أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
896
التاريخ: 4-9-2016
508
التاريخ: 2-9-2016
477
التاريخ: 2-9-2016
1022
|
أما شرح كبرى السراية إلى الفرد وعدمها فبأنّ قصارى ما يتخيل في وجه عدم السراية هو: ان الامر أو غيره من الاحكام إنما يتعلق بالعنوان قبل وجوده، وان ظرف وجوده خارجا ظرف سقوط حكمه وحينئذ يستحيل سراية الحكم من الطبيعي إلى فرده المساوق لوجوده خارجا، بل لا بد وان يقف الحكم على العنوان بلا سرايته إلى الفرد أصلا، مضافا إلى ان صرف الطبيعي الجامع بين الأفراد قابل للصدق على كل واحد، فقبل التطبق على الفرد كانت القابلية محفوظة فيه وصالح لأن لا ينطبق على كل [فرد] معين يفرض، لصلاحيته للانطباق على غيره، ففي هذا الظرف لا انطباق في البين كي يصير ساريا إليه، وفي [ظرف] الانطباق الملازم لوجود الفرد فهو ظرف سقوط الحكم فحينئذ أين [الحكم القابل] للسريان من الطبيعي إلى فرده؟. هذا غاية البيان لوجه عدم السريان.
أقول: لا شبهة في أن لازم انتزاع الطبيعي من الخارج كون الفرد بوجوده الخارجي حاويا للطبيعي والا فيستحيل انتزاع الطبيعي من الخارج إذ ليس في الخارج إلا فرده وحينئذ لازمه أنه لو فرض تصور الفرد المزبور - ولو قبل وجوده - لابد وان يجئ في الذهن صورة منه قبال ما هو حاو للطبيعي خارجا، فهذه الصورة قهرا فيها جهة متحدة مع الطبيعي وجهة زائدة عنها بها قوام خصوصيتها وتشخص الطبيعي بها، وحينئذ الحكم القائم بالطبيعي قبل وجوده لو عرض على تلك الجهة المحفوظة في الفرد فلا محيص من سريانه إليها وان لم يسر الحكم إلى الخصوصية الزائدة. حينئذ غرض القائل بعدم السراية إلى الفرد: ان كان عدم السراية إليه بوجوده خارجا فهو متين، ولكن لا يجديه في الجواز إذ بعد سرايته إليه بوجوده الذهني - ولو لم يوجد خارجا - يكفي لمنع العقل الجمع بين الأمر بالطبيعي والنهي عن فرده، إذ متعلق النهي أيضا ليس الفرد بوجوده الخارجي، كيف! وهو [ظرف] سقوط جميع الأحكام، بل المتعلق للنهي أيضا هو الفرد بوجوده التصوري الحاكي عن الخارج - لا بوجوده خارجا -.
وان كان الغرض من عدم السراية عدم سرايته إلى الفرد الذهني بشراشر [حقيقته] حتى بخصوصيته المقومة لشخصه، فهو أيضا في غاية المتانة، والقائل بالسراية لا يدعي هذا المقدار، ولكن هذا المقدار ايضا بعد سراية الحكم إلى الجهة الضمنية المحفوظة في الفرد الذي بإزاء وجود الطبيعي خارجا الذي ينتزع منه لا يجديه في دفع امتناع الاجتماع، إذ حينئذ هذه الجهة المتحدة المحفوظة في الطبيعي وفي ضمن الفرد يصير مركب الحكمين المتضادين والعقل يأبى عن مثله. وان كان غرضه عدم سراية حكم الطبيعي حتى إلى الجهة المتحدة معها في ضمن الفرد، فكيف يصدق العقل بأن هذه الجهة البحتة البسيطة المتحدة ذاتا ووجودا ومرتبة مع الطبيعي لا يسري حكمه إليه إذ مرجعه إلى عدم سراية حكم شيء إلى ما هو عين نفسه بجميع الجهات، وبديهي ان العقل يأبى عن ذلك، وحينئذ فتوهم الجمع بين حكم الطبيعي مع حكم الفرد الحاوي لعين الجهة المحفوظة في الطبيعي حتى مرتبة في فرض تضاد الحكمين ببرهان عدم السراية فاسد جدا. نعم لو كان الوجود الخارجي حاويا للفردين من الطبيعتين بحيث لا يكون بينهما جهة مشتركة فان السراية المزبورة [لا تضر] باجتماع الحكمين المتضادين في هذا الوجود لعدم تعدي حكم كل عنوان عما بأزاه من فرده إلى ما بأزاه الآخر من الوجود - كما شرحنا في المقدمة - وبالجملة نقول: إن مجرد الالتزام بعدم السراية حتى في الفردين المتشاركين في جهة واحدة وان يفي بالجواز ولكن عمدة الاشكال في هذه الكبرى كما بينا. نعم على السراية - كما هو المختار - إنما يفي بالجواز الالتزام بالفرض الأخير لا مطلقا - كما لا يخفى وأشرنا إليه ايضا سابقا مفصلا -. هذا كله في الكلام على مبنى عدم السراية وقد اتضح في طي الكلام أيضا شرح المقصد على مبنى السراية أيضا والله العالم. بقي الكلام في شرح صغرى [الصلاة] والغصب بأنهما من أي العناوين المتصورة في الباب.
ولقد أشرنا سابقا أيضا أنه على السراية عمدة البحث ومركز الجدال في [هذه] الصغرى من أنها تحت أي [واحدة] من الكبريات المتقدمة. فنقول: ان قصارى ما يتخيل في المقام جعل المورد تحت المقولتين وكون الوجود الواحد حاويا للحيثيتين الممتازتين [بتمامهما] عن [الاخرى بخيال]: ان الصلاة من مقولة الفعل أو الوضع أيضا، والغصب من مقولة الاضافة القائمة بها، نظرا إلى أنه عبارة عن اشغال مال الغير أو الاستيلاء عليه - ولو بوضع يده عليه - واليه أيضا يومئ تعريفاتهم للغصب في كتابه - كما لا يخفى على من راجع -. وعليه فلا [ترتبط إحدى] الجهتين والحيثيتين [بالأخرى]، ولازمه عدم سراية الحكم من حيثية إلى حيثية، - ولو بنينا على سراية الحكم من الطبيعي إلى الفرد -، ولازمه دخول الصلاة في المغصوب في صغريات كبرى العنوانين المنتزعين من مقولتين، واليه أيضا نظر من قال بأن [الجهتين] في مثل هذا المورد تقييديتان بلا سراية الحكم من جهة إلى جهة. أقول: أولا جعل المقام من باب المقولتين - مع فرض دخوله في عنوان البحث من اجتماع الحيثيتين في وجود واحد - فرع عدم الالتزام بحظ وجود للإضافة، أو الالتزام بكون الأعراض القائمة بمعروضاتها من مراتب وجود معروضها ومكملاتها، وإلا لازمه تركب المجمع من الوجودين بنحو الانضمام في الوجود، ولازمه خروج أمثال هذه الفروض [عن] عنوان البحث من فرض انطباق العنوانين على وجود واحد واتحادهما مصداقا ووجودا - كما أشرنا إليه في صدر المبحث .
ثم مع الغض عنه وصرف النظر عن احتمال كون الغصب عبارة عن الفعل الشاغل - لا الإشغال - إن هذا المقدار لا يفي لإثبات مدعاه من الجواز، لأن الصلاة حينئذ كانت مما به الاشتغال وبديهي ان حرمة الاشغال يسري إلى ما هو مقدمته ومعروضه حيث إنه بمنزلة العلة التامة له، ولئن اغمض عن ذلك أيضا نقول:
إن وجه حرمة الفرد المزبور ليس منحصرا بعنوان الغصب، بل من المحرم عنوان التصرف في مال الغير، وبديهي أن التصرف المزبور عبارة عن القيام فيه والقعود وغيرهما فقهرا يتحد مثل هذا العنوان مع الصلاة حيثية ووجودا. ومع الإغماض عنه أيضا نقول: إن من البديهي ان منافع كل أرض أو دار عبارة عن قيام فيه و[قعود]، وان ايجادها من الغاصب عبارة عن استيفائه [اياها] وهذه الإستيفاءات حيث كانت بلا إذن من السلطان عليها بنفسها كانت حراما على مستوفيها ولازمه حينئذ أيضا توجه الحرمة إلى عين قيامه وقعوده في المغصوب وهو الذي كان الأمر بالصلاة أيضا متوجها إليها، وحينئذ لا يبقى مجال توهم في مثل هذا المثال المعروف بجعله من سنخ كبرى المقولتين، ولا من سنخ اختلاف كبرى الحيثيتين بتمام الحقيقة والمرتبة كي يصير التركب فيه انضماميا وجودا أو حيثية وجهة، وكون [الجهتين] فيهما [تقييديتين] بلا شركة بين العنوانين في جهة من الجهات وجودا أو مرتبة، بل لا محيص من كونهما من مصاديق العنوانين الأخيرين من السابقة من حيث كونهما [مشتركتين] (1) في جهة من الجهات و[متحدتين] (2) في حيثية من الحيثيات وبهذه الملاحظة تكون الجهتان فيه [تعليليتين] ولو بملاحظة صيرورة الجهات متحدة فكانا من هذه الجهة بمنزلة التعليل في هذه السراية، وبتلك المناسبة سميت الجهتان [تعليليتين]، لا أن المقصود كون الجهات الزائدة خارجة عن مركب الحكم بالمرة، وان تمام الموضوع هو هذه الجهة المشتركة كسائر الجهات التعليلية، كيف! ومن البديهي ان الجهات الزائدة من الجهة المشتركة أيضا مأخوذة في عنوان الموضوع فكانت داخلة فيه لا خارجة، وبهذه الملاحظة كانت الجهات الزائدة أيضا من الجهات التقييدية المأخوذة في عنوان كل موضوع، غاية الأمر بواسطة اشتراكهما في جهة واحدة ضمنية صارت بمنزلة السبب لسراية الحكم من العنوان إلى هذه الجهة الضمنية المتحدة. نعم ليست من الجهات التقييدية المفارقة كل منهما عن الآخر بتمام الحيثية كما إليه نظر القائل بالجواز في جعل الجهتين تقييديتين، وان كان الأمر فيه سهلا بعد وضوح المرام، والا كان الاولى جعل مركز البحث بعد تسليم كون الجهتين تقييديتين [في انه] هل هما من باب اشتراكهما في جهة ضمنية أم ليس بينهما جهة مشتركة أصلا، لا أن الجهتين تقييديتان أم [تعليليتان] فتدبر حتى لا يختلط عليك الأمر ولا يختلج بخاطرك توهم جواز اجتماع الحكمين بمقتضى اطلاق العنوانين في المجمع في أمثال هذه الأمثلة [المتحد فيها العمل] العبادي مع التصرف في مال الغير واستيفاء منفعته والله العالم بحقائق أحكامه. وينبغي التنبيه على أمور:
منها: انه على القول بالجواز بمناط عدم السراية من الطبيعي إلى فرده أمكن دعوى الفرق بين مقام المحبوبية والمبغوضية وبين الارادة الفعلية والكراهة، إذ في عالم المحبوبية والمبغوضية لا مانع في الجمع بين محبوبية الطبيعة ومبغوضية الفرد حتى مع عدم المندوحة وانحصار أمر الطبيعة بالفرد الحرام، وهذا بخلاف مقام الارادة الفعلية، إذ مع انحصار الأمر بالفرد المحرم وتوقف امتثال الطبيعة بإيجاد فرده يستحيل حينئذ فعلية الارادة بإيجادها مع فرض [تعلق] الارادة الفعلية أيضا بترك فردها المنحصر بالمحرم. نعم [مع] وجود المندوحة لا بأس بالجمع بين فعلية الارادة بالطبيعة والكراهة [لفردها غير] المنحصر به، والى مثل هذه الصورة نظر من قال باشتراط المندوحة في مركز البحث. وأما على القول بالجواز بناء على السراية المزبورة ومكثرية الجهات في الموجود، أمكن دعوى عدم اجتماع الارادة والكراهة في الوجود الواحد حتى مع وجود المندوحة، فضلا عن عدمها، وذلك لأن الجهتين في الوجود الواحد إذ كانا من قبيل المتلازمين يستحيل تعلق الحكمين الفعليين المتضادين بهما فلا يمكن حينئذ التشبث بإطلاق العنوان بالنسبة إلى حيث الوجود لمثله بل لا محيص من تقييد العقل المتعلق للوجوب بفرد آخر مباح، وعليه فاشتراط المندوحة لمثله في مركز البحث لغو صرف. كما أن دعوى القائل بالجواز بان الاجتماع مأموري لا آمري، في غير محله لو اريد اجتماع الخطابين مضمونا، إذ لا يكاد يتم هذا البيان، لا في الجواز بمعنى عدم السراية، ولا بمعنى السراية ومكثرية الجهات، إذ على الأول فلا يكون اجتماع حتى من المأمور، وأما على مكثرية الجهات والسراية فيكون الاجتماع آمريا أيضا بالنسبة إلى مرتبة الارادة - ولو مع وجود المندوحة كما عرفت - وبالنسبة إلى مرتبة المحبوبية والمبغوضية أيضا يكون الاجتماع آمريا أيضا في فرض اتحاد الفردين في جهة مشتركة، وفي فرض عدم اشتراكهما في تلك الجهة فلا يكون الاجتماع مأموريا أيضا إذ لا اجتماع في معروضي الحكمين على هذا الفرض - من دون فرق في هذا المقام أيضا بين وجود المندوحة وعدمه -. نعم أمكن الفرق في مرتبة الارادة بين صورة وجود المندوحة وعدمه من جهة اخرى [هي]: ان في فرض المندوحة يصدق أن الآمر ما ألقى المكلف فيما لا يطاق، وإنما هو أقدم لسوء اختياره في امتثال الأمر في الفرد الحرام، بخلافه في فرض عدم المندوحة بأن الشارع ألقى المكلف بخطابيه فيما لا يطاق وهذه الجهة غير [مرتبطة] بمقام الاجتماع الآمري والمأموري في مضمون خطابه.
نعم لو اريد من الاجتماع في المقام هو الاجتماع في عالم الامتثال لا الاجتماع بين الأمر والنهي كان للتفصيل المزبور وجه فتدبر كي لا يختلط الأمر عليك. ومنها: انه بعد ما عرفت من فحاوي كلماتنا بل في مسألة تعلق الأوامر بالطبائع أو الأفراد: ان امثال هذه الصفات الوجدانية من الارادة والكراهة كالعلم والجهل بل والتمني والترجي وأمثالها لا يكاد أن يتعلق بالوجود خارجا، وانما مركزها العناوين بما هي حاكيات عنه لا بما هي هي أيضا ومآلها الي الوجودات الزعمية لا الحقيقية الخارجية. ظهر لك أن في باب تعلق الاحكام لا يبقى مجال للبحث في حقيقة الوجود وأنه أصيل أم ليس بأصيل، إذ مثل هذا البحث غير مرتبط بباب موضوعات الأحكام بالمرة. كما أن البحث عن أصالة الماهية قبال أصالة الوجود أيضا [اجنبي] عن موضوعات الاحكام التي ليست مثل هذه الماهيات الأصلية بما هي هي في قبال الوجود، بل بما هي حواك عن الوجود ومرائي لها على وجه لا يرى بينهما اثنينية أصلا، علاوة عن أن العناوين المأخوذة في طي الاحكام غالبا ليست من المهيات الأصلية المأخوذة من جنس مخصوص وفصل كذلك بل هي من مقدرات تلك المهيات ومحدداتها بحد اعتباري مخصوص مع كون العنوانين ربما يكونان من مقولة واحدة - كما أشرنا سابقا - وحينئذ جعل البحث عن أصالة الوجود أو الماهية من مقدمات هذه المسألة ليس الا تبعيدا للمسافة بلا داخله في تمامية المسألة نفيا أم إثباتا - كما لا يخفى -. ومنها: انه بناء على مسلكنا من عدم امكان توجه المحبوبية والمبغوضية إلى جهة واحدة، قد يستشكل في العبادات المكروهة خصوصا فيما لا بدل لها إذ فيها (3) كان مجال توهم الاجتماع الآمري. وتوهم أن الكراهة الفعلية غير [مضرة] بالتقرب بالإتيان بداعي التوصل به إلى الغرض الأصلي كما هو أحد المقربات في باب المقدمة على ما عرفت، لأنها (4) [لا تصلح] للمبعدية كي [تزاحم] جهة التقرب به، مدفوع بان الكراهة الفعلية أيضا موجبة للعتاب، وفيه أيضا مرتبة من المبعدية المضادة مع التقرب بمثله، وحيث إن الكراهة الفعلية - حسب الفرض - تلازم عدم الأمر لأن الاحكام بأسرها متضادة لا يكون التقرب المزبور أقوى موجبا عن البعد الناشئ عن الكراهة المسطورة. ومن هذه الجهة ربما استظهر القائل بالجواز وجعل ذلك برهانا على مدعاه، كما أن القائل بالامتناع وقع من هذه الجهة في حيص وبيص، ورفع اليد عن عنوان الكراهة الفعلية، وجعل الكراهة في العبادات بمعنى أقلية الثواب ولو لمزاحمة المفسدة [غير] اللازمة (5) لمرتبة (6) من المصلحة التي طبع العبادة [مقتض] لها، فصارت العبادة المزبورة أقل ثوابا عما يقتضيه طبعها في فرد آخر، كي لا يرد عليه أن بعض العبادات أقل ثوابا عن بعض آخر ومع ذلك لا يسمي مكروها، إذ قلة الثواب لقصور الاقتضاء غير مرتبط بقلته لمزاحمة مصلحته مع المفسدة [غير] الملزمة، وما هو قابل لإطلاق الكراهة عليه هو الأخير دون الأول. ولكن التحقيق في المقام أيضا الالتزام بالكراهية الفعلية مع عدم اضراره برجحان العمل الموجب للتقرب به، وتوضيح ذلك يقتضي طي الكلام تارة فيما له بدل من العبادة المكروهة، واخرى فيما لا بدل له. أما الكلام فيما له بدل - كالصلاة في الحمام أو في مكان التهمة - فنقول: إن المفسدة [غير] الملزمة إذا قامت في الصلاة المخصوصة فلا شبهة في أن مصلحة ذات الصلاة الجامع بينه (7) وبين غيره سارية إلى هذا الفرد من جهة ما فيها بما هو جامع لا من حيث خصوصه كما هو الشأن في كل أمر بالطبيعة بالإضافة إلى خصوصيات الافراد حيث لا يسري الامر منها إليها، وبعد ما يسري الأمر إلى الفرد من جهة الحيثية الجامعة فقهرا يصير المفسدة [غير] الملزمة بالإضافة إلى هذه الحيثية مغلوبة غير مؤثرة، فيصير هذا الفرد من الحيثية الجامعة الصلاتية محبوبا، وأما بالنسبة إلى الخصوصية الفردية باق على تأثيره في المبغوضية، وحينئذ نقول: إن هذه المصلحة الملزمة - وان [تزاحم] المفسدة [غير] الملزمة بالنسبة إلى حيثية الطبيعة المحفوظة في الفرد، و[تصير] المفسدة في [تأثيرها مغلوبة] - ولكن لا يزاحم مصلحة الجامع المفسدة القائمة بخصوصية الفرد، لا في مقام التأثير ولا الايجاد، إذ بترك هذه الخصوصية لا يفوت مصلحة الجامع، فمقتضى حكم العقل بالجمع بين الغرضين حكمه بترك الفرد المخصوص بترك تنزيهي والإتيان بالجامع في غير هذا الفرد، ولا نعني من الكراهية الفعلية لهذا الفرد إلا هذا، مع عدم منافاته بالتقرب بهذا الفرد من حيث ما فيه من الجامع الراجح ليس الا لأن المفروض بقاؤه على رجحانه ولكن لا يحكم العقل حينئذ بالتخيير بينه وبين غيره من الافراد بنحو التخيير في غير المقام، لأن التخيير المزبور إنما نشأ من عدم ترجيح بين الافراد وتساويها في عالم الايجاد، وأما مع وجود مرجح فعلي ولو تنزيهي فالعقل لا يحكم إلا بترجيح ذي المزية بمقدار مزيته من الكراهة المصطلحة المفروضة في المقام وهو المقصود والمرام، هذا كله فيما له بدل. وأما فيما لا بدل له - كالصلاة في أوقات مخصوصة - فيمكن دعوى أن الكراهة الفعلية متوجهة فيها إلى ايقاعها في وقت خاص على وجه يكون المبغوض كينونته في الظرف الكذائي مع حفظ المحبوبية في نفس ذاته ولم يكن (8) مأمورا به بأمر فعلي ولو استحبابا لفرض تعلق الكراهية المصطلحة بلازم وجوده بلا احتياج فيها أيضا إلى الالتزام بأقلية الثواب، وان لم يكن فيه أيضا محذور. وبالجملة نقول: إن ظاهر تعلق النهي بنفس العمل ينافي فعلية رجحانه، فالأمر يدور بين رفع اليد عن الظهور في الكراهية بحمله على أقلية الثواب بمقتضي ما أسلفناه، أو رفع اليد عن ظهور تعلق النهي بالعمل بالمقيد وصرفه إلى حيث تقييده واخراج العمل بذاته عن حيز النهي فبقي النهي حينئذ على ظهوره من الكراهة المصطلحة. وربما ترجح هذا الوجه قوة ظهور النهي في الكراهة المصطلحة وبعد حمله على أقلية الثواب - وان كانت الكلمات [تساعده] - وعلى أي حال لا يبقى في البين مجال لتوجهات اخرى في المقام: بإرجاع النهي إلى مطلوبية نفس الترك، أو جهة اخرى ملازمة لتركه، إذ مثل هذه أيضا ينتج مبغوضية الفعل أو أجنبية المنهي عن هذا العمل، بل غاية الأمر كونه لازمه ولا مجال للمصير إلى الطرفين - كما لا يخفى - فتدبر.
ومنها: أن مقتضى اطلاق الخطابين شمول الحكم بجميع مباديه للمجمع غاية الأمر لابد من رفع اليد عن حجية هذا الظهور في فعلية الارادة والكراهة مطلقا، بل عن فعلية المحبوبية والمبغوضية أيضا على الامتناع (9) وأما ظهورهما في جود المصلحة والمفسدة في المجمع فلا مانع عن بقاء الاطلاقين [بحالهما] وأشرنا سابقا أيضا بأن مثل هذا التقريب في اثبات الاقتضاء في العنوانين أولى عن التعبير بإطلاق المادة دون الهيئة، إذ بعد اتصال أحدهما بالآخر - خصوصا مع تبعية أحدهما للآخر - لا مجال للتفكيك بينهما اطلاقا وعدمه عرفا، ولا أقل من صلاحية كل منهما [للقرينية] في غيره، فلا مجال للتفكيك بينهما في مقام الاستظهار - كما لا يخفى - وهذا بخلاف مسلكنا الراجع إلى التفكيك في ظهور واحد في أنحاء مدلوله من حيث الحجية، إذ هو غير عزيز، كما هو الديدن في موارد الجمع بين الظواهر خصوصا في الاطلاقات والعمومات، وذلك هو الوجه أيضا في بقاء العام على الحجية في الباقي بعد التخصيص - كما لا يخفى على من راجع المسألة و[نظائرها] - وحيث كان الأمر كذلك فلا محيص من جعل هذه المسألة من صغريات باب التزاحم الذي يكون المناط في ترجيح أحد الخطابين بقوة مناطه لا بقوة سنده، فربما يقدم [الاقوى] مناطا في أمثال المقام على ما هو أقوى سندا. وتوهم ارجاع المسألة - لمحض تزاحمهما في التأثير من حيث الرجحان لدى المولى - إلى باب التعارض، وتخصيص باب التزاحم بالمتضادين وجودا - كما توهم - لا يفهم له وجه، عدا ما افيد: بأن تزاحمهما في مثل المقام في التأثير موجب لكون زمام بيان ما هو راجح فعلي لدى المولى بيده، وربما يوكل أمر بيانه إلى ما هو أقواهما سندا. وهذا بخلاف ما يكون بينهما تزاحم في التأثير كالمتزاحمين فانه حينئذ ليس أمر تعيين مرامه بيده إذ هو مبين، فلا محيص حينئذ من [ايكال] أمر تزاحمه إلى العقل المستقل بالأخذ بما هو أقوى مناطا لا سندا ، وهو فاسد جدا. وذلك لأنه الاطلاقين بعد فرض ظهورهما في أصل الاقتضاء في الطرفين، وفرضنا أنه لا مانع في تأثير كل واحد إلا تمانعهما في التأثير فكيف للمولى ترجيح [أقواهما] سندا على أقواهما مناطا في فرض احراز الاقوائية لدى العقل. نعم للمولى ذلك لو فرض احتمال وجود مانع آخر عن تأثير الأقوى بنظر العقل إذ العقل حينئذ منعزل عن الحكم في هذه الصورة، ولكن ذلك خلاف الفرض وخلاف ظهور اطلاق الخطابين في الفعلية من جميع الجهات غير جهة تزاحم المقتضيين في تأثيرهما فقط، إذ حينئذ ليس العقل منعزلا عن حكمه بالأخذ بأقواهما مناطا، وفي مثله ليس للشارع الحكم على خلافه، لأن حكم العقل في هذه الصورة تنجيزي - كما هو ظاهر - فتدبر.
وكيف كان [فلا شبهة] في ادخال المقام في باب التزاحم واجراء أحكامه فيه من الأخذ باقواهما مناطا - ولو كان أضعف سندا عن غيره - فباب التعارض منحصر بصورة تكاذب الخطابين في أصل الاقتضاء أيضا زائدا عن الفعلية، إذ حينئذ زمام بيان ما فيه من الحكم باقتضائه بيده والعقل في مثله منعزل عن الحكم، وله حينئذ ايكال بيان مرامه بالأخذ بما هو أقوى سندا كما هو شأن المتعارضين من النصوص. نعم هنا كلام آخر في أن الاصل في كل خطابين واردين على مورد واحد هو التزاحم أو التعارض؟ وفي هذا المجال أيضا مقتضى التحقيق أن يقال: إن كل مورد تعلق [الخطابان] بعنوان واحد، طبع كل خطاب يقتضي الردع عن نقيضه، كما أن الظاهر من كل خطاب أيضا نفيا واثباتا ثبوت مباديه في متعلقه أو عدمه، ولازم اقتضائه عدم النقيض سلب جميع مباديه عنه. كما أن الظاهر من ثبوته وجود جميع مباديه فيه.
وحينئذ يقع المطاردة بين الخطابين في عالم الاقتضاء أيضا، ولا نعني من تكاذبهما في عالم الاقتضاء إلا ذلك فيجرى عليه أحكام التعارض - كما أسلفناه -. وأما لو كان [الخطابان] [متعلقين] بعنوانين - ولو كانا مشتركين في جهة - فلا شبهة في أن كل خطاب لا يقتضي إلا المنع عن نقيض متعلقه بلا نظر منه إلى نقيض المتعلق الآخر، ونتيجة منعه المزبور أيضا منع الاقتضاء في نقيض عنوانه بماله من الخصوصية فيبقى العنوان الآخر على اقتضاء خطابه بلا موجب لتكاذبهما في أصل الاقتضاء، فيبقى كل منهما على [ظهوره] في ظهور (10) الاقتضاء في عنوانه، وباطلاقهما يحرز الاقتضاء في مجمعهما. ولا يقال: بأن لازم نفي الاقتضاء في نقيض كل عنوان عدم امكان الأخذ باطلاقهما في المجمع واحراز الاقتضائين في مثله. لأنه يقال: إن غاية اقتضاء خطاب كل منهما عدم اقتضاء في نقيض عنوانه، ومعلوم أن نقيضه بقلب العنوان بخصوصه لا بقلب كل جزء جزء من العنوان، فلا يقتضي الخطاب المزبور إلا سلب الاقتضاء في نقيض المجموع، ولا ينافي هذا ثبوته في جزء من أجزاء الطرفين بإطلاق خطابيهما. وحينئذ لا محيص من تفصيل المسألة بين صورة تعلق الخطابين بعنوانين [مستقلين] يكون أحدهما بحسب العنوان غير الآخر، فيجري في مثله حكم التزاحم، وأن الاصل فيه هو التزاحم إلى ان فيهم خلافه، وبين صورة تعلق الخطابين بعنوان واحد [فانه] لا محيص من اجراء حكم التعارض عليه وهو الأصل فيه إلى ان يفهم خلافه. وربما يلحق بذلك أيضا صورة كون العنوان المأخوذ في أحد الخطابين جزء لموضوعه وفي الآخر تمامه، فان الخطاب المتعلق بتمامه أيضا يمنع عن النقيض بجميع مباديه في موضوعه وهو يمانع اقتضاء الحكم ولو في جزئه فيجري عليه أيضا حكم التعارض كما هو الشأن في غالب العموم والخصوص المطلق. نعم لو فرض بين العنوانين المختلفين مثل هذه النسبة فلا بأس بإجراء حكم التزاحم عليه، ولكن قل ما يتفق من العمومات والخصوصات المطلقة من هذا القبيل، كما ان الغالب [هو أن] ما كان 0الأصل في مثل العامين من وجه هو التزاحم، كما أن الأصل في العموم المطلق غالبا هو التعارض. ولعمري أن المغروس في الاذهان في أبواب الفقه أيضا هو الذي ذكرناه من التفصيل المزبور، وعليك بالمراجعة في أبواب الفقه، [لترى] ديدن الاعلام [و] تجدهم أنهم لا يتعدون أيضا مما ذكرنا من التفصيل. فتدبر وافهم. ومنها: ان من لوازم باب التزاحم انه لو فرض تعلق الجهل به من قصور لا يكون مخالفة خطابه مبعدا فيبقى الخطاب الآخر على مقربيته بلا مزاحم. هكذا قيل واشتهر في ألسنتهم. ولكن نقول: إنه لو اريد به التقرب بمضمون الخطاب من حيث المحبوبية والرجحان لدى المولى فهو فاسد جدا، لأن الجهل بخطاب لا يغير الواقع ومضمون الخطاب عما هو عليه من المرجوحية، وحيث فرضنا في مقامنا امتناع الاجتماع ويغلب جانب النهي على الامر [فيبقى] العمل مبغوضا واقعيا بلا تغيره عما هو عليه بجهله قصورا أم تقصيرا.
نعم لا بأس حينئذ بالتقرب به من حيث قصده التوصل به الا غرضه - كما عرفت ذلك في باب المقدمة - ولكن ليس ذلك نفس مضمون خطابه، بل هو من لوازم مضمونه، فليس مثل هذا التقرب تقربا بخطابه على ما هو ظاهر كلماتهم. وبالجملة لا مجال للتقرب في المقام إلا بهذا النحو أو بدعوة الأمر باعتقاده كما في الجهل المركب بعدم النهي، أو بدعوة الأمر رجاء كما في الجهل البسيط. ولكن هذه كلها من التقربات الانقيادية، ولا بأس بالاكتفاء بمثلها في المقام أيضا بعد عدم قصور في العمل من حيث وجدانه للمصلحة، فلا ينقض بعدم الاكتفاء بمثله في غيره. وعلى أي حال: مثل هذه التقربات أجنبية عن التقرب بمضمون الخطابات الواقعية، إذ مرجوحية العمل واقعا لا يكاد ينقلب بطرو الجهل، وهذه الجهة أيضا [إحدى] لوازم باب التزاحم، ولذا كان المشهور: ان اباحة المكان من الشرائط العلمية، إذ ليس الغرض منه موضوعية العلم في شرطيته، بل المقصود: ان الحرمة لا يكون مانعا عن التقرب به إلا في فرض تنجزه من دون خصوصية للعلم فيه أيضا، بل لو كان جاهلا مقصرا أيضا لكان النهي المزبور مانعا. وتوهم أن مانعية النهي إنما هو من جهة منعه عن قصد القربة بأمره حيث إن بوجوده لا أمر للعالم به كي يقصد به التقرب، بخلاف الجاهل ولو كان مقصرا إذ له التقرب بأمره الاعتقادي أو الرجائي، مدفوع بأن مبعديته مانعة عن مقربية العمل وان لم يمنع عن قصده القربة بخياله، وما هو معتبر في العبادة هو هذه الجهة، لا صرف قصد التقرب - كما لا يخفى -. ومنها: انه لو اضطر إلى الغصب، فان كان قاصرا في اضطراره بارتكابه فلا شبهة في صحة صلاته صلاة الكامل المختار عند عدم تمكنه من الخروج، ويكفي للتقرب به أيضا اتيانه بقصد التوصل به إلى غرض المولى - كما عرفت نظيره في الجاهل - ولا يمكنه في المقام التقرب بأمره ورجحانه، إذ مر أن مبغوضية العمل [لا ترتفع] بطرو الاضطرار عليه - كما لا يخفى -. وتوهم أن العمل وان كان مرجوحا فعلا ولكن له رجحان فاعلي، وذلك المقدار يكفي في التقرب برجحان عمله، كلام ظاهري، إذ الغرض من رجحانه الفاعلي: [ان كان] أن الفاعل [ذو] طينة حسنة فذلك غير مرتبط برجحان العمل. وان كان الغرض ان العمل من حيث صدوره عن هذا الفاعل راجح، فلا معنى لقبحه الفعلي، كيف! ومرجعه إلى التفكيك بين ايجاد العمل ووجوده، وبعد اتحادهما خارجا فلا معنى لرجحان أحدهما ومرجوحية الآخر. وان كان الغرض رجحان نفس صدوره منه الذي مرجعه إلى اضافة الفعل إلى الفاعل فلا شبهة في أنه أيضا أجنبي عن التقرب بالعمل الذي هو عبادي دون حيث اضافته إلى الفاعل - كما هو واضح -. وبالجملة لا قصور في التقرب بالعمل من حيث قصده - ولو ارتكازا - كونه بصراط تحصيل مرام المولى وغرضه. ثم إن ذلك كله حكم صورة بقائه في المغصوب وعدم تمكنه من الخروج. وأما صورة تمكنه منه فلا شبهة حينئذ في وجوب المبادرة إلى الخروج كي لا يستلزم من بقائه ازدياد الغصب. ومرجع وجوب المبادرة إلى الخروج في الحقيقة إلى حرمة ارتكاب الغصب الزائد، حيث إن بقاءه ملازم لازدياد الغصب. وحينئذ فهذا الوجوب ليس وجوبا شرعيا، بل هو من باب لا بدية ترك الملزوم بملاحظة حرمة [اللازم].
فتوهم وجوب التخلص حينئذ شرعيا بل ومحسنا بحسن ملزم عقلي ليس في محله، إذ ذلك إنما يتم لو كان الخروج مقدمة لترك الغصب وهو ليس كذلك جزما. كيف! وهو ضد البقاء في المحل، وهما (11) في رتبة واحدة - كما عرفت في باب الضد - بل البقاء في المحل أيضا لو كان بمقدار خروجه زمانا ليس حراما شرعيا، إذ هو أيضا ملازم لارتكاب الغصب الزائد، لا مقدمة، فلا يقتضي حرمة [ارتكاب] الغصب الزائد أيضا حرمة بقائه، كما هو الشأن في كلية المتلازمات في الوجود. وحينئذ من نتائج ذلك عدم مانع عن صحة [صلاة] الكامل [المختار] ببقائه هذا في الدار وعدم خروجه مع تمكنه منه في سعة الوقت، إذ هذا المقدار من الزمان مقهور في غصبه ولم يكن معاقبا عليه من الأول، فلا يكون هذا المقدار من الغصب مبعدا في حقه وانما المبعد هو لازمه من الغصب الزائد عن هذا المقدار من الزمان لكونه تحت اختياره ولو باختيار ملزومه من البقاء المزبور. وعليه فلا قصور في اتيان [صلاة] الكامل المختار في هذا المقدار من البقاء وان استلزم ذلك غصبا زائدا حراما. نعم لو كان زمان الخروج أقل من البقاء بمقدار [صلاة] الكامل المختار كان بقاؤه حينئذ بالمقدار الزائد عن زمان الخروج مبعدا ولا يجوز شرعا، ولازمه عدم صحة [الصلاة] الكامل المختار في هذا المقدار، وحينئذ مع سعة الوقت يجب عليه الصبر ولا يأتي بالصلاة إلى ان يخرج من الغصب ولا يصح منه الصلاة حينئذ في الغصب لا كاملا ولا ناقصا. نعم مع ضيق الوقت يجب عليه في الفرض المزبور الصلاة ماشيا راكعا كذلك وساجدا بإيماء حال مشيه. ولكن لنا أن نقول في الصورة المزبورة أيضا بمقتضي ما ذكرنا أن له بقاءه بمقدار زمان خروجه والاتيان بمقدار من الصلاة كاملا واتيان البقية في الزائد عن هذا الزمان ناقصا في حال المشي. وتوهم أن في هذا الزمان كان الغصب مبعدا في حقه مع تمكنه عن اتمام صلاته - ولو ناقصا - بلا غصب مبعد، فيبطل هذا المقدار منه - ولو ناقصا - فلا مصحح لصلاته [هذه] مدفوع بقياس المقام بصورة ارتكاب الغصب من الأول بسوء اختياره فان بناءهم في ضيق الوقت على اتيان الصلاة ماشيا - بنحو أشرنا - ولا فرق في مبعدية الغصب بين كونه من الأول بسوء اختياره أو من الحين باختيار بقائه. كما أن لنا [كلاما] أيضا في الصلاة بالنحو المزبور في فرض مبعدية الغصب من الأول أيضا مع ضيق الوقت، إذ لازم مبعدية الغصب وتقديم حق الناس على حق الله خروج الأكوان عن الجزئية ورجوع الصلاة في حقه إلى الاشارات المعهودة كصلاة الغريق، وذلك أيضا جمعا بين ترك الغصب وعدم ترك الصلاة بحال. وتوهم ان ما هو تحت اختياره من الأول هو ترك الغصب بترك الدخول، وأما تركه بترك الخروج فمن الأول خارج عن اختياره فلا يكون نقيض هذا الترك مبعدا، وإنما المبعد هو نقيض الترك بترك الدخول، والمفروض انه بالعصيان بالدخول سقط النهي السابق، فلا يكون في طرف الخروج نهي مبعد، فلا مانع حينئذ من حفظ الاجزاء [غير] المانعة عن الخروج.
نعم المانع عنه لابد وان [يلغى] لأن مثله أيضا تحت النهي من الأول المقدور امتثاله فيكون مبعدا ومنهيا فعلا. مدفوع بأن ما افيد من التفكيك بين أنحاء التروك في المبعدية من جهة النهي في غاية المتانة، ولكن نقول: إن سقوط النهي الأولي بسوء الاختيار لا يقتضي سقوط المبعدية عما هو نقيض هذا الترك، كما هو الشأن في من القى نفسه عن شاهق، فإذا بقي النقيض المزبور على المبعدية، يكفي هذا المقدار لخروجه عن جزئية الصلاة - كما لا يخفى -، ولازمه هو الذي ذكرنا. ولقد أجاد في الجواهر أيضا حيث احتمل في المقام انتهاء الامر إلى ما ذكرنا من صيرورة تكليفه بالصلاة كتكليف [الغرقى] بها من خروج الأكوان الملازمة للغصب المبعد عن حقيقة الصلاة. فراجع الجواهر (12).
ولكن الظاهر عدم بناء الاصحاب في فرض التقصير وضيق الوقت على ذلك، بل ظاهرهم التزامهم بإتيان الصلاة حال المشي محافظا لأجزائها بمقدار لا يستلزم الغصب الزائد بحيث لو تمكن عن الركوع أيضا ماشيا يركع [يومئ] في سجوده ولا يقعد في تشهده وسلامه. كما أن بناءهم أيضا في فرض القصور في غصبه - ظاهرهم - عدم صحة صلاته كاملا حتى في الزمان الملجأ بغصبه الدائر بين خروجه وبقائه في سعة الوقت فضلا عن ضيقه بضميمة التفكيك بين الركعات مثلا من حيث الكمال والنقص - كما أشرنا -. واثبات هذه الدعاوي منهم بمقتضي القواعد في نهاية الإشكال، فلا وجه للمصير إلى ما ذهبوا إليه من التفصيل بين السعة والضيق بترك الصلاة في المغصوب رأسا واتيانها في خارجها في الأول واتيان الصلاة ناقصا حال المشي الخروجي محافظا لأجزائه [غير] الموجب للغصب الزائد في الثاني من دون فرق منهم بين تقصيره في الغصب وقصوره إلا دعوى الاجماع، والا فللنظر فيما اختاروه في هذه الفروض كمال مجال. والله العالم بحقيقة الحال.
__________________________
(1) متعلق بقوله (المزاحمة).
(2) اي بين هذا الفرد وهو الصلاة المخصوصة.
(3) جواهر الكلام 8: 295 و296.
(4) اي في العبادات المكروهة التي لا بدل لها فان التي لها بدل لا مجال فيها لتوهم الاجتماع الآمري لان متعلق المحبوبية فيها هو الجامع ومتعلق المبغوضية فيها هو الفرد فاجتماع المبغوضية والمحبوبية فيها مأموري لا آمري، اما التي ليس لها بدل فيأتي فيها اشكال ان متعلق المحبوبية والمبغوضية فيها واحد فيكون اجتماعها اجتماعا آمريا وهو مستحيل.
(5) اي الكراهة الفعلية.
(6) (ويحتمل أن يكون الصحيح: غير الملزمة).
(7) متعلق بقوله (لمزاحمة).
(8) أي بين هذا الفرد وهو الصلاة والمخصوصة.
(9) اي التقيد وهو ايقاعها في وقت خاص.
(10) وقد سبق التعرض لذلك في التنبيه الأول، والسر في هذا التفصيل بين الارادة والكراهة والمحبوبية المبغوضية أن تعلق الارادة والكراهة الفعليتين بالمجمع مستحيل على كل التقادير اي على تقدير القول بالامتناع كما هو واضح وعلى تقدير القول بالجواز على مبنى عدم السراية من الطبيعي إلى الفرد في صورة عدم المندوحة إذ يستحيل تعلق الارادة الفعلية بالطبيعة المفروض انحصار فردها بالمحرم وتعلق الارادة الفعلية بترك الفرد المحرم في آن واحد، ويستثنى من ذلك صورة وجود المندوحة ولذلك أخذ قيد المندوحة في موضوع البحث على هذا المبنى، وكذلك على تقدير القول بالجواز على مبنى تكثر الحيثيات لان الحيثيتين متلازمتان في الوجود الواحد وبما ان الاحكام متضادة فيستحيل توجه الحكمين الفعليين المتضادين إلى وجود واحد ولو كانا من جهتين، هذا بخلاف المحبوبية والمبغوضية فلا مانع من فعليتهما على القول بالجواز على مبنى عدم السراية إذ لا مانع من الجمع بين محبوبية الطبيعية ومبغوضية الفرد حتى مع عدم المندوحة فضلا عن وجودها. ولهذا فلا حاجة إلى تقييد اطلاق الخطابين بالنسبة إلى مرحلة المحبوبية والمبغوضية بناء على الجواز على مبنى عدم السراية، نعم على القول بالجواز على مبنى القول بالسراية وتعدد الحيثيات لابد من التقييد في مرحلة المحبوبية والمبغوضية أيضا لأن التركيب في المجمع اتحادي لا انضمامي، فان افتراض كون التركيب في المجمع انضماميا خروج عن محل البحث.
(11) الاولى: (في ثبوت الاقتضاء).
(12) أي الضدان.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
في مستشفى الكفيل.. نجاح عملية رفع الانزلاقات الغضروفية لمريض أربعيني
|
|
|