المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05

زنزانات جهنّم الانفرادية
3-12-2015
زهد الامام الحسن
7-4-2016
دراسة الجينوم البيئي Ecogenomics
20-2-2018
صفات المتقين / الشر منه بعيد
2023-08-29
الاستشراب " الكروماتوغرافيا " (Chromatography)
4-4-2021
تلوين الصورة Colorize
5-1-2022


تفسير الايات (54-57) من سورة البقرة.  
  
7547   11:58 صباحاً   التاريخ: 12-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [البقرة: 54 - 57].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

{و} اذكروا { إذ قال موسى لقومه} الذين عبدوا العجل عند رجوعه إليهم {يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم} أي أضررتم بأنفسكم و وضعتم العبادة غير موضعها {باتخاذكم العجل} معبودا و ظلمهم إياها فعلهم بها ما لم يكن لهم أن يفعلوه مما يستحق به العقاب و كذلك كل من فعل فعلا يستحق به العقاب فهو ظالم لنفسه {فتوبوا إلى ربكم} أي ارجعوا إلى خالقكم و منشئكم بالطاعة و التوحيد و جعل توبتهم الندم مع العزم و قتل النفس جميعا و هنا إضمار باختصار كأنه لما قال لهم {فتوبوا إلى بارئكم}  قالوا كيف قال {فاقتلوا أنفسكم}  أي ليقتل بعضكم بعضا بقتل البريء المجرم عن ابن عباس و سعيد بن جبير و مجاهد و غيرهم و هذا كقوله سبحانه {فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم} أي ليسلم بعضكم على بعض و قيل معناه استسلموا للقتل فجعل استسلامهم للقتل قتلا منهم لأنفسهم على وجه التوسع عن ابن إسحاق و اختاره الجبائي .

واختلفوا في المأمور بالقتل فروي أن موسى أمرهم أن يقوموا صفين فاغتسلوا و لبسوا أكفانهم وجاء هارون باثني عشر ألفا ممن لم يعبدوا العجل و معهم الشفار المرهفة (2) و كانوا يقتلونهم فلما قتلوا سبعين ألفا تاب الله على الباقين و جعل قتل الماضين شهادة لهم و قيل أن السبعين الذين كانوا مع موسى في الطور هم الذين قتلوا ممن عبد العجل سبعين ألفا وقيل أنهم قاموا صفين فجعل يطعن بعضهم بعضا حتى قتلوا سبعين ألفا و قيل غشيتهم ظلمة شديدة فجعل بعضهم يقتل بعضا ثم انجلت الظلمة فأجلوا عن سبعين ألف قتيل وروي أن موسى و هارون وقفا يدعوان الله و يتضرعان إليه و هم يقتل بعضهم بعضا حتى نزل الوحي برفع القتل و قبلت توبة من بقي و ذكر ابن جريج أن السبب في أمرهم بقتل أنفسهم أن الله تعالى علم أن ناسا منهم ممن لم يعبد العجل لم ينكروا عليهم ذلك مخافة القتل مع علمهم بأن العجل باطل فذلك ابتلاهم الله بأن يقتل بعضهم بعضا و إنما امتحنهم الله تعالى بهذه المحنة العظيمة لكفرهم بعد الدلالات و الآيات العظام و قال الرماني لا بد أن يكون في الأمر بالقتل لطف لهم و لغيرهم كما يكون في استسلام القاتل لطف له و لغيره.

 فإن قيل : كيف يكون في قتلهم نفوسهم لطف لهم و لا تكليف عليهم بعد القتل و اللطف لا يكون لطفا فيما مضى و لا فيما يقارنه فالجواب أن القوم إذا كلفوا أن يقتل بعضهم بعضا فكل واحد منهم يقصد قتل غيره و يجوز أن يبقى بعده (3) فيكون القتل لطفا له فيما بعد و لو كان بمقدار زمان يفعل فيه واجبا أو يمتنع عن قبيح . وهذا (4) كما تقول في عباداتنا بقتال المشركين و أن الله تعبدنا بأن نقاتل حتى نقتل أو نقتل و مدحنا على ذلك و كذلك روى أهل السير أن الذين عبدوا العجل تعبدوا بأن يصبروا على القتل حتى يقتل بعضهم بعضا فكان القتل شهادة لمن قتل و توبة لمن بقي و إنما تكون شبهة لو أمروا بأن يقتلوا نفوسهم بأيديهم و لو صح ذلك لم يمتنع أن يكونوا أمروا بأن يفعلوا بنفوسهم الجراح التي تفضي إلى الموت و إن لم يزل معها العقل فينا في التكليف و أما على القول الآخر أنهم أمروا بالاستسلام للقتل و الصبر عليه فلا مسألة لأنهم ما أمروا بقتل نفوسهم فعلى هذا يكون قتلهم حسنا لأنه لو كان قبيحا لما أمروا بالاستسلام له و لذلك نقول لا يجوز أن يتعبد نبي و لا إمام بأن يستسلم للقتل مع قدرته على الدفع عن نفسه فلا يدفعه لأن في ذلك استسلاما للقبيح مع القدرة على دفعه و ذلك لا يجوز و إنما كان يقع قتل الأنبياء و الأئمة (عليهم السلام) على وجه الظلم و ارتفاع التمكن من المنع غير أنه لا يمتنع من أن يتعبد بالصبر على الدفاع و تحمل المشقة في ذلك و إن قتله غيره ظلما و القتل و إن كان قبيحا بحكم العقل فهو مما يجوز تغيره بأن يصير حسنا لأنه جار مجرى سائر الآلام و ليس يجري ذلك مجرى الجهل و الكذب في أنه لا يصير حسنا قط و وجه الحسن في القتل أنه لطف على ما قلناه و أيضا فكما يجوز من الله تعالى أن يميت الحي فكذلك يجوز أن يأمرنا بإماتته و يعوضه على الآلام التي تدخل عليه و يكون فيه لطف على ما ذكرناه و قوله {ذلكم خير لكم عند بارئكم} إشارة إلى التوبة مع القتل لأنفسهم على ما أمرهم الله به بدلالة قوله {فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم} فقوله {توبوا } دال على التوبة فكأنها مذكورة و قوله {فاقتلوا} دال على القتل فكأنه قال أن التوبة و قتل النفس في مرضاة الله كما أمركم به و إن كان فيه مشقة عظيمة خير لكم عند خالقكم من إيثار الحياة الدنيا لأن الحياة الدنيا لا تبقى بل تفنى و تحصلون بعد الحياة على عذاب شديد و إذا قتلتم أنفسكم كما أمركم الله به زالت مشقة القتل عن قريب و بقيتم في نعيم دائم لا يزول و لا يبيد و كرر ذكر بارئكم تعظيما لما أتوا به مع كونه خالقا لهم و قوله {فتاب عليكم} هاهنا إضمار تقديره ففعلتم ما أمرتم به فتاب عليكم أو فقتلتم أنفسكم فتاب عليكم أي قبل توبتكم {إنه هو التواب} أي قابل التوبة عن عباده مرة بعد مرة و قيل معناه قابل التوبة عن الذنوب العظام « الرحيم » يرحمكم إذا تبتم و يدخلكم الجنة و في هذه الآية دلالة على أنه يجوز أن يشترط في التوبة سوى الندم ما لا يصح التوبة إلا به كما أمروا بالقتل .

{وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك} أي لن نصدقك في قولك إنك نبي مبعوث {حتى نرى الله جهرة } أي علانية فيخبرنا بأنك نبي مبعوث و قيل معناه أنا لا نصدقك فيما تخبر به من صفات الله تعالى و ما يجوز عليه و ما لا يجوز عليه حتى نرى الله جهرة أي علانية و عيانا فيخبرنا بذلك و قيل أنه لما جاءهم بالألواح و فيها التوراة قالوا لن نؤمن بأن هذا من عند الله حتى نراه عيانا و قال بعضهم إن قوله « جهرة » صفة لخاطبهم لموسى أنهم جهروا به و أعلنوه و تقديره و إذا قلتم جهرة لن نؤمن لك حتى نرى الله و الأول أقوى {فأخذتكم الصاعقة} أي الموت {و أنتم تنظرون} إلى أسباب الموت و قيل إلى النار و إنما قرع الله سبحانه اليهود بسؤال أسلافهم الرؤية من حيث أنهم سلكوا طريقتهم في المخالفة للنبي الذي لزمهم اتباعه و التصديق بجميع ما أتى به فجروا على عادة أسلافهم الذين كانوا يسألون تارة نبيهم أن يجعل لهم إلها غير الله و مرة يعبدون العجل من دون الله و طورا يقولون {لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} و استدل أبو القاسم البلخي بهذه الآية على أن الرؤية لا تجوز على الله تعالى قال لأنها إنكار تضمن أمرين ردهم على نبيهم و تجويزهم الرؤية على ربهم و يؤيد ذلك قوله تعالى {فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة} فدل ذلك على أن المراد إنكار الأمرين و تدل هذه الآية أيضا على أن قول موسى { رب أرني أنظر إليك}  كان سؤالا لقومه لأنه لا خلاف بين أهل التوراة أن موسى (عليه السلام) لم يسأل الرؤية إلا دفعة واحدة و هي التي سألها لقومه .

{ثم بعثناكم} أي ثم أحييناكم {من بعد موتكم} لاستكمال آجالكم عن الحسن و قتادة و قيل أنهم سألوا بعد الإفاقة أن يبعثوا أنبياء فبعثهم الله أنبياء عن السدي فيكون معناه بعثناكم أنبياء و أجمع المفسرون إلا شرذمة يسيرة إن الله لم يكن أمات موسى كما أمات قومه و لكن غشي عليه بدلالة قوله فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك و الإفاقة إنما تكون من الغشيان و قوله {لعلكم تشكرون} أي لكي تشكروا الله على نعمه التي منها رده الحياة إليكم و في هذا إثبات لمعجزة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) و احتجاج على مشركي العرب الذين كانوا غير مؤمنين بالبعث لأنه كان يذكر لهم من أخبار الذين بعثهم الله في الدنيا فكان يوافقه على ذلك من يخالفه من اليهود و النصارى و يجب أن يكون هؤلاء القوم و إن أماتهم الله ثم أحياهم غير مضطرين إلى معرفة الله عند موتهم كما يضطر الواحد منا اليوم إلى معرفته عند الموت بدليل أن الله أعادهم إلى التكليف و المعرفة في دار التكليف لا تكون ضرورية بل تكون مكتسبة و لكن موتهم إنما كان في حكم النوم فأذهب الله عنهم الروح من غير مشاهدة منهم لأحوال الآخرة و ليس في الإحياء بعد الإماتة ما يوجب الاضطرار إلى المعرفة لأن العلم بأن الإحياء بعد الإماتة لا يقدر عليه غير الله طريقه الدليل و ليس الإحياء بعد الإماتة إلا قريبا من الانتباه بعد النوم و الإفاقة بعد الإغماء في أن ذلك لا يوجب علم الاضطرار و استدل قوم من أصحابنا بهذه الآية على جواز الرجعة و قول من قال إن الرجعة لا تجوز إلا في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليكون معجزا له و دلالة على نبوته باطل لأن عندنا بل عند أكثر الأمة يجوز إظهار المعجزات على أيدي الأئمة و الأولياء و الأدلة على ذلك مذكورة في كتب الأصول و قال أبو القاسم البلخي لا تجوز الرجعة مع الإعلام بها لأن فيها إغراء بالمعاني من جهة الاتكال على التوبة في الكرة الثانية و جوابه أن من يقول بالرجعة لا يذهب إلى أن الناس كلهم يرجعون فيصير إغراء بأن يقع الاتكال على التوبة فيها بل لا أحد من المكلفين إلا و يجوز أن لا يرجع و ذلك يكفي في باب الزجر .

{وظللنا عليكم الغمام} أي جعلنا لكم الغمام ظلة و سترة تقيكم حر الشمس في التيه عن جماعة المفسرين {وأنزلنا عليكم المن} فيه وجوه (أحدها) أنه المن الذي يعرفه الناس يسقط على الشجر عن ابن عباس و ( ثانيها) أنه شيء كالصمغ كان يقع على الأشجار و طعمه كالشهد و العسل عن مجاهد و (ثالثها) أنه الخبز المرقق عن وهب و (رابعها) أنه جميع النعم التي أتتهم مما من الله به عليهم مما لا تعب فيه و لا نصب و روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال الكمأة من المن و ماؤها شفاء للعين « و السلوى » قيل هو السمانى و قيل هو طائر أبيض يشبه السمانى عن ابن عباس و قوله {كلوا من طيبات ما رزقناكم} معناه قلنا لهم كلوا من الشيء اللذيذ و قيل المباح الحلال و قيل المباح الذي يستلذ أكله الذي رزقناكم أي أعطيناكم و جعلناه رزقا لكم و قوله {وما ظلمونا} أي فكفروا هذه النعمة و ما نقصونا بكفرانهم أنعمنا {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} أي يسمون و قيل معناه و ما ضرونا و لكن كانوا أنفسهم يضرون و هذا يدل على أن الله تعالى لا ينفعه طاعة من أطاعه و لا يضره معصية من عصاه و إنما تعود منفعة الطاعة إلى المطيع و مضرة المعصية إلى العاصي .

( القصة )

وكان سبب إنزال المن و السلوى عليهم أنه لما ابتلاهم الله بالتيه إذ قالوا لموسى اذهب أنت و ربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون حين أمرهم بالمسير إلى بيت المقدس و حرب العمالقة بقوله ادخلوا الأرض المقدسة فوقعوا في التيه فصاروا كلما ساروا تاهوا في قدر خمسة فراسخ أو ستة فكلما أصبحوا ساروا غادين فأمسوا فإذا هم في مكانهم الذي ارتحلوا منه كذلك حتى تمت المدة و بقوا فيها أربعين سنة و في التيه توفي موسى و هارون ثم خرج يوشع بن نون و قيل كان الله تعالى يرد الجانب الذي انتهوا إليه من الأرض إلى الجانب الذي ساروا منه فكانوا يضلون عن الطريق لأنهم كانوا خلقا عظيما فلا يجوز أن يضلوا كلهم عن الطريق في هذه المدة المديدة في هذا المقدار من الأرض و لما حصلوا في التيه ندموا على ما فعلوا فألطف الله لهم بالغمام لما شكوا حر الشمس و أنزل عليهم المن و السلوى فكان يسقط عليهم المن من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فكانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليومهم و قال الصادق (عليه السلام) كان ينزل المن على بني إسرائيل من بعد الفجر إلى طلوع الشمس فمن نام في ذلك الوقت لم ينزل نصيبه فلذلك يكره النوم في هذا الوقت إلى بعد طلوع الشمس قال ابن جرير و كان الرجل منهم إذا أخذ من المن و السلوى زيادة على طعام يوم واحد فسد إلا يوم الجمعة فإنهم إذا أخذوا طعام يومين لم يفسد و كانوا يأخذون منها ما يكفيهم ليوم الجمعة و السبت لأنه كان لا يأتيهم يوم السبت و كانوا يخبزونه مثل القرصة و يوجد له طعم كالشهد المعجون بالسمن و كان الله تعالى يبعث لهم السحاب بالنهار فيدفع عنهم حر الشمس و كان ينزل عليهم في الليل من السماء عمود من نور يضيء لهم مكان السراج و إذا ولد فيهم مولود يكون عليه ثوب يطول بطوله كالجلد .

____________________

1- مجمع البيان ،ج1 ، ص 218-226.

2- أرهف السيف : رقق حده.

3- [واحد] .

4- [وهو] .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

{وإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ }. . كل معنى يسبق إلى الفهم بمجرد سماع اللفظ لا يحتاج إلى تفسير ، بل تفسيره وشرحه ضرب من الفضول . . وهذه الآية من هذا الباب .

{فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ }. . القتل ظاهر في إزهاق الروح ، ولا سبب موجب لصرفه وتأويله بمخالفة الهوى ، وتذليل النفس بالاعتراف بالذنب والخطيئة ، أو التشديد والمبالغة في طاعة اللَّه - كما قيل - والمراد بالأنفس هنا بعضها ، أي ليقتل بعضكم بعضا ، فيتولى البريء منكم الذي لم يرتد عن دينه بعبادة العجل قتل من ارتد عن دينه ، تماما كقوله تعالى : { فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ}.

أي فليسلَّم بعضكم على بعض ، وكقوله : { ولا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ }. أي لا يغتب بعضكم بعضا .

وقال الطبرسي في مجمعه - من الإمامية - والرازي في تفسيره الكبير - من السنة قالا : ان اللَّه سبحانه جعل توبتهم بنفس القتل ، بحيث لا تتم التوبة ، ولا تحصل إلا بقتل النفس ، لا انهم يتوبون أولا ، ثم يقتلون أنفسهم بعد التوبة .

ولهذا الحكم نظائره في الشريعة الاسلامية ، حيث اعتبرت القتل حدا وعقوبة على جريمة الارتداد . .

وتمضي الآيات في تعداد مساوئ الإسرائيليين : {وإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهً جَهْرَةً} .

حين جاءهم موسى بالتوراة قال له جماعة منهم : لا نصدقك في ان هذا الكتاب من عند اللَّه ، حتى نرى اللَّه عيانا لا حجاب بيننا وبينه ، ويخبرنا وجها لوجه انه أرسلك بهذا الكتاب .

ولست أدري ان كان الذين ينكرون وجود اللَّه في هذا العصر ، لا لشيء إلا لأنهم لم يشاهدوه جهرة ، لست أدري : هل استند هؤلاء في انكارهم إلى كفر أولئك الإسرائيليين وعنادهم ؟ .

قال اليهود لموسى : لن نؤمن حتى نرى اللَّه جهرة . . وقال من قال في هذا العصر : لا وجود إلا لما نراه بالعين ، ونلمسه باليد ، ونشمه بالأنف ، ونأكله بالفم . . وهكذا يكرر التاريخ صورة المكابرة ومعاندة الحق في كل جيل .

{فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} . أي ان عذابا من السماء أحاط بالذين قالوا لموسى : لن نؤمن حتى نرى اللَّه ، وأهلكهم على مرأى من أصحابهم الذين لم يعاندوا ، ويسألوا مثل ذلك .

{ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . قال بعض المفسرين ، ومنهم الشيخ محمد عبده ، كما في تفسير المنار ، قالوا : ان اللَّه سبحانه لم يرجعهم إلى هذه الحياة ثانية بعد أن أخذتهم الصاعقة ، وان المراد ببعثهم كثرة النسل منهم .

وقال آخرون : كلا ، ان الآية على ظاهر دلالتها ، وان الذين أعيدوا هم الذين أخذتهم الصاعقة بالذات . . وهذا هو الحق ، حيث يجب الوقوف عند الظاهر إلا مع السبب الموجب للتأويل ، ولا سبب ما دامت الإعادة ممكنة في نظر العقل ، وقد وقع نظير ذلك لعزير ، كما دلت الآية 259 من سورة البقرة :

{فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ } . وبديهة ان الذي وقع لا يكون مستحيلا .

وتجدر الإشارة إلى أن المراد من قوله تعالى : {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ} ، وقوله بعثناكم ، المراد من كان في عصر موسى ( عليه السلام ) الذين قالوا له : {حَتَّى نَرَى اللَّهً جَهْرَةً} فلا يشمل الخطاب موسى ، ولا من لم يقل له ذلك . . وبالأولى أن لا يشمل حقيقة اليهود الذين كانوا في عهد محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وانما وجه الخطاب إليهم تجوزا وتوسعا في الاستعمال بالنظر إلى أنهم من نسل الذين قالوا : حتى نرى اللَّه جهرة .

{وظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ والسَّلْوى} . جرى ذلك حين خرج الإسرائيليون من مصر ، وتاهوا في صحراء سيناء ، حيث لا بنيان ولا عمران ، فشكوا إلى موسى حر الشمس ، فأنعم اللَّه عليهم بالغمام يظللهم ، ويقيهم حر الهاجرة ، وأنعم عليهم أيضا بالمنّ والسلوى ، يأكلون منهما بالإضافة إلى ما تيسر لهم من الأطعمة ، ويأتي في تفسير الآية 60 ان الماء تفجّر لهم من الحجر الذي ضربه موسى بعصاه .

وغريب أمر بعض المفسرين ، حيث يفسر من تلقائه ما سكت اللَّه عن بيانه وتفسيره ، ويحصي عدد الذين قتلوا أنفسهم للتوبة من عبادة العجل ، يحصيهم بسبعين ألف نسمة ، كما أحصى عدد الذين أخذتهم الصاعقة بسبعين رجلا ، أما المنّ فلكل فرد صاع ، وأما السلوى فكانت تنزل من السماء حارّة يتصاعد منها البخار ، وما إلى ذلك مما لا نص قطعي ولا ظني يدل عليه ، ويبعّد ولا يقرب . . وقد ثبت عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم): ان اللَّه سكت عن أشياء لم يسكت عنها نسيانا ، فلا تتكلفوها رحمة من اللَّه لكم .

وفي نهج البلاغة :

ان اللَّه افترض عليكم الفرائض فلا تضيعوها ، وحدّ لكم حدودا فلا تعتدوها ، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء ، ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها .

{وما ظَلَمُونا ولكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. ونفي المظلومية عن اللَّه سبحانه ، تماما كنفي الولد والشريك عنه من باب السالبة بانتفاء الموضوع على حد تعبير أهل المنطق ، لأن الثبوت محال عقلا . . فهو أشبه بقولك عن الأعزب : انه لا ولد له ، وعمن يجهل اللغة العربية لم يؤلف فيها قاموسا . . أما ظلم اليهود لأنفسهم فلسفههم ، وجحودهم بأنعم اللَّه الذي لا تنفعه طاعة من أطاع ، ولا

تضره معصية من عصى ، وانما منفعة الطاعة تعود إلى الطائع ، ومضرة المعصية إلى العاصي . . قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : يا ابن آدم إذا رأيت ربك يتابع نعمه عليك ، وأنت تعصيه فاحذره .

واختصارا ان هذه الآيات تضمنت الإشارة إلى عبادة الإسرائيليين للعجل ، وتوبتهم بقتل أنفسهم ، وطلبهم رؤية اللَّه ، وهلاكهم وبعثهم ، وتظليل الغمام لهم ، وإطعامهم المنّ والسلوى . . وسنعرض قصة موسى مع الإسرائيليين في سورة المائدة ان شاء اللَّه ، حيث حكى اللَّه قولهم لكليمه ونجيّه : {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] وانها لكلمة تعبر عن خبث اليهود ولؤمهم أدق تعبير ، وأول من اكتشف هذا اللؤم والخبث آل فرعون الذين ذبحوا الأبناء ، واستحيوا النساء .

رؤية اللَّه :

وحيث جاء في الآية الكريمة : {حَتَّى نَرَى اللَّهً جَهْرَةً} نشير إلى النزاع القائم بين أهل المذاهب الاسلامية وفرقها من ان العقل : هل يجيز رؤية اللَّه بالبصر أو يمنعها ؟ .

قال الأشاعرة - السنة - : ان رؤية اللَّه بالبصر جائزة عقلا ، لأنه موجود ، وكل موجود يمكن رؤيته .

وقال الإمامية والمعتزلة : لا تجوز الرؤية البصرية على اللَّه بحال ، لا دينا ولا دنيا ، لأنه ليس بجسم ، ولا حالا في جسم ، ولا في جهة .

وبعد أن منعوا الرؤية عقلا حملوا الآيات الدالة بظاهرها على جواز الرؤية ، حملوها على الرؤية بالعقل والبصيرة ، لا بالعين والبصر ، وبحقائق الإيمان ، لا بجوارح الأبدان على حد تعبير الفيلسوف الشهير الكبير محمد بن إبراهيم الشيرازي المعروف بالملا صدرا ، وبصدر المتألهين .

ومما استدل به الملا صدرا على امتناع الرؤية قوله : « ان الاحساس بالشيء حالة وضعية للجوهر الحاس ، بالقياس إلى المحسوس الوضعي ، ففرض ما لا وضع له انه محسوس ، كفرض ما لا جهة له انه في جهة » .

يريد بقوله هذا - على ما أرى - ان العين لا ترى الشيء إلا بشرطين :

الأول أن تكون أهلا للنظر ، الثاني أن يكون الشيء أهلا لأن ينظر بالعين . .

وهذا شيء بديهي ، فإذا فقدت العين أهلية النظر ، أو لم يكن الشيء مؤهلا للنظر بالعين انتفت الرؤية قهرا . . والعين أصغر وأحقر من ان ترى الذات القديسة الأحدية ، كما انه جل وعلا أعظم من أن يرى بالعين .

وانتقل ذهني ، وأنا أقرأ عبارة هذا العظيم ، إلى الفيلسوف الانكليزي جون لوك القائل بالواقعية النقدية ، وملخصها ان للشيء صفات أولية ثابتة له واقعا ، ولا تنفصل عنه إطلاقا ، سواء أوجد من يدركها ، أم لم يوجد ، كالعناصر المقومة المكونة للشيء . . وأيضا له صفات ثانوية نسبية لا توجد مستقلة عن ذات تحسها وتدركها ، كاللون والصوت والطعم ، فاللون ليس صفة للشيء كما يتراءى وانما هو موجات ضوئية خاصة بين الشيء والعين عند العلماء ، وأيضا الصوت موجات هوائية ، والطعم لا وجود له لو لا الفم ، ومن هنا يختلف باختلاف الذائق صحة ومرضا . . واختصارا انه لا لون بلا عين ، ولا صوت بلا أذن ، ولا طعم بلا فم . وليس من شك ان نور اللَّه سبحانه يطغى على الموجات الضوئية وغيرها ، وإذا انتفت هذه الموجات انتفت الرؤية .

_________________

1- الكاشف ، محمد الصادقي ، ج 1 ، ص104-108.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {فتوبوا إلى بارئكم} البارىء من الأسماء الحسنى كما قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الحشر: 24] ، وقع في ثلاث مواضع من كلامه تعالى: اثنان منها في هذه الآية و لعله خص بالذكر هاهنا من بين الأسماء الملائمة معناه للمورد لأنه قريب المعنى من الخالق و الموجد، من برأ يبرأ براء إذا فصل لأنه يفصل الخلق من العدم أو الإنسان من الأرض، فكأنه تعالى يقول: هذه التوبة و قتلكم أنفسكم و إن كان أشق ما يكون من الأوامر لكن الله الذي أمركم بهذا الفناء و الزوال بالقتل هو الذي برأكم فالذي أحب وجودكم و هو خير لكم هو يحب الآن حلول القتل عليكم فهو خير لكم و كيف لا يحب خيركم و قد برأكم، فاختيار لفظ البارىء بإضافته إليهم في قوله: {إلى بارئكم}، و قوله عند بارئكم للإشعار بالاختصاص لإثارة المحبة.

قوله تعالى: {ذلكم خير لكم عند بارئكم} ظاهر الآية و ما تقدمها أن هذه الخطابات و ما وقع فيها من عد أنواع تعدياتهم و معاصيهم إنما نسبت إلى الكل مع كونها صادرة عن البعض لكونهم جامعة ذات قومية واحدة يرضى بعضهم بفعل بعض، و ينسب فعل بعضهم إلى آخرين.

لمكان الوحدة الموجودة فيهم، فما كل بني إسرائيل عبدوا العجل، و لا كلهم قتلوا الأنبياء إلى غير ذلك من معاصيهم و على هذا فقوله تعالى: {فاقتلوا أنفسكم}، إنما يعني به قتل البعض و هم الذين عبدوا العجل كما يدل عليه أيضا قوله تعالى: إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل، و قوله تعالى: {ذلكم خير لكم عند بارئكم} تتمة الحكاية من قول موسى كما هو الظاهر، و قوله تعالى: {فتاب عليكم} يدل على نزول التوبة و قبولها، و قد وردت الرواية أن التوبة نزلت و لما يقتل جميع المجرمين منهم.

و من هنا يظهر أن الأمر كان أمرا امتحانيا نظير ما وقع في قصة رؤيا إبراهيم (عليه السلام) و ذبح إسماعيل " { يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا } [الصافات: 104، 105] ، فقد ذكر موسى (عليه السلام) فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم، و أمضى الله سبحانه قوله (عليه السلام) و جعل قتل البعض قتلا للكل و أنزل التوبة بقوله: {فتاب عليكم}.

___________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص161-162.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

«البارئ» هو الخالق، وفي الكلمة إشارة إلى أن هذا الأمر الإِلهي بالتوبة الشديدة صادر عمّن خلقكم، وعمّن هو أعرف بما يضرّكم وينفعكم.

{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 55، 56]

طلب عجيب!

هاتان الآيتان تذكّران بني إسرائيل بنعمة إلهية اُخرى، كما توضحان في الوقت نفسه روح اللجاج والعناد في هؤلاء القوم، وتبيان ما نزل بهم من عقاب إلهي، وما شملهم الله به من رحمة بعد ذلك العقاب.

تقول الآية الاُولى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً}.

هذا الطلب قد ينم عن جهل بني إسرائيل، لأن إدراك الإِنسان الجاهل لا يتعدّى حواسه. ولذلك يرمي إلى أن يرى الله بعينه.

أو قد يحكي هذا الطلب عن ظاهرة لجاج القوم وعنادهم التي يتميزون بها دوماً.

على أي حال، طلب بنو إسرائيل من نبيهم بصراحة أن يروا الله جهرة، وجعلوا ذلك شرطاً لإيمانهم.

عندئذ شاء الله سبحانه أن يرى هؤلاء ظاهرة من خلقه لا يطيقون رؤيتها، ليفهموا أن عينهم الظاهرة هذه لا تطيق رؤية كثير من مخلوقات الله، فما بالك برؤية الله سبحانه نزلت الصاعقة على الجبل وصحبها برق شديد ورعد مهيب وزلزال مروع، فتركهم، على الأرض صرعى من شدة الخوف {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}.

اغتم موسى لما حدث بشدّة، لأن هلاك سبعين نفراً من كبار بني إسرائيل، قد يوفّر الفرصة للمغامرين من أبناء القوم أن يثيروا ضجّة بوجه نبيهم. لذلك تضرّع موسى إلى الله أن يعيدهم إلى الحياة، فقبل طلبه وعادوا إلى الحياة: {ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

هذا باختصار شرح الواقعة، وسيأتي تفصيلها في سورة الأعراف، الآية 155، وسورة النساء الآية 153(2).

هذه القصة تبين من جانب آخر ما عاناه الأنبياء من مشاكل كبرى على طريق دعوتهم. كان قومهم يطلبون منهم معاجز خاصة، وكان العناد يبلغ ببعض الأقوام حداً يطلبون فيه أن يروا الله جهرة، شرطاً لإِيمانهم. وحينما يواجه هذا الطلب غير المنطقي بجواب إلهي مناسب حاسم تحدث للنبي مشكلة اُخرى. ولولا لطف الله وتثبيته لما كان بالإِمكان المقاومة تجاه كل هذا العناد.

هذه الآية تشير ضمناً إلى إمكان «الرجعة»، أي الرجوع إلى هذه الحياة الدنيا بعد الموت. لأن وقوعها في مورد يدل على إمكان الوقوع في موارد اُخرى.

ولكن عدد من مفسري أهل السنة أوّلوا «الموت» في هذه الآية إلى غير المعنى الظاهر لعدم رغبتهم في قبول «الرجعة»(3)

النّعم المتنوعة

بعد أن نجا بنو إسرائيل من الفرعونييّن، تذكر الآيات 23 ـ 29 من سورة المائدة، أن بني إسرائيل أُمروا لأن يتجهوا إلى أرض فلسطين المقدسة، لكن هؤلاء عصوا هذا الامر، وأصروا على عدم الذهاب مادام فيها قوم جبارون (العمالقة)، وأكثر من ذلك تركوا أمر مواجهة هؤلاء الظالمين لموسى وحده قائلين له: { فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24].

تألم موسى لهذا الموقف ودعا ربه {قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [المائدة: 25] فكتب عليهم التيه أربعين عاماً في صحراء سيناء.

مجموعة من التائهين ندمت على ما فعلته أشد الندم، وتضرعت إلى الله، فشمل الله سبحانه بني إسرائيل ثانية برحمته، وأنزل عليهم نعمه التي تشير الآية إلى بعضها: {وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ}.

والظّل له أهمية الكبرى لمن يطوي الصحراء طيلة النهار وتحت حرارة الشمس اللاّفحة، خاصة أن مثل هذا الظّل لا يضيّق الفضاء على الإِنسان ولا يمنع عنه هبوب النسيم.

يبدو أن الغمام الذي تشير إليه الآية الكريمة، ليس من النوع العابر الذي يظهر عادة في سماء الصحراء، ولا يلبث أن يتفرق ويزول، بل هو من نوع خاص تفضل به الله على بني إسرائيل ليستظلوا به بالقدر الكافي.

وإضافة إلى الظل فانّ الله سبحانه وفّر لبني إسرائيل بعد تيههم الطعام الذي كانوا في أمسّ الحاجة إليه خلال أربعين عاماً خلت من ضياعهم: {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57].

لكن هؤلاء عادوا إلى الكفران: {وَمَا ظَلَمُونَا وَلكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

____________________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص188-193.

2 ـ راجع المجلدين الثالث والخامس من هذا التّفسير.

3 ـ ذهب صاحب المنار، إلى أن المقصود بالبعث بعد الموت، منح الذرية الكثيرة لبني إسرائيل كي لا ينقطع نسلهم، وقال الآلوسي في «روح المعاني» إن الموت هنا يعني الغيبوبة، والبعث يعني صحوة بني إسرائيل من غيبوبتهم، وراح بعض يفسّر الموت بالجهل، والبعث بالتعليم.

ولكن هذه المعاني كلها بعيدة عن هذه الآية والآيات المشابهة لها في سورة الأعراف، ولا تليق بمفسر ينشد فهم الحقيقة.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .