أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-15
191
التاريخ: 16-11-2014
9258
التاريخ: 2023-04-01
1789
التاريخ: 13-10-2014
4570
|
إنّ هذا المنهج من أسمى المناهج الصحيحة الكافلة لتبيين المقصود من الآية كيف وقد قال سبحانه :
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل : 89].
فإذا كان القرآن موضّحاً لكل شيء ، فهو موضّح لنفسه أيضاً ، كيف والقرآن كلّه ( هدى ) و( بيّنة ) و( فرقان ) و(نور) كما في قوله سبحانه :
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [البقرة : 185].
وقال سبحانه : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } [النساء : 174] .
وعن النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ( إنّ القرآن يصدّق بعضه بعضاً ) .
وقال علي ( عليه السَّلام ) في كلام له يصف فيه القرآن : ( كتاب اللّه تبصرون به ، وتنطقون به ، وتسمعون به ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، ولا يختلف في اللّه ولا يخالف بصاحبه عن اللّه ) (1) .
وهذا نظير تفسير المطر الوارد في قوله سبحانه : {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ} [الشعراء : 173] بالحجارة الواردة في آية أُخرى في هذا الشأن قال : {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر : 74] .
وفي الروايات المأثورة عن أهل البيت نماذج كثيرة من هذا المنهج يقف عليها المتتبع في الآثار الواردة عنهم عند الاستدلال بالآيات على كثير من الأحكام الشرعية الفرعية وغيرها .
وقد قام أحد الفضلاء باستقصاء جميع هذا النوع من الأحاديث المتضمّنة لهذا النمط من التفسير .
ولنذكر بعض النماذج من هذا المنهج .
1 ـ سألَ زرارة ومحمد بن مسلم أبا جعفر ( عليه السَّلام ) عن وجوب القصر في الصلاة في السفر مع أنّه سبحانه يقول : {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ } [الأحزاب : 5] ولم يقل افعلوا ؟
فأجاب الإمام ( عليه السَّلام ) بقوله : ( أوَ ليس قد قال اللّه عزّ وجلّ في الصفا والمروة : {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } [البقرة : 158] أَلا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض ) (2) .
2 ـ روى المفيد في إرشاده : أنّ عمر أُتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمَّ برجمها فقال له أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) : ( إن خاصمتك بكتاب اللّه خصمتك ، إنّ اللّه تعالى يقول : {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف : 15] ويقول : {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [البقرة : 233] .
فإذا تمّ ، أتمّت المرأة الرضاع لسنتين ، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهراً كان الحمل منها ستة أشهر ) ، فخلّى عمر سبيل المرأة (3) .
3 ـ يقول سبحانه : {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان : 1 - 3] .
فالآية تدل على أنّ القرآن نزل في ليلة مباركة ، وأمّا أيّة ليلة تلك ؟ وفي أي شهر ؟ فيستفاد من ضم آيتين أُخريين ، يقول سبحانه : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر : 1] وقوله سبحانه : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة : 185] فمَن ضمّ هذه الآيات الثلاثة يستفاد أنّ القرآن في ليلة مباركة هي ليلة القدر من شهر رمضان .
4 ـ يقول سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال : 24].
غير أنّ حيلولته سبحانه بين المرء وقلبه يعلوه إبهام يفسّره قوله سبحانه : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر : 19] .
فإنساء الذات الذي هو فعله تعالى عبارة عن حيلولته بين المرء وقلبه ، ومَن نسي ذاته فقد أهلك نفسه .
5 ـ يقول سبحانه : {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } [الرعد : 41] ولا شكّ أنّ الأرض لا تنقص بل ربّما تزيد كالسماء في قوله سبحانه : {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات : 47] ، ولكن يرتفع الإبهام بآية أُخرى حيث أطلق وأُريد منها البلد العامر ، يقول : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة : 33] فإنّ المراد من الأرض هو البلد العامر الذي يقطن فيها المحارب فينفى منها ليعيش بين البراري والقفار .
وأمّا النقص فتفسّره السنّة ، كما في ما ورد عن الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) حيث قال : ( فقد العلماء ، وموت علمائها ) (4) .
6 ـ يقول سبحانه : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [المائدة : 38] .
فقد أطلق اليد وأبهم المراد منه حيث إنّها تُطلق على خصوص الأصابع ، على خصوص الكف وعليه إلى المرافق ، وإلى الكتف ، فيرفع الإبهام بقوله سبحانه : {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن : 18] حيث إنّ المستفاد منه على أنّ مواضع السجود للّه ، وراحة الكف من مواضع السجود ، وما كان للّه لا يُقطع .
7 ـ يقول سبحانه : {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا } [الأحزاب : 72] ، فالآية تدلّ على كرامة الإنسان ، بحيث أُهِل لحمل الأمانة .
وأمّا ما هو المراد من تلك الأمانة فيفسّرها قوله سبحانه : {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة : 30] ، فخلافة الإنسان عن اللّه سبحانه هي الأمانة التي وصفها اللّه سبحانه على عاتق الإنسان ، فبما أنّه خليفة للّه سبحانه يجب أن يكون بصفاته وأفعاله مظهراً لصفات اللّه وأسمائه وأفعاله .
إلى غير ذلك من الآيات التي يفسّر بعضها بعضاً من دون رأي مسبق .
أقول : هذا النمط من التفسير كما يتحقّق بالتفسير الموضوعي ، أي تفسير القرآن حسب الموضوعات ، يتحقّق بالتفسير التجزيئي ، أي حسب السور ، سورة بعد سورة ، وهذا هو تفسير ( الميزان ) كُتب على نمط تفسير القرآن بالقرآن ، لكن على حسب السور ، دون الموضوعات ، فبيّن إبهام الآية بآية أُختها .
ولكن الصورة الكاملة لهذا النمط من التفسير يستدعي الإحاطة بالقرآن الكريم ، وجمع الآيات الواردة في موضوع واحد ، حتى تتجلّـى الحقيقة من ضمِّ بعضها إلى بعض ، واستنطاق بعضها ببعض ، فيجب على القائم بهذا النمط ، تفسير القرآن على حسب الموضوعات ، وهو نمط جليل يحتاج إلى عناء كثير ، وقد قام العلاّمة المجلسي برفع بعض مشاكل هذا النمط فجمع الآيات الواردة في كل موضوع حسب الأبواب .
ولو انتشر هذا القسم من البحار في جزء مستقل ربّما يكون مفتاحاً للتفسير الموضوعي فهو ( قدَّس سرَّه ) قد استخرج الآيات حسب الموضوعات ، وشرحها بوجه إجمالي .
ولكن النمط الأوسط منه هو قراءة القرآن من أوّله إلى آخره ، والدقة في مقاصد الآيات ، ثمّ تصنيف الآيات حسب ما ورد فيها من الأبحاث والموضوعات ، ففي هذا النوع من التفسير تُستخرج الموضوعات من الآيات ثمّ تُصنّف الآيات حسب الموضوعات المستخرجة ، وهذا بخلاف ما قام به العلاّمة المجلسي ، فهو صنّف الآيات حسب الموضوعات على ضوء ما جادت بها فكرته ، أو جاءت في كتب الأحاديث والأخبار .
وهذا النمط من التفسير لا يعني قول القائل : ( حسبنا كتاب اللّه ) المجمع على بطلانه عند عامة المسلمين ، لاهتمامهم بالسنّة مثل اهتمامهم بالقرآن ، وإنّما يعني أنّ مشاكل القرآن ومبهماته ترتفع من ذلك الجانب .
وأمّا أنّه كافٍ لرفع جميع المبهمات حتى مجملات الآية ومطلقاتها فلا ؛ إذ لاشك أنّ المجملات كالصلاة والزكاة تُبيّن بالسنّة والعمومات تخصّص بها ، والمطلقات تقيّد بالأخبار ، إلى غير ذلك من موارد الحاجة إلى السنّة .
هذا بعض الكلام في هذا المنهج ، وقد وقع مورد العناية في هذا العصر ، فقد أخذنا هذا النمط في تفسيرنا للذكر الحكيم ، فخرج منه باللغة العربية أجزاء عشرة باسم ( مفاهيم القرآن ) ، وباللغة الفارسية أربعة عشر جزءً وانتشر باسم ( منشور جاويد ) ، ولا ننكر أنّ هذا العبء الثقيل يحتاج إلى لجنة تحضيرية أوّلاً ، وتحريرية ثانياً ، وإشراف من الأساتذة ثالثاً ، رزقنا اللّه تحقيق هذه الأُمنية .
وإنّ تفسير ابن كثير يستمد من هذا النمط أي تفسير الآيات بالآيات بين الحين والآخر ، كما أنّ الشيخ محمد عبده في تفسيره الذي حُرّر بقلم تلميذه اتّبع هذا المنهج في بعض الأحايين .
والأكمل من التفسيرين في اتّباع هذا المنهج هو تفسير السيد العلاّمة الطباطبائي فقد بنى تفسيره ( الميزان ) على تفسير الآية بالآية .
غير أنّ هذه التفاسير الثلاثة كما عرفت كُتبت على نحو التفسير التجزيئي ، أي تفسير القرآن سورة بعد سورة لا على تفسيره حسب الموضوعات .
وعلى كل تقدير فتفسير القرآن بالقرآن يتحقّق على النمط الموضوعي كما يتحقّق على النمط التجزيئي غير أنّ الأكمل هو اقتفاء النمط الأوّل .
__________________________
1 ـ نهج البلاغة : الخطبة 129 .
2 ـ الوسائل : 5 ، الباب 22 من أبواب صلاة المسافر ، الحديث 2 .
3 ـ نور الثقلين : 5 / 14 ، الدر المنثور للسيوطي : 7 / 441 ، طُبع دار الفكر بيروت .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|