أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2016
454
التاريخ: 10-8-2016
707
التاريخ: 4-9-2016
723
التاريخ: 4-9-2016
555
|
تمهيد :
قد تعلم أن أخاك الاكبر قد سافر إلى مكة، وقد تشك في سفره، لكنك تعلم على أي حال أن أحد أخويك " الاكبر أو الاصغر " قد سافر فعلا إلى مكة، وقد تشك في سفرهما معا ولا تدري هل سافر واحد منهما إلى مكة أو لا؟.
فهذه حالات ثلاث، ويطلق على الحالة الاولى إسم " العلم التفصيلي " لأنك في الحالة الاولى تعلم أن أخاك الاكبر قد سافر إلى مكة، وليس لديك في هذه الحقيقة أي تردد أو غموض، فلهذا كان العلم تفصيليا.
ويطلق على الحالة الثانية إسم " العلم الاجمالي "، لأنك في هذه الحالة تجد في نفس عنصرين مزدوجين: أحدهما عنصر الوضوح، والآخر عنصر الخلفاء، فعنصر الوضوح يتمثل في علمك بأن أحد أخويك قد سافر فعلا، فأنت لا تشك في هذه الحقيقة، وعنصر الخلفاء والغموض يتمثل في شك وترددك في تعيين هذا الاخ، ولهذا تسمى هذه الحالة ب " العلم الاجمالي " فهي علم لأنك لا تشك في سفر أحد أخويك، وهي إجمال وشك لأنك لا تدري أي أخويك قد سافر. ويسمى كل من سفر الاخ الاكبر وسفر الاصغر طرفا للعلم الاجمالي، لأنك تعلم أن أحدهما لا على سبيل التعيين قد سافر بالفعل. وأفضل صيغة لغوية تمثل هيكل العلم الاجمالي ومحتواه النفسي بكلا عنصريه هي " إما وإما " إذ تقول في المثال المتقدم: " سافر اما أخي الاكبر واما أخي الاصغر " فإن جانب الاثبات في هذه الصيغة يمثل عنصر الوضوح والعلم، وجانب التردد الذي تصوره كلمة " إما " يمثل عنصر الخفاء والشك وكلما أمكن إستخدام صيغة من هذا القبيل دل على وجود علم إجمالي في نفوسنا.
ويطلق على الحالة الثالثة إسم " الشك الابتدائي " أو " البدوي " أو " الساذج " وهو شك محض غير متمزج بأي لون من العلم، ويسمى بالشك الابتدائي أو البدوي تمييزا له عن الشك في طرف العلم الاجمالي، لان الشك في طرف العلم الاجمالي يوجد نتيجة للعلم نفسه، فأنت تشك في أن المسافر هل هو أخوك الاكبر أو الاصغر نتيجة لعلمك بأن أحدهما لا على التعيين قد سافر حتما، وأما الشك في الحالة الثالثة فيوجد بصورة إبتدائية دون علم مسبق.
وهذه الحالات الثلاث توجد في نفوسنا تجاه الحكم الشرعي، فوجوب صلاة اصبح معلوم تفصيلا، ووجوب صلاة الظهر في يوم الجمعة مشكوك شكا ناتجا عن العلم الاجمالي بوجوب الظهر أو الجمعة في ذلك اليوم، ووجوب صلاة العيد مشكوك إبتدائي غير مقترن بالعلم الاجمالي. وهذه الامثلة كلها من الشبهة الحكمية، ونفس الامثلة يمكن تحصيلها من الشبهة الموضوعية فتكون تارة عالما تفصيلا بوقوع قطرة دم في هذا الاناء، وأخرى عالما إجمالا بوقوعها في أحد إناء ين وثالثة شاكا في أصل وقوعها شكا يدويا. ونحن في حديثنا عن القاعدة العملية الثانوية التي قلبت القاعدة العملية الاساسية كنا نتحدث عن الحالات الثالثة، أي حالة الشك البدوي الذي لم يقترن بالعلم الاجمالي.
والآن ندرس حالة الشك الناتج عن العلم الاجمالي، أي الشك في الحالة الثانية من الحالات الثلاث السابقة، وهذا يعني أننا درسنا الشك بصورته الساذجة وندرسه الآن بعد أن نضيف إليه عنصرا جديدا وهو العلم الاجمالي، فهل تجري فيه القاعدة العلمية الثانوية كما كانت تجري في موارد الشك البدوي أو لا؟.
منجزية العلم الإجمالي :
وعلى ضوء ما سبق يمكننا تحليل العلم الإجمالي إلى علم بأحد الامرين وشك في هذا وشك في ذاك.
ففي يوم الجمعة نعلم بوجوب أحد الامرين « صلاة الظهر أو صلاة الجمعة » ونشك فى وجوب الظهر كما نشك في وجوب الجمعة ، والعلم بوجوب أحد الامرين بوصفه علما تشمله قاعدة حجية القطع التي درسناها فى بحث سابق ، فلا يسمح لنا العقل لأجل ذلك بترك الامرين معا الظهر والجمعة ، لأننا لو تركنا هما معا لخالفنا علمنا بوجوب أحد الامرين ، والعلم حجة عقلا فى جميع الاحوال سواء كان إجماليا أو تفصيليا.
ويؤمن الرأي الأصولي السائد فى مورد العلم الإجمالي لا بثبوت الحجية للعلم بأحد الامرين فحسب بل بعدم إمكان انتزاع هذه الحجية منه أيضا واستحالة ترخيص الشارع فى مخالفته بترك الامرين معا ، كما لا يمكن للشارع أن ينتزع الحجية من العلم التفصيلي ويرخص فى مخالفته وفقا لما تقدم في بحث القطع من استحالة صدور الردع من الشارع عن القطع.
وأما كل واحد من طرفي العلم الإجمالي أي وجوب الظهر بمفرده ووجوب الجمعة بمفرده فهو تكليف مشكوك وليس معلوما.
وقد يبدو لأول وهلة أن بالإمكان أن تشمله القاعدة العملية الثانوية أي أصالة البراءة النافية للاحتياط فى التكاليف المشكوكة ، لان كلا من الطرفين تكليف مشكوك.
ولكن الرأي السائد في علم الاصول يقول بعدم إمكان شمول القاعدة العملية الثانوية لطرف العلم الإجمالي ، بدليل أن شمولها لكلا الطرفين معا يؤدى إلى براءة الذمة من الظهر والجمعة وجواز تركهما معا ، وهذا يتعارض مع حجية القطع بوجوب أحد الامرين ، لان حجية هذا القطع تفرض علينا أن نأتي بأحد الامرين على أقل تقدير. فلو حكم الشارع بالبراءة فى كل من الطرفين لكان معنى ذلك الترخيص منه فى مخالفة العلم ، وهو مستحيل كما تقدم.
وشمول القاعدة لاحد الطرفين دون الاخر وإن لم يؤد إلى الترخيص في ترك الامرين معا لكنه غير ممكن أيضا ، لأننا نتساءل حينئذ أى الطرفين نفترض شمول القاعدة له ونرجحه على الاخر ، وسوف نجد أنا لا نملك مبررا لترجيح أى من الطرفين على الاخر ، لان صلة القاعدة بهما واحدة.
وهكذا ينتج عن هذا الاستدلال القول بعدم شمول القاعدة العملية الثانوية « أصالة البراءة » لأي واحد من الطرفين ، ويعنى هذا أن كل طرف من أطراف العلم الإجمالي يظل مندرجا ضمن نطاق القاعدة العملية الاساسية القائلة بالاحتياط ما دامت القاعدة الثانوية عاجزة عن شموله.
وعلى هذا الاساس ندرك الفرق بين الشك البدوي والشك الناتج عن العلم الإجمالي ، فالأول يدخل في نطاق القاعدة الثانوية وهى أصالة البراءة ، والثاني يدخل في نطاق القاعدة الاولية وهى أصالة الاحتياط.
وفى ضوء ذلك نعرف أن الواجب علينا عقلا في موارد العلم الإجمالي هو الاتيان بكلا الطرفين أي الظهر والجمعة في المثال السابق لان كلا منهما داخل في نطاق أصالة الاحتياط.
ويطلق فى علم الاصول على الاتيان بالطرفين معا اسم « الموافقة القطعية » لان المكلف عند إتيانه بهما معا يقطع بأنه وافق تكليف المولى ، كما يطلق على ترك الطرفين معا اسم «المخالفة القطعية ».
وأما الاتيان بأحدهما وترك الاخر فيطلق عليهما اسم « الموافقة الاحتمالية » و « المخالفة الاحتمالية » لان المكلف فى هذه الحالة يحتمل أنه وافق تكليف المولى ويحتمل أنه خالفه.
إنحلال العلم الاجمالي:
إذا وجدت كأسين من ماء قد يكون كلاهما نجسا وقد يكون أحدهما نجسا فقط، ولكنك تعلم على أي حال بأنهما ليسا طاهرين معا، فينشأ في نفسك علم إجمالي بنجاسة أحد الكأسين لا على سبيل التعيين، فإذا اتفق لك بعد ذلك أن اكتشفت نجاسة في أحد الكأسين وعلمت أن هذا الكأس المعين نجس، فسوف يزول علمك الاجمالي بسبب هذا العلم التفصيلي، لأنك الآن بعد اكتشافك نجاسة ذلك الكأس المعين لا تعلم إجمالا بنجاسة أحد الكأسين لا على سبيل التعيين، بل تعلم بنجاسة ذلك الكأس المعين علما تفصيليا وتشك في نجاسة الآخر. لأجل هذا لا تستطيع أن تستعمل الصيغة اللغوية التي تعبر عن العلم الاجمالي " إما وإما "، فلا يمكنك أن تقول: " إما هذا نجس أو ذاك " بل هذا نجس جزما وذاك لا تدري بنجاسته. ويعبر عن ذلك في العرف ب " إنحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بأحد الطرفين والشك البدوي في الآخر " لان نجاسة ذلك الكأس المعين أصبحت معلومة بالتفصيل ونجاسة الآخر أصبحت مشكوكة شكا إبتدائيا بعد أن زال العلم الاجمالي، فيأخذ العلم التفصيلي مفعوله من الحجية وتجري بالنسبة إلى الشك الابتدائي أصالة البراء ة أي القاعدة العلمية الثانوية التي تجري في جميع موارد الشك الابتدائي.
موارد التردد:
عرفنا أن الشك إذا كان بدويا حكمت فيه القاعدة العملية الثانوية القائلة بأصالة البراء ة، وإذا كان مقترنا بالعلم الاجمالي حكمت فيه القاعدة العلمية الاولية. وقد يخفى أحيانا نوع الشك فلا يعلم أهو من الشك الابتدائي أو من الشك المقترن بالعلم الاجمالي - أو الناتج عنه بتعبير آخر -؟
ومن هذا القبيل مسألة دوران الامر بين الاقل والاكثر كما يسميها الاصوليون، وهي أن يتعلق وجوب شرعي بعملية مركبة من أجزاء كالصلاة ونعلم باشتمال العملية على تسعة أجزاء معينة ونشك في إشتمالها على جزء عاشر ولا يوجد دليل يثبت أو ينفي، ففي هذه الحالة يحاول الفقيه أن يحدد الموقف العملي فيتسأل هل يجب الاحتياط على المكلف فيأتي بالتسعة ويضيف إليها هذا العاشر الذي يحتمل دخوله نطاق الواجب لكي يكون مؤديا للواجب على كل تقدير أو يكفيه الاتيان بالتسعة التي يعلم بوجوبها ولا يطالب بالعاشر المجهول وجوبه؟ وللأصوليين جوابان مختلفان على هذا السؤال يمثل كل منهما إتجاها في تفسير الموقف، فأحد الاتجاهين يقول بوجوب الاحتياط تطبيقا للقاعدة العملية الاولية، لان الشك في العاشر مقترن بالعلم الاجمالي، وهذا العلم الاجمالي هو علم المكلف بأن الشارع أوجب مركبا ما ولا يدري أهو المركب من تسعة أو المركب من عشرة - أي من تلك التسعة بإضافة واحد -؟ والاتجاه الآخر يطبق على الشك في وجوب العاشر القاعدة العملية الثانوية بوصفه شكا إبتدائيا غير مقترن بالعلم الاجمالي، لان ذلك العلم الاجمالي الذي يزعمه أصحاب الاتجاه الاول منحل بعلم تفصيلي، وهو علم المكلف بوجوب التسعة على أي حال لانها واجبة سواء كان معها جزء عاشر أو لا، فهذا العلم التفصيلي يؤدي إلى إنحلال ذلك العلم الاجمالي، ولهذا لا يمكن أن نستعمل الصيغة اللغوية التي تعبر عن العلم الاجمالي، فلا يمكن القول بأننا نعلم إما بوجوب التسعة أو بوجوب العشرة، بل نحن نعلم بوجوب التسعة على أي حال ونشك في وجوب العاشر.
وهكذا يصبح الشك في وجوب العاشر شكا إبتدائيا بعد إنحلال العلم الاجمالي فتجري البراء ة. والصحيح هو القول بالبراء ة عن غير الاجزاء المعلومة من الاشياء التي يشك في دخولها ضمن نطاق الواجب كما ذكرناه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|