أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-10-2016
1909
التاريخ: 31-8-2022
1887
التاريخ: 2024-05-25
697
التاريخ: 5-10-2016
1981
|
أن من غلب على قلبه حبّ الجاه صار مقصورا لهم على مراعاة الخلق ، مشغوفا بالتودّد إليهم و المراياة لأجلهم ، و لا يزال في أقواله و افعاله ملتفتا إلى ما عظم منزلته عندهم ، و ذلك بذر النفاق و أصل الفساد ، و يجرّ ذلك لا محالة إلى التساهل في العبادات و المراياة بها و إلى اقتحام المحظورات للتوصّل بها إلى اقتناص القلوب.
ولذلك شبه رسول اللّه (صلى الله عليه واله) حبّ الشرف و المال ، و إفسادهما للدين بذئبين ضاريين(1)، و قال (صلى الله عليه واله): إنه ينبت النفاق كما ينبت الماء البقل»(2) إذ النفاق هو مخالفة الظاهر للباطن بالقول و الفعل وكل من طلب المنزلة في قلوب النّاس فيضطر إلى النفاق معهم و إلى التظاهر بخصال حميدة و هو خال عنها ؛ و ذلك عين النفاق.
و علاجه العلمي أن يعلم أن السّبب الذي لاجله أحبّ الجاه و هو كمال القدرة على أشخاص النّاس و على قلوبهم إن صفى و سلم فآخره الموت، فليست من الباقيات الصالحات بل لو سجد له كل من على وجه الأرض و إلى خمسين سنة لا يبقى الساجد و لا المسجود له ، و يكون حاله كحال من مات قبله من ذوي الجاه مع المتواضعين له فهذا ينبغي أن يترك به الدين الذي هو الحياة الابدية التي لا انقطاع لها و من فهم الكمال الحقيقي و الكمال الوهمي كما سبق صغر الجاه في عينه إلا أن ذلك انما يصغر في عين من ينظر إلى الآخرة كأنه يشاهدها و يستحقر العاجلة ، و يكون الموت كالحاصل عنده.
و أبصار أكثر الخلق ضعيفة مقصورة على العاجلة لا يمتد نورها إلى مشاهدة العواقب كما قال اللّه تعالى : {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى : 16، 17] , و قال : {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} [القيامة : 20، 21] , إلى غيرها من الايات.
فمن هذا حده فينبغي أن يعالج قلبه في حبّ الجاه بالعلم بالافات العاجلة ، و هو أن يتفكر في الاخطار التي يستهدف لها أرباب الجاه في الدنيا ، فان كل ذي جاه محسود مقصود بالايذاء و خائف على الدّوام على جاهه و محترز من أن يتغير منزلته في القلوب و القلوب أشد تغيّرا من القدر في غليانه ، و هي مردّدة بين الاقبال و الاعراض فكل ما يبنى على قلوب الخلق يضاهي ما يبنى على امواج البحر ، فانّه لا ثبات له و الاشتغال بمراعاة القلوب و حفظ الجاه و دفع كيد الحساد و منع أذى الاعداء اشتغال عن اللّه و تعرض لمقته في العاجل و الاجل كل ذلك غموم عاجلة مكدّرة للذة الجاه فلا يفي في الدّنيا أيضا مرجوها بمخوفها فضلا عمّا يفوت في الاخرة فهذا ينبغي أن يعالج البصيرة الضعيفة ، و أما من نفذت بصيرته و قوي ايمانه فلم يلتفت إلى الدّنيا ، فهذا هو العلاج من حيث العلم.
و أما من حيث العمل فاسقاط الجاه عن قلوب الخلق بالانس و الخمول(2) , و القناعة بالقبول من الحلق و الاعتزال عن النّاس و الهجرة إلى مواضع الخمول ، فان المعتزل في بيته في البلدة التي هو بها مشهور لا يخلو عن حب المنزلة التي ترسخ له في القلوب بسبب عزلته ، فربّما يظن أنه ليس محبّا لذلك الجاه و هو مغرور و إنما سكنت نفسه لأنها ظفرت بمقصودها.
ولو تغير الناس عما اعتقدوا فيه و ذموه او نسبوه إلى أمر غير لايق به جزعت نفسه و تألمت و ربما توصلت إلى الاعتذار من ذلك و إماطة ذلك الغبار عن قلوبهم و ربّما يحتاج في إزالة ذلك عن قلوبهم إلى كذب و تلبيس و لا يبالي به و به يتبين أنه بعد محب للجاه و المنزلة.
ولا يمكنه أن لا يحب المنزلة في قلوب الناس ما دام يطمع في الناس ، و لا يقطع الطمع عن الناس إلا بالقناعة فمن قنع استغنى عن النّاس و إذا استغنى لم يشتغل قلبه بالنّاس و لم يكن لقيام منزلته بالقلوب عنده وزن و يستعين على جميع ذلك بالاخبار الواردة في ذم الجاه و مدح الخمول مثل قولهم المؤمن لا يخلو من ذلة أو علّة أو قلة.
و حبّ المدح كحبّ الجاه حرمة و إباحة و نفعا و ضرا ، و علاجه علاج حبّ الجاه و علمه بان الصّفة الممدوح بها إن فقدت فاستهزاء و إن وجدت فالدنيوية كمال وهمي و الدينية موقوفة على الخاتمة.
و علاج كراهة الذم العلم بان الصّفة المذموم بها إن وجدت فتبصير للعيوب و فيه الفرح و الشغل بالازالة و إن فقدت فكفارة للذنوب و فيه الشّكر للّه و الترحم عليه حيث أهل نفسه كما قال النبي (صلى الله عليه واله): «اللهمّ اهد قومي فانّهم لا يعلمون»(3) , لما ان كسروا رباعيّته(4).
والانسان يفرح بما يذم عدوّه و هو شخص عدوّه نفسه فينبغي أن يفرح إذا سمع ذمّها و يشكر الذامّ عليها و يعتقد فطنته و ذكائه لما وقف على عيوبها ، فيكون ذلك كالتشفي له من نفسه و يكون غنيمة عنده إذ صار بالمذمة أوضع في أعين النّاس حتى لا يبتلى بفتنة الجاه و إذا سبقت إليه حسنات لم ينصب فيها فعساه يكون جبرا لعيوبه التي هو عاجز عن اماطتها ، و لو جاهد نفسه طول عمره في هذه الخصلة الواحدة و هي أن يستوي عنده ذامّه و مادحه لكان له شغل شاغل فيه لا يتفرغ معه لغيره ، و بينه و بين السعادة عقبات كثيرة هذه إحدى تلك العقبات و لا يقطع شيء منها إلا بالمجاهدة الشديدة في العمر الطويل.
___________________________
1- الذئب الضاري الذي اعتاد اكل لحوم الناس و قد مر الحديث بلفظه عن قريب.
2- تنبيه الخواطر: ج 1 ص 256.
3- أخرجه البيهقي في دلائل النبوة و الحديث في الصحيح انه صلى اللّه عليه و آله قال حكاية عن نبي من الأنبياء حين ضربه قومه( المعنى) تنبيه الخواطر: ج 1 ص 99 و فيه:« اللهم اغفر لقومي ...».
4- الرباعيية بالفتح السن التي بين الثنية و الناب من كل جانب و الجمع الرباعيات. م.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|