية النجاسة، ونحكم بطهارة فضلات الطائر ولو كان غير مأكول، لأن رواية النجاسة منصرفة إلى الحيوان غير الطائر، وعلى هذا فلا تعارض، ومع افتراض عدم الانصراف، وتعارض الروايتين بالفعل، فنقدم رواية الطهارة، لأنها أقوى سندا، ومع افتراض التساوي والتكافؤ بالسند، فعلى القول بالتخيير بين المتعارضين نختار رواية الطهارة، وعلى القول بالتساقط بينهما نرجع إلى عموم كل شيء نظيف، حتى تعلم أنه قذر.
الحيوان الجلّال والموطوء:
قال الإمام الصادق (عليه السّلام)« لا تأكلوا من لحوم الجلالات، وان أصابك من عرقها فاغسله». والحيوان الجلال هو الذي جل علفه العذرة.
وعنه أيضا: «أن أمير المؤمنين (عليه السّلام)سئل عن البهيمة التي تنكح؟ فقال:
حرام لحمها وكذلك لبنها».
الحيوان الذي يؤكل لحمه شرعا، منه ما اعتاد الناس أكله، كالجمال والبقر والجاموس والغنم والماعز، ومنه ما لم يعتادوا أكله، مع العلم بأنه حلال كالخيل والحمير والبغال، فقد ترك الناس في القديم أكلها، لأنها من أهم وسائل النقل، وخافوا أن يؤدي أكلها إلى إفنائها أو ندرتها، فتحدث الأزمة.
وأي حيوان جاز أكله شرعا من هذين القسمين إذا أكل العذرة، واشتد لحمه منها حتى صار جلالا، يحرم أكله، إلى أن يترك أكلها، ويأكل علفا طيبا أمدا يبرأ فيه من الجلل ويذهب هذا الاسم عنه، لأن الأحكام تابعة للأسماء.
وكذلك يحرم لحم الحيوان إذا وطأه إنسان، ومتى حرم أكل الحيوان بسبب الجلل أو وطء الإنسان، ينجس بوله وخرؤه، ولا يحل شرب لبنه.
المني:
3- سئل الإمام الصادق (عليه السّلام)عن المني يصيب الثوب؟ قال: «ان عرفت مكانه فاغسله، وان خفي عليك مكانه فاغسله كله».
اتفق الفقهاء على نجاسة المني من كل ما له دم سائل، سواء أ كان مأكول اللحم أو غيره. أمّا ما لا دم سائل له فمنيه طاهر كدمه.
المذي والودي:
سئل الإمام الصادق (عليه السّلام)عن المذي يصيب الثوب؟ قال: «لا بأس به».
المذي ماء أبيض لزج، يخرج عند الملاعبة، أو التفكر في الجماع، وقد لا يشعر الإنسان بخروجه، أما الودي فيخرج بعد البول، وكلاهما طاهر.
الدم :
4- قال الإمام (عليه السّلام) «ان أصاب ثوب الرجل الدم، فيصلي فيه، وهو لا يعلم، فلا إعادة، وان هو علم قبل أن يصلي فنسي وصلى فيه، فعليه الإعادة ».
وسئل عن دم البراغيث؟ قال: ليس به بأس. قال السائل: إنه يكثر ويتفاحش. قال: وان كثر.
كل حيوان له نفس سائلة فدمه نجس، سواء أ كان مأكول اللحم، أو غير مأكول، قليلا كان الدم، أو كثيرا، وبهذا وبما تقدم يتبين معنا أن مأكول اللحم بوله وخرؤه طاهران، أما دمه فنجس بالاتفاق.
وللفقهاء هنا كلام طويل، عريض، ويتلخص: هل هناك أصل شرعي يدل على أن الدم من حيث هو محكوم بالنجاسة إلا ما أخرجه الدليل، كدم ما لا نفس سائلة له. والدم المتخلف في الذبيحة، بحيث نرجع إلى هذا الأصل، ونحكم بنجاسة كل دم شككنا في طهارته ونجاسته، أو لا وجود لهذا الأصل من الأساس؟
ذهب أكثر الفقهاء إلى نفيه، وعدم وجوده، وقال البعض بوجوده مستدلا بقول الإمام (عليه السّلام) «كل شيء يتوضأ به مما يشرب منه الطير إلا أن ترى في منقاره دما» حيث حكم بنجاسة الدم، مع الجهل بحقيقته.
وأجيب بأن هذا ليس بيانا لحكم الدم من حيث هو، وانما هو بيان لحكم ما لاقاه الدم الذي علمت نجاسته مسبقا.
في الذبيحة:
ذهب أكثر الفقهاء، وقيل كلهم، إلى أن الدم الذي يبقى في الذبيحة بعد خروج المقدار المتعارف، ذهبوا إلى أن هذا الدم طاهر، واستدلوا بنفي الحرج، ولم اطلع على نص خاص في ذلك.
الميتة:
5- قال الإمام (عليه السّلام)عن البئر تقع فيها الميتة: ان كان لها ريح نزح منها عشرون دلوا.
وسئل عن الخنفساء والذباب والجراد والنملة، وما أشبه، يموت في البئر والزيت والسمن؟ قال: كل ما ليس له دم فلا بأس. وفي رواية أخرى: «لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس سائلة».
اتفق الفقهاء على أن كل ميت له دم سائل فهو نجس، حيوانا كان، أو إنسانا قبل الغسل، ولجت الروح فيه، ثم خرجت منه، أو لم تلجه أصلا كالسقط.
وكلّ ما لا دم سائل له كالحية والجراد والذباب، فميتته طاهرة.
وكذلك ما لا يخالطه الدم من اجزاء الميتة النجسة، كالشعر والقرن والظفر والريش والصوف والعظم، فإنه طاهر إلّا ما كان من نجس العين، كالكلب والخنزير، فقد ثبت عن الإمام الصادق (عليه السّلام) أنه قال: «لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة، ان الصوف ليس فيه روح» فان قوله: ليس فيه روح، تعليل وتبرير لطهارة كل ما لا تحله الحياة من اجزاء الميتة.
أمّا العضو المقطوع من جسم حي، فللفقهاء فيه قولان: أحدهما الطهارة، للأصل، والآخر النجاسة، للاحتياط. وبديهة أن الاحتياط ليس بدليل شرعي.
ولذا قال صاحب المدارك: ان غاية ما يستفاد من الأخبار نجاسة جسد الميت، وهو لا يصدق على الأجزاء قطعا.
الانفحة وفارة المسك:
سئل الإمام الصادق (عليه السّلام)عن الأنفحة تخرج من الجدي الميت؟ قال: لا بأس. وعن اللبن يكون في ضرع الشاة، وقد ماتت؟ قال: لا بأس.
وسئل ولده الكاظم (عليه السّلام)عن فارة المسك تكون مع المصلي، وهي في جيبه، أو ثيابه؟ قال: لا بأس بذلك.
والأنفحة معدة الجدي حال ارتضاعه، وتصير كرشا بعد أن يأكل العلف والنبات، وتصلح لعمل الجبن، وتسمى مجبنة عند العوام العراق، ومسوة في جبل عامل. أمّا فارة المسك فجلدة في الظبي، فيها دم طيب الرائحة. ولهاتين الروايتين وغيرهما قال الفقهاء بطهارة هذه الفارة، وطهارة الإنفحة، وان استخرجتا من ميت، وبطهارة اللبن الموجود في ضرع حيوان ميت، رغم ملاصقته لأجزاء الميتة النجسة، على شريطة أن يكون الحيوان مأكول اللحم.
يد المسلم:
سئل الإمام الصادق (عليه السّلام)عن الخف يباع في السوق؟ قال: اشتر وصلّ فيه، حتى تعلم أنّه ميتة بعينه.
وأيضا سئل عن الرجل يأتي السوق، فيشتري جبة فراء، لا يدري أ ذكي هي ، أ يصلي فيها؟ قال: نعم، ليس عليكم المسألة. ان الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم. ان الدين أوسع من ذلك.
ولذا أفتى الفقهاء بطهارة اللحوم والجلود التي عليها يد مسلم، أو أخذت من سوق، الكل أو الجل فيه من المسلمين، وكذلك حكموا بطهارة ما وجد من اللحوم والجلود مطروحا في أرض الإسلام وطرقهم، على شريطة أن يكون عليها أثر الاستعمال.
قال السيد الحكيم في الجزء الأول من المستمسك «مسألة نجاسة الميتة» قال: لك أن تأخذ الجلود من يد المسلم، حتى ولو علمت أنّه أخذها من غير المسلم، وهذه عبارته بالحرف: «و لو كانت يد المسلم مسبوقة بيد الكافر، كما في الجلود المجلوبة في هذه الأزمنة من بلاد الكفار فالظاهر كونها- أي يد المسلم- إمارة أيضا- أي على التذكية- قال كاشف الغطاء: وما يؤتى به من بلاد الكفار كالبرتغال لا بأس به إذا أخذ من أيدي المسلمين. وقال صاحب الجواهر: يستفاد من النصوص طهارة ما يؤخذ من يد المسلم، وان علم سبقها بيد الكافر». ثم قال السيد الحكيم: «و ما ذكره صاحب الجواهر من الاستفادة في محله».
القيح والقيء:
سئل الإمام الصادق (عليه السّلام)عن الدمل يكون بالرجل: فينفجر وهو في الصلاة؟
قال: يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض، ولا يقطع الصلاة.
وسئل عن الرجل يتقيأ في ثوبه، أ يجوز أن يصلي فيه ولا يغسله؟
قال عليه السّلام : لا بأس به. ، وبهذا أفتى الفقهاء كافة.
الكلب والخنزير:
6و7- سئل الإمام الصادق (عليه السّلام)عن الكلب؟ قال: رجس نجس لا يتوضأ بفضله، وأصبب ذلك الماء واغسله بالتراب أول مرة، ثم بالماء.
وسئل ولده الإمام الكاظم (عليه السّلام)عن خنزير شرب من إناء كيف يصنع به؟ قال: يغسل سبع مرات.
وبهذا أفتى الفقهاء، ولم يستثنوا من الحكم بالنجاسة ما لا تحله الحياة من أجزاء الكلب والخنزير، كالشعر والعظم، وما إليهما.
أجل، تختص النجاسة بالكلب والخنزير البريين، دون البحريين، لانصراف الأدلة عنهما.
الخمر:
8- روي عن الإمام الصادق (عليه السّلام)أنّه قال: إذا أصاب ثوبك خمر، أو نبيذ ومسكر، فاغسله ان عرفت موضعه، وان لم تعرف موضعه فاغسله كله، وان صليت فيه فأعد صلاتك.
المسكر، منه مائع بحسب الأصل، كالخمر والنبيذ، ومنه جامد كالأفيون والحشيش، وذهب جمهور الفقهاء إلى نجاسة الخمر، وجميعهم إلى طهارة المسكر الجامد كالأفيون، واختلفوا في نجاسة المسكر المائع- غير الخمر- كالنبيذ، فمن قائل بأنه نجس، لأن اللّه لم يحرم الخمر لاسمها، ولكن حرمها لعاقبتها- كما جاء في بعض أقوال الإمام- وما كانت عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر، ومن قائل بأنه طاهر: مع قوله بنجاسة الخمر، لاختلاف الاسم، والأحكام تتبع الأسماء، لا الأسباب المستنبطة والعواقب، ومن القائلين بالطهارة نظريا السيد الخوئي بالتنقيح، حيث لا دليل على النجاسة، والقاعدة تقتضي الطهارة، ومع ذلك حكم عمليا بالنجاسة من باب الاحتياط لمكان المشهور.
ويلاحظ بأن الاحتياط والشهرة ليسا من الأدلة الشرعية، حتى عند السيد.
ورحم اللّه الشهيد الثاني، حيث قال: العمل بخلاف ما عليه المشهور مشكل، والأخذ بقولهم من دون دليل أشكل.
العنب إذا غلا:
اتفق الفقهاء على أن العنب إذا غلا يحرم شرب عصيرة المغلي، حتى ولو لم يشتد، وانه يصير حلالا بذهاب ثلثيه.
وقال صاحب المدارك: «الحكم بنجاسة العصير المغلي من العنب مشهور عند المتأخرين، ولا نعلم مأخذه- أي لا دليل على النجاسة- وقد اعترف الشهيد الثاني في الذكرى والبيان بأنه لم يقف على دليل يدل على نجاسته، وبأن القائل بالنجاسة قليل من الفقهاء. ومال الشهيد الثاني إلى الطهارة، وقواها شيخنا المعاصر، وهو المعتمد تمسكا بمقتضى الأصل السالم عن المعارض».
ونحن لا نشك في أنّ القائل بالنجاسة، ألحق هذا العصير بالخمر، وبديهة أن الإلحاق قياس، فتعينت الطهارة، لأنها الأصل في جميع الأشياء، حتى يثبت العكس.
الفقاع:
9- سئل الإمام الصادق (عليه السّلام)عن الفقاع؟ فقال: لا تشربه، فإنه خمر مجهول، وان أصاب ثوبك، فاغسله.
الفقاع شراب يتخذ من الشعير، قال صاحب المدارك: الحكم بنجاسته مشهور بين الأصحاب- أي الفقهاء- وبه رواية ضعيفة السند جدا.
عرق الجنب من الحرام:
10- قال صاحب المدارك: اختلف الأصحاب في عرق الجنب من الحرام، فذهب جماعة إلى نجاسته، وعامة المتأخرين قالوا بالطهارة، وهو المعتمد للأصل.
وقال السيد الحكيم في المستمسك: «المنسوب إلى أكثر المتأخرين، بل المشهور بينهم الطهارة، بل عن الحلي دعوى الإجماع عليها، وان من قال بالنجاسة في كتاب رجع عنها في كتاب آخر».
وبديهة أن كل ما شك في نجاسته فهو طاهر، حتى يحصل اليقين بالنجاسة، ولم يحصل لنا هذا اليقين، ولا ما أشبه.
أهل الكتاب:
11- سئل الإمام الصادق (عليه السّلام)عن مؤاكلة اليهود والنصارى؟ قال: لا بأس إذا كان من طعامك.
وعن زكريا بن إبراهيم انه قال: كنت نصرانيا، فأسلمت، فقلت للإمام الصادق (عليه السّلام)ان أهل بيتي على دين النصرانية، فأكون معهم في بيت واحد، وآكل من آنيتهم. فقال لي: أ يأكلون لحم الخنزير؟ قلت: لا. قال: لا بأس.
وقيل للإمام الرضا (عليه السّلام)حفيد الإمام الصادق (عليه السّلام)الجارية النصرانية تخدمك، وأنت تعلم أنّها نصرانية لا تتوضأ ولا تغتسل من جنابة. قال: لا بأس تغسل يدها وهناك روايات أخرى.
أجمع الفقهاء على نجاسة من أنكر الخالق جل وعلا، وليس من شك أن الكلب والخنزير أشرف وأكرم من هذا، وأن البول والعذرة أنقى منه وأطهر.
أمّا أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، ومن ألحق بهم كالمجوس، فللفقهاء قولان معروفان: أحدهما النجاسة، وعليها الأكثر، والثاني الطهارة، وإليها ذهب بعض من تقدم، وجماعة ممن تأخر، منهم صاحب المدارك والسبزواري، وآخرون متسترون.
وأحدث القول بنجاسة أهل الكتاب مشكلة اجتماعية للشيعة، حيث أوجد هوة سحيقة عميقة بينهم وبين غيرهم، وأوقعهم في ضيق وشدة، بخاصة إذا سافروا إلى بلد مسيحي كالغرب، أو كان فيه مسيحيون كلبنان، وبوجه أخص في هذا العصر الذي أصبحت فيه الكرة الأرضية كالبيت الواحد، تسكنه الأسرة البشرية جمعاء.
وليس من شك أنّ القول بالطهارة يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية السهلة السمحة، وان القائل بها لا يحتاج إلى دليل، لأنّها وفق الأصل الشرعي والعقلي والعرفي والطبيعي، أما القائل بالنجاسة فعليه الإثبات، وقد استدل بأمور:
الأول- الإجماع:
وجوابنا عنه أنّه لا إجماع في مورد الخلاف، ولو سلمنا وجوده مماشاة، ومن باب المسايرة، فإن الإجماع انما يكون حجّة إذا كشف يقينا عن رأي المعصوم عليه السّلام، ونحن نعلم أو نحتمل أن المجمعين قد استندوا إلى بعض الأخبار، أو إلى الاحتياط. وبديهة أن العلم بالكشف عن رأي المعصوم لا يجتمع مع الاحتمال بأن المجمعين استندوا إلى الأخبار والاحتياط، ومتى انتفى العلم بهذا الكشف عن الإجماع يكون وجوده وعدمه سواء.
الدليل الثاني الذي استدل به المجمعون عن النجاسة- الاخبار، وهي صحيحة السند واضحة الدلالة.
وجوابنا عنها أنّه يوجد إلى جانبها أخبار مضادة أوضح دلالة، وأكثر عددا، ولا تقل عنها سندا. فالأخذ بأخبار النجاسة دون أخبار الطهارة تقديم للضعيف على الأقوى، وللأدنى على الأعلى.
ولو سلمنا بالتساوي والتكافؤ بين أخبار الطهارة، وأخبار النجاسة، رجعنا إلى أصل الطهارة، بناء على القول بسقوط المتعارضين معا، واخترنا أخبار الطهارة، بناء على القول بالتخيير بينهما.
أمّا قول من قال: لا بد من الاحتياط، لذهاب المشهور إلى النجاسة.
فجوابنا هو الجواب المكرور من أن الاحتياط حسن، والشهرة قد تدعم وتؤيد، ولكنهما ليسا من الأدلة الأربعة.
وعليه فلا دليل على النجاسة من نص ولا إجماع ولا عقل.
وما زلت اذكر أن الأستاذ قال في الدرس ما نصه بالحرف: «ان أهل الكتاب طاهرون علميا- أي نظريا- نجسون عمليا». واني أجبته بالحرف أيضا: «هذا اعتراف صريح بأن الحكم بالنجاسة عمل بلا علم». فضحك الأستاذ ورفاق الصف، وانتهى كل شيء.
وقد عاصرت ثلاثة مراجع كبار من أهل الفتيا والتقليد، الأول كان في النجف الأشرف، وهو الشيخ محمد رضا آل يس، والثاني في قم، وهو السيد صدر الدين الصدر، والثالث في لبنان، وهو السيد محسن الأمين، وقد أفتوا جميعا بالطهارة، وأسروا بذلك إلى من يثقون به، ولم يعلنوا خوفا من المهوّشين، على ان يس كان أجرأ الجميع.
وأنا على يقين بأن كثيرا من فقهاء اليوم والأمس يقولون بالطهارة، ولكنهم يخشون أهل الجهل، واللّه أحق أن يخشوه.
أجل، من قال بالطهارة ذهب إلى النجاسة العرضية، أي أن أهل الكتاب يطهرون إذا تطهروا بالماء، تماما كالمسلم إذا تنجس بعض أعضاءه، واستند القائل بالنجاسة العرضية إلى الرواية المتقدمة عن الامام الرضا (عليه السّلام) أن النصرانية تغسل يدها، وإلى صحيحة إسماعيل بن جابر التي جاء فيها: « ان في آنيتهم الخمر، ولحم الخنزير » وهذا تعليل صريح بأن السبب للاجتناب عن أهل الكتاب انما هو لمباشرتهم لما نعده نحن نجسا، كالكلب والخنزير والخمر، وما إلى ذاك.
وبالإجمال، ان دين اللّه أوسع من ذلك، وان الخوارج ضيّقوا على أنفسهم، فضيّق اللّه عليهم- كما قال الامام- وان الإسلام كما هو دين الخير والعدل، فإنه دين اليسر والعقل. أما وجود بعض الأخبار في النجاسة فإن الأحاديث التي ترك علماء السنة والشيعة العمل بها لا يبلغها الإحصاء. وقد أجمع السنة على طهارة أهل الكتاب، مع العلم بأنهم رووا عن أبي ثعلبة الخشني أنه قال: قلت: «يا رسول اللّه إنا بأرض قوم أهل الكتاب أ فنأكل من آنيتهم؟ قال: لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها».
فظاهر الحديث النجاسة حيث أمر بعدم الأكل في آنيتهم إلا لضرورة، وحتى مع وجود الضرورة أمرهم بغسلها، ومع ذلك حملوها على محمل آخر.
وقد يقال: ان نجاسة أهل الكتاب شيء، ونجاسة آنيتهم شيء آخر.
قلت: أجل، ولكن ربما يقال: ان نجاسة الآنية أشد، ولذا من قال بنجاسة أهل الكتاب من فقهاء الشيعة أفتى بطهارة آنيتهم
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|