أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2016
794
التاريخ: 10-8-2016
753
التاريخ: 5-9-2016
893
التاريخ: 18-8-2016
861
|
الأدلّة النقليّة من الآيات والرّوايات فهي كثيرة لكلّ من الطرفين، فالجبريّون استدلّوا بطوائف خمسة من الآيات التي تدلّ بظاهرها على أنّ الفاعل إنّما هو الباري تعالى فقط (ولعلّ من مناشيء القول بالجبر هو ظاهر هذا القبيل من الآيات مع الجمود على ظواهرها من دون ملاحظة سائر الآيات والقرائن العقليّة).
الطائفة الاُولى: ما تدلّ على أنّه تعالى خالق لكلّ شيء كقوله تعالى: (ذَلِكُمْ اللهُ رَبُّكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء فَاعْبُدُوهُ)( الأنعام: الآية 102) وقوله تعالى: (أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلْ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء)( الرعد: الآية 16) وقوله تعالى: (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)( الصافات: الآية 96).
والجواب عنها: أمّا الآيتان الأوّليان فالمراد من «كلّ شيء» فيهما إنّما هو الذوات والأعيان الخارجيّة بقرينة أنّ الكلام فيهما وفيما قبلهما من الآيات إنّما هو في خلق السموات والأرض وبقرينة أوائل الآية الثانيّة وهو قوله تعالى {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا } [الرعد: 16] فإنّه وارد في ما اتّخذوه شركاء لله تعالى وليست ناظرة إلى أفعال الإنسان كما لا يخفى.
وأمّا الآية الثالثة فهي أيضاً ناظرة إلى أوثانهم بما هي أوثان وذوات خارجيّة لا بما هي أعمال، والشاهد على ذلك قوله تعالى «ما تنحتون» فإنّ كلمة «ما» هنا موصولة لا مصدريّة، وبالجملة يستفاد من مجموع هذه القرائن أنّ هذا القبيل من الآيات منصرفة إلى الأعيان والذوات الخارجيّة، كما يشهد على ذلك كلمة «شيء» حيث إنّها أيضاً تنصرف إلى خصوص الأعيان غالباً ولا يطلق على العمل.
هذا ـ ولو سلّمنا عموم هذه الآيات بالنسبة إلى الأفعال أيضاً، لكن قد عرفت أنّ إسناد العمل إلى الله تعالى لا يمنع عن إسناده إلى الإنسان نفسه، لأنّ أحدهما في طول الآخر، وهو معنى الأمر بين الأمرين ...
الطائفة الثانيّة: الآيات التي تدلّ على نفي المشيّة عن العبد نحو قوله تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ)( الدهر: الآية 30).
والجواب عنها: أنّ مقتضى مذهب الأمر بين الأمرين عدم استقلال مشيّة العبد عن مشيّة الله تعالى وإن كانت إرادة العبد واختياره في طول ارادته وإنّ الله أراد أن يختار العبد ويريد الفعل الفلاني ...، فمشيّة العبد حينئذ لا تنفكّ عن مشيّة الله أبداً، وهذا لا ينافي الاختيار كما لا يخفى.
الطائفة الثالثة: الآيات التي تدلّ على نفي الفعل عن العباد كقوله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى)( سورة الانفال: الآية 17).
ويمكن الجواب عنها بوجهين:
الجواب الأوّل: أنّ المراد منه نفي استقلال العبد في التأثير وكون الفاعل المستقلّ هو الله تعالى. وبعبارة اُخرى: كما أنّ الوجود بالأصالة مختصّ بذاته تعالى، وغيره موجود بإرادته، فكذلك الأفعال الإنسانيّة منسوبة إلى الله تعالى بالأصالة ومنسوبة إلى العباد بسبب أنّ الله تعالى أعطاهم القدرة والاختيار والقوّة.
الجواب الثاني: أنّ هذا التعبير وارد في شأن غزوة بدر التي تختصّ بالإمدادات الغيبية ونزول الملائكة حيث إنّ القتل إمّا أن يكون قد تحقق بأيدي الملائكة، فسلب القتل عن المقاتلين لا بأس به، وإمّا أن يكون قد صدر من المقاتلين مع نصرة من الملائكة فكذلك يمكن سلب القتل عنهم بهذا الاعتبار، أي لولا الامداد الغيبي ونصرة الملائكة لم تقدروا على شيء، وحينئذ يصدق قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ).
هذا بالنسبة إلى الفقرة الاُولى، وأمّا الفقرة الثانيّة فالمراد منها أنّ تأثير الرمي كان من الله تعالى، أي وما رميت إذ رميت رمياً مؤثّراً، والشاهد على هذا وجود إسنادين في الآية، فكما أنّه تعالى يسند الرمي إلى نفسه يسنده إلى رسوله أيضاً، وهذا يشهد على أنّ المقصود من الرمي الأوّل إنّما هو رمي التراب أو الحصى، ومن الرمي الثاني تأثيرها في قبض عيون الناظرين كما في الرّوايات(1)، وبالجملة الفقرتين كلتيهما تفسّران بالقرينة المقاميّة الموجودة في الآية.
الطائفة الرابعة: ما تدلّ على أنّ الإيمان والعمل بجعل الله تعالى وبمساعدته نحو قوله تعالى: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ)( ابراهيم: الآية 40.) وقوله تعالى: (أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الاْيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوح مِنْهُ)( المجادلة: الآية 22.).
والجواب عنها أوضح من الجواب عن الطائفة السابقة عليها، فإنّها من قبيل التعبير الرائج بيننا من أنّ التوفيق بيد الله، والتوفيق عبارة عن تهيئة أسباب الخير ومقدّمات العمل الصالح على حدّ الاقتضاء والاعداد لا العلّية التامّة كما لا يخفى، وأمّا المراد من كتابة الإيمان فهو إثبات الإيمان واستقراره في القلب، والمستفاد من الآية بقرينة الآيات السابقة عليها أنّ الحبّ في الله والبغض في الله يوجب ثبوت الإيمان ورسوخه في القلب، فهو بمنزلة الجزاء والنتيجة لعمل اختياري صالح للإنسان، أي التولّي والتبرّي في الله، فلا ينافي كونه اختياريّاً، فإنّ ما يكون بعض مقدّماته اختياريّاً اختياري.
الطائفة الخامسة: آيات الهداية والضلالة والتي تسندهما إلى الله تعالى وهي كثيرة:
منها: قوله تعالى: (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)( إبراهيم: الآية 4.).
ومنها: قوله تعالى: (وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)( النحل: الآية 93.).
ومنها: قوله تعالى: (مَنْ يَشَأْ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاط مُسْتَقِيم)( الأنعام: الآية 39.).
ومنها: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)( القصص: الآية 56.).
ومنها: (فَمَنْ يُرِدْ اللهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً)( الأنعام: الآية 125.).
والجواب عنها أيضاً واضح، ولكن قبل بيان الجواب الأصلي والمختار ننقل هنا ما قاله بعض الأعلام في مقام الجواب عنها، وهو أنّ الهداية على معان ثلاثة:
المعنى الأوّل: أنّ الهداية بمعنى إرائة الطريق ومنه قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط مُسْتَقِيم)( الشورى: الآية 52.).
المعنى الثاني: أنّها بمعنى الإيصال إلى المطلوب، ومنه ما مرّ آنفاً من قوله تعالى: (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فإنّ ما على النبي(صلى الله عليه وآله) إنّما هو إرائة الطريق فقط لا الإيصال إلى المطلوب (والمراد من الإيصال اعداد المقدّمات والتوفيق الموصل إلى المقصود).
الثالث أنّها بمعنى ترتّب الثواب على العمل، وتقابلها الضلالة بمعنى حبط الأعمال، ومنه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)( محمّد: الآية 8.).
أقول: إن كان مراده تفسير الضلالة بالمعنى الأخير كما يظهر من بعض كلماته فهو واضح الإشكال، فإنّ كثيراً من آيات الضلالة لا تلائم هذا المعنى ولا دخل لها بمسألة الثواب والعقاب، وإن كان المراد إنّ كلا من هذه المعاني الثلاثة للهداية تقابله الضلالة فهو حقّ لا ريب فيه، فإنّ كثيراً من آيات الضلالة بمعنى سلب التوفيق وعدم اعداد المقدّمات نحو المطلوب كما ذكره كثير من المحقّقين، وهذا أيضاً أمر اختياري، لأنّ التوفيق وكذا سلبه من قبل الله لا يكون بلا دليل بل هو ناش عن بعض أعمال الإنسان الحسنة أو السيّئة أو نيّاته وصفاته الحسنة والخبيثة.
والمختار في الجواب ـ عن مسألة الهداية والضلالة في القرآن ـ هو ما يستفاد من نفس الآيات الكريمة، تارةً: على نحو الإجمال واُخرى: على نحو التفصيل:
فالجواب الإجمالي: ما جاء في ذيل بعض الآيات المزبورة (وهو قوله تعالى: (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) فإنّ قوله «وهو العزيز الحكيم» إشارة إجماليّة إلى أنّ مشيّة الله وإرادته ضلالة بعض العباد وهداية بعض آخر تنشأ من حكمته وعزّته، فإنّ قدرته وعزّته متقاربة مع حكمته ومندرجة فيها، ومشيّته ناشئة من كلتيهما معاً لا من القدرة فقط، فإذا علمنا بأنّ إرادته تنشأ من الحكمة فإضلاله أو هدايته مبنية على ما يصدر من العباد أنفسهم من الأعمال السيّئة أو الحسنة، وعلى أساس ما اكتسبوه من الاستحقاق أو عدم الاستحقاق للهداية والضلالة.
وأمّا الجواب التفصيلي: فهو ما تصرّح به كثير من الآيات من أنّ الهداية أو الضلالة تنشأ ممّا كسبته أيدي العباد وقدّمته أيديهم، فبالنسبة إلى الهداية نظير قوله تعالى:
1 ـ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)( العنكبوت: الآية 69.).
2 ـ (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)( سورة التغابن: الآية 11.).
3 ـ (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالاْرضِ)( الكهف: الآية 13 ـ 14.).
4 ـ (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ)( الرعد: الآية 27.).
5 ـ (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ)( البقرة: الآية 2.).
والمراد من التقوى هنا ظاهراً هو حالة قبول الحقّ وعدم اللجاج.
وبالنسبة إلى الضلالة نظير قوله تعالى:
1 ـ (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ)( البقرة: الآية 26.).
2 ـ (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)( البقرة: الآية 258.).
3 ـ (إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ)( الزمر: الآية 3.).
4 ـ (إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)( المؤمن: الآية 28).
5 ـ (كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ)( المؤمن: الآية 34.).
6 ـ (إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)( المائدة: الآية 67.).
فالمستفاد من الطائفة الأخيرة من الآيات أنّ أسباب الضلالة عبارة عن الفسق والظلم والكذب والكفر والاسراف والريب والاصرار على الكفر، وهي بأجمعها اُمور اختياريّة تصدر من الإنسان وتوجب سلب توفيقه وقدرته على الهداية، فيضلّ عن طريق الحقّ بسوء اختياره، ولا إشكال في أنّ الآيات المطلقة التي تسند الهداية أو الضلالة إلى الله تعالى مطلقاً تقيّد بهذه الآيات طبقاً لقاعدة الإطلاق والتقييد وتفسّر بها، ويستنتج أنّ هدايته فيض من جانبه يفاض على النفوس المستعدّة والقلوب المطهّرة بالأعمال الصالحة، كما أنّ الضلالة عبارة عن قطع الفيض والاستعداد والتوفيق عن النفوس غير المساعدة وذلك بسبب الأعمال السيّئة والنيّات الخبيثة الصادرة عنهم، فهذه الآيات مضافاً إلى أنّها غير دالّة على مذهب الجبر، ظاهرة بل كالصريحة في مذهب الاختيار، لأنّها بعد ضمّ بعضها إلى بعض تدلّ على أنّ الهداية والضلالة ناشئتان من الإنسان نفسه وإن كان ذلك بتسبيب إلهي من باب أنّ الأسباب تستمد قوتها من ساحته المقدّسة، ومن هنا تنسب المسبّبات إليه تعالى أيضاً حقيقة.
_______________________________________
1. فقد ورد في الرّوايات أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي(عليه السلام): «ناولني كفّاً من حصى وناوله ورمى به في وجوه قريش فما بقي أحد إلاّ امتلأت عيناه من الحصى» (تفسير البرهان ذيل الآية 17 من سورة الأنفال) وفي الدرّ المنثور ذيل نفس الآية: «أخذ رسول الله قبضة من تراب فرمى بها».
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|