أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-11-2019
3145
التاريخ: 3-5-2021
2688
التاريخ: 26-8-2018
4174
التاريخ: 6-11-2016
1968
|
يقسم النسابون هذه القبائل؛ بل قبائل العرب الشمالية جميعها، قسمين كبيرين: قسم عدناني مضري، هو عرب الشمال المنحدرون من عدنان ونزار ومضر، وقسم قحطاني ينحدر من قحطان "ولعله يقطان المذكور في الإصحاح العاشر من التوراة"، وقد هاجر هذا القسم من الجنوب، من اليمن وحضرموت وعاش بين العرب الشماليين.
وتشكك بعض المستشرقين فيما ساقه رواة الأخبار من هذا التقسيم وما يندرج فيه من أنساب القبائل الشمالية عامة(1)، وقالوا إنه من وضع القرن الأول للهجرة وما كان من منافسات بين مكة التي نُسبت إلى عدنان والمدينة التي نُسب العرب فيها من الأوس والخزرج إلى قحطان، وتداخلت عوامل سياسية واقتصادية مكنت من انتشار فكرة هذا التقسيم، كما مكنت من ترتيب الأنساب العربية في نظامها المعروف. ويبالغ بعض المستشرقين فينكر جملة أن يكون عرب الجنوب قد هاجروا إلى الشمال، ويظن ذلك حديث خرافة؛ ولكن من يرجع إلى الشعر الجاهلي يجد فيه الفخر باليمنية والقحطانية والعدنانية والمضرية، كما يجد فيه العصبيات مشتعلة بين القبائل على أساس الاشتراك في الدم وفي أب واحد أو أم واحدة، ومن التحكم أن نجري وراء ظنون لا دليل عليها. وحقًّا اختلف النسابون في أصل بعض القبائل وهل هي عدنانية أو قحطانية مثل خُزاعة وقضاعة وخَثعم؛ ولكنه اختلاف محدود، والرأي الصحيح أن هذه القبائل قحطانية. ومن الثابت الذي لا شك فيه أن القحطانيين هاجروا بتأثير ظروف اقتصادية وسياسية إلى الشمال، وأن هذه الهجرات بدأت منذ أزمان مبكرة؛ فقد كان المعينيون على ما يظهر يضعون حاميات في طرق قوافلهم التجارية، ولما ضعفت الدول الحميرية: دولة سبأ وذي ريدان وحضرموت واليمنات هاجر كثير من ويقابل هذا القسم القحطاني اليمني قسم عدناني مصري، ومن أهم قبائله قريش في مكة، وثقيف في الطائف، وعبد القيس في البحرين، وبنو حنيفة في اليمامة، وتميم وضبة في صحراء الدهناء، وبكر وعشائرها الكثيرة التي تمتد من الشمال الشرقي للجزيرة إلى اليمامة والبحرين، ويرد إليها النسابون بني حنيفة وبني عجل وشيبان وذهل، ثم تغلب وكانت تتوغل أكثر من بكر في شمالي الجزيرة صوب الشرق، وكان يجاورها بنو النمر؛ بينما كانت تنزل أسد في شمالي نجد وتنتشر عشائرها إلى تيماء. ومن هذه القبائل العدنانية أيضًا كنانة وهذيل بالقرب من مكة، وقيس عيلان في نجد، وأهم قبائلها هوازن، وسليم، وعامر وعشائرها كلاب وعقيل وقُشَيْر ومزينة وبنو سعد، وغطفان وفرعاها الكبيران: عبس وذُبيان. وفي المفضليات قصيدة طريفة للأخنس بن شهاب يحصى فيها منازل كثير من هذه القبائل(2).
وهذه الأنساب التي قدمناها كان يؤمن بها العرب إيمانًا شديدًا، وظلوا على هذه الإيمان في الإسلام؛ فتكتلوا على أساسها في مجموعتين كبيرتين: مجموعة قحطانية يمنية، ومجموعة مضرية عدنانية، وكان التنافس شديدًا بين الطرفين، وكثيرًا ما جر إلى منازعات في الكوفة والبصرة، كما جر إلى حروب في الجيوش المقاتلة في أقصى الشرق بخراسان وفي أقصى الغرب بالأندلس؛ فكانت تتجمع عشائر كل فريق حين تصطدم مصلحة عشيرة يمنية بمصلحة عشيرة مضرية، وسرعان ما تنشب بين الفريقين معارك دامية.
ومن المؤكد أن عرب الجاهلية كانوا يتمسكون بهذه الأنساب التي أجملناها وعنهم ورثها أبناؤهم في الإسلام، وهي تؤلف علمًا واسعًا عند العرب هو علم الأنساب، وكأنهم رأوا في النسب ما نراه نحن الآن في الوطن؛ فكل قبيلة تؤمن بنسبها وتعتز به وبأنها تعود إلى أصل واحد؛ فهي من دم واحد ولحم واحد، ومن أجل ذلك عبروا عن القرابة باللُّحمة كما عبروا عن عشائرهم وفروعهم بالبطن والفخذ.
وهذه القبائل جميعها المتبدية منها والمستقرة في مدن كمكة والحيرة كانت تتحد في نظمها السياسية، وهي نظم قبلية، تقوم على أساس القبلية واشتراك أبنائها في أصل واحد وموطن واحد، وهو موطن متنقل مع المراعي، وكذلك اشتراكها في تقاليد وعُرف تتمسك بهما تمسكًا شديدًا. وكان الرباط الذي يوثق الصلة بين أفراد القبيلة هو العصبية، وهي عصبية قبلية، ليس فيها شعور واضح بالجنس العربي العام، وحقًّا تكونت عندهم إمارات في الشمال؛ ولكنها ظلت تقوم على أساس العصبية القبلية، وإن بدا في تضاعيفها شعور ضئيل بالوحدة؛ لا بين القبائل الشمالية فحسب؛ بل بينها وبين القبائل الجنوبية؛ فقد كان أمراء هذه الولايات من العرب الجنوبيين كما يقول رواة الأخبار والنسابون؛ وإنما تقول شعورًا ضئيلًا، لأن أصحاب هذه الإمارات لم ينفذوا فعلًا إلى فكرة الأمة العربية أو الجنس العربي بحيث يجمعون العرب تحت لواء واحد؛ إنما كل ما هناك اتحاد قبلي، له رئيس.
ومن الاتحادات التي كانت تجمعهم اتحادات الأحلاف، ويظن أن هذه الاتحادات لعبت دورًا كبيرًا في تكوين القبائل؛ إذ كانت تنضم العشائر الضعيفة إلى العشائر القوية الكبيرة لتحميها وترد العدوان عنها، يقول البكري: "فلما رأت القبائل ما وقع بينها من الاختلاف والفرقة وتنافس الناس في الماء والكلأ، والتماسهم المعاش في المتسع، وغلبة بعضهم بعضًا على البلاد والمعاش واستضعاف القوي الضعيف؛ انضم الذليل منهم إلى العزيز، وحالف القليل منهم الكثير، وتباين القوم في ديارهم ومحالهم، وانتشر كل قوم فيما يليهم"(3) ومن القبائل التي تمثل ذلك خير تمثيل قبيلة تنوخ في العراق؛ فقد انضم إليها وتلاشى فيها كثير من القبائل والعشائر العراقية(4) وبمجرد أن تدخل القبيلة في حِلْف يصبح لها على أحلافها كل الحقوق؛ فهم ينصرونها على أعدائها ويردون كيدهم عنها في نحورهم. وقد تنفصل بعض قبائل الحلف لتنضم إلى حلف آخر يحقق مصالحها، ومن ثم كنا نجد دائمًا أحلافًا تضعف وتحل محلها أحلاف أخرى. وقبائل قليلة لم تدخل في أحلاف؛ ولذلك سميت باسم جمرات العرب، لما كان فيها من شجعان يكفونها في الحروب، على أن هذا كثيرًا ما كان يؤول بها إلى تنهك في المعارك، أما القبائل المتحالفة؛ فكانت تهاب لخشونة مسها. وأصل الحلف والتحالف من كلمة الحَلِف بمعنى اليمين الذي كانوا يقسمونه في عهودهم، وكانوا يغمسون أيديهم في أثناء عقد أحلافهم في طيب أو في دم، وكانوا يقولون(5): الدم الدم والهدم الهدم، لا يزيد العهد طلوع الشمس إلا شدًّا وطول الليالي إلا مدًّا، ما بل بحر صوفة. وأقام رضوى في مكانه، إن كان جبلهم رضوى وإلا ذكروا ما يجاورهم من جبال. وربما أوقدوا النار عند تحالفهم، ودعوا الله على من ينكث العهد بالحرمان من منافعها، ويقال إن قبائل مرة بن عوف الذبيانيين تحالفت عند نار ودنوا منها حتى محشتهم "أحرقتهم"؛ فسمي حلفهم باسم المحاش. ومن الأحلاف المشهورة في مكة حلف المطيبين وقد تعاقد فيه بنو عبد مناف وبنو زهرة وبنو تيم وبنو أسد ضد بني عبد الدار وأحلافهم، ويقال إنهم غمسوا أيديهم في جفنة مملوءة طيبًا. وأكرمُ من هذا الحلف حلف الفضول وفيه تحالفت قبائل من قريش على أن لا يجدوا بمكة مظلومًا إلا نصروه وقاموا معه حتى ترد عنه مظلمته. ومن أحلاف العرب المشهورة حلف الرباب، وهم خمس قبائل: ضبة وثور وعكل وتيم وعدي، وحلف عبس وعامر ضد ذبيان وأحلافها من تميم وأسد وحلف الحمس بين قريش وكنانة وخزاعة.
وكان لهذه القبائل جميعًا المتحالفة وغير المتحالفة مجلس يضم شيوخ عشائرها(6) وهو ندوتهم. التي ينظرون فيها شئون قبيلتهم وكان كل فرد يستطيع أن يحضره وأن يتحدث فيه، ولم يكن له موعد معين، وفي العادة كانوا يجتمعون مساء وكلما حزب أمر أو ظهر ما يدعو إلى الاجتماع، فيتناقشون ويتحاورون، وقد يخطبون، أو يستمعون إلى بعض ما ينظمه شعراؤهم، وفي أثناء ذلك يدلي سادتهم بحكمهم وتجاربهم في الحياة. وإلى ذلك يشير زهير بن أبي سُلمى إذ يقول في مديح هرم بن سنان وقومه(7):
وفيهم مقاماتٌ حسانٌ وجوههم وأنديةٌ ينتــابها القـــول والفعــــل
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم مجالس قد يُشفَى بأحلامها الجهل
وكانت قرارات هذه المجالس نافذة؛ فجميع أفراد القبيلة تذعن لها ولا تشذ عليها.
وغالبًا ما يتقدم شيوخ القبيلة شيخ كبير مجرب، هو سيدها، له حنكة وحكمة وسداد في الرأي وسعة في الثروة، وهو الذي يقود القبيلة في حروبها ويقسم غنائمها ويستقبل وفود القبائل الأخرى، ويعقد الصلح والمحالفات، ويقيم الضيافات؛ غير أنه ينبغي أن لا يفهم من ذلك أنه كانت له أو لشيوخ القبيلة سيادة واسعة، فسيادته رمزية، وإذا بغى كان جزاؤه جزاء كُليب التغلبي حين بغى وطغى على أحلافه من بكر، فقتلوه؛ مما كان سببًا في نشوب حرب البسوس المشهورة.
فالسيد في القبيلة إنما هو الشخص الألمعي الذي حنكته التجارب، وغالبًا ما يرث سيادته عن آبائه؛ حتى يتم له الحسب الرفيع، وليس له أي حقوق سوى توقيره، أما واجباته فكثيرة، فلا بد فيه من الشجاعة والكرم والنجدة وحفظ الجوار وإعانة المعوز والضعيف، ولا بد أن يتحمل أكبر قسط من جرائر القبيلة وما تدفعه من ديات، ولا بد أن يكون حليمًا متسامحًا، وإلى ذلك كله يشير معاوية سيد بني كلاب حين يقول(8):
إني امرؤ من عصبة مشهورة حشد لهم مجد أشم تليد(9)
ألفوا أباهم سيدًا وأعانهم كرمٌ وأعمام لهم وجدود
إذ كل حي نابت بأرومة نبت العضاة فماجدٌ وكسيدُ(10)
نعطي العشيرة حقها وحقيقها فيها ونغفر ذنبها ونسود
وإذا تحملنا العشيرة ثقلها قمنا به وإذا تعود نعود(11)
وإذا نواق جرأة أو نجدة كنا سُمَيَّ بها العدو نكيد(12)
بل لا نقول إذا تبوأ جيرة إن المحلة شعبها مكدود(13)
وواضح أن السيد في رأي معاوية لا بد أن يكون شريف الأصل والأرومة، من عشيرة لها مجد فسيح الفناء، ولا بد أن يرعى حقوق هذه السيادة، وهي الحلم والصفح عن السفهاء وكظم الغيظ مع العفو والمغفرة، ولا بد له أن يبذل المال والنفس في جنايات القبيلة وأن يسارع إلى النجدة والحرب وأن يكون كريمًا مضيافًا.
إذا نزل به جار أضافه وأعانه وحفظ له كل ما يمكن من حقوق الجوار. وكان من أهم ما يقوم به السيد إصلاح ذات البين في القبيلة ولَمُّ شعثها مستعينًا في ذلك بشيوخها وأصحاب الشرف فيها. ودائمًا لا بد له من استشارتهم؛ بل لا بد له من أن يستمع إلى كل فرد من أفرد القبيلة. فهم جميعًا أكفاء يتساوون في الحقوق ومن أهم ما يدل على هذه المساواة نظام الإجارة، وهي حق التوطن في القبيلة؛ إذ كان لكل فرد فيها أن يجير من يشاء، وإذا أجار شخصًا أصبحت قبيلته ملزمة به، وأصبح له ما لأفرادها من حقوق. وعليه ما عليهم من واجبات.
وكان أفراد القبيلة جميعًا يضعون أنفسهم في خدمتها وخدمة حقوقها، وعلى رأسها حق الأخذ بالثأر ممن سولت له نفسه من القبائل الأخرى أن يعتدي على أحد أبنائها؛ فكل فرد فيها يضحي لها بنفسه كما يضحي لها بماله؛ فهي حياته وكيانه، وهو مع اعتزازه بفرديته وشخصيته وحريته يعيش لها وداخل إطارها، مدفوعًا في ذلك بعصبية شديدة، وهي عصبية سيطرت على نفوسهم، وقدسوها تقديسًا كان أعظم من تقديسهم للشعائر الدينية. فتلك الشعائر تشركهم فيها قبائل أخرى، أما شعائر العصبية القبلية فإنها خاصة بالقبيلة وأبنائها الذين يجمعهم دم واحد ونسب واحد. وربما تسامح الواحد منهم في دينه؛ إذ لم يكن يهمه في كثير من الأحوال، أما في العصبية فإنه لا يتسامح في أي واجب من واجباتها، ومن خير ما يصور ذلك قول دريد بن الصِّمَّة(14):
وما أنا إلا من غَزِيَّةَ إن غَوَت غويتُ وإن ترشُد غزية أَرشدِ
فغيه ورشده مرتبطان بعشيرته غزية، فإن ضلت؛ ضل معها وأمعن في ضلاله، وإن اهتدت اهتدى معها وأمعن في هداه.
وكانت القبيلة من جانبها تعطي لأبنائها عليها نفس الحقوق؛ فهي تنصرهم في الملمات التي تنزل بهم ظالمين أو مظلومين؛ فحسب أحدهم أن يستغيث فإذا السيوف مشرعة، وإذا الدماء تتصبب على أتفه الأسباب. وقد تحولوا بسبب اختصاصهم على المراعي واتخاذهم الغزو وسيلة من وسائل عيشهم إلى ما يشبه كتائب حربية، فكل قبيلة مستعدة دائمًا للحرب والجلاد والإغارة على من حولها من البدو والحضر، وهي دائمًا شاكية السلاح حتى تحمي حماها ومنازلها وآبارها ومراعيها؛ ولذلك كانت الشجاعة مثلهم الأعلى؛ فدائمًا يفتخرون ببطولتهم وبعدد من قتلوا في حروبهم مما يدور في أشعارهم ويدور معه اعتدادهم بسيوفهم اليمانية والهندية، ولبعضها أسماء اشتهرت بينهم، وكما يعتدون بسيوفهم نراهم يعتدون برماحهم وقسيهم ودروعهم وتروسهم وبيضاتهم أو خوذاتهم، وأشاد فرسانهم بالخيل إشادة بالغة وسموها أسماء كثيرة.
__________
(1) راجع في ذلك تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد علي 1/ 220 وما بعدها وتاريخ الأدب العربي لبلاشير 1/ 21 وما بعدها والفصل الأول من كتاب سميث: kinship and Marriage in Early Arabia.
(2) المفضليات، القصيدة رقم 41.
(3) معجم ما استعجم للبكري "طبعة السقا" 1/ 53.
(4) انظر مادة تنوخ في دائرة المعارف الإسلامية.
(5) انظر الحيوان للجاحظ 4/ 3.
(6) انظر في مجالس القبيلة وحقوق سيدها وواجباته القسم الثالث من كتاب لامنس: Le Berceau de I,lslam.
(7) ديوان زهير "طبعة دار الكتب المصرية" ص 113.
(8) المفضليات.، القصيدة رقم 104.
(9) الحشد: الذين يحتشدون ويجتمعون للملمات، والتليد: القديم.
(10) الأرومة: الأصل، العضاه: شجر ضخم من أشجار البادية، الماجد: ذو المجد، والكسيد: الدون.
(11) الثقل: الغرم والدية.
(12) سمي: مرخم سمية، وحذف ياء النداء.
(13) الشعب: ما انفرج بين جبلين، مكدود: في ضيق وشدة، يقول: إنه لا يعتذر لأضيافه بما يلم به من شدائد.
(14) الأصمعيات "طبع دار المعارف" ص 112 وانظر المرزوقي على الحماسة 2/ 815.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|