أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-8-2016
5732
التاريخ: 31-8-2016
1468
التاريخ: 11-7-2020
2023
التاريخ: 9-7-2020
2332
|
...ذهب المحقق النائيني (قدس سره) للقول ببساطة المشتق ، بمعنى أن مفهومه خال من الاشتمال على الذات وأن الموضوع له فيه هو نفس المعنى الموضوع له المبدأ ولا فرق بينهما الا تضمن المشتق لحيثية اللابشرط عن الحمل وتضمن المبدأ حيثية البشرط لا عنه ، فمفهوم العالم - مثلاً - هو نفس مفهوم العلم حيث إن كليهما يعبر عن الكيفية النفسانية الخاصة وهي كيفية الانكشاف بدون اشتمال فيهما على معنى الذات أصلاً ، غاية الأمر ان لفظ العالم يحكي عن معنى الانكشاف بنحو اللابشرط ولفظ العلم يحكي معنى الانكشاف بنحو البشرط لا، فيصح حمل الأول على الذات دون الثاني(1).
وهذا المسلك للمحقق النائيني (قدس سره) صار مورد اعتراض الأعلام (قدهم) ، ونحن نستعرض هذه الايرادات مع مناقشتها.
الايراد الاول : ما طرحه بعض الأعاظم ، وخلاصته أمران :
أ - إن الحمل متقوم بشرط واقعي وهو الاتحاد المفهومي في الحمل الأولي والاتحاد الوجودي في الحمل الشائع ، فإذا تم هذا الشرط بين طرفين صح حمل أحدهما على الاخر بلا حاجة لاعتبار اللابشرط بل الحمل صحيح حتى ولو أخذ الطرفان بنحو البشرط لا ، وإذا لم يتحقق هذا الشرط فلا يصح الحمل وإن أخذ الطرفان بنحو اللابشرط ، إذن فالحمل انعكاس عن الواقع لا ينفصل عنه ولا يتأثر بتدخل الاعتبارات المختلفة فيه(2) .
ب - إن ما ذكره الحكماء في باب اعتبارات الماهية، وهو أن الماهية قد تؤخذ بنحو اللابشرط وقد تؤخذ بنحو البشرط لا وقد تؤخذ بشرط شيء (3) لا يمكن حمله على ظاهره ، وذلك لأن ظاهره تغير الواقعيات بتغير الاعتبارات وهو مستحيل .
بيان ذلك : إن الاعتبار معناه الاختراع والفرض الذهني بهدف التأثير في مشاعر الآخرين وعواطفهم ، وهذا يتناسب مع العلوم الأدبية الذوقية وأما العلوم الحكمية الباحثة عن الحقائق الواقعية فلا مدخلية للاعتبارات فيها ، لأن الاعتبار لا يغير من الواقع شيئاً فاعتبار الماهية لا بشرط أو بشرط لا لا يغير من حقيقتها شيئاً ، فلا بد أن يحمل الكلام على غير ظاهره ، وهو أن هذه الاعتبارات انعكاس عن الواقع نفسه ، فإن واقع الماهية أنها قد تكون منضمة للعوارض وهذا ما يسمى بالبشرط شيء وقد تكون مباينة لغيرها وهو البشرط لا وقد تكون خلواً من الاعتبارات في الذهن وهو اللابشرط ، لا أن هذه الحيثيات اعتبارات محضة وفرضيات ذهنية.
ولكننا لا نوافق على هذا الايراد لعدة أمور:
أولاً : إننا ذكرنا سابقاً أن الحمل عمل نفسي لا أنه إدراك للواقع فقط ، فإن الوجدان شاهد بأن الإنسان بعد إدراكه للواقع وانفعاله به يقوم بحمل شيء على شيء بخلق الهوهوية بينهما استناداً للاتحاد المفهومي أو الوجودي بينهما، لا أن نفس الادراك والانفعال هو الحمل ، ومما يؤيد ذلك تدخل الاعتبارات في صناعة الحمل فأنت ترى أن حمل الشيء على نفسه غير صحيح لعدم المغايرة بينهما والمغايرة شرط في الحمل ، ولكن بعد قيام الذهن باعتبار الاجمال والتفصيل يصح الحمل فيقال : الانسان حيوان ناطق ، أو بعد قيامه باعتبار امكان سلب الشيء عن نفسه فيقال : الانسان إنسان لإثبات عدم الامكان المذكور، فهنا نلاحظ تدخل الاعتبار في صناعة الحمل .
وكذلك - أيضاً - قد نرى شيئين متحدين وجوداً ولكن لا يصح حمل أحدهما على الآخر بمجرد ذلك الاتحاد الوجودي ، فالمادة والصورة النوعية متحدان وجوداً لأن المادة عين القوة والاستعداد والصورة عين الفعلية والتحصل ، ومع هذا الاتحاد الوجودي بينهما وهو اتحاد المتحصل باللامتحصل لا يصح حمل احدهما على الآخر، فإذا قام الذهن باعتبار المادة على نحو اللابشرط والنظر الى جهة الابهام فيها وأنها لا تحصل لها الا بالصورة والفصل كانت جنساً وصح حملها على النوع والفصل ، فالحمل ليس انعكاساً عن الواقع متقوماً بالاتحاد الوجودي والمفهومي بين الطرفين كما ذكرنا، بل هو عمل نفسي يقوم به الذهن ويكون خاضعاً للاعتبارات الذهنية أيضاً .
وثانياً : إننا لا ننكر أن الاعتبارات الذهنية المذكورة في باب اعتبارات الماهية وباب الجنس والفصل ليست مجرد فرض ذهني فقط بل لها مناشيء واقعية وحيثيات وجودية، ولكن وجود المنشأ الواقعي لا ينافي تحقق الإعتبار، فالاعتبارات على ثلاثة أنواع :
1 - اعتبار لا يستند لمنشأ واقعي بل هو مجرد اختراع ذهني بلا هدف أو بهدف التأثير على المشاعر والعواطف كالاعتبارات الأدبية .
2 - اعتبار يستند لمنشأ واقعي استناد المدعو إليه للداعي كالاعتبارات القانونية، فإنها - عند العدلية - ناشئة عن المصالح والمفاسد، سواءً كان في الجعل أم في المجعول ، فإذا أدرك المقنن مصلحة معينة وأراد الوصول لها أو إيصال المكلف إليها استخدم الاعتبار القانوني وسيلة للوصول لتلك المصلحة ، فهذا الاعتبار صار مدعوا إليه كوسيلة لتحقيق الهدف .
3 - اعتبار يستند لمنشأ واقعي على نحو الاقتضاء لا العلية التامة، ومن موارده موردان :
الأول : الانتزاعيات ، فإن الذهن بعد إدراكه لمنشأ الانتزاع كإدراكه - مثلاً - لنسبة الأرض للسماء ينتزع عنوان الفوقية والتحتية، فبناءً على ان الموجود الانتزاعي موجود بالعرض كما هو الصحيح لا موجود بالتبع كما ذهب له بعض الحكماء فليس له وجود خارجي أصلاً بل هو اعتبار ذهني يتسبب على نحو الاقتضاء لا العلية التامة عما في الخارج ، والا فليس له وجود في الخارج وإنما الوجود أولاً وبالذات لما في الخارج وهو منشأ الانتزاع وينسب ثانياً وبالعرض للعنوان الانتزاعي .
الثاني : مورد الكثرة الادراكية ، حيث ان انتقال صورة الخارج الى الذهن لا تعني كون الذهن صندوقاً أميناً يحتفظ بالصورة الخارجية كما هي عليه ، بل الذهن بحكم العوامل النفسية والاجتماعية والرواسب الثقافية يستخدم خلاقيته وفعاليته في تصور المعلوم على عدة صور، كما تقوم النفس أثناء النوم بخلق صور وأشكال تتناسب مع رواسب العقل الباطن كما يذكره بعض مدارس علماء النفس .
إذن فالصحيح أن وجود منشأ خارجي للصورة الذهنية لا يعني ان الذهن لا يقوم باي اعتبار استناداً لهذه المناشيء الواقعية ، فاعتبارات الماهية اللابشرط والبشرط لا والبشرط شيء -مثلاً- ليست مجرد انعكاسات عن الواقع من دون تدخل الذهن في صناعة الاعتبار المتلائم مع المنشأ الواقعي كما شرحناه في الأمثلة السابقة ، حيث أن الأمور الانتزاعية اعتبارات يصنعها الذهن لوجود مناشيء واقعية تستلزم هذا الاعتبار ولو على نحو الاقتضاء لا العلية التامة، بناءً على عدم وجود الامر الانتزاعي خارجاً لا بالأصالة ولا بالتبع لمنشأ انتزاعه وإنما ينسب إليه الوجود بالعرض .
كما أن الصور الذهنية المختلفة لشيء واحد يقوم الذهن بخلقها لمناشيء واقعية تدعو النفس الى خلق تلك الصور، فالاعتبارات التي طرحها الفلاسفة في باب اعتبارات الماهية وباب الجنس والفصل اعتبارات فرضية ناشئة عن حيثيات واقعية كما أوضحنا ذلك ، فلا مانع حينئذ من كون المشتق متحداً في المعنى مع المبدأ وكون الفرق بينهما فرقاً اعتبارياً راجعاً الى اللابشرط والبشرط لا بحيث يصح الحمل بناءً على أحد الاعتبارين ولا يصح بناءً على الاعتبار الاخر، ولا دليل عندنا على أن كل اعتبار لابد أن . يكون قابلاً للزوال باعتبار يغايره ، فإن ذلك خاص بالاعتبارات الأدبية ونحوها وأما الاعتبار الناشئ عن حيثية واقعية فلا يزول ما دام المنشأ الواقعي له موجوداً .
وثالثاً : إن ظاهر كلامه (قدس سره) أن الاعتبارات المجازية لا مجال لها في العلوم العقلية مع أن الفلاسفة قد عقدوا بحثا في تعريف الواسطة وانقسامها للواسطة في الثبوت والواسطة في العروض والواسطة في العروض راجعة للإسناد المجازي المبني على الاعتبار الذهني ، فمثلاً إذا قلنا الجسم أبيض فإن هذه الجملة وإن كانت بحسب نظر العرف إسناداً حقيقياً الا أنها اسناد مجازي ، بنظر العقل ، لأن الأبيض هو البياض في الواقع لا الجسم وإنما أسند للجسم لواسطة في العروض ، وهي حيثية ارتباط البياض به على نحو التركيب الانضمامي أو التركيب الاتحادي على الخلاف في بحث الأعراض .
بل حتى قولنا الإنسان موجود إسناد مجازي بنظر العقل في الواقع ، لأن الموجودية للوجود لا للماهية ولكن الوجود اسند لها بواسطة كونها حداً وقالباً للوجود، فإذن الحكماء يرون الاعتبار الذهني دخيلاً في الاسناد والحمل ، ويعبرون عنه بالواسطة في العروض ، ويستخدمونه في أكثر القضايا العقلية والواقعية كقولهم الإنسان موجود مثلاً، مما يدل على دخالة الاعتبار المجازي العقلي في العلوم الفلسفية وشيوع استخدامه عندهم ودوره الفعال في صناعة الحمل .
الايراد الثاني : ما طرح في كلمات السيد الأستاذ في المحاضرات في بحث المشتق وبحث علامات الحقيقة والمجاز ، وحاصله يرجع لنقطتين :
الأولى : مناقشة القول ببساطة المشتق من عدة زوايا :
أ - إن الحمل الشائع يعتبر فيه مغايرة الموضوع للمحمول مفهوماً واتحادهما حقيقة ووجوداً .
ب - إن العرض له وجود محمولي يختص به غير وجود الجوهر وإن كان قائماً بالجوهر.
ج - بما أن المشتق هو نفس المبدأ العرضي والمبدأ العرضي مغاير في الوجود لوجود الذات إذن فلا يوجد بين الموضوع والمحمول اتحاد وجوب مصحح للحمل .
د - إن هذه المغايرة ليست اعتبارية حتى تتغير باعتبار آخر كاعتبار اللابشرط مثلاً، بل هذا الاعتبار لو لوحظ ألف مرة لا يغير من الواقع شيئاً ، وهي المغايرة الحقيقية بين المبدأ والذات (4) .
إذن فعلى القول بالبساطة في المشتق لا يصح حمله على الذات كما ذكرنا.
الثانية : تصحيح الحمل بناءاً على القول بالتركيب ، وتوضيحه : إن المختار عندنا هو القول بتركب المشتق فهو عبارة عن الذات الواجدة للمبدأ ، وبناءاً على هذا يصح حمل المشتق على الذات حملاً شائعاً لتحقق الاتحاد الوجودي العرضي بينهما.
بيان ذلك : إن الوجود الذي يكون به الاتحاد المصحح للحمل إما أن يكون وجوداً لكلا الطرفين بالذات كما في حمل الطبيعي على فرده ، فإن الطبيعي يوجد بوجود فرده فينتسب الوجود حقيقة وبالذات للفرد وللكلي معاً ، فلو قلنا زيد إنسان فكلا الطرفين موجودان بوجود واحد لهما بالذات. وإما أن يكون الوجود لأحدهما بالذات وللآخر بالعرض كما في حمل العناوين العرضية على الذات ومنها المشتقات ، فإذا قلنا زيد عالم فالوجود الحقيقي هنا لزيد وإنّما ينسب ثانياً وبالعرض لعنوان العالم ، والمصحح لحمل لفظ العالم على زيد مع عدم اتحادهما حقيقة وبالذات وجود حمل ضمني آخر في نفس الجملة يشتمل على الإتحاد الوجودي الحقيقي ، وهو حمل كلي العلم على الفرد الخارجي منه القائم بزيد ، ومن المعلوم أن حمل الكلي على فرده حمل حقيقي للاتحاد الوجودي الحقيقي بينهما.
والحاصل : أننا إذا قلنا زيد عالم فهنا حملان أحدهما صريح والآخر ضمني ، فالحمل الصريح هو حمل عنوان العالم المركب على زيد والحمل الضمني هو حمل كلي العلم على الفرد الخارجي من العلم القائم بزيد ، والحمل الأول راجع للحمل الثاني ، والسبب في رجوع الحمل الأول للثاني أمران :
أ ـ إن عنوان العالم منتزع من العلم فلا بد أن يكون الحمل للعالم راجعاً للحمل في صفة العلم.
ب ـ إن الفلاسفة قالوا : إن ما بالعرض يرجع لما بالذات ، وحيث انحمل لفظ العالم على زيد يحتاج لمصحح والمصحح له الاتحاد الوجودي العرضي فيرجع لا محالة إلى حمل كلي العلم على فرده ، فإن حمله يعتمد على مصحح أيضاً وهو الاتحاد الوجودي الحقيقي ، فرجع بالنتيجة الاتحاد الوجودي العرضي بين زيد والعالم للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي العلم وفرده ، فما بالعرض يرجع لما بالذات.
وهذا كله في حمل العنوان العرضي على الذات ، وأما في حمل العناوين العرضية على بعضها نحو الكاتب ضاحك فإن هذا الحمل يستند إلى مصحح ، والمصحح له الاتحاد الوجودي العرضي بينهما الراجع للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي الكتابة وفرده الخارجي وكلي الضحك وفرده الخارجي كما شرحناه في الحمل السابق (5). ولكننا نسجل بعض الملاحظات على ما ذكره السيد الأستاذ (قده) :
الأولى : قد ذكرنا سابقاً أن هناك مسلكين في وجود الأعراض ، فالمسلك الأول : هو القائل بأن الأعراض أطوار الوجود الجوهري لا أنها وجودات محمولية أخرى غير الوجود الجوهري ، وبناءاً على هذا المسلك فالاتحاد الوجودي المصحح للحمل الشائع متحقق بين المشتق والذات المحمول عليها وإن قلنا ببساطة المشتق وأنه عين المبدأ العرضي.
والمسلك الثاني هو القائل بمغايرة وجود العرض لوجود الجوهر ، وبناءاً على هذا المسلك فالاتحاد الوجودي العرفي حاصل بين المشتق والذات وهو كاف في صحة الحمل ، فإننا إذا قلنا ـ مثلاً ـ زيد عالم فالعالم في الحقيقة هو العلم لا زيد ولكن لاقتران العلم بزيد على نحو التركيب الاتحادي أو الانضمامي صح حمل العالم عليه ، الا أنه حمل مع الواسطة في العروض ومن أجل خفاء الواسطة
عرفاً يعد هذا الحمل حملاً حقيقياً عرفاً للاتحاد الوجودي بين الطرفين بنظر العرف وهو كاف في صحة الحمل ، فلا يتم ما ذكره السيد الأستاذ في النقطة الأولى من عدم وجود المصحح للحمل ـ وهو الاتحاد الوجودي ـ بناءاً على القول بالبساطة.
الملاحظة الثانية : إن ما ذكره في النقطة الأولى من أن المغايرة الحقيقية بين الموضوع والمحمول لا تتغير باعتبار اللابشرط حتى يصح الحمل بهذا الاعتبار يرد عليه أمران :
أ ـ ما ذكرناه سابقاً أن الحمل عمل نفسي يتأثر بتدخل الاعتبارات فيه ، فمثلاً كل ماهية تتألف من عنصرين : ما به الاشتراك وما به الامتياز ، وما به الاشتراك لو لوحظ بحده الخاص فلا يصح حمله على الذات وهذا معنى اعتبار البشرط لا ، ولو لوحظ بما هو مبهم تمام الابهام لولا الصورة النوعية صح حمله وهذا هو معنى اعتبار اللابشرط ، إذن فالاعتبارات لها تأثير واضح على صناعة الحمل وتغيره.
ب ـ أننا لا نقول : بأن اعتبار اللابشرط واعتبار البشرط لا مجرد فرض ذهني لا منشأ له في الواقع حتى يشكل على ذلك بأن هذه الاعتبارات لا تأثير لها في الحمل ، بل نقول : بأن الذهن إذا أدرك الاتحاد الوجودي بين الطرفين ولو كان اتحاداً عرفياً قام باعتبار اللابشرط في المحمول حتى تتحقق حالة الهوهوية والاندماج بين الطرفين ، وهو معنى الحمل ، فهذه الاعتبارات لها مناشيء واقعية لا مجرد فرض ذهني.
الملاحظة الثالثة : إن المصحح لحمل المشتق على الذات في نظره هو الاتحاد الوجودي العرضي الراجع للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي المبدأ وفرده الخارجي ، وهذا الكلام يتصور على وجوه :
أ ـ إن المصحح لحمل لفظ المشتق كعالم على زيد ـ مثلاً ـ هو الاتحاد
الوجودي العرضي ، بمعنى أن يكون الوجود أولاً وبالذات لزيد وثانياً وبالعرض للمشتق ، والسؤال المطروح حينئذ : ما هو الملاك المصحح لنسبة الوجود الثابت لزيد بالذات إلى العنوان المشتق ثانيا وبالعرض ؟ والجواب : أن المصحح أحد أمرين :
١ ـ المصاحبة في الوجود بين الذات ومبدأ المشتق على نحو التركيب الانضمامي ، فإن انضمام كل منهما للآخر في الوجود سوغ لنا نسبة الوجود الثابت للذات إلى المشتق المنتزع من ذلك المبدأ المنضم لها.
إلا أن هذا المصحح متحقق حتى في الحمل المجازي نحو الميزاب جار ، فإن الوجود الثابت لجريان الماء أولاً وبالذات نسب للميزاب ثانياً وبالعرض لتصاحبهما على نحو الظرفية والمظروفية ، إذن فهذا المصحح وهو الاتحاد الوجودي ولو بالعرض متحقق حتى في الحمل المجازي فلا يكون مبرراً مقبولاً للحمل الشائع الصناعي الحقيقي الذي هو محل النزاع.
٢ ـ إن الارتباط بين المبدأ العرضي كالعلم ـ مثلاً ـ وبين الذات على نحو التركيب الاتحادي هو الذي سوغ نسبة الوجود الثابت للذات بالحقيقة للعنوان المنتزع من ذلك المبدأ العرضي ثانياً وبالعرض وهو المصحح لحمله عليه.
ومن المعلوم أن هذا المصحح لا يبرر كون الحمل حملاً حقيقياً ، فإن اتحاد الذات مع مبدأ الانتزاع لا يستلزم الاتحاد بين الذات والعنوان الانتزاعي الا على نحو المجاز ، نعم لو رجع كلامه لما ذكره المحقق النائيني (قده) من القول بالبساطة وكون مفهوم المشتق هو مفهوم المبدأ فوجود الاتحاد الحقيقي العرفي بين الذات والمبدأ معناه وجود نفس هذا الاتحاد بين الذات والعنوان المشتق ، وهو المصحح للحمل الشائع الحقيقي.
ب ـ إن المصحح لحمل المشتق على الذات هو الاتحاد الوجودي العرضي الراجع للاتحاد الوجودي الحقيقي بين كلي المبدأ وفرده الخارجي ، لرجوع ما بالعرض لما بالذات.
وفيه : إنه لا يوجد ربط بين الحملين فكيف يكون أحدهما مصححاً للآخر ؟ فحمل العالم على زيد مختلف موضوعاً ومحمولاً عن حمل كلي العلم على فرده الخارجي القائم بزيد فكيف يصح رجوع الحمل الأول للثاني ؟
فإن قلت : بأن السبب في رجوع الحمل الاول للثاني هو قانون الانتزاع ، حيث إن عنوان العالم منتزع من العلم فحمل العنوان الانتزاعي راجع للحمل في منشأ انتزاعه ، وبما أن الحمل في منشأ الانتزاع واجد للاتحاد الوجودي الحقيقي فهذا كاف في صحة الحمل الشائع الحقيقي للعنوان المنتزع ، وهو المشتق.
قلت : أولاً : أننا ذكرنا سابقاً أن العنوان الانتزاعي له منشأ انتزاع وهو ما يصح حمله عليه ومصحح انتزاع ، ومنشأ الانتزاع بالنسبة للمشتق هنا هو الذات ومصححه هو المبدأ ، فلا موجب لرجوع الحمل في المشتق إلى الحمل في مصحح انتزاعه وهو المبدأ ، لعدم كونه منشأ لانتزاعه حتى يدور مداره في الحمل.
وثانياً : إن قانون رجوع ما بالعرض لما بالذات يقتضي رجوع الاتحاد الوجودي العرضي بين زيد والعنوان المشتق إلى الاتحاد الوجودي الحقيقي بين زيد ومبدأ الاشتقاق الذي هو منشأ الانتزاع عند القائل به ، لا إلى الاتحاد الوجودي بين كلي العلم وفرده الخارجي فإنه لا ربط له بالأول.
ج ـ إننا إذا قلنا زيد عالم فعنوان عالم بمقتضى كونه مفهوماً مركباً يعني الذات الواجدة للعلم ، وحينئذ يكون له انطباقان قهريان ، انطباق عنوان الذات على زيد وهذا هو الحمل الأول وانطباق كلي العلم على فرده القائم بزيد وهذا هو الحمل الثاني ، فمقصود من يقول بالتركيب هو اشتمال لفظ المشتق على انطباقين وحملين ، الا أنه لا دليل ولا موجب لرجوع الحمل الأول للثاني واعتماد مصححه على مصححه كما أوضحنا ذلك مفصلاً.
الايراد الثالث : ما في المحاضرات (6) ، ومحصله : إن المصحح لحمل المشتق على الذات المطروح في كلمات المحقق النائيني (قده) وهو لحاظ العرض بما هو طور من أطوار الجوهر وشأن من شؤونه المعبر عنه باللابشرط هذا خاص بما إذا كان المشتق من العناوين العرضية المقولية ، فإنه تارة يلاحظ من حيث وجود النفسي فلا يصح حمله وهذا معنى البشرط لا ، وأخرى يلاحظ بما هو نعت للجوهر فيصح حمله عليه وهذا معنى اللابشرط ، أما لوكان المشتق من العناوين الانتزاعية كالممكن أو الاعتبارية كالواجب والمملوك أو العدمية كالأعمى ـ مثلاً ـ فهذه العناوين ليست أطواراً ولا شؤوناً للوجود الجوهري حتى يصح حملها بهذا اللحاظ المعبر عنه باللابشرط ، إذن فالمصحح المذكور ليس عاماً لجميع أنواع المشتق (7).
وجوابنا عن هذا الايراد يتم في أمرين :
أ ـ ذكر الفلاسفة أن الحمل مشروط بالاتحاد الوجودي ، ومعنى الاتحاد الوجودي بين الموضوع والمحمول بحسب عباراتهم هو كون أحد الطرفين متحصلاً والآخر لا متحصلاً ليتم حمل أحدهما على الآخر ، فإن حمل المتحصل أي ماله وجود وفعلية بإزائه في الخارج على المتحصل غير ممكن لامتناع اجتماع الفعليتين في موضوع واحد ، ولذلك ذهب الحكماء إما إلى أصالة الوجود وإما لأصالة الماهية ، فإن دعوى أصالتهما معاً لازمها كون كل شيء شيئين وهذا مناف للوجدان ، ولازمها أيضاً عدم صحة حمل الماهية على الوجود فلا يصح أن يقال زيد موجود لامتناع حمل المتحصل كما ذكرنا على المتحصل الآخر ، فلا بد من أجل تصحيح الحمل من كون الموضوع ـ مثلاً ـ متحصلاً والمحمول لا متحصلاً لتتم عملية الحمل.
ب ـ بناءاً على ما ذكر في الأمر الأول لا بد من التفصيل في حمل المشتق على الذات ، حيث أن المشتق على أنواع :
أ ـ ما كان من الأعراض المقولية كالعالم والضاحك ، وفي هذا النوع إن قلنا بمسلك الآقا علي المدرس من وحدة وجود الجوهر والعرض فلا ريب في صحة حمل العرض حينئذ على الجوهر لكونه من باب حمل اللامتحصل على المتحصل ، وإن قلنا بمسلك المشهور من تعدد الوجود للجوهر والعرض فهنا نحتاج في عملية الحمل إلى تدخل الاعتبار المصحح له ، وذلك بالنظر للعرض بما هو طور وشأن من شؤون الجوهر ليصح الحمل بعد ذلك ، إذن فقيام الذهن باعتبار اللابشرط ليس ملاكاً عاماً لجميع المشتقات وإنّما هو خاص بما إذا كان المشتق من الأعراض المقولية ، حيث أنه حينئذ يكون وجوداً متحصلاً في مقابل وجود الجوهر بناءاً على المسلك المشهور في الأعراض فيحتاج حمله إلى تدخل الاعتبار كما ذكرنا.
ب ـ ما كان المشتق من العناوين الانتزاعية كالممكن والممتنع ولا ريب في صحة الحمل فيها بلا حاجة إلى ملاحظتها بما هي طور وشأن للذات المحمول عليها ، وذلك لأننا إنما نحتاج لهذا اللحاظ عند كون المشتق من الاعراض المتأصلة وأما عندما يكون المشتق من الانتزاعيات المأخوذة من صميم الذات المنتزع منها فهي متحدة مع منشأ انتزاعها وجوداً ونسبتها له نسبة اللامتحصل للمتحصل ، فشرط الحمل موجود فيها بلا حاجة للحاظ النعتية فيها أصلاً ، مع أنها في الواقع نعت وشأن من شؤون الذات أيضاً.
ج ـ ما كان من العناوين الاعتبارية كقولنا الصلاة واجبة والكتاب مملوك ولا ريب في صحة الحمل حينئذ ، للاتحاد الاعتباري مع متعلقه في وعاء الاعتبار حيث إن نسبة متعلق الاعتبار للاعتبار نسبة الحد المحدود ونسبة الماهية للوجود وهي نسبة اللامتحصل للمتحصل ، فلا مانع من حمله عليه بلا حاجة للحاظ النعتية مع ثبوتها واقعاً.
د ـ ما كان المشتق من العناوين العدمية كالأعمى ـ مثلاً ـ ولا ريب في صحة حمله على الذات فيقال زيد أعمى ، لأن المراد بالعمى عدم البصر في الموضوع القابل له لا مطلقاً ، وهو بهذا المعنى يعد نعتاً وطوراً لموضوعه فيصح حمله عليه ، مضافاً لعدم فعليته ومحصليته لكونه عدماً فلا يمتنع حمله على المتحصل.
الايراد الرابع : ما ذكر في المحاضرات أيضاً ، وحاصله : أن الفرق المذكور بين المشتق والمبدأ وهو الفرق باللابشرط والبشرط لا هو في الواقع فرق بين المصدر واسم المصدر ، حيث أن المصدر هو الحاكي عن العرض باعتبار وجوده النعتي وهذا ما نعبر عنه باللابشرط واسم المصدر هو الحاكي عن العرض باعتبار وجوده النفسي المحمولي وهذا ما نعبر عنه بالبشرط لا.
وفيه ملاحظات :
أ ـ إن الفارق الجذري بين المصدر واسم المصدر مع دلالة كل منهما على طبيعي الحدث أن المصدر دال على الحيثية الصدورية من الفاعل واسم المصدر فاقد لهذا المدلول ، لا أن الفارق بينهما هو اعتبار البشرط لا واللابشرط فإن كليهما مأخوذ بنحو البشرط لا من ناحية الحمل ، فلا يصح إسنادهما للذات الا تجوزاً (8).
ب ـ إن المبنى المختار عند السيد الأستاذ (قده) هو دلالة الألفاظ على المعاني الواقعية العارية عن قيد الوجود والعدم ، فكيف يكون مدلول المصدر هو العرض بلحاظ وجوده النعتي ومدلول اسم المصدر هو العرض بلحاظ وجوده المحمولي ؟ مع أن لازم ذلك عدم صحة حمل الوجود والعدم على اسم المصدر ، فإذا قلنا ـ مثلاً ـ ضرب موجود فمؤداه التكرار لرجوعه لقولنا الوجود المحمولي للضرب موجود ، أو التجوز في الكلمة بإلغاء دلالتها على الوجود المحمولي ، وكلاهما مرفوض في الوجدان العرفي. وإذا قلنا ضرب معدوم فمؤداه تناقض طرفي الجملة لرجوعه لقولنا الوجود المحمولي للضرب معدوم ، أو التجوز في الكلمة بإلغاء دلالتها على الوجود المحمولي ، فالصحيح عدم تمامية الايراد المذكور.
ج ـ إن تقابل الوجود النعتي مع الوجود المحمولي غير تام ، بل الصحيح في الفلسفة هو التقابل أولاً بين الوجود الرابط وهو مفاد كان الناقصة والوجود المحمولي وهو مفاد كان التامة ، والوجود المحمولي ينقسم لوجود نفسي وهو وجود الجواهر ووجود غيري نعتي وهو وجود الأعراض ، فجعل الوجود النعتي مقابل الوجود المحمولي من باب جعل قسم الشيء قسيماً له.
الايراد الخامس : ما في المحاضرات (9) أيضاً ، وتقريبه : أن المصحح المطروح في كلمات المحقق النائيني (قده) لحمل المشتق على الذات وهو ملاحظة المبدأ العرضي بما هو طور من أطوار الجوهر وشأن من شؤونه خاص ببعض المشتقات دون البعض الآخر لعدم تصوره في بعض المبادئ ، ومنها ثلاثة موارد :
أ ـ اسم الزمان والمكان كلفظ مقتل مثلاً ، فإن مقتضى القول ببساطة المشتق هو القول ببساطة اسم الزمان أيضاً وكون مفهومه هو مفهوم المبدأ نفسه وهو القتل في المثال ، ولا فرق بينهما الا بالاعتبار ، بمعنى أن القتل إذا لوحظ بما هو حدث خاص فهو المبدأ المعتبر بنحو البشرط لا فلا يصح حمله على الهوية الزمانية والمكانية وإن لوحظ بما هو طور من أطوار موضوعه فهو المشتق المعتبر بنحو اللابشرط ، ولكن هذا اللحاظ غير ممكن في اسم الزمان والمكان لعدم معقولية كون الحدث طوراً من أطوار زمانه أو مكانه بل علاقته بهما علاقة الظرفية والحلول لا علاقة الناعتية والصفتية ، فلا مصحح حينئذ ـ بناءاً على القول بالبساطة ـ لحمل اسم الزمان والمكان على الزمان أو المكان ، لأن المصحح هو لحاظ اللابشرط الذي يعني رؤية المبدأ العرضي بما هو طور وشأن لموضوعه وهذه الرؤية غير متصورة في اسم الزمان والمكان.
ب ـ أسماء الآلة كمفتاح مثلاً ، فإنه لا يتصور فيه كونه طوراً وشأناً من شؤون الآلة الخاصة بالفتح بل علاقته بها علاقة الاستعانة لا علاقة الناعتية والصفتية ، ولازم ذلك عدم صحة حمله على الذات المخصوصة بناءاً على القول بالبساطة ، لعدم وجود مصحح للحمل حينئذ ، مع أن صحة الحمل عرفاً لا ريب فيها.
ج ـ بعض أسماء الفاعلين ، حيث إن اسم الفاعل على قسمين :
١ ـ ما كان قيام المبدأ به قياماً حلولياً كالقاعد والقائم ولا شاهد في هذا القسم.
٢ ـ ما كان قيام المبدأ به قياماً صدورياً كالضارب والمؤلم ومحل الاشكال هو هذا القسم ، باعتبار أن الحدث الصادر من فاعله لا يتصور فيه كونه طوراً وشأنا من شوونه ، لأن علاقته به علاقة المعلول بالعلة لا علاقة النعت بالمنعوت فليس المعلول طوراً من أطوار علته ونعتاً من نعوتها بخلاف علاقته بالمفعول به الواقع عليه الحدث وهو المضروب مثلاً ، فان الضرب قد يعد طوراً مات أطواره على نحو المضروبية باعتبار نسبته إليه نسبة العرض لموضوعه ، إذن فلا مصحح لحمل المشتق في بعض أسماء الفاعلين.
والحاصل : إن المصحح المذكور في كلمات المحقق النائيني (قده) لحمل المشتق على الذات وهو لحاظه بنحو اللابشرط ورؤيته بصورة النعتية والصفتية لا اطراد له في سائر المشتقات (10) والجواب عن هذا الايراد بوجهين :
الوجه الأول : إن المشتقات على قسمين.
١ ـ ما كان اختلاف معناه لاختلاف هيئته كاختلاف معنى الضارب عن معنى المضروب.
٢ ـ ما كان اختلاف معناه لاختلاف المبدأ الخفي الملاحظ فيه كاختلاف مفهوم العالم ومفهوم السارق ، فإن لفظ العالم ـ مثلاً ـ لا يصح اطلاقه على الذات بعد زوال تلبسها بالعلم الا مجازاً بينما لفظ السارق يصح إطلاقه بلا عناية على الذات بعد زوال مبدأ السرقة عنها ، فعدم صحة الاطلاق الحقيقي في الأول وصحته في الثاني مع اشتراكهما في الهيئة دليل على اختلاف المبدأ الخفي في كل منهما ، فإن المبدأ المأخوذ في لفظ العالم مأخوذ على نحو الفعلية لذلك لا يصح إطلاقه حقيقة بعد زوال التلبس بالمبدأ والمبدأ المأخوذ في لفظ السارق مأخوذ على نحو المضي والحدوث لا الفعلية ولذلك صح اطلاقه بلا تجوز بعد زوال التلبس بالمبدأ الفعلي.
وبعد وضوح هذا المطلب نقول : بأن الموارد الثلاثة التي طرحها السيد الأستاذ (قده) واجدة لمصحح الحمل وهو لحاظ النعتية والصفتية ومتوفرة عليه ، إما من قبل هيئاتها وإما من قبل المبدأ الخفي فيها ، وبيان ذلك بعرض الموارد الثلاثة :
الأول : إن اسم الزمان والمكان له لحاظان :
١ ـ النسبة الفعلية ، بمعنى أن يكون مفهوم مقتل ـ مثلاً ـ هو مفهوم القتل نفسه ولا فرق بينهما الا بالاعتبار ، وبلحاظ هذه النسبة يرد الاشكال المذكور في المحاضرات من عدم معقولية مصحح الحمل حينئذ ، فإن مبدأ القتل ليس شأناً ولا طوراً من أطوار زمانه أو مكانه ، مع أن صحة الحمل لا ريب فيها عند العرف.
٢ ـ النسبة الوعائية والاحتوائية ، بمعنى أن يكون المراد بلفظ مقتل ـ مثلاً ـ هو الاحتواء والوعائية لحدث القتل ، وبهذا اللحاظ يصح حمل اسم الزمان والمكان على الهوية الزمانية والمكانية فيقال اليوم مقتل الحسين عليه السلام وكربلاء مقتل الحسين عليه السلام ، لوجود المصحح لهذا الحمل وهو اعتبار الناعتية والصفتية ، فإن النسبة الوعائية طور من أطوار الزمان والمكان وشأن من شؤونهما ، فالإشكال الذي طرحه السيد الأستاذ (قده) وهو عدم وجود المصحح لحمل أسماء الزمان والمكان لعدم تصور الناعتية فيها لنفس الزمان والمكان مبني على أخذ مفهوم اسم الزمان والمكان بنحو النسبة الحدثية الفعلية ، بينما لو أخذ مفهومه بنحو النسبة الوعائية لكان الحمل متوفراً على مصححه وهو لحاظ الناعتية والصفتية.
نعم استفادة النسبة الوعائية إما من ناحية الهيئة وهي هيئة مفعل ، كما اختاره السيد الأستاذ (قده) نفسه في بحث النزاع في اسم الزمان ، باعتبار اختصاص هذه الهيئة باسم الزمان والمكان ، وإما من ناحية المبدأ الخفي لعدم اختصاص هيئة مفعل باسم الزمان والمكان بل هي شاملة حتى للمصدر الميمي مثلاً ، كما في قولك قتل زيد مقتلاً عظيماً.
وحينئذ لو كانت النسبة الوعائية مستفادة من ناحية الهيئة لتحقق هذا المدلول حتى في المصدر الميمي وهو مفقود بالوجدان ، فلا بد أن يكون هذا المدلول مستفاداً من المبدأ الخفي لاسم الزمان والمكان ، بمعنى أن المبدأ الجلي للفظ مقتل ـ مثلاً ـ هو النسبة الحدثية الفعلية التي يرد الاشكال المطروح في المحاضرات بالنظر إليها والمبدأ الخفي له هو النسبة الوعائية التي يصح الحمل بالنظر إليها هذا كله بالنسبة للمورد الأوّل.
المورد الثاني : أسماء الآلة كلفظ مفتاح مثلاً له لحاظان أيضاً :
١ ـ النسبة الفعلية ، وعند لحاظ هذه النسبة لا يصح حمل اسم الآلة على الآلة الحديدية نفسها لعدم وجود مصحح الحمل ، وذلك لعدم تصور كون مبدأ الفتح طوراً من أطوار الآلة الخارجية ونعتاً من نعوتها.
٢ ـ النسبة الاعدادية ، وبهذا اللحاظ يصح حمل اسم الآلة على الآلة الخارجية لتصور الاتحاد بينهما ، باعتبار كون الاعداد نعتاً من نعوت الآلة الحديدية وطوراً من أطوارها فمصحح الحمل موجود ومتحقق.
واستفادة النسبة الإعدادية إما من ناحية الهيئة إذا قلنا باختصاصها باسم الآلة ، وإما من ناحية المبدأ الخفي لاسم الآلة على فرض شمول الهيئة وهي هيئة مفعال ـ مثلاً ـ حتى لغير اسم الآلة كصيغ المبالغة في قولنا زيد مقدام مثلاً ، وحينئذ يصح لنا أن نقول : بأن المبدأ الجلي للفظ مفتاح هو الفتح الفعلي والمبدأ الخفي له هو النسبة الاعدادية التي يصح الحمل بلحاظها.
المورد الثالث : اسم الفاعل الذي يكون قيام الفعل به قياماً صدورياً لا حلولياً كالضارب مثلاً ، فإن المبدأ الجلي له وهو الضرب الفعلي ليس مصححاً للحمل باعتبار عدم كونه طوراً من أطوار الذاتي ونعتاً من نعوتها ولكن المبدأ الخفي له وهو الحيثية المصدرية مصحح للحمل لكونه نعتاً للذات وطوراً من أطواراها.
فما ذكره السيد الأستاذ (قده) من الاشكال في الموارد الثلاثة مبني على ملاحظة النسبة الفعلية دون لحاظ النسبة الشأنية من المفهوم الوعائي في اسم الزمان ، والمفهوم الاعدادي في اسم الآلة، والمفهوم المصدري في اسم الفاعل.
الوجه الثاني : قد ذكرنا سابقاً أن الحمل الشائع على قسمين :
١ ـ حمل حقيقي ، وهو المتقوم بالاتحاد الوجودي الحقيقي بين الموضوع والمحمول نحو الضوء مضيء والبياض أبيض.
٢ ـ حمل مجازي ، وهو المتقوم بالاتحاد الوجودي العرفي ، بمعنى أن العرف يرى صحة حمل أحد الطرفين على الآخر وكونه حملاً حقيقياً مع أنه بنظر العقل حمل مجازي لوجود الواسطة الخفية في العروض نحو الجسم أبيض ، فإن هذا الحمل بنظر العرف حمل حقيقي لوحدة الطرفين وجوداً بحسب نظره مع أنه حمل مجازي بنظر العقل ، لأن حمل الأبيضية على الجسم مستند لواسطة خفية بينهما وهي واسطة التركيب الاتحادي بينهما والا فالأبيض في الحقيقة هو البياض لا الجسم.
وبعد وضوح هذا المطلب نقول : بأن الموارد الثلاثة المطروحة في المحاضرات داخلة تحت القسم الثاني من الحمل الشائع ، وذلك لأن عدم الاتحاد الوجودي الحقيقي بين المبدأ كالقتل ـمثلاًـ وزمانه ومكانه بحيث لا يعد المبدأ من أطواره ونعوته لا يستلزم عدم صحة الحمل الشائع مطلقاً بل يصح القسم الثاني من الحمل الشائع فيه ، فيقال اليوم مقتل الحسين عليه السلام وكربلاء مقتل الحسين عليه السلام باعتبار الاتحاد الوجودي العرفي بينهما بحيث يرى المبدأ طوراً ونعتاً لزمانه ومكانه.
ونفس التحليل نطرحه في أسماء الآلة وأسماء الفاعلين المتلبسين بالنسبة الصدورية لا الحلولية ، ففي هذه الموارد كلها يكون القول ببساطة المشتق مستلزماً لعدم صحة الحمل الشائع الحقيقي لعدم تصور الاتحاد الوجودي بينها وبين موضوعاتها فلا ترى نعوتاً ولا أطواراً لهذه الموضوعات ، لكن ذلك لا ينافي صحة الحمل الشائع المجازي لتصور الاتحاد العرفي فيها بحيث ترى بنظره نعوتاً وأطوارا لمبادئها ، ولكن هذا الوجه لا يخلو عن المناقشة.
الايراد السادس : إن تصور كون العرض شأناً من شؤون معروضه وطوراً من أطواره بحيث يصح حمله عليه إنما يحتمل فيما إذا كان المعروض من الجواهر لا من الأعراض ، إذ لا يتصور كون العرض طوراً من أطوار عرض آخر ، وحينئذ لا ينطبق المصحح المذكور للحمل على اسم الزمان ، باعتبار أن الزمان لو قلنا بأنه بعد واقعي لا بعد موهوم ولا بعد انتزاعي فهو بالنتيجة عرض لأنه من الكميات التدريجية المتصلة لا من الجواهر فكيف تكون الأعراض شأناً من شؤونه مع كونه عرضاً مثلها ؟!
والجواب : إن تصور النعتية والصفتية لا يتوقف على كون المنعوت والموصوف جوهراً كما هو واضح ، بل يصح ذلك حتى مع كون المنعوت عرضاً من الأعراض ، ولذلك يوصف الخط بالاستقامة والانحناء مع كونهما من الأعراض ويوصف السطح بالتعرج والاستواء مع كونهما من الأعراض أيضاً ، مما يدل على صحة اتصاف العرض بعرض آخر وهو الذي عبر عنه المحقق النائيني بمتمم المقولة.
الايراد السابع : وهو إشكال لغوي من ناحيتين :
أ ـ من المعلوم في اللغة عدم ورود الجمع والتثنية على المصادر الا ما شذ كالأشغال والحلوم كما ذكر في تاج العروس وفي لسان العرب وفي شرح الكافية للسرخسي (1١) ، فلو كانت المشتقات عين المصادر في المعنى ولا فرق بينهما الا بالاعتبار لم يصح ورود التثنية والجمع عليها مع صحة أن يقال ضاربون وضاربان بلا ريب.
ب ـ إن الملاحظ في اللغة دوران التثنية والجمع مدار تعدد الذات لا تعدد الحدث ، فلو تعدد الحدث مع وحدة الذات لم يصح الجمع ولا التثنية فلا يصح أن يقال ضاربان لذات واحدة صدر منها فردان من الضرب ، ولو تعددت الذات مع وحدة الحدث صح الجمع والثثنية فيقال قتلة الحسين عليه السلام لذوات متعددة اشتركت في حدث واحد.
والنتيجة أنه لو كان المراد بالمشتقات هو المراد بالمصادر لورد عليها التثنية عند تعدد الحدث وإن اتحدت الذات فيقال ضاربان لشخص واحد مع أنه غير صحيح بلا ريب ، بينما تصح هذه التثنية مع تعدد الذات وإن اتحد الحدث مما يدل على التركيب ودخالة الذات في مفهوم المشتق.
والجواب عن ذلك : إن المدعى على القول بالبساطة هو وجود الفارق الاعتباري بين المشتق والمبدأ وكون هذا الفارق الاعتباري ناشئاً عن حيثيات واقعية ، فالعرض عند لحاظه بحده الخاص لا يصح حمله وعند لحاظه بما هو طور لموضوعه يصح حمله عليه ، وبهذا اللحاظ يصح تثنيته وجمعه ـ أيضاً ـ لأنه حاك عن الذات ووجهها المعبر عنها فيكتسب خاصية الذات ، وهي ورود التثنية والجمع عليه حين تعدد الذات وإن كان الحدث واحداً.
____________
(1) فوائد الأصول : 1 | 120 .
(2) تهذيب الأصول : 1 |126.
(3) شرح المنظومة : 2 |340.
(4) محاضرات في أصول الفقه 1 |275 - 288 .
(5) محاضرات في أصول الفقه ١ / ١٦٦ ـ ٢٢٠.
(6) محاضرات في أصول الفقه ١ / ٢٧٩ ـ ٢٨٠.
(7) محاضرات في أصول الفقه ١ / ٢٨٠.
(8) محاضرات في أصول الفقه ١ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ ، وص ٢٨٣ ـ ٢٨٤.
(9) محاضرات في أصول الفقه ١ / ٢٣٠ ـ ٢٤٠.
(10) فوائد الأصول ١ : ١٥٠.
(11) تاج العروس ٢ : ٥٣٦ ، لسان العرب١٢ : ١٤٦ ، شرح الكافية ٢ : ١٧٩.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|