المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8120 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



المطلــــــق والمــــــــقيد  
  
1436   08:29 صباحاً   التاريخ: 30-8-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج1 ص 491-411.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-8-2016 2059
التاريخ: 30-8-2016 1437
التاريخ: 28-8-2016 1617
التاريخ: 31-8-2016 1515

...عرف المطلق بما دل على معنى شايع في جنسه، والظاهر ان المراد من الجنس ليس بمصطلح المنطقيين، كيف، واطلاق المطلق على النوع والصنف بل الأشخاص بلحاظ الحالات كالنار على المنار، بل المراد من الجنس في المقام مطلق ما كان سنخ الشيء المحفوظ في ضمن قيود طارية على الشيء من دون فرق بين كون السنخ المزبور [موجودا] في ضمن وجودات متعددة أو في وجود واحد محفوظ في طي الحالات المتبادلة، ومن ذلك ظهر ان الجنس في المقام ليس أيضا بمصطلح النحويين المعبر عنه باسم الجنس أو علمه المخصوص بالكليات الصادقة على الكثيرين كما هو ظاهر. ثم المراد من الشياع المأخوذ في تعريف المطلق تارة بمعنى قابليته للانطباق بتمام معناه على القليل والكثير وعلى القطرة والبحر وبهذا المعنى يراد ما هو المأخوذ في طي غالب الأوامر، ولازمه انطباق تمام المعنى بأول وجوده الموجب لسقوط أمره.

وتارة يراد منه الشايع بمعنى السريان في ضمن أفراد متعددة [الملازم] لعدم انطباق تمام المعنى على القليل بل لا ينطبق الاعلى الكثير، قبال المعنى السابق، ولازمه تعدد الامتثال فيه وعدم سقوط التكليف بأول وجوده، وبهذا المعنى يراد الطبيعة المأخوذة في طي بعض الأوامر وكثير من النواهي وغالب الأحكام الوضعية ك‍ أحل الله البيع وأمثاله، ومن المعلوم أن بين نحوي المعنى لم يكن جامع محفوظ في ضمن صورة مستقلة في الذهن في قبال الصورتين. كيف، ولو كانت الطبيعة في الذهن مجردة عن جميع العلائق - بحيث لم يلحظ في الذهن إلا ذات الطبيعة بما هي ذاتها [عارية] عن جميع الحيثيات، بمعنى [كونها] مصداقا لهذا العنوان [لا مقيدة] به - من البديهي أنه بهذا اللحاظ كان موضوع حكم العقل بقابليته للانطباق على القليل والكثير وعلى القطرة والبحر مثلا. كما أنه لو لوحظ هذا المعنى سيالا وساريا في ضمن متكثرات من الأفراد فهو الشايع بالمعنى الثاني. ومن البديهي أن الطبيعي حينئذ ما جاء عاريا عن جميع الحيثيات بل لوحظ معه سريانه [الزائد] عن ذاته وهي بهذا المعنى [واجدة] لخصوصية السريان قبال الصورة الاولى [الفاقدة] له، وحينئذ كيف يتصور في الذهن معنى ثالث جامع بين الفاقد والواجد؟! وحينئذ لا محيص في تصور الجامع بين الشايعين الا بدعوى: كون الجامع هو المعنى المحفوظ في ضمن الواجد تارة والفاقد اخرى، لا أنه معنى موجود بوجود مستقل في قبالهما. وعليه فلك أن تقول إن في البين صورة ثالثة [للطبيعي] وهو المحفوظ في ضمن المقيد بشخص خاص الذي لا يكاد يصدق الا على القليل في قبال السابقين، إذ ذلك أيضا صورة ثالثة مشتملة على الطبيعي في ضمنه وكان مقيدا في ضمن قيد خاص.

وحينئذ ما هو مشترك بين هذه الصور ليس الا الجهة المحفوظ في ضمن الفاقد والواجد بلا وجود له [مستقل] في الذهن قبال هذه الموجودات الذهنية.

ومثل هذا الجامع المحفوظ في المقام مثل المادة المحفوظ في ضمن هيئات مخصوصة الحاكية عن مفهوم كذلك بحيث لا يتصور [فيها] مفهوم مستقل قبال ما هو المحفوظ في ضمن الخصوصيات. وحيث اتضح ذلك [نقول]: إن القائل بأخذ الشياع في مفهوم المطلق إن أراد شياعا خاصا من نحوي الشياع كي يصير لازمه كون مفهوم المطلق معنى خاصا في الذهن بحيث لو اريد غيره - ولو كان شايعا بغير هذا النحو كالمقيد بغير الشياع من سائر القيود - لكان مجازا، فهو خلاف صريح اطلاقهم المطلق على نحوي الشياع بلا مجاز فيه، وإنما بناؤهم على مجازية المطلق لو اريد منه المقيد بغير الشياع من سائر القيود. و[يؤيده] اطلاق أخذ الشياع في تعريفه. وحينئذ فلا محيص عندهم من جعل مفهوم المطلق هي الجهة [المحفوظة] بين نحوي الشياع [المتقوم] كل واحد بصورة مخصوصة من فقدانه للخصوصيات الزائدة عن الطبيعي أو وجدانه لجهة السريان في ضمن المتكثرات بلا وجود مفهوم مستقل في الذهن عاريا عن الجهتين.

وعليه فنقول: إنه لك أن توسع الدائرة بنحو يشمل المفهوم المعنى المحفوظ في ضمن المقيد بشيء آخر غير جهة الشياع أيضا فلا وجه حينئذ لاختصاص المفهوم بخصوص الشياع، بل المنسبق إلى الذهن من اللفظ في كل مورد هو المعنى المحفوظ في ضمن الصور العديدة المتصورة وهذا المعنى المحفوظ هو الطبيعي المهمل المناسب مع كل لون ويكون جامعا بين الشايع وغيره، ولئن شئت فعبر عنه ب‍ اللابشرط المقسمي المجتمع مع الواجد لقيد خارج عن ذاته وفاقده، كما أن الفاقد [لجميع] العلايق الزائدة عن الطبيعي وهو المعنى الشايع القابل للانطباق على القليل والكثير هو اللابشرط القسمي المحتاج إثباته بمقدمات الحكمة بحيث لولاها لما يكون معنى اللفظ منحصرا بما يقبل الانطباق على القليل والكثير فقط، بل هو الجامع بين ما يقبل ومالا يقبل.

فاللابشرط المقسمي هو المعنى المحفوظ في ضمن القيود المتعددة من الفاقد والواجد بلا وجود مستقل له في الذهن كما يشهد بذلك بناؤهم على استعمال اللفظ في جميع المقامات في معنى واحد بنحو الحقيقة، وأن الخصوصية الزائدة [مفهومة] من دال آخر ويكونان من باب الدالين والمدلولين، ولك أن تقول: إن نسبة الطبيعة اللابشرط المقسمي بالنسبة إلى القسمي ليس كنسبة الكلي إلى الفرد بحيث كانا في الذهن، موجودين بوجود واحد خارجي، بل نسبته إليه كنسبة منشأ انتزاع الجامع في ضمن أفراده الخارجية من حيث إنه كما لم يكن له في قبال المصداق وجود مستقل في الخارج بل جهته محفوظة في ضمن خصوصيات متعددة متباينة، كذلك بهذا النحو [تلاحظ] الطبيعة اللابشرط المقسمي بالنسبة إلى اللابشرط القسمي وبشرط شيء في عالم الذهن وأنه لم يكن له في عالم الذهن وجود مستقل في قبال الفرد بل في الذهن جهة محفوظة في ضمن صور خاصة متباينة. ولئن شئت فعبر عنه بما هو موجود في الذهن بعين وجود أفراده فيه لا بوجود مستقل مباين معها كما لا يخفى. ومن هذه البيانات ظهر بطلان الفرق بين القسمي والمقسمي بجعل المقسمي الماهية المجردة حتى من قيد التجرد، والقسمي خصوص الماهية المقيدة بقيد التجرد الذهني، إذ مع هذا القيد يستحيل انطباقه على الخارج مع أن بناءهم في اللابشرط القسمي قابليته للانطباق على القليل والكثير بملاحظة مقدمات الحكمة كما هو الشأن في المأخوذ في طي الأوامر غالبا.

وأضعف منه في الفرق بينهما أن المقسمي ما هو الملحوظ بنفس ذاته بماله من ذاتياته قبال الملحوظ معه بما هو خارج عن ذاته وجودا [أو] عدما أو الأعم منهما وهو اللابشرط القسمي، إذ من البديهي أنه لو لوحظ صرف الماهية بذاته مجردة في الذهن عن عوارضها الخارجية لو عرض مثله على العقل يحكم بأنه قابل للانطباق على القليل والكثير وهو الذي أثبتوه في طي الأوامر بمقدمات الحكمة الموجبة عندهم لإثبات اللابشرط القسمي، فمن أين المقسمي؟! ولكن سمعت من بعض تلامذته أنه فسر [اللابشرط المقسمي] بما هو موجود في الذهن بعين وجود أفراده وحينئذ يرجع هذا الشرح إلى ما أبسطناه وهو غير مرتبط بما كتبه في تأليفه فراجع. وكيف كان نقول: بعد ما التزم المشهور في معنى الاطلاق الشياع الأعم من الساري والصرف القابل للانطباق على القليل والكثير بحيث لو استعمل [في ما] لا يقبل الانطباق على الكثير كان مجازا فلا محيص من التزامهم بمعنى محفوظ في ضمن الشايعين وموجود في الذهن في ضمن أحدهما ولازمه أخذهم في مفهوم المطلق معنى جامعا بين الفردين متحدا مع كل واحد منهما في الذهن، وبديهي أنه مرتبة من اللابشرط المقسمي الموجود مع كل واحد من قسمي الصرف والساري ضمنا، وبعد ذلك لم يلتزم في المعنى المطلق بخصوص هذه المرتبة بل قد اشير بأن لنا أن نوسعه على وجه يجتمع مع المقيد بشيء خاص أيضا كي يكون موجودا في ضمن جميع أنحاء الطبيعي فيكون استعمال اللفظ فيه أيضا بنحو الدالين والمدلولين بلا التزام بالمجازية في شيء من الصور المخصوصة.

ولقد أجاد سلطان المحققين في التزامه بهذا المعنى بلا أخذ ضيق في دائرته على نحو لو استعمل في مورد المقيد لكان مجازا وحينئذ النزاع بين السلطان والمشهور بعد اشتراكهم [في مفهوم] جامع بين الصرف والساري لمعنى اللفظ: إن هذا الجامع هل هو خصوص ما يتحد مع الشايع بمعنييه أو الأعم منه ومن غير الشايع كالمقيدات بقيود خاصة. فالسلطان أخذ بالأخير في قبالهم وهو الحق والتحقيق، إذ كما أن المتبادر من اللفظ في مورد أحد الشايعين معنى وحداني محفوظ في ضمن الخصوصيتين من الشياع كذلك في المقيد أيضا هذا المعنى بعينه محفوظ فيه بلا وجه لخروجه عن مدلول اللفظ كما لا يخفى. هذا كله في مدلول أسماء الأجناس.

وأما في أعلامها: فقد يدعى بأخذ نحو من الإشارة الذهنية الموجبة لنحو من التعين فيه العاري عنه إسم الجنس، ولذا كان علم الجنس عند النحاة معرفة ويترتب عليه أحكامها بخلاف اسم الجنس، ولكن قد يشكل في هذا الفرق بأن الاشارة المأخوذة فيه [ليست] الا من سنخ اللحاظ المحسوب من الوجودات الذهنية ولازم أخذ مثل هذا المعنى في المفهوم عدم قابلية انطباقه على الخارج الا بالتجريد مع أن بالوجدان مفهوم اسامة بلا تجريد ينطبق على الحيوان مثلا، ومن جهة هذه الشبهة التزم باتحاد مفهومه مع مفهوم اسم الجنس وان الموضوع له [عين] ما هو مفهوم لفظ أسد، وأن تعريف اسامة وغيره من أعلام الجنس لفظي.

أقول: أولا: إن حقيقة الاشارة عبارة عن نحو [توجه] من النفس إلى الصور وغير مرتبط بعالم اللحاظ، ولذا يرى عند لحاظ صور متعددة قد [تتوجه] النفس إلى بعضها دون بعض، ويشير بأنه أحسن من غيره مع فرض اجتماع الجميع في ذهنه، ومثل هذا التوجه من الوجودات الخارجية القائمة بالنفس، نظير العلم بها - تصديقيا أم تصوريا - وحينئذ فلو قيد المعنى بمثل هذا الوجود كتقييده بالعلم به لا يضر ذلك بانطباق المقيد به على الخارج، كانطباق عنوان المعلوم أو المقيد بالمعلومية على الخارج إذ مثل هذه التقييدات راجعة إلى تقييد المعنى بكونه متعلقا بهذه الوجودات الخارجية لا مقيدا بأمر ذهني ووجوده كذلك.

وثانيا: على فرض كون هذه الاشارات أيضا من سنخ الوجودات الذهنية نقول: إن الاشكال إنما يرد على فرض أخذ التقيد بها في مفهوم اللفظ، والا فلو قيل بأن اللفظ موضوع لنفس ذات [تعلقت بها] الإشارة وما هو معروضها بلا أخذ تقيدها فيه يكفي هذا المقدار للفرق بينه وبين اسم الجنس، إذ في علم الجنس اعتبر الذات بنحو لا يكون له اطلاق يشمل ما لا يشار إليه وان لم يكن مقيدا به أيضا، بخلاف اسم الجنس حيث إنه موضوع للذات الأعم مما يشار ولا يشار [إليه] وهذا المقدار أيضا يكفي في تعريف علم الجنس معنويا، إذ ما هو معروض الاشارة له نحو من التعين ليس لغيره بلا احتياج حينئذ إلى التجشم في جعل التعريف لفظيا فقط.

ولقد حققنا نظير ذلك في الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي على مذاق الفصول بجعل المعنى الحر في نفس ما هو معروض اللحاظ المرآتي قبال المعنى الاسمي بجعله ما هو معروض اللحاظ الاستقلالي، ومرجعهما إلى كون الموضوع [له] في الحروف له معنى [توأم] مع اللحاظ المرآتي لا مطلقا ولا مقيدا به، وهكذا في معاني الأسماء، وحينئذ لا يرد عليه أيضا الاشكالات الثلاثة التي أوردها استاذنا العلامة في كفايته وبحثه ولا يلزم بناء عليه أيضا الالتزام باتحاد معنى الاسماء والحروف كي ينحصر جهة الفرق بكيفية [استعمالها] في المعنى، وتتمة الكلام في محله. ثم إن من جملة المطلقات مفهوم النكرة. و[توضيح] مفهومه بكون الطبيعة [مقيدة بكونها] في ضمن [إحدى] الشخصيات المفردة بنحو يكون القيد نفس التشخص [غير] المعين المنطبق على الخارج بنحو التبادل وأن أل‍ أحد أخذ كما للقيد قبال الاثنين والثلاث لا أنه بنفسه قيد بل القيد - كما قلنا - نفس التشخص الملازم للفردية، غاية الأمر بواسطة عدم تعينه واقعا كان مثل هذا المفهوم أيضا قابلا للصدق على الكثيرين، غاية الأمر بنحو التبادل قبال صدق إسم الجنس إذ هو قابل للصدق على الكثيرين عرضيا وقبال الطبيعة المتشخصة بشخص معين إذ لا [تكاد تصدق] على الكثيرين أصلا. فالنكرة معنى وسطا بين هذا التشخص وبين الطبيعة اللابشرط العارية عن قيد التشخص رأسا، فمن حيث تقيد الطبيعة فيها بقيد التشخص يشبه الأخير من حيث عدم صدقه على الافراد عرضا، ومن جهة عدم تعين التشخص فيه يشبه الطبيعة اللابشرط من حيث الصدق على الكثيرين ولذا يعبر عنه بالفرد المنتشر لأنه بملاحظة أخذ التشخص في مفهومه كان فردا ومن جهة عدم تعيين القيد المزبور كان القيد منتشرا، بالنسبة إلى الشخصيات المعينة بنحو صالح للانطباق على كل منها صدقا تبادليا كان منتشرا. ومن هذا البيان ظهر فساد توهم جعل المفهوم المزبور عبارة عن الطبيعة المقيدة بعنوان أحد [التشخصات] الذي هو أيضا كلي صادق على الكثيرين عرضيا إذ على كل تشخص يصدق عنوان أحد [التشخصات] في عرض واحد، إذ مثل هذا المعنى لا يخرجه عن الجنسية إلى الفردية بل هو أيضا إسم جنس أخص من الجنس المطلق وذلك لا يناسب مع جعلهم النكرة فردا منتشرا. فالذي يناسب ذلك هو جعل القيد ما هو مصداق التشخص لا مفهومه العام، غاية الأمر مصداقا غير معين قبال المصداق المعين، وان لفظ أحد أيضا بيان ل‍ كم المصداق المزبور لا قيدا لمفهوم التشخص، وتوهم ان مصداق التشخص في الخارج يلازم التعيين وان كان صحيحا ولكن هذه التشخصات الخارجية المتعينة بالذات في مقام أخذها قيدا للطبيعة تارة يؤخذ فيها [واحد معين] في قبال الغير، واخرى يؤخذ فيها [واحد] غير معين منها.

فهنا نحوان من التعيين أحدهما تعيين كل منها بحسب ذاته و[ثانيهما] تعيين كل منها بالإضافة إلى غير بنحو يكون طاردا له، وحينئذ فالقيد في الفرد المنتشر والمعين مشترك في التعيين الذاتي إذ مصداق كل تشخص متعين ذاتا، وانما الفارق بينهما بأن المأخوذ في النكرة والفرد المنتشر أحد هذه المتعينات ذاتا بلا أخذ التعيين العرضي الحاصل من لحاظه في قبال غيره، وفي الفرد المعين أخذ التشخص حتى بهذا التعيين العرضي الملحوظ في قبال الغير الطارد لغيره، ومن هذه الجهة يلتزم بفردية النكرة دون اسم الجنس ولو مقيدا بطبيعة اخرى أخص من الطبيعة المطلقة كما لا يخفي.

وبعد ما اتضح لك ذلك نقول: من المعلوم ان لمثل هذا المفهوم بواسطة انتشاره نحو شياع ليس لغيره فيصح اطلاق المطلق عليه حتى بلحاظ الافراد، بخلاف المقيد بالتشخص المعين فان اطلاقه لا يكون فرديا لعدم شياع له من حيث الفرد، نعم لا بأس في اتصافه بالإطلاق من حيث الحالات الطارية عليها كما هو الظاهر، ثم ان هذا المعنى من النكرة المعبر عنه بالفرد المنتشر قد عرفت أن صدقه على الافراد تبادلي لا عرضي. وقد [تطلق] النكارة على الاجناس قبال معهودية معناه ولو بكونه طرف الاشارة إليه ذهنا، وهذا العنوان ربما يطلق على أسماء الاجناس العارية عن أداة التعريف من لام أو غيره ويقال اسم جنس منكر قبال علم الجنس أو المعرف بلامه، ومثل هذه النكارة [لا تقتضي] تبادلية الصدق بل [تصدق] على الافراد عرضيا كما هو شأن الطبيعي الصرف، وحينئذ فدائرة عنوان النكرة بالمعنى الثاني ربما يكون أوسع من النكارة بالمعنى الأول، ولا يكاد يطلق على الثاني عنوان الفرد المنتشر، بل ربما يكون من الكليات البحتة البسيطة، كما أن المعرف في قبال هذه النكرة من مثل علم الجنس أو المعرف بلامه غير المعرف في قبال الاولى، إذ المعرف المزبور لا يصدق على الكثيرين أصلا وهو المعبر عنه بالفرد المعين، وهذا بخلاف المعرف في قبال المعنى الأخير فانه يصدق على الكثيرين أيضا غاية الأمر فيه جهة ضيق في خصوص دائرة ما يشار إليه بحيث ليس في الجنس المنكر ذلك، وحينئذ فما يعرف من الجنس قبال المنكر المعرف بلام الجنس أو العهد بأقسامه. وحينئذ ربما يشكل في المعرف بلام الجنس والعهد الذهني نظير الاشكال في علم الجنس بأن وجه التعريف في المعرف بلام الجنس والعهد الذهني ليس الا بجعل الطبيعة مقيدة بالإشارة الذهنية، وبديهي ان هذا المعنى غير قابل للأخذ في مفهوم اللفظ ولو بنحو الدالين والمدلولين إذ مرجعه إلى أخذ التقييد بالوجود الذهني في المفهوم وهذا القيد مانع عن التطبيق على الخارجيات الا بالتجريد، والحال انا نرى انطباق عنوان الانسان أو هذا الانسان على الخارج بلا تجريد أصلا. هذا ولقد تقدم مثل هذه الشبهة [بعينها] في علم الجنس ولكن قد أجبنا عن الشبهة في علم الجنس بنحو قابل للجريان في المقام وملخصه جعل الاشارة نحو توجه من النفس إلى الصور بعد إخطارها في الذهن الذي هو أجنبي عن وجودها الذهني على ما تقدم شرحه. نعم هنا جهة شبهة اخرى في مثل هذا الانسان بأن اللام لو كان للإشارة يلزم اجتماع الاشارتين في زمان واحد وهو محال، ولا محيص من جعل اللام فيه للزينة ك‍ لام الحسن والحسين وحينئذ فربما يتوهم مثله في غير المصدر بلفظ هذا أيضا. ولا يمكن أن يقال بإمكان التفكيك بين المقامين بأن في المصدر ب‍ هذا كان المفهوم متعينا بالإشارة فلا يبقي للإشارة ب‍ اللام مجال فلا محيص من كونه للزينة بخلاف غير المصدر فيحمل اللام على وضعه الأولي من التعريف الملازم لكونه في المقام للإشارة إلى المعنى كما لا يخفى.

ثم إن المطلق بعد ما ظهر وضعه للماهية المبهمة بنحو يكون جميع القيود - حتى الاطلاق والشياع - خارجة عن المفهوم فلا محيص في مقام إفادة الشياع ولو بنحو صرف الوجود فضلا عن الوجود الساري من ضم قرينة اخرى بنحو يستفاد منها - ولو بنحو الدالين والمدلولين - الشياع المزبور بأي نحويه من الصرف والساري وحينئذ نقول: إن القرينة المعروفة ليس الا مقدمات الحكمة المشهورة في الألسن. وملخص المقدمات يرجع إلى كون المتكلم في مقام البيان بكلامه الوارد في مورد التخاطب ولم ينضم إلى اطلاق لفظه قرينة اخرى حاكية عن خصوصية خاصة زائدة فلا محيص من ارادة الاطلاق والا يلزم الخلل في إحدى المقدمتين لأن ارادة الخصوصية بلا إقامة القرينة مناف لمقام بيان مرامه بلفظه. كما أن ارادة الاهمال في لب المرام بلا ضم خصوصية به غير معقول فلا محيص من ارادة الاطلاق هذا. ولقد توهم من هذا البيان أن نتيجة هذه المقدمات كون موضوع الحكم [هو] اللابشرط القسمي الذي [هو] عبارة عن الطبيعة العارية عن جميع الحيثيات الذي هو من مصاديق الطبيعة اللابشرط المقسمي المجتمع مع العارية والمقيدة على ما أسلفناه وان طبع مقدمات الحكمة قلب اللابشرط المقسمي إلى القسمي في الموضوعية وحينئذ نقول: إن لازم هذه المقالة كون نتيجة المقدمات هو الشياع بمعني الصرف ولا يشمل الساري بداهة ان الطبيعي العاري عن جميع الخصوصيات مساوق صرف الوجود الغير القابل للانطباق على ثاني الوجود بنفسه، ولازمه سقوط الحكم قهرا بأول وجوده إما بالإطاعة كما في الأوامر أو بالعصيان كما في النواهي، وحينئذ في استفادة الطبيعة السارية في كثير من المقامات خصوصا في النواهي يحتاج إلى مقدمة زائدة عن المقدمات المزبورة، مع أن المرتكز في الأذهان الذي هو أيضا مشي المشهور عدم احتياج النواهي أيضا في اطلاقها إلى أزيد من مقدمات الحكمة حتى مع التزامهم بعدم سقوط النهي بعصيانه الأولي، بل الوجودات المتعاقبة أيضا مبغوضات بمقتضى الاطلاق وحينئذ يجئ في البين شبهة الفارق بين الأوامر والنواهي من حيث اختلاف نتيجة اطلاق بينهما كما أشرنا إليه سابقا.

والذي يقتضيه التحقيق في حل الاشكال - على ما تقدم منا سابقا أيضا - بأن يقال: إن هذه الشبهة إنما تجرى على الزعم المزبور من اقتضاء طبع مقدمات الحكمة قلب موضوع الحكم بخصوص اللابشرط القسمي، وأما لو قيل بأن طبع المقدمات لا يقتضي أزيد من كون مدلول اللفظ الجامع بين اللابشرط وبشرط شيء تمام الموضوع في الحكم بلا دخل خصوصية زائدة فيه فلا شبهة في أن هذا المعنى في طرف الأوامر لا ينتج الا الاكتفاء بأول وجوده. وأما في طرف النواهي التي كان المطلوب فيها عدم هذا الوجود فلا شبهة في أن ذلك يقتضي قلب الوجودات المتعاقبة أيضا [إلى العدم] لأن بوجود كل يصدق تحقق مدلول اللفظ، والفرض ان ما هو تمام الموضوع في النهي هو هذا الوجود الصادق على الوجودات المتعاقبة أيضا فترك هذا المعنى لا يكون إلا بترك تمام أفراده العرضية والتعاقبية بخلافه في الأوامر [فإن] مقتضى طلب وجوده مجرد ايجاد هذا المعنى وهو يتحقق بأول وجوده. وحينئذ ليس نتيجة المقدمات المزبورة قلب اللابشرط المقسمي [إلى القسمي] في عالم الموضوعية كيف، واللابشرط القسمي كما أسلفناه يستحيل انطباقه على ثاني الوجودين كما هو شأن صرف الوجود من كل شيء، بل طبع المقدمات جعل الموضوع بتمامه نفس مدلول اللفظ غاية الأمر هذا المدلول في طرف الايجاد بتمامه يتحقق بأول وجوده وفي طرف الترك لا يكاد يتحقق تركه إلا بترك تمام أفراده حتى المتعاقبة، وحينئذ فهذه التفرقة [ما جاءت] من قبل دخل السريان في مدلول المادة في النواهي دون الأوامر وانما يقتضيه العقل من حيث وقوعه في طي النواهي فقط بملاحظة أن إعدام هذه الطبيعة بملاحظة قابلية انطباقه على الأفراد التعاقبية لا يكون الا بإعدام الأفراد المزبورة ولا يكون الحاكم في البابين الا طبع الاطلاق بلا احتياج إلى قرينة خارجية.

فان قلت: إن اللابشرط المقسمي على ما شرحت لا يمكن له وجود مستقل في الذهن بل لا محيص أن يتحقق في ضمن إحدى الصور من المجردة والمخلوطة وحينئذ في طي خطاب الأمر والنهي [وان] كانت صورة واحدة فلا محيص من أن يكون في فرض تمامية المقدمات بصورة مجردة ولازمه مجيء اللابشرط المقسمي في ضمن اللابشرط القسمي ولازمه كون متعلق الأوامر والنواهي قهرا هي الطبيعة اللابشرط القسمي الآبي عن انطباقه على ثاني [الوجودين] كما اعترفت وحينئذ يبقى [إشكال الفارق] بين الأوامر النواهي من سقوط الأوامر بأول وجود الطبيعي وعدم سقوط النواهي به.

قلت: ما افيد من اقتضاء طبع المقدمات كون الصورة الحاصلة في طي الخطاب هي الصورة المجردة عن جميع الحيثيات في غاية المتانة، إذ لازم كونه في مقام البيان وعدم ذكر القيد معه كون الموجود في ذهن المتكلم هي الطبيعة المجردة ولكن نقول: إنه ليس لازمه كون المطلوب [الطبيعي] بهذه الخصوصية بل من الممكن كون تمام المطلوب من هذه الصورة أيضا الجهة المشتركة المحفوظة فيها لا بخصوصيتها غاية الأمر اقتضاء الخطاب ايجاده يوجب الاكتفاء بأول وجوده نظرا إلى أن تمام المعنى منطبق عليه فقهرا يسقط الخطاب، بخلافه في طرف النواهي إذ مقتضى الخطاب فيه إعدام هذا المعنى، وبديهي ان إعدام هذه الجهة المحفوظة بإعدام تمام مصاديقه [التي] منها الوجودات المتعاقبة كما هو ظاهر. ولعمري إن توهم كون المطلوب هي اللابشرط المقسمي، وان طبع المقدمات قلب المقسمي بالقسمي إنما ينشأ عن اقتضاء البيان وعدم ذكر القيد كون الموجود في الذهن هي الطبيعة المجردة بتوهم أن تمام المطلوب أيضا الطبيعة بهذه الخصوصية الملازمة لضيق في انطباقه على ثاني الوجودين والا فلو فتح البصر وتدبر يرى ان اقتضاء البيان وعدم ذكر القيد كون الصورة الحاصلة هي المجردة لا يقتضي كون المطلوب أيضا هذه الصورة بهذه الخصوصية بل طبع المقدمات علاوة عما ذكر يقتضي كون ما هو مدلول اللفظ تمام الموضوع للخطاب الموجب لاختلاف النتيجة في الخطابات الإيجادية والإعدامية باختلاف اقتضاء نفس الخطاب عقلا من دون اختلاف في موضوع الحكم كما هو ظاهر لمن يتدبر.

تنبيهات:

منها: ان اقتضاء المقدمات المزبورة هل هو باقتضاء عقلي أجنبي عن اللفظ بحيث لا يوجب ظهورا فيه في الاطلاق أم ليس كذلك بل كانت من القرائن [الحافة] بالكلام الموجبة لقلب ماله من الشأن وضعا إلى ظهور موافق لطبع ما يقتضيه القرينة.

أقول: الذي يقتضيه التحقيق في المقام هو أن يقال بأن مثل هذه المقدمات إذا كانت من القرائن [الحافة] بالكلام فلا قصور في صيرورتها موجبة لوجه في اللفظ حاك عن مفادها كسائر القرائن الحافة. نعم حيث إن مرجع المقدمات المزبورة إلى حكم العقل الجزمي بالملازمة بينهما وبين الاطلاق، فان احرزت المقدمات المزبورة بنحو الجزم والوجدان فقهرا يوجب ذلك الجزم بالإطلاق ولكن لا ينافي ذلك [ظهور] الكلام فيه، غاية الأمر حينئذ ليس هذا الظهور من الظواهر الظنية كسائر ظواهر الألفاظ، فالقائل بخروج باب الاطلاق عن الظواهر اللفظية إن أراد هذا المقدار فنعم الوفاق بل نقول ان باب التقييد أيضا من ذلك إذ مرجعه أيضا إلى حكم جزمي عقلي بالملازمة بين ذكر القيد في كلام مع التقيد والا يلزم عند عدم فائدة اخرى لغويته، ولذا اعتبروا في التقييد عدم كون القيد واردا مورد الغالب أو لبيان جهة اخرى.

وإن أراد أن للفظ مع المقدمات المزبورة لا يتحقق وجه ودلالة أصلا فهو خلاف الانصاف، كما أنه لو فرض إحراز المقدمات المزبورة بأصالة البيان الراجعة إلى الظواهر الحالية الظنية فربما أمكن أيضا دعوى كفاية هذا المقدار أيضا في كسب اللفظ منها ظهورا في المراد فيصير حينئذ من الظواهر الظنية كسائر ظواهر الألفاظ المحرزة بالوجدان مع ظنية مطابقتها للواقع. ولئن بنينا بأن المقدمات المزبورة بوجودها الواقعي موجبة لظهور اللفظ ففي هذا الفرض لم يكن الظهور في الاطلاق محرزا بالوجدان، بل أصالة البيان يصير طريقا لإحراز ظهوره وهذا المقدار أيضا يكفي للاتكال به في مقام الاحتجاج.

نعم لو لم يكن ظهور حال البيان من الظواهر الحالية التي هي كظواهر الألفاظ مورد اتكال العقلاء يشكل أمر الاتكال بهذا الكلام في احراز الاطلاق إذ مرجعه حينئذ إلى الظن بالظهور واتباعه مورد إشكال إلا لدى من التزم بحجية الظن المطلق فتدبر.

ومنها: ان اساس المقدمات المعهودة تارة على كون المتكلم في مقام بيان تمام مرامه باللفظ المطلق فلا شبهة في أن هذا المقدار مضاد مع التقييد أو ملازم لعدم قرينة على خلاف الاطلاق إذ القرينة المزبورة أيضا [مضادة] مع البيان المزبور وحينئذ لازمه كفاية هذا البيان لإثبات الاطلاق بلا احتياج إلى مقدمة اخرى من عدم القرينة على التقييد إذ مثل هذه الجهة من لوازم البيان المزبور في عرض الاطلاق، وحينئذ فلو كانت المقدمة الملازمة للإطلاق عند إحتفافه بالكلام موجبا لظهور اللفظ ووجهه في الاطلاق فيكفي البيان المزبور لاكتساب اللفظ وجهة الظهور بلا متعلقية الظهور المزبور حينئذ على أمر سلبي من عدم القرينة على التقييد وعليه فلو احرزت هذه المقدمة بنحو الجزم والوجدان، يقتضي ذلك الجزم بمخالفة ظهور القرينة على التقييد للواقع ولو كان في كلام آخر. كما انه لو فرض احرازها بأصالة البيان لازمه ظهور حاله في عدم إقامة قرينة على التقييد [و] يزاحم ظهور اطلاقه مع ظهور لفظه في التقييد ولو في هذا الكلام بلا تعليق في أحد الطرفين على عدم الأخير كي يجئ مقام ورود أحدهما على الآخر حتى في كلام واحد فضلا عن الكلامين وذلك ظاهر، وتارة يكون أساس المقدمات على كون المتكلم في مقام تمام مرامه بتمام الكلام الذي به تخاطبه لا بخصوص اللفظ المطلق ففي هذه الصورة لا شبهة في ان هذا المقدار من البيان لا ينافي التقييد ولا مع قيام قرينة على التقييد وحينئذ فيحتاج في إثبات الاطلاق إلى مقدمة اخرى من عدم قيام قرينة على التقييد، ولازمه دخل هذا الأمر السلبي في القرينة على الاطلاق، فقهرا يصير هذا الأمر السلبي دخيلا في ظهور اللفظ أيضا تبعا لدخله في المقدمة الموجبة لظهور اللفظ على طبق نتيجته، وحينئذ قيام القرينة المزبورة على التقييد [يرفع] الظهور المزبور من دون فرق بين كون احراز البيان المسطور بمقدمات جزمية [أو] بأصالة البيان الناشئ عن ظهور حال المتكلم في [مخاطباته].

نعم هنا شيء آخر وهو ان الكلام الذي كان المتكلم في مقام بيان تمام مرامه هو مطلق كلامه ولو كان منفصلا عما به تخاطبه فعلا أو خصوص هذا الكلام الذي به تخاطبه ومشتمل على اللفظ المطلق.

فعلى الأول يكون عدم القرينة في كلام آخر أيضا واردا على ظهور اللفظ في الاطلاق، وأما إن كان الكلام الذي كان المتكلم في مقام بيان مرامه خصوص كلام به تخاطبه ففي هذه الصورة لا شبهة في استقرار ظهوره في الاطلاق بمجرد عدم ذكر القيد في هذا الكلام متصلا به. ومع استقراره يزاحم ظهوره مع ظهور القرينة في كلام آخر، ولازمه مع احراز المقدمات جزما طرح ظهور القيد في كلام آخر للجزم بخلافه، ومع احراز المقدمات بالأصل يقع مزاحمة بين ظهور هذا الكلام في الاطلاق وظهور قرينة اخرى في كلام آخر في التقييد، فلا محيص في مثله [من] الأخذ بأقوى الظهورين بلا ورود أحدهما على الآخر.

نعم لو كان لشيء ظهور في التقييد عند اتصاله بما فيه اللفظ المطلق وكان به التخاطب فلا محيص في هذه الصورة من الأخذ بظهور القيد لوروده على ظهور الاطلاق لكونه معلقا على أمر سلبي كما عرفت. وفي هذه الصورة لا يتوهم اتصال الظهور التنجيزي في الكلام بما يصلح للقرينية، إذ ذلك إنما يتم في المجمل لا في المبهمات [غير] الصالحة للقرينية في قبال الظهور التنجيزي كما لا يخفى.

وحيث [إن] بناء النوع على التصوير الأخير فلا محيص في ترجيح أحد الظهورين من المصير إلى التفصيل بين صورة الاتصال بالكلام وانفصاله كما عرفت فتدبر.

ومنها: ان متعلق البيان في المقام تارة تمام المرام بنحو يفهم المخاطب أيضا بأنه تمامه. واخرى تمام المرام واقعا [وإن لم] يفهم المخاطب أنه تمامه، فعلى الأول [لا محيص] من الأخذ بالإطلاق حتى مع وجود المتيقن في البين إذ مع الشك في دخل الخصوصية لو كان ذلك مقصوده لكان مخلا بغرضه فلا محيص من عدم دخلها ولازمه الأخذ بالإطلاق لأنه لازم الأمر السلبي. وتوهم أنه من الممكن ايكال دخل الخصوصية إلى البيان العقلي من الأخذ بالقدر المتيقن في البين، مدفوع بأن الاطلاق والتقييد في الذهن أمران متباينان لرجوع الاطلاق إلى عدم دخل الخصوصية في الغرض ورجوع التقييد إلى دخلها، وهما متباينان في عالم اللحاظ بلا وجود متيقن بين الاعتبارين، ومع فرض كون المتكلم في مقام بين متعلق غرضه بنحو يفهم المخاطب أيضا ذلك لا يبقى مجال لمتيقنية أحدهما بالنسبة إلى الآخر كي يبقى مجال اتكال المتكلم في بيان متعلق غرضه إلى حكم العقل بالمتيقن. نعم ما هو متيقن هو دخول الخاص في المرام، وأما أنه بنحو له بخصوصيته دخل في الغرض أم لا فلا يكاد يستفاد من الكلام [شيء] والمفروض أن المتكلم في مقام بيان تمام مرامه بكلامه بنحو يفهم المخاطب أيضا ماله الدخل في غرضه وعدمه، والقدر المتيقن المزبور غير واف بهذه الجهة كما لا يخفى. نعم على الفرض الثاني لا قصور في الأخذ بالمتيقن وعدم التعدي منها إلى غيرها لاحتمال كون الخاص تمام المقصود وإن لم يفهم المخاطب أنه تمامه، وحينئذ إضرار وجود المتيقن بالإطلاق مبني على عدم إحراز مقام البيان من المتكلم بالنحو الأول، والا فمع احرازه من حال المتكلم لا مجال للاقتصار بالمتيقن في باب المطلقات كما هو ظاهر، كما أن الميزان في احراز مقدار المتيقنية بالإطلاق أيضا تابع مقدار البيان. فان كان في مقام بيان تمام المرام الواصل إلى المكلف ولو من الخارج وإن لم يفهم أنه تمام مرامه فلازمه إضرار وجود المتيقن مطلقا ولو من الخارج بالإطلاق.

وأما إن كان في مقام تمام المرام الواصل إلى المكلف بكلام به التخاطب فلا يضر بالإطلاق الا المتيقن من قبل الكلام المزبور ولا يضر حينئذ وجود مطلق المتيقن في منع الاطلاق كما هو ظاهر.

والى المسلك الأخير سلك استاذنا في المقام كما أن ظاهر بقية الكلمات هو الأول، وأردأ الوجوه أوسطها إذ لم أر من توهم إضرار مطلق المتيقنية بإطلاق اللفظ كما لا يخفى، فافهم وتدبر. ومنها: إنه كما يكون الاطلاق بتوسط الحكم العقلي قد أشرنا سابقا بأن التقييد أيضا إنما هو بتوسيط حكم عقلي، وذلك لأن ذكر قيد في الكلام عند عدم فائدة اخرى له من وروده مورد الغالب أو كشدة الاهتمام ببيان دخول هذا الفرد في المقصود أو غير ذلك لا محيص حينئذ من الكشف عن دخله في غرضه والا يلزم لغوية ذكره في الكلام. بل وبهذا البيان يلتزم بأن كل عنوان مأخوذ في موضوع لابد وأن يكون بخصوصيته دخيلا في المقصود والا يلزم لغوية ذكره بخصوصيته، فكما أن اطلاق اللفظ مع عدم ذكر قيد يقتضي عدم دخل شيء في المقصود أزيد من مفاد الاطلاق كذلك كل قيد إذا ورد في الكلام ولم يكن لذكره فائدة اخرى لا محيص من الحكم بدخله بخصوصيته في الغرض فرارا عن اللغوية.

ولئن شئت قلت: بأن المقدمات السابقة من كون المتكلم في مقام بيان مرامه بكلامه كما يقتضي مع عدم القرينة على التقييد إرادة الاطلاق وبه أيضا يصير للفظ وجهة وظهور فيه، كذلك يستفاد من مقام بيانه عند عدم قرينة على بيان فائدة اخرى لذكر القيد كون القيد بخصوصه دخيلا في المرام وبه أيضا للفظ القيد وجه وظهور في التقييد، ولازمه أيضا كون هذا المفاد قطعيا عند قطعية المقدمات وظنيا عند ثبوت المقدمات بالأصل الراجع إلى ظهور حال المتكلم في كونه في مقام ذكر ماله دخل في غرضه في كلامه وهو المدرك في كون الأصل في القيود المذكورة في الكلام هو القيدية إلى أن يعلم خلافه من قرائن خاصة.

بل قد أشرنا آنفا أيضا إلى أن هذه الجهة [هي] المدرك في كون الأصل في كل عنوان مأخوذ في حيز الخطاب دخله بخصوصه في الخطاب سواءا كان العنوان المزبور عنوانا لنفس الموضوع أو من قيوده أو قيود حكمه وبواسطة ذلك ربما يستفاد انحصار العلة أو الموضوع به كيف، وعلى عدم الانحصار يستحيل دخل خصوصية في موضوع حكم شخصي أو علته. نعم حيث إن القضية لم تكن [ظاهرة] في أزيد من تعلق شخص الحكم لا يكون له مفهوم وحينئذ قصور القضية عن أن يكون له المفهوم المصطلح إنما هو لقصوره عن مقام تعليق سنخ الحكم على العنوان الخاص لا من جهة قصور العنوان عن إفادة دخل الخصوصية في موضوع الخطاب، كيف، ولازمه عدم اقتضاء انتفائه انتفاء شخص الحكم أيضا، مع أن هذا المقدار عندهم كالنار على المنار، ولقد أشرنا إلى هذا البيان في مقدمة المفاهيم فراجع وتدبر.

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.