أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-8-2020
1555
التاريخ: 11-10-2016
1757
التاريخ: 19/11/2022
1622
التاريخ: 1-8-2020
2936
|
لا ريب في أن الفقر مع الصبر و القناعة و قصد الفراغ أفضل من الغنى مع الحرص و الإمساك ، كما لا ريب في أن الغنى مع الإنفاق و قصد الاستعانة على العبادة أفضل من الفقر مع الحرص و الجزع ، وإنما وقع الشك في الترجيح بين الفقر و الغنى في مواضع :
(الأول) في الترجيح بين الفقر مع الصبر و القناعة ، و الغنى مع الإنفاق ، و قصد الاستعانة على العبادة ، فقال قوم إن الأول أفضل ، لما روي : «أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال لأصحابه : أي الناس خير؟ , فقالوا : موسر من المال يعطي حق اللّه تعالى من نفسه و ماله ، فقال نعم الرجل هذا و ليس به المراد ، قالوا فمن خير الناس يا رسول اللّه؟ , فقال : فقير يعطى جهده» ، وما روى : «أن الفقراء بعثوا رسولا إلى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فقال : إني رسول الفقراء إليك ، فقال : مرحبا بك و بمن جئت من عندهم ، جئت من عند قوم أحبهم ، فقال : قالوا إن الأغنياء ذهبوا بالجنة يحجون ولا نقدر عليه ، و يعتمرون ولا نقدر عليه ، و إذا مرضوا بعثوا بفضل أموالهم ذخيرة لهم ، فقال النبي (صلى اللّه عليه و آله) : بلغ عني الفقراء أن لمن صبر و احتسب منكم ثلاث خصال ليست للأغنياء : أما (الأولى) فإن في الجنة غرفا ينظر إليها أهل الجنة كما ينظر أهل الأرض إلى نجوم السماء ، لا يدخلها الا نبي فقير، أو شهيد فقير، أو مؤمن فقير، (و الثانية) يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم و هو خمسمائة عام.
(والثالثة) إذا قال الغني : سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر ، و قال الفقير مثل ذلك ، لم يلحق الغني بالفقير و إن انفق فيها عشرة آلاف درهم ، و كذلك أعمال البر كلها فرجع إليهم ، فقالوا رضينا».
وقال آخرون : الثاني أفضل ، لأن الغنى من صفات الربوبية ، والفقر من لوازم العبودية ، و وصف الحق أفضل من وصف العبد.
(وأجيب عنه) بأن غنى الواجب سبحانه ليس بالأسباب والأغراض و غنى العبد بهما ، إذ هو غني بوجود المال و مفتقر إلى بقائه ، فأنى يكون الغني الذي يتصف العبد به من أوصاف الربوبية ، نعم الغنى الاستغناء من وجود المال وعدمه جميعا بأن يستوي كلاهما عنده يشبه أوصاف الحق ، إلا أنك قد عرفت أنه نوع من الفقر، و بأن التكبر من أوصاف الربوبية فينبغي أن يكون أفضل من التواضع ، مع أن الأمر ليس كذلك ، بل الحق أن الأفضل للعبد إنما هو صفات العبودية كالخوف و الرجاء ، إذ صفات الربوبية لا ينبغي أن ينازع فيها ، ولذلك قال اللّه سبحانه : «و العظمة إزاري ، و الكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمته».
وعلى هذا فالفقر أفضل من الغنى.
والحق أن ترجيح واحد من صفات الربوبية وصفات العبودية على الآخر للعبد على الإطلاق غير صحيح ، إذ كما ينتقض ترجيح الأولى على الثانية بالتكبير ينتقض العكس بالعلم والمعرفة والجهل و الغفلة ، فإن العلم من صفات الربوبية ، والجهل من صفات العبودية ، مع أن الأول أفضل من الثاني ضرورة.
والحق أن الأفضل من الفقر والغنى ما لا يشغل العبد عن اللّه ، فإن كان الفقر يشغله فالغنى أولى به ، و إن كان الغنى يشغله عن اللّه فالفقر أولى به ، و ذلك لأن الغني ليس محذورا بعينه ، بل لكونه عائقا عن الوصول إلى اللّه ، والفقر ليس مطلوبا لذاته ، بل لعدم كونه عائقا عن اللّه ، و ليس مانعية الأول و عدم ما نعية الثاني كليا ، إذ رب فقير يشغله الفقر عن المقصد و كم من غني لا يصرفه الغنى عنه ، إذ الشاغل ليس إلا حب الدنيا لمضادته حب اللّه تعالى ، والمحب للشيء مشغول به ، سواء كان في وصاله أو في فراقه.
فإذن فضل الفقير و الغنى بحسب تعلق قلبهما بالمال وجودا و عدما ، فإن تساويا فيه تساوت درجتهما.
وإن تفاوتا فيه فأيهما أقل تعلقا درجته أعلى و أفضل ، بل مع وجود تعلق لهما وتساويهما فيه يكون وجود قدر الحاجة من المال أفضل من فقده ، إذ الجائع يسلك سبيل الموت لا سبيل المعرفة و الطاعة ، و مع عدم تعلق قلبهما أصلا بحيث يستوي عندهما وجود المال و عدمه كان المال عندهما كهواء الجو و ماء البحر- و بالجملة حصلت لهما المرتبة الأخيرة من الفقر أعني الاستغناء و الرضا - كان الواجد أفضل من الفاقد ، لاستوائهما في عدم الالتفات إليه ، و مزية الواجد باستفادة أدعية الفقراء و المساكين.
ثم الحكم بانقطاع القلب رأسا عن المال وجودا و عدما إنما يتصور في الشاذ النادر الذي لا يسمح الدهر بمثله إلا بعد أزمنة متطاولة ، و قلوب جل الناس غير خالية عن حب المال و التعلق به.
فتفصيل القول بأفضلية من هو أقل تعلقا بالمال ، و استواء درجتهما مع استوائهما في التعلق ، و مزية الواجد على الفاقد مع انقطاع قلبهما بالكلية عنه مزلة الأقدام و موضع الغرور، إذ الغني ربما يظن أنه منقطع القلب عن المال و يكون حبه دفينا في باطنه وهو لا يشعر به ، و إنما يشعر به إذا فقده ، فما عدا الأنبياء و الأولياء و شرذمة قليلة من أكابر الأتقياء لو ظنوا انقطاعهم عن الدنيا إذا جربوا أنفسهم بإخراج المال من أيديهم يظهر لهم أنهم مغرورون و ليس لهم تمام الانقطاع عن الدنيا ، و إذا كان ذلك محالا أو بعيدا فليطلق القول بأن الفقر أصلح لكافة الناس و أفضل ، لأنه عن الخطر أبعد ، إذ فتنة السراء من فتنة الضراء أشد ، و علاقة الفقير و أنسه بالدنيا غالبا أضعف ، و بقدر ضعف علاقته يتضاعف ثواب أذكاره و عبادته ، إذ حركات اللسان و الجوارح ليست مرادة لأعيانها بل ليتأكد بها الأنس بالمذكور و تأثيرها في إثارة الأنس في قلب فارغ عن غير المذكور أشد من تأثيرها في قلب مشغول ، و لهذا وردت الأخبار مطلقة في فضل الفقر على الغنى ، و في فضل الفقراء على الأغنياء.
(الثاني) في الترجيح بين الفقر مع الحرص و الجزع ، و الغنى مع الحرص و الإمساك.
والتحقيق فيه أن مطلوب الفقير إن كان ما لا بد منه في المعيشة و كان حرصه في تحصيل هذا القدر دون الزائد منه و كان قصده الاستعانة به على الدين ، و كذا كان حرص الغني و إمساكه في هذا القدر بهذا القصد ، فحال الوجود أفضل لأن الفقد يصده عن أمور الدين لاضطراره في طلب القوت ، و هو أولى بالتفضيل إذا كان قصد الغني ذلك و كان مطلوب الفقير فوق الحاجة أو قدر الحاجة ، أو قدر الحاجة بدون قصد الاستعانة به إلى أمر الدين.
وإن كان مطلوب كل منها فوق الحاجة أو لم يكن قصدهما الاستعانة به على أمر الدين ، فالفقد أصلح و أفضل ، لأنهما استويا في الحرص و حب المال ، و في عدم قصد الاستعانة به على الدين ، لكنهما افترقا في أن الواجد يتأكد حب الدنيا في قلبه ، و يطمئن إليها لأنسه بها ، والفاقد يتجافى قلبه عنها اضطرارا ، أو تكون الدنيا عنده كالسجن الذي يطلب الخلاص منه.
وهو أولى و أحرى بالتفضيل ، إذا كان قصد الفقير ذلك و كان قصد الغني فوق الحاجة ، أو قدر الحاجة بدون الاستعانة به على أمر الدين.
(الثالث) في الترجيح بين فقير حريص متكالب على الدنيا ليس له هم سواه ، و غني هو دونه في الحرص على حفظ المال ، و تفجعه بفقد المال لو فقده أقل من تفجع الفقير بفقده ، و الظاهر حينئذ كون الفقير أسوأ حالا ، إذ البعد عن اللّه بقدر قوة التفجع بفقد المال ، و القرب بقدر ضعف التفجع به.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|