أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-6-2020
1508
التاريخ: 29-8-2016
2100
التاريخ: 29-8-2016
1762
التاريخ: 1-9-2016
1937
|
المقام الأول في تبعية الأحكام التكليفية بمبادئها للمصلحة في المتعلق ، إذ المصلحة من الأغراض الداعية إلى جعل الاحكام فيكون من مقتضياتها بحيث يكون الحاكم بمباديها من الارادة والاشتياق ناشئا منها ، وتوهم نشوءّها عن المصلحة في نفس الحكم بمباديه خلاف الوجدان إذ الوجدان شاهد عدم توجه الاشتياق إلى شيء بلا لحاظ خصوصية فيه على وجه يرى في رتبة سابقة عن اشتياقه لا لاحقة عنه كما لا يخفى. وتوضيحه بأزيد من ذلك موكول إلى محل آخر.
المقام الثاني ان المصلحة القائمة بشيء تارة [تقوم] بوجود العمل على الاطلاق واخرى [تقوم] به مقيدا بشيء آخر ، وفي الأخير تارة يكون القيد سببا لاتصاف الخصوصية القائمة بالعمل بكونه مصلحة واخرى موجبا لوجودها فارغا عن الاتصاف بكونه مصلحة. وبعبارة اخرى تارة يكون القيد سببا للاحتياج إلى شيء واخرى موجب لوجود المحتاج إليه ولا نعني من المصلحة إلا ما يحتاج إليه الانسان. ولئن شئت توضيح الفرق بينهما فانظر إلى المرض والمنضج بالنسبة إلى شرب المسهل أو دواء آخر فان الأول سبب للاحتياج إليه والآخر سبب لوجوده [فارغا] عن الاحتياج إليه. وحينئذ ظهر لك وضوح اختلاف أنحاء دخل القيود في المصلحة من دون أن يكون دخلها فيها على منوال واحد كما هو ظاهر.
المقام الثالث في أن الانسان بمجرد علمه بوجود المصلحة في شيء بلا مزاحم لمفسدة اخرى فيه يتوجه إليه اشتياقه ولازمه ملاحظة [ما قامت] به المصلحة بجميع حدوده وقيوده. وحينئذ فبأي نحو يكون القيد دخيلا في المصلحة بذاك النحو يكون لحاظه دخيلا في توجه الاشتياق نحوه ولازمه حينئذ أن يلاحظ قيود الاحتياج خارجة عن حيز اشتياقه وتوجه الشوق نحو العمل منوطا بفرض وجوده الطريق إلى خارجه كما هو الشأن في دخله في المصلحة واتصافها بها حفظا لتبعية الاشتياق بشيء لنحو مصلحته فقيودها علاوة عن ان الانسان - مهما أمكن - لا يصير في مقام الاحتياج فما هو علة للاحتياج لا يشتاق إليه جزما. نعم لابد وأن يلاحظ القيد المزبور ويجعل فرض وجوده مما انيط به اشتياقه تبعا لكيفية دخله في قيام المصلحة في المتعلق نعم قيود وجود المحتاج إليه لا محيص في صيرورتها في طي اشتياقه ولو غيريا. ومن هذا البيان ظهر أن وجه اناطة الاشتياق بقيد وعدمه ليس إلا مستندا إلى اختلاف أنحاء دخله في المصلحة لا أنه مستند إلى اختلاف في كيفية نفس القيد من أخذ وجوده مطلقا أو من باب الاتفاق وان قيود الوجود طرأ من قبيل الثاني كيف وهذا المقدار لا يوجب فرقا في توجه الاشتياق نحوه ولازمه الاشتياق إلى حصول شرط الوجوب أيضا وان لم يكن واجبا وكان خارجا عن حيز الارادة كغير المقدور وهو خلاف ظاهر الخطابات المشروطة بشروطها الخارجة عن حيزها بجميع مباديها. مع أنه كيف يلتزم في مثل الكفارة المنوطة بالعصيان إذ مقتضاه توجه الاشتياق نحو العصيان وهو كما ترى.
المقام الرابع ان الحاكم بعد اشتياقه إلى فعل عبده فمع عدم وجود مزاحم في البين يوجب هذا الاشتياق تحريكا للحاكم بإبراز اشتياقه بإنشائه على وفق مرامه ومثل هذه الحركة كاشف عن مرتبة من ارادة المولى لوجود العمل وحفظه بمقدار استعداد انشائه وخطابه بلا كونه مريدا له من سائر الجهات. ومن هذا المقام أيضا ينتزع مقام جعل الأحكام إذ لا نعني من جعل الأحكام التكليفية إلا مجرد ابراز اشتياقه الكاشف عن مرتبة من الارادة المنتزع عن حملة نفس المشتاق إلى حفظ وجود المقصود ولو من ناحية مقدمة من مقدماته فلا جرم يصير مثل هذه الخطابات حاكيا عن مرتبة من فعلية الحكم المحفوظ في حق العالم والجاهل وهو أيضا بنفسه قابل للتحقق ولو كان منفكا عن مقام محركية عبده. ولذا يصلح أن [ينشئ] الأمر ويبرز اشتياقه منوطا بفرض وجود الموضوع ولحاظه بحدوده وقيوده بلا احتياج إلى وجوده خارجا أصلا. ثم ان الغرض من الخطاب وابراز الاشتياق لما كان هو دعوة الخطاب لعبده فلا شبهة في أن شأن الخطابات ليس إلا مجرد صلاحيتها للدعوة وعدم قصور فيها من ناحيتها وإلا فمن البديهي ان الدعوة الفعلية [المساوقة] لمحركية الخطاب عقلا [منوطة] بتطبيق العبد جميع القيود المأخوذة في الخطاب حتى قيد القدرة المأخوذة فيه عقلا على المورد. ومن البديهي أن هذه المرحلة خارجة عن مضمون الخطاب ومتأخر عنه رتبة. وحينئذ فما هو مأخوذ فيه هي هذه الأمور بوجوداتها اللحاظية لا الخارجية كيف ووجودها خارجا إنما كان ضم العلم بها دخيلا في تطبيق الخطاب على المورد الخارج عن مضمونه وإلا ففي توجه اشتياق المولى نحو العمل المقيد بأي قيد لا يحتاج إلى وجودها خارجا بل يكفي مجرد وجودها في لحاظ المولى فلا يكون للوجودات الخارجية المزبورة مدخلية إلا في تحريك العبد المنوط بتطبيق العبد إياها على المحل ولقد عرفت ان هذه المرحلة خارجة عن مضمون الخطاب ومتأخرة عن مضمونه رتبة. ومن هذا البيان ظهر ان دخل قيد القدرة أيضا في الخطابات نظير دخل سائر القيود فيه من كونه بوجوده اللحاظي مأخوذا في مضمون الخطاب وبوجوده الخارجي مأخوذا في مقام تطبيق العبد المنوط به محركية خطاب المولى. وإن توهم من توهم في أخذ القدرة الخارجية من قيود الخطاب وشروطه كتوهمه دخل بقية القيود بوجودها الخارجي في مضمون الخطاب ليس إلا لأجل خياله أخذ فعلية الارادة المساوق للمحركية للعبد في مضمون الخطاب. والا فلو فتح البصر ودقق النظر في أن مقام محركية الخطاب ودعوته الفعلية للعبيد إنما هو من شؤون [تطبيق] العبد خطاب مولاه بجميع قيوده حتى القدرة على المورد لا يبقى له مجال شبهة في أخذ وجود القدرة وأمثالها خارجا في مضمون الخطاب لبداهة أن مقام التطبيق المزبور متأخر عن مضمون الخطاب رتبة ويستحيل أخذها فيه. نعم كلما له بوجوده الخارجي دخل في التطبيق لابد وان يكون بوجوده اللحاظي مأخوذا في مضمون الخطاب لاستحالة أوسعية مضمون الخطاب عن مرحلة تطبيقه. فان قلت: إن غاية ما يستقل به العلق أن لتطبيق القدرة أيضا دخل في المحركية في عرض [تطبيق] سائر القيود المأخوذة في الخطاب وذلك لا يقتضي دخل القدرة ولو بوجودها اللحاظي في مضمون الخطاب كي يكون حال القدرة أيضا حال سائر القيود المأخوذة في مضمون الخطاب. قلت: إن دخل القدرة في المحركية لا يكون إلا من جهة دخلها في وجود المرام عقلا وان لم يكن دخيلا في مصلحته ومن البديهي ان ماله الدخل في وجود مرام المولى لابد في مقام ابراز اشتياقه المقصود به التوصل به إلى مرامه ان يلاحظه في مقام توجيه اشتياقه نحو مقصوده لجزمه بعدم وصوله بمقصده بدونه. غاية الأمر منشأ هذا الدخل هو العقل قبال سائر القيود [إذ] المنشأ [لدخلها] مدخليتها في المصلحة.
ومن هذا البيان أيضا ظهر معنى حكم العقل بشرطية القدرة في الخطابات بأن مرجع هذا الحكم إلى دخل تطبيقه في محركية الخطابات لا دخله بوجوده فيه بمضمونه. كيف؟ ولا يعقل دخله في صرف ابراز الاشتياق بحكم الوجدان ولا تكفل الخطاب لفعلية الارادة البالغة إلى [محركيته] لعبده إذ هذه المرتبة من شؤون تطبيق العبد الاجنبي عن مضمون الخطاب كما عرفت والمفروض أيضا ان العقل لا يحكم بدخل القدرة في أزيد من هذه المرتبة. نعم لازم دخلها في مرحلة التطبيق والمحركية دخلها بوجودها اللحاظي كسائر القيود في مضمون الخطاب. وبذلك ربما يفرق بين القدرة والعلم مع ان كلاهما من مقومات التطبيق ومع ذلك مثل القدرة مأخوذة في مضمون الخطاب ولو بوجودها اللحاظي كسائر القيود الشرعية بخلاف العلم فانه لم يكن مأخوذا في الخطاب ولو بوجوده اللحاظي ولا يحسب أيضا من قيود الخطاب بوجه أصلا. وتوضيح وجه الفرق هو ان العلم بالخطاب لما كان في رتبة متأخرة عن الخطاب فيستحيل أخذه ولو في عالم اللحاظ في مضمون خطابه إذ يرى العلم بالخطاب خارجا عنه وطريقا إليه. وكيف يرى دخيلا فيه في لحاظه الطريق إلى الخارج بنحو لا يلتفت إلى ذهنيته؟ وهذا بخلاف نفس القدرة فانها بملاحظة دخلها في وجود المرام إنما [كانت] في عرض سائر القيود، فلا قصور في أخذها بوجودها اللحاظي في مضمون الخطاب. نعم للقدرة جهة فرق مع سائر القيود المأخوذة في الخطاب علاوة عن عدم دخلها في المصلحة دون سائر القيود الشرعية: ان الدليل على الدخل المزبور لما كان هو العقل المنفصل عن الخطاب فلا يوجب مثل هذا الدليل إلا رفع اليد عن حجية الخطاب في فعلية المحركية في ظرف تطبيقه. وأما حجية الخطاب في ثبوت المصلحة حتى في حال العجز فلا قصور للخطاب عنه. وبمثل هذا البيان نتمسك بإطلاقات الخطابات لإحراز المصلحة حتى في حال العجز لا بما يتوهم من التمسك بإطلاق المادة دون الهيئة إذ التفكيك بين الهيئة والمادة في ظهور الاطلاق وعدمه مع اتصالهما في الكلام في غاية البعد والاشكال وسيجئ توضيح ذلك أيضا في بحث خطاب المشافهة إن شاء الله. نعم مع انفصال القرينة العقلية في التمسك بإطلاق الخطاب عند الشك في القدرة واحرازها به مبني على جواز التمسك بالعام عند الشك في مصداق المخصص اللبي وإلا كما هو المختار ففي التمسك بإطلاق الخطاب اشكال. نعم الذي يسهل الخطب هو ان الشك في القدرة في كلية التكاليف حتى الثابتة بأدلة لبية كحكم العقل بالملازمة وأمثاله محكوم عند العقل بالاحتياط بل وبإلغاء احتمال عدمها قبال سائر قيود التكليف شرعا فانها تجري البراءة عند الشك وذلك هو الوجه في احراز القدرة مع الشك بها حتى في مورد لم يكن للتكليف اطلاق لا بالإطلاق في الخطاب كما توهم. وكيف كان ظهر مما ذكرنا أن حال القدرة من سائر الجهات حال سائر القيود كانت بوجودها اللحاظي دخيلا في مضمون الخطاب وبوجودها الخارجي دخيلة في مقام تطبيق العبد ومحركيته. وبالجملة نقول إن ملخص الكلام في كلية المرام حرصا لتوضيح المرام: إن شأن الخطابات ليس إلا مجرد ابراز الاشتياق توطئة لدعوة المأمور وانبعاثه في طرف تطبيق المأمور هذا الخطاب على مورده وحينئذ من الواضح ان ما هو لازم من وجود الموضوع وقيوده خارجا إنما هو في طرف تطبيق المأمور الذي هو أيضا طرف محركية خطابه وبعثه الذي هو من آثار الخطاب وأما في نفس الخطاب فلا يحتاج إلى احراز شيء من الموضوع بنفسه أو بقيده وإنما المحتاج إليه في هذا المقام ليس إلا لحاظ الموضوع بنفسه أو بقيده، وفرض وجوده خارجا بقيوده المشتاق إليه فعلا ويريدها بمرتبة منها الموجب له ابراز اشتياقه. وحينئذ فمرتبة محركية الخطاب للعبيد أجنبية عن مدلول الخطاب بل هو من شؤون التطبيق المتأخر عن الخطاب رتبة ولذا نقول بأن لفعلية الخطاب مقام غير مقام فاعليته وانما مرحلة الفاعلية المساوق لتأثير الخطاب في حركة العبد منوط بتطبيق العبد إياه على المورد الذي هو في رتبة متأخرة عن مضمون الخطاب ويستحيل بلوغ نفس الخطاب إلى هذه المرتبة لاستحالة شموله مرتبة متأخرة عن نفسه. وحينئذ فما توهمه بعض بأن الخطابات حيث كانت في مقام انشاء البعث فلا تكاد تتحقق حقيقة المنشأ إلا بوجود شرطه خارجا وان روح الحكم هو البعث وأنه لا مجال للتفكيك بين فعلية الحكم وفاعله فاسد جدا. إذ لنا أن نسال ان الغرض من البعث المساوق للمحركية ما هو محفوظ في مرتبة نفس الخطاب بلا دخل لمرحلة التطبيق المتأخر عنه رتبة فيه فهو من الأغلاط لما عرفت ان محركية الخطاب من شؤون تطبيق العبد لا من شؤونه ولو قبل التطبيق. وان كان الغرض ان البعث من شؤون الخطاب ولو بشرط تحقق مقدمات للتطبيق ففيه: ان مثل هذه المرحلة إذا كان دخيلا في البعث يستحيل ان يكون البعث من شؤون الخطاب ومأخوذا فيه لاستحالة سعة الخطاب للمرتبة المتأخرة عن نفسه فكيف يكون الأمر المترتب في المرتبة المتأخرة من شؤون الخطاب ومضمونه؟. ومما ذكرنا ظهر أيضا أن مفاد نفس الخطابات التكليفية [أجنبي] عن القضايا الحقيقية المستلزم فيها تبعية فعلية المحمول لفعلية موضوعه وفرضه لفرضه إذ في المقام فعلية مضمون الخطاب الذي هو المحمول تابع فرض وجود الموضوع ولحاظه طريقا إلى خارجه وانما تخيل من تخيل كونها من القضايا الحقيقية من جهة توهمه في أخذ حيثية المحركية الفعلية في مضمون الخطاب وعبر عنها بمرتبة الارادة والايجاب غافلا عن ان هذه المرتبة من لوازم تطبيق العبد خطابه على المورد وبديهي أن مرحلة التطبيق المزبور أجنبي من مفاد الخطاب ومتأخر عنه رتبة كما هو واضح. كما أن من توهم توقف فعلية الوجوب بوجود الشرط خارجا أيضا مبني على أخذ المحركية في مضمون الخطاب والا لو ترى - كما أشرنا سابقا - ايضا أن شان الخطاب ليس الا بروز مجرد الاشتياق الملازم لمرتبة من الارادة من الآمر المتعلق بحفظ وجود مرامه بصرف خطابه مع جعل مقدمات التطبيق في عهدة عبده لكان يصدق ان هذا المقدار لا يقتضي فعلية وجود الشرط أو الموضوع بقيوده خارجا بل شأنه ابراز الاشتياق المنوط بوجود الموضوع بحدوده وقيوده في لحاظه الطريق إلى خارجه فيكتفي بقوله {لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } من دون احتياج مضمون الخطاب الحاصل فعلا إلى وجود مستطيع أو استطاعة وانما يحتاج إليه في مقام تطبيق العبد إياه على المورد. وعليه فلب الواجبات ومضمون الخطابات ليس إلا ارادة المولى الموجب لإبراز اشتياقه لمحض الدعوة بمبادئها في ظرف تطبيق العبد وهذه المرتبة من الارادة تارة مطلقة حسب اطلاقه اشتياقه واخرى منوطة بوجود موضوعه أو شرط من شروطه في لحاظ الآمر حسب اناطة اشتياقه بها وصالحة للمحركية في طرف تحقق مقدمات تطبيق المأمور هذه الكبريات على المورد بلا محركيتها للعبد فعلا. ولعمري انه لا يكاد ينقضي تعجبي في أخذهم المحركية المزبورة في مضمون الخطاب وجعل الايجاب الذي هو مضمونه بزعمهم منوطا بوجود الموضوع والشرط خارجا بحيث يوجب فرض الموضوع فرض محموله، وأدخلوا مثل هذه الخطابات أيضا في القضايا الحقيقية مع أن مضامين الخطابات التكليفية على ما عرفت بما لا مزيد عليه أجنبية عن هذه المرتبة بمراحل. ثم إن للعلامة الاستاذ كلام في تصويره اناطة فعلية البعث في المشروطات بوجود الشرط خارجا مع التزامه بكفاية وجوده اللحاظي في توجه اشتياقه. وملخصه انه من الممكن قيام مفسد في بعثه قبل وجود شرطه فلا جرم يصير بعثه منوطا بانتفاء المفسدة الملازم لوجود شرطه خارجا. ولكن لا يخفى ما فيه - مضافا إلى أن ظاهر الخطابات المشروطة اناطة الوجوب بجميع مباديه على الشرط كما أن الظاهر منها أيضا أن الحكم بفعليته منوط بنفس الشرط لا بلازمه - انه ما المراد من البعث المانع عنه المفسد؟. فان اريد مرتبة محركية الاشتياق للمولى في عالم جعل احكامه الفعلية على العباد ففيه: ان هذه المرتبة كما تقدم منتزعة عن مجرد ابراز اشتياقه بإنشائه وخطابه ليدعو عبيده عند تطبيقه إلى العمل وبديهي أن هذا المعنى قد تحقق إذ بخطابه أبرز اشتياقه الغير المنوط لوجود شيء خارجا حسب اعترافه. وان اريد مرتبة محركيته للعبد فقد تقدم انه تبعات تطبيق العبد مفاد الخطاب على المورد وهو حينئذ أجبني عن مضمون الخطابات طرا وكان منوطا بوجود الشرط خارجا بلا احتياج إلى قيام مفسدة في نفسه كما لا يخفى. ثم إن من شؤون كون المحركية من شؤون تطبيق العبيد كبراه على مورده ان العبد بمحض علمه بحصول الشرط في موطنه يقطع باحتياج حفظه مرام مولاه بحفظ مقدماته فعلا فيطبق الاشتياق الغيري على المقدمة الناشئ عن الاشتياق الفعلي الحاصل في طرف لحاظ القيد في موطنه إذ لا يرى حينئذ قصورا في ترشح الاشتياق الغيري من الاشتياق الفعلي المنوط بوجود الشيء المحرز في موطنه فيتحرك العبد حينئذ نحو المقدمات قبل حركته نحو ذيها. وحينئذ لنا أيضا [ان] نقول: إنه لو كانت المحركية الفعلية للمأمور [مأخوذة] في فعلية الارادة ومضمون الخطاب فيلزم الالتزام بتقدم ارادة المقدمة في غالب المقامات عن ارادة ذيها وهو خلاف ديدنهم من تبعية ارادة المقدمة عن ارادة ذيها كما لا يخفى. ومن التأمل فيما ذكرنا ظهر أيضا أن الخطابات بنفسها كافية في احداث الارادة الغيرية نحو المقدمات المفوتة بمحض تطبيق العبد الخطاب في المورد حتى في الموقتات قبل وقتها من دون احتياج إلى خطاب آخر مسمى بمتمم الايجاب أو بالوجوب التهيء إذ هذه التكلفات إنما [هي] من تبعات أخذ المحركية الفعلية في مضمون الخطاب ولقد عرفت ما فيه بما لا مزيد عليه. وبالجملة نقول إن الواجبات والخطابات المطلقة مع المشروطة منها والموقتة قبل شرطيتها سيان في فعلية الاشتياق الذي هو مضمون الخطاب البالغ إلى مرتبة من الارادة بإبرازها بها وانما الفرق بينهما في صرف اناطة الاشتياق بوجود الوقت أو المشروط في لحاظه في الثاني دون الأول. نعم في المقام صورة اخرى من الاشتياق المتعلق بالمقيد لكن لا به بجميع شؤونه بل كان متعلقا به ببعض شؤونه على وجه يكون مانعا عن بعض أنحاء تروكه، نظير ما تصورنا هذا النحو من الوجوب في الواجبات التخييرية. ونقول إن المطلوب والمشتاق إليه هو المقيد من حيث ذاته التوأم مع قيده بلا توجهه إلى قيده بل القيد خارج عن حيز [الاشتياق]. فهذه الصورة من حيث عدم محركيته نحو المقيد إلا في ظرف وجود القيد [شريكة] مع الواجب المشروط. كما [أنها] في عدم اناطة الاشتياق بوجود القيد شبيهة بالواجب المطلق فهو حينئذ نحو من الوجوب ووسيط بين المطلق والمشروط ومرجعه إلى وجوب الذات الملازم مع وجوب قيده من باب الاتفاق كما هو الشأن في وجوب كل طرف من الوجوب التخييري بالنسبة إلى وجود الطرف الآخر بلا اناطة كل منهما به. ولذا ليست الواجبات التخييرية من سنخ المشروطات بل هي ايجابات مطلقة ناقصة حافظة لبعض جهات وجود المتعلق الملازم لمنعها عن بعض تروكها لا مطلقا. ففي ما نحن فيه أيضا قد يكون طلب المولى بالمقيد بهذا المنوال لا مطلق حافظ لجميع أنحاء وجوده ولا مشروط بقيوده ففي هذه الصورة أيضا إذا طبق المأمور مثل هذه الكبرى على المورد ولو بإحرازه وجود القيد من باب الاتفاق في موطنه يتحرك فعلا من قبل ارادته الحاصلة بإبراز المولى اشتياقه نحو مقدماته المفوتة من دون فرق فيه أيضا بين كون القيد الخارج عن حيز الاشتياق حاليا أم استقباليا. ولئن شئت فسم مثل هذه الصورة بالواجب المعلق الراجع إلى فعلية الايجاب والارادة بمحض ابراز المولى هذا النحو من الاشتياق لعبده متعلقا بأمر استقبالي المستلزم لتحريك العبد عند تطبيقه نحو مقدماته المفوتة من قبل فعلية ارادة مولاه من جهة ابراز ارادته كما هو الشأن في المشروطات الموقتات قبل وقتها. وبعد مثل هذه البيانات لا يبقى لك مجال حوصة وصيحة في انكار الواجب المعلق قبال المطلق والمشروط. نعم إنما المجال لإنكاره وللالتزام بإناطة الوجوب في المشروطات بوجود الشرط خارجا وأن القضايا المشروطة والموقتات من قبيل القضايا الحقيقية في اقتضاء فعلية الموضوع فعلية المحمول وفرضه فرضية لو بنينا على أخذ مرتبة المحركية للمأمور في مضمون الخطاب. ولقد تقدم منا أيضا أن تمام حوصتنا وصيحتنا [البالغة] إلى السماء في انكار ذلك وان هذه المحركية من شؤون تطبيق العبد بمفاد الخطاب على المورد ومن البديهي أن مرحلة التطبيق المزبور كما تقدم أيضا متأخرة عن مضمون الخطاب رتبة ولا يعقل أخذها في مضمونه وذلك ظاهر لمن أنصف وأعرض عن الاعتساف.
هذا كله في شرح حقيقة الواجبات بأنحائها. بقي الكلام في استظهار كل منها من نحو خطابه وحكم الشك في الكيفية عند الاجمال فنقول وعليه التكلان أيضا: ان الخطاب تارة [مطلق] غير [مشروط] بشيء زائد عن الشرائط العامة بمعنى عدم وقوع اللفظ الحاكي عن [الايجاب] هيئة أو مادة في حيز اداة الشرط بل القيود المأخوذة فيه مأخوذة في طي متعلق الحكم ومعروضه. واخرى كانت القيود المزبورة واقعة في طي أداة الشرط مثل المجيء في قوله إن جاء مثلا. ونظيره ما كان من القيود [مأخوذا] في طي متعلقات الأفعال المعروضة للطلب في صورة ظهور الخطاب في اناطة الحكم بالمتعلق المزبور. وثالثة صورة كون القيد [مأخوذا] في الفعل مع فرض خروجه عن حيز القدرة. فعلى الأول فالظاهر من اطلاق الخطاب بمحموله وموضوعه كون الوجوب المتعلق بالمقيد وجوبا مطلقا حافظا لوجود موضوعه مطلقا وسادا لجميع أبواب عدمه. كما أن الظاهر من الثاني في فرض وقوع الحكم المنشأ بمادته في طي الأداة كونه من المشروط لظهور أداة الشرط في كون متلوها شرطا لما انيط به من الحكم. ومن هذا الباب أيضا القيود المأخوذة في طي المتعلق المعلوم اناطة الحكم بوجوده. كما أن الظاهر من اطلاق الهيئة في الفرض الأخير عدم اناطته بوجود القيد بل إنما كان متعلقا بالقيد ببعض شؤونه لا بجميع انحاء وجوده بحيث يكون القيد المزبور خارجا عن حيز ارادته كما هو لازم القسم الأخير من الوجوب.
نعم قد يبقى الاشكال في صورة كون الحكم المتلو للأداة منشأ بالهيئة فان في كلماتهم [اختلافا عظيما] في ارجاعها إلى الهيئة أو المادة. ومنشأ الإشكال أمران: أحدهما توهم كون مفاد الهيئة على حذو المعاني الحرفية معاني آلية غير ملتفت إليها وارجاع القيد إلى شيء يحتاج إلى الالتفات [إليه]. ثانيهما ان مفادها معاني خاصة غير قابلة للسعة والضيق ببركة القيد فكيف يرجع القيد الذي شأنه [التضييق] إليها؟. ولكن لا يخفى أن الاشكال الأول مبني على جعل المعاني الحرفية [آلية] [مرآتية] بحيث لا يلتفت إليها مستقلا أصلا وهو خلاف التحقيق بل لب معانيها من سنخ الاضافات والروابط بين متعلقاتها من المعاني الاسمية ومثل هذه الروابط ربما يلتفت إليها غاية الأمر تبعا لمتعلقاتها وهذا المقدار كاف في ارجاع القيد إليها كما لا يخفى. وأما الشبهة الثانية فانما [تتوجه] لو اريد من الخصوصية المأخوذة فيها الخصوصية الناشئة حتى من قبل الحالات الطارئة عليها وإلا فلو لم يؤخذ فيها أزيد من المشخصات الفردية والخصوصيات المفردة مع قطع النظر عن طرو الحالات الخاصة على كل فرد فرد فلا شبهة حينئذ أن كل فرد قابل للسعة والضيق من ناحية طرو الحالات المخصوصة عليها فلا قصور حينئذ في تضييقها بإرجاع قيد إليه موجب لطرو ضيق حالي على الفرد المخصوص. ثم ان ذلك بناء على الالتزام [بخصوص] المستعمل فيه في الحروف، وإلا فبناء على كونها من باب عموم الموضوع له والمستعمل فيه ولو بنحو نحن تصورناه في أمثال المقام بلا قصور أيضا في ارجاع القيد إلى الجامع الملحوظ مع خصوصية فردية ومتحد معه في ذهنه كما لا يخفى. وحينئذ فلا غرو في ابقاء ظهور اللفظ في رجوع القيد إلى الحكم ولو كان منشأ بالهيئة وحينئذ فلا داعي على ارتكاب خلاف الظاهر في أمثالها وارجاع القيد إلى المادة ويلتزم برجوع الواجبات المشروطة إلى المطلقة المعلقة وان كان [المعنيان] سيان في عدم لزوم الامتثال إلا في طرف وجود القيد. نعم هنا فذلكة اخرى و[هي] أن من التزم بإرجاع الواجبات المعلقة إلى المشروطة لابد له من جوابه عن الشبهتين في ارجاع القيود إلى الهيئة والا فيكف يمكنه الالتزام باشتراط الوجوب الذي هو مفاد الهيئة في القضية وحينئذ فالجمع بين المسلكين غير معقول كما لا يخفى والله العالم. ومنها: تقسيمهم الوجوب إلى نفسي وغيري ومرجع الوجوب النفسي إلى الايجاب الصادر [من] المولى بدوا بلا تبعية لإيجاب آخر بخلاف الوجوب الغيري فانه ايجاب ناشئ عن ايجاب آخر ثم التزموا بأن المقدمة واجبة بالإيجاب الغيري المسبوق بإيجاب شيء آخر نفسي كوجوب الوضوء مثلا بالنسبة إلى وجوب الصلاة. وفي هذا المقام اشكال مشهور وهو أن الغرض من هذا التقسيم ان كان ارجاعه إلى مرتبة لب الاشتياق فروح الارادة بها غيري ناشئ عن الاغراض المترتبة عليها من المصالح القائمة بها. وان كان الغرض منه ارجاعها إلى مقام ابرازهما بالخطاب الذي هو في الحقيقة منشأ انتزاع الايجاب دون المرتبة السابقة عن هذا الابراز ففيه ان لازمه عدم وجوب غالب المقدمات غيريا لعدم وقوعها في حيز خطاب أصلا، وحينئذ أين مركز هذا التقسيم وما هو مقسمه؟.
وحل الاشكال بأن يقال إن هذه الشبهة إنما [ترد] لو كان المراد من الوجوب الغيري القائم بالمقدمة وجوبا مستقلا ناشئا عن الخطاب بها مستقلا. وأما لو كان الغرض [من] وجوب المقدمة غيريا مجرد كونه من لوازم الخطاب لغيره بنحو يكون مدلولا التزاميا له فلا غرو حينئذ بدعوى كون مركز التقسيم مقام ابراز الارادة ولو بكونه مدلوله الالتزامي فانه حينئذ أمكن دعوى ان المولى بأي عنوان ابرز ارادة بخطابه بدوا ينتزع عنه عنوان الوجوب النفسي وان كان لب ارادته غيرية وبأي عنوان، ما ابرز بخطابه بدوا بل في ابرازه أوكل على ما هو مدلوله الالتزامي ولو عقلا انتزع من مثله الوجوب الغيري التابع لغيره في جميع العوالم من عالم الاشتياق إلى عالم الابراز بالخطاب. وبذلك يجاب عن النقض بصورة يكون الوجوبان النفسيان متلازمين في الوجود، وابرز ارادته بخطابه في أحدهما وأوكل بمدلوله الالتزامي في الآخر ولازمه تبعية هذا الوجوب للآخر في عالم الابراز فيلزم أن يكون واجبا غيريا للآخر وهو كما ترى. وتوضيح الجواب بأن مجرد التبعية في عالم الابراز غير كاف في غيرية الوجوب بل الوجوب الغيري ما هو تابع غيره في جميع العوالم كما أشرنا. نعم هنا شبهة اخرى و[هي] أن ابراز الارادة لشيء ولو بالمدلول الالتزامي فرع الالتفات بموضوعه فمع الغفلة يستحيل كون المغفول عنه تحت ارادته كي يتكل في ابرازه بمدلول خطابه ولو التزاما وحينئذ فيخرج المقدمات المغفول عنها عن حيز الوجوب الغيري بأي مرتبة منه ، ودفع الشبهة - مضافا إلى عدم [ورودها] في الشرعيات التي يأتي فيها المولى عن الغفلة عن مقدمات مطلوبه - انه يكفي فيه التفاته الاجمالي نحو المقدمة ولو بهذا العنوان في سراية الوجوب إلى المعنون كما هو الشأن في كثير من الموارد الساري فيه الحكم إلى موضوعه بعنوانه الاجمالي كالأحكام السارية إلى كل فرد ملحوظ بعنوانه الاجمالي لا التفصيلي. وهذه الجهة من الشبهة أيضا [دعتهم] إلى تقسيم الوجوب [إلى] الأصلي والتبعي ، وغرضهم من الأصلي ما هو منظور إليه تفصيلا، ومن التبعي ما هو منظور إليه بعنوانه الاجمالي المشير إلى الموضوع بإشارة اجمالية كما لا يخفى. ثم ان المناط في استحقاق العقوبة في نظر العقل بعد ما كان منحصرا بتفويت الغرض الاصلي فلا يرى العقل عقوبة على تفويت كل مقدمة مقدمة وحينئذ فليس الوجوب المتعلق بالمقدمات موجبا لاستحقاق العقوبة على كل مقدمة مقدمة وحينئذ لا مجال لتغير الوجوب القائم بالمقدمات بما يستحق فاعله العقاب على متعلقه بل هذا المعنى أيضا لا يجري في غالب الواجبات النفسية التي لب ارادتها غيرية وان كان في عالم الابراز لم يكن تبع غيره. نعم في المقام شيء وهو أن المقدمة بتفويتها كما كان علة لفوت الغرض فالإقدام من الأول على هذا التفويت ابراز نحو جرأته على المولى وربما يستحق بهذه الجرأة والطغيان عقوبة مولاه ولكن لا بنحو يتعدد العقوبة بتعدد تفويت المقدمة عرضا إذ مناط الجرأة والطغيان على وحدة الغرض الأصلي فتفويت ألف مقدمة إذا لم [ينته] إلا إلى فوت غرض واحد فلا يكون مثله إلا تجريا واحدا فلا يستحق حينئذ إلا عقوبة واحدة. وحينئذ فلك أن تقول باستحقاق العبد من حين تفويته لكن لا من جهة تفويته بما هو بل من جهة دخوله به في صراط تفويت غرض المولى وهذا نحو طغيان كان شروعه من حين تفويت المقدمة. وربما يؤيد بناء العقلاء على ذمه بمجرد رفع يده عن الشاهق بلا انتظارهم في لومهم إلى حين موته كما هو ظاهر لصاحب الوجدان. ثم انه كما كان تفويت المقدمة من حينه شروعا في الطغيان على المولى وبه يستحق اللوم والعقوبة كذلك اتيانها بقصد التوصل بها إلى ذيها أيضا كان شروعا في تسليمه لمولاه وكونه في صراط اطاعته وانقياده. ومن المعلوم أن العقل في هذه الصورة أيضا يرى استحقاق المدح والثواب بنفس شروعه بإيجادها بهذا القصد.
نعم لا يستحق الثواب أيضا بإيجاده المقدمة بما هو مقدمة ولو لم يكن في ايجاده قاصدا للتوصل به إلى غرض مولاه كما عرفت من هم العقل في حكمه باستحقاق الثواب والعقاب كونه في مقام التسليم وطغيانه التابعين لكونه في صراط تفويت غرض مولاه وتحصيله وذلك لا يحصل إلا بصيرورته في مقام ايجاده المقدمة قاصدا للتوصل به إلى الغرض وحينئذ يستحق الثواب بتسليمه من حين ايجادها ولو لم نقل بوجوب مقدمة الواجب. نعم أمكن دعوى استحقاقه الثواب أيضا بمحض اتيانها بداعي وجوبها كما هو الشأن في الواجبات النفسية وان كانت لبها غيرية إذ لا شبهة في استحقاقه الثواب بإتيانه لمحض محبوبيته لدى مولاه وان لم يكن بباله تحصيل غرضه. فان قلت: إن ذلك يتم بناء على وجوب ذات المقدمة وأما بناء [على] وجوب المقدمة الموصلة ... فلا يمكن الاتيان بداعي وجوبه إلا مع قصد التوصل بذيها فلا جرم يحتاج في التقرب بأمره إلى قصد التوصل به إلى ذيها إذ بدونه لا يكون واجبا. ولا يرد في هذا المقام النقض بالواجبات النفسية التي لب ارادتها غيره إذ موصليتها إلى الغرض ذاتي فيها من دون احتياج فيه إلى ارادة وقصد آخر بخلاف بقية المقدمات فان موصليتها منوطة بإعمال ارادة اخرى نحو ذيها فحينئذ فهذه الارادة والقصد دخيل في وجوبها وحينئذ لا يكون دعوة وجوبه إلا في ظرف قصده لذي المقدمة [الملازم] القصد التوصل بها إلى ذيها فإذا كان كذلك فنقول: إن قصد التوصل مقدمة لدعوة أمره، فمع تحققه يكفي في استحقاقه المثوبة مجرد هذا القصد السابق [على] دعوة الأمر فلا يبقى حينئذ مجال لصيرورة دعوة الأمر موجبا لاستحقاقه الثواب بعد الجزم بعدم استحقاق واحد على المقدمة.
قلت: إن غاية ما يقتضي القول بإيصال المقدمة عدم الجزم بوجوبها في [ظرف] عدم العلم بالإيصال لا في [ظرف] عدم قصده إليه فعلا إذ ربما لا يلتفت الانسان إلا إلى ترتب ذيها وأما كونها منوطا بقصده لذيها فعلا فلا يلزم. مع أنه لو فرض لزوم ذلك فلا شبهة في أن هذه الارادة [ملازمة] للتوصل بالمقدمة إلى ذيها لا [ملازمة] لقصده وحينئذ ربما يلتفت الانسان إلى الملزوم ولا يلتفت إلى لازمه وعلى فرض الالتفات إليه أيضا لا يقتض الالتفات إليه قصده. وحينئذ فملازمة وجود ذي المقدمة لوجوبها أجنبي عن ملازمة وجوبها لقصد التوصل بها إلى ذيها بمراحل شتى ففي هذه الصورة لا بأس بدعوة وجوبها بلا خطور قصد التوصل بها إلى البال. وأضعف من ذلك تقريب آخر لاعتبار قصد التوصل في الامتثال وهو أن ارادته للعمل بعدما كان تبعا لإرادة مولاه فلا محيص في كونه في مقام اطاعته مطاوعا لمولاه كمطاوعة القابل في عقود المعاملات للموجب. ومن الواضح أن روح المطاوعة بتبعية قصده لقصده وإذا كان قصد المولى للمقدمة التوصل به إلى ذيها فلا جرم يكون قصد المأمور أيضا كذلك وإلا لم يكن مطاوعا له ولا مطيعا لمثله. وتوضيح دفعه بأن مرجع ما افيد إلى أن الاطاعة والمطاوعة لا تكاد تتحقق إلا بكون ارادة العبد للعمل في الكيفية من حيث النفسية والغيرية تبعا لإرادة مولاه وهو أول شيء ينكر كيف؟ وفي هذا المقام يكفي النقض بإطاعة الأوامر النفسية التي لب ارادتها غيرية إذا لم يلتزم أحد بلزوم ارادته لمحض التوصل به إلى الغرض، إذ بدونه لا يكون ارادة العبد غيريا. ولازم ما افيد حينئذ عدم تحقق الاطاعة فيها بصرف اتيانها بداعي محبوبيتها لدى المولى وهو كما ترى لا يستأهل ردا. ثم انه بعد ما ظهر نحوي التقرب في المقدمات فلا بأس حينئذ بأخذ أحد النحوين في المقدمات [العبادية] كالطهارات الثلاث. وتوهم [أن] دخلها في المقدمية مستلزم لعدم التقرب بكل واحد من النحوين إذ حينئذ بدون التقرب لا يمكن اتيانها بقصد التوصل ولا بداعي وجوبها فينتهي حينئذ استلزام دخل التقرب في المقدمات [العبادية] إلى توقف التقرب بها على نفس التقرب وهو كما ترى. مدفوع بأن دخل التقرب في المقدمية لا يخرج ذواتها عما لها من الدخل فيها كما لا يخرج هذه الذوات عن صلاحية تعلق الوجوب بهذه الذوات في الرتبة السابقة عن التقرب بها كما هو الشأن في دخل التقرب بدعوة الأمر في الواجبات النفسية وبعد ذلك فلا غرو [بقصد] التوصل بنفس الذوات إلى ذيها. وبمثل هذا القصد حينئذ [تتم] المقدمية بضم القربة. كما لا غرو بجعل وجوب نفس هذه الذوات داعيا بنفسها ومتمما للمقدمية. ولئن شئت قلت: إن الاشكال المزبور إنما يتم لو كان التقرب بأحد النحوين دخيلا في أصل المقدمية وتمامه لا دخيلا في تتميم المقدمة بعد الفراغ عن وجدان الذات لأصل المقدمية والوجوب. فان قلت: إن الذات على الاطلاق لا يكون واجبا بناء على دخل الايصال فيه ومع عدم وجوبه كيف يتقرب بأمره؟. قلت: ذلك كذلك ولكن لا يقتضي ذلك أيضا اناطة الذات في وجوبه بالتقرب به بل غاية الأمر ما هو واجب هو الذات التوأم مع التقرب في رتبة سابقة عنه كما هو الشأن في كلية العبادات كما لا يخفى. وبعدما اتضح ما ذكرنا لا تحتاج هذه المسألة إلى القيل والقال والالزام بما لا يلزم أو المخل بالمقصود فراجع الكلمات ترى أي قدر كثروا الكلام في هذه النقطة فتعرف قدر ما قلنا.
بقي الكلام في تحرير المبحث فيما هو الواجب فان في هذا المقام أيضا هوسات وصيحات عظيمة. فمنهم ذهب إلى أن الواجب منها مطلق المقدمة ولو لم يوصل ولا قصد به التوصل إلى ذيها. ومنهم ذهب إلى أن الواجب ما قصد به التوصل ولو لم يوصل. ومنهم ذهب إلى أن الواجب خصوص الموصل منها ولو لم يقصد به التوصل. والتحقيق هو الأخير ثم الأول. وأردأ الوجوه هو الوسط. وذلك لان ما هو تمام الموضوع للإرادة الغيرية ليس إلا ذات المقدمة ولذا يترشح الارادة من الأغراض الأصلية إلى ذوات الأفعال في كلية الواجبات النفسية التي كانت الارادة [المتعلقة] بها ناشئة من الغرض المترتب عليها كيف؟ ولو كان لقصد التوصل إلى ذيها دخلا في وجوب المقدمة يلزم عدم ترشح الارادة من الغرض إلى ذوات الأفعال بل لابد من كون دخل قصد التوصل به إلى الغرض دخيلا في وجوب العمل ولازمه في مقام التقرب في الواجبات النفسية عدم كفاية اتيان ذات العمل بداعي محبوبيته ومراديته لدى المولى بل لا محيص من اتيانه بقصد التوصل به إلى الغرض ، وهو مضافا إلى أنه فاسد جدا كما تقدم لازمه عدم التقرب بدعوة أمرها إذ نفس قصد التوصل به إلى الغرض كاف في التقرب بها فلا تنتهي النوبة إلى حصول التقرب بدعوة أمره الذي هو في الرتبة المتأخرة عن قصد التوصل المزبور بعد الجزم بان في عبادة وعمل واحد لا يكون تقربان كما لا يخفى ، ولعمري ان هذا البيان برهان جزمي في عدم دخل قصد التوصل في وجوب المقدمة وإنما هي من تبعات التقرب بها ولو لم [تكن] واجبة لا أنها دخيلة في وجوبها.
نعم هنا وجه آخر في عدم تعدي الوجوب عن صورة قصد التوصل بالمقدمة إلى ذيها في بعض الفروض وهو صورة انحصار المقدمة بالمحرم وأقوائية وجوب ذيها عن حرمتها بدعوى أن مفسدة الحرمة يقتضي مبغوضية المقدمة على الاطلاق، ولكن حيث اقترن بها جهة محسنة فقهرا يصير قوة تأثير المفسدة في مبغوضيتها أضعف. وبعد ذا فإذا فرضنا أن الوجوب متعلق بالجامع بين ما فيه جهة محسنة وعدمه فالعقل يحكم بترجيح ما فيه الجهة المحسنة في ترشح الوجوب إليه على غيره، ففي غيره على اقتضاء حرمته، ولازمه حينئذ انحصار الوجوب فيما نحن فيه بصورة اقترانه بقصد التوصل، إذ فيها جهة محسنة حسب صلاحيتها للتقرب بها دون غيرها ، ففي غيرها على حرمتها ولا يتعدى الوجوب حينئذ إليها، وذلك أيضا لا لعدم المقتضي فيه بل لوجود المانع من بقاء تأثير الحرمة فيها بحاله. هذا نهاية بيان لمرام بعض الأعاظم في وجه اختصاص الوجوب في مثل هذا الغرض بخصوص ما قصد به التوصل ، وفرع عليه بأن جواز العبور عن الأرض المغصوبة [لإنقاذ] الغريق عند حصر الطريق به إنما هو منحصر في خصوص ما قصد به التوصل لا مطلقا وهكذا الأمر في نظائره ، ولكن لنا في المقام كلام وهو إن ذلك إنما يتم لو فرض كون الجهة المحسنة في أحد الفردين أو الحالين جهة محسنة ملزمة، إذ حينئذ لازم الجمع بين أغراض المولى مهما أمكن تخصيص الوجوب بما فيه تلك الجهة.
وأما لو فرض كون الجهة المحسنة غير ملزمة كما نحن فيه فلا شبهة في أن العقل أيضا يحكم بحفظ أغراض المولى بنحو كان المولى بصراط حفظه وإذا فرضنا أن المزية الزائدة لم تكن لدى المولى لازمة التحصيل فالعقل حينئذ لا يحكم بلزوم حفظ [أغراضه] حتى ما لا يلزم حفظه لديه بل غاية الأمر يحكم باستحسانه لا بلزومه ، وهذا المقدار لا يقتضي - حتى فيما فرضت - اختصاص ما قصد به التوصل بالوجوب بل كان ذلك مورد استحسانه في اختياره ولقد شرحنا نظير هذه المقالة في العبادات المكروهة فراجع باب اجتماع الأمر والنهي ترى ما ذكرنا في المقامين حقيقا بالقبول. هذا كله في دفع توهم دخل قصد التوصل في وجوب المقدمة. وأما توهم وجوب مطلق المقدمة فعمدة النظر فيه أيضا إلى عدم دخل حيثية الايصال إلى ذيها في وجوبها لأنه ان كان من باب دخله في وجوبه فيلزم وجوب المقدمة في [ظرف] وجوب وجوده، إذ وجود ذيها يستحيل انفكاكه منها وهو كما ترى [واضح] فساده ، وان كان من باب دخله في الواجب فمرجعه إلى كون الواجب من المقدمة مقيدا بوجود ذيها فلازمه تقيد الواجب بشيء يستلزم استحالة تركه وهو أفحش فسادا من الأول فلا محيص من عدم دخل حيثية الايصال إلى ذيها في الوجوب أو الواجب ، مضافا إلى حكم الوجدان بأن تمام المناط في الوجوب الغيري هو ذات المقدمة بلا دخل شيء زائد عن المقدمية في وجوبه كما أسلفنا ذلك سابقا أيضا ، ثم نقول أيضا إن الغرض من كل مقدمة الذي هو الداعي على ايجابه ليس إلا ما يترتب عليه وحينئذ ليس وجود ذيها غرضا لكل مقدمة مقدمة إذ يستحيل ترتب ذيها بكل واحد منها فلا محيص من كون الغرض من كل مقدمة حفظ وجود ذيها من قبله وسد باب عدمه من ناحيته ، ولازمه ترتب مثل هذا الغرض على كل مقدمة ولو لم ينضم إليه غيره ولا يتحقق وجود ذي المقدمة ويستتبعه حينئذ وجوب ذاته وان لم يوصل مضافا إلى أن بوجود كل مقدمة يسقط وجوبه ويستحيل بقاء وجوده ولولا قيام الوجوب بها على الاطلاق يستحيل سقوط وجوبه حتى في حال انفراده عن بقية المقدمات. وهذا غاية بيان لمرام القائل بوجوب المقدمة بذاتها على الاطلاق بلا دخل شيء آخر فيه ، ولكن لنا في مقامنا هذا كلام وهو أن هذه البيانات بعد تماميتها في نفسها إنما [تنتج] المقصود لو كان سد باب مترتب على مقدمة مطلوبا مستقلا.
واما لو بنينا على أن مطلوبية السدود إنما هو من لوازم مطلوبية وجود الشيء فلا شبهة في عدم اقتضاء مطلوبية الوجود بطلب واحد إلا مطلوبية مجموع السدود بنحو الارتباط ومقتضاه حينئذ تعلق الطلب الضمني بكل واحد بنفس ذاته في حال الانضمام بسد آخر لا مطلقا ولا مقيدا كما هو الشأن في وجوب كل جزء من أجزاء المركب وحينئذ من المعلوم ان من هذا النحو من الطلب القائم بالسد المترتب على كل مقدمة لا يترشح إلا نحوه إلى المقدمة. لا اقول إن مجموع المقدمات واجبة بوجوب وحداني ارتباطي. كيف؟ ولقد أشرنا بان اختلاف انحاء دخل المقدمة أوجب استقلال كل بإرادة. وانما [نقول] ان مطلوبية الغرض منها إذا كان طلبا ناقصا ضمنيا لا ينتج ذلك بالنسبة إلى كل مقدمة إلا طلبا مستقلا غير منفك عن مطلوبية الغرض. وحيث إن المطلوب من كل سد هو ذات السد التوأم مع بقية السدود كذلك الواجب من المقدمة أيضا هو الذات التوأم مع البقية بلا اطلاق ولا تقيد. ولئن شئت تقول: إن عدم سراية الوجوب من المقدمة إلى حال انفراده عن الغير إنما هو لقصور في وجوبه لا من جهة تقييد في الواجب بشيء. وبعدما اتضح ذلك نجيب عن البرهان الأخير - مضافا [إلى النقض] بأجزاء الواجب أو الواجب المشروط بأمر متأخر عنه - أن في أمثال المقام يسقط الوجوب عن الفاعلية ولو في فرض فعليته في الواقع ، وعمدة النكتة فيه أن مؤثرية الوجوب في الايجاد إنما هو في [ظرف] عدم وجوده، وأما بعدما وجد فلا مجال لتأثيره. لا يقال: إنه مع وجود الموضوع لا يبقى وجوب أصلا. لأنه يقال: ان ذلك كذلك في الواجبات المستقلة وأما في [الضمنيات] فقهرا يكون سقوطه توأما مع سقوط غيره، وبعد فرض عدم سقوط الوجوب عن غيره يستحيل سقوط وجوبه ، غاية الأمر حيث وجد موضوعه يسقط الوجوب عن التأثير ، وهذا معنى ما ذكرنا من التفكيك بين الفعلية والفاعلية في أمثال هذه الأوامر فتدبر.
وحينئذ نتيجة ما ذكرنا ليس إلا وجوب ذات المقدمة في حال الايصال [لا بشرطه] ولا لا بشرطه ، ولئن شئت تقول: إن الواجب في باب المقدمة ما هو الموصل منها بحيث يكون هذا العنوان كعنوان نفس المقدمية من العناوين المشيرة إلى ما هو واجب لا انه بنفس هذا العنوان كان واجبا ، واظن أن غرض صاحب الفصول (1) أيضا ليس بأزيد من ذلك وان لا يفي به [بيانه] فتدبر.
ثم إنه قد يقال في ثمرة المسألة بأنه على القول بالإيصال يلزم تصحيح العبادة حتى بناء على المقدمية لأنه في ظرف. اتيان العبادة لا يكون عدمها محبوبا كي يستلزم مبغوضية وجوده لعدم تصور الايصال لعدمها حينئذ.
نعم يصح البطلان لو بني على الاطلاق في وجوب المقدمة ، وقد يتوهم بأن من طرف شرطية عدمه لوجود ضده فالأمر كما ذكرت ، وأما من جهة علية الوجود للعدم فالمقدمة موصلة فيصير الوجود مبغوضا ناشئا من مبغوضية ترك ضده ، ولكن ... مع وجود الضد لا يكون المقتضي للآخر موجودا فالعدم حينئذ مستند إلى عدم المقتضى لا وجود المانع بل المانع في هذه الحالة خارج عن المقدمية الفعلية وبعد ذا وجوده كيف يجلب المبغوضية من عدم ضده هذا. ولكن مع ذلك يمكن دعوى أن هذا الوجود لا يصير محبوبا على الاطلاق إذ لو كان بمثابة لو ترك هذا ليريد ايجاد غيره فلا شبهة حينئذ في أن عدم هذا الوجود محبوب لكونه في هذا الغرض موصلا ولازمه مبغوضية وجوده حينئذ. نعم يكفي في الثمرة عدم مبغوضية الوجود ولو في فرض عدم ارادة غيره على فرض تركه هذا لأنه حينئذ لم يكن تركه موصلا كما لا يخفى. بقي الكلام في بيان الوجه في أصل وجوبها موصلة أم غير موصلة ويكفي فيه شهادة الوجدان على نشوة الارادات من ناحية الأغراض المترتبة عليها إذ لبها في كثير من الواجبات النفسية غيرية ولو لا ترشح الارادة الغيرية من الشيء إلى مقدمة لما يترشح الارادة من الأغراض الأصلية على الأفعال التي كانت مقدمة لترتب الأغراض ، ولعمري ان هذا الوجدان أصدق شاهد على المدعى بلا احتياج فيه على إقامة البرهان بتقريب أنه لو لم يجب لجاز تركه وحينئذ، ان بقي الواجب على وجوبه يلزم التكليف بما لا يطاق، وإلا يلزم خروج الواجب عن كونه واجبا، كي يرد عليه بمنع الملازمة بين عدم الوجوب وجواز الترك فعلا إذ بعد حكم العقل بلابدية ايجادها مقدمة لامتثال ذيها لا يبقى مجال [الحكم الشرعي] بجواز تركه فعلا إذ حكم هذه المقدمة حكم الغير المقدور تركه الآبي عن تعلق الحكم المولوي ايجابا أو ترخيصا نحوه، نعم لئن أغمض عن منع الملازمة المزبورة أمكن تصحيح التالي بلا ورود اشكال عليه ; لأنه لو فرض جواز الترك من ناحية الشرع: فلو بقي الوجوب لزم التكليف بما رخص في تركه ومن المعلوم أن لازم الترخيص الفعلي أن له اختيار تركه ففي هذا الظرف لو التزم بإيجاد ذيها يلزم التكليف بما لا يطاق وإلا يلزم خروج الواجب عن كونه واجبا. وحينئذ العمدة في رد البرهان المزبور منع الملازمة المسطورة، ولكن قد عرفت أن شهادة الوجدان تكفينا لإثبات المدعى بلا احتياج فيه إلى اقامة برهان كما لا يخفى.
ثمرة المسالة وجوب المقدمة:
في بيان ثمرة المسألة وأحسن ثمراتها التوسعة في دائرة التقرب بالمقدمة خصوصا إذا كانت المقدمة [عبادية] كما أشرنا في بحث التقرب بالمقدمة في طي تقسيم الوجوب [إلى] النفسي والغيري فراجع. وأيضا ربما [تظهر] الثمرة فيما لو أمر بفعل له مقدمة فعلى القول بملازمة أمره بالفعل أمره بمقدمته، ربما يستحق الفاعل المأمور الاجرة على المقدمة أيضا لأنه أيضا تحت أمره، وأما لو لم نقل بالملازمة المزبورة فلا يقتضي أمره بالفعل إلا استحقاق الاجرة على ذي المقدمة لا المقدمة لأنه لم يكن بأمر الآمر وإنما الملزم له لابدية وجوده عقلا وذلك غير مرتبط بالآمر. ثم في هذه الثمرة ربما يفرق بين القول بوجوب مطلق المقدمة أو الموصلة منها في فرض اتيانه بالمقدمة محضا فيستحق الاجرة عليها على الأول دون الثاني كما لا يخفى.
وأما بقية الثمرات المذكورة لها من عدم جواز أخذ الاجرة عليه بناء على وجوبه، وجوازه بناء على عدمه، أو النذر بإتيان واجب أو واجبين مثلا في يومه، وأمثال ذلك مما ذكر في المطولات فلا مجال لإتمامها ; إذ النذر لا يصلح أن يقع ثمرة في المسائل الاصولية الواقعة في طريق استخراج أحكام كلية كما أشرنا إليه في بحث الصحيح والأعم. كما أن جواز الاجرة على المقدمة وعدمه تابع مجانية وجوده لدى الشارع وعدمها من دون دخل وجوبه وعدمه في جهة مجانيته إذ لا ملازمة بين الجهتين كما لا يخفى. وقس عليهما حال بقية الثمرات المذكورة في المقام من دون مساعدة الفرصة لتعرضها ودفعها والله العالم.
______________________
(1) الفصول الغروية: 86، السطر 13.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
جامعة كربلاء: مشاريع العتبة العباسية الزراعية أصبحت مشاريع يحتذى بها
|
|
|