أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-8-2016
1483
التاريخ: 27-8-2016
2226
التاريخ: 26-8-2016
1716
التاريخ: 27-8-2016
1480
|
من المفيد أن نشير في إيجاز الى العمران الريفي في أوروبا وتطوره عبر العصور، ذلك أن دراسته لا تخلو من طرافة, تتحدد السمات العامة للعمران الريفي الأوروبي بأشكال المباني، وأنواع الحظائر، ومواد البناء، وتخطيط الحقول وأحجامها، هذه الخصائص التي تمنح للريف الأوروبي مظهره الخاص المميز، وهي التي يهتم بها الجغرافي ويسجلها على خرائطه، ويحاول تفسيرها بظروف البيئة الطبيعية، ولا شك أن للظروف البيئية المحلية السائدة تأثيرها في ترتب نسق البيئة الزراعية خاصة في الأقطار التي فرضت عليها ظروف البيئة الطبيعية نوعا من الاكتفاء الذاتي في حدود إطار إقليمي ضيق لفترات طويلة من الزمن.
فقد فرض المناخ حدوداً للمحاصيل التي يمكن أن تجود في مجالها، وحاول الإنسان بجهوده حمايتها من أضرار التطرف، أما التربة وما تحتها فكانت المورد لمواد البناء: ففي الجهات الصلصالية التربة نجد الطوب اللبن والآجر، وفي الهضاب الجيرية نجد الأحجار، أما الأخشاب فهي مادة البناء في المناطق الغابية، ومع هذا فقد كان هناك مجال للاختيار، مثلا بين الأخشاب والأحجار في التلال الجيرية التي تغطيها الغابات، وهنا لم يكن للمناخ دخل في اختيار مادة البناء، بل كان الإختيار يتم على أساس من التقاليد الموروثة أو القدرة المالية.
ويرى المختصون المحدثون بهندسة المعمار أن أنماط العمران الريفي القديمة كانت غير صحية، ووضعت على أسس غير سليمة، فقد كان من الممكن استخدام مواد البناء بطرق أفضل وأنسب، ولكن يبدو أن الفلاح القديم كان يضع نصب عينيه في بناء مسكنه إعتبارات الأمن لا الراحة، كما كان يهمه المظهر الخارجي الذي يتفق مع مركزه الاجتماعي.
ويمكن تصنيف العمران الريفي الأوروبي الى نمطين متميزين: المسكن المندمج، والمسكن الفنائي، أي الذي يحتوي على فناء، والمسكن المندمج من نوعين: نوع تبنى فيه جميع أقسام المنزل متجاورة متلاصقة في طابق واحد يعلو الطابق الأرضي الذي يحتوي على الحظيرة (منزل أفقي) ونوع آخر متعدد الطوابق (منزل رأسي أو عالي) فيه تشغل الحظائر الطابق الأرضي، تعلوه طوابق المعيشة، أما الطابق العلوي فيستخدم بمثابة مخزن، ويكثر وجود المنازل الرأسية أو العالية في المناطق المضرسة خصوصاً في نطاق البحر المتوسط وجبال الألب، وفي مثل هذه الجهات أحياناً نجد المخزن، وهو الطابق العلوي، في مستوى الأرض خلف البناء العالي المتعدد الطوابق المشيد على أرض منحدرة.
أما المسكن الفنائي فيتكون من عدد من الأبنية المنفصلة عن بعضها، أو قد تبنى أقسام المنزل متعامدة على بعضها، وتحيط جميعاً بفناء مغلق، أو توجد مبعثرة فيه، ويبدو أن الفناء يرتبط وجوده بالعناية والاهتمام بتربية الماشية كعنصر من عناصر الاقتصاد الزراعي المحلي.
وتُرى بعض المساكن الريفية بمظهرها الأصيل الجميل، وبعضها يبدو مستقلاً غير مرتبط بنمط السكن في الأقاليم المجاورة التي تتميز بنفس المناخ ونوع الزراعة، ومثلها مساكن ريف (بي دو كو Pays de caux) في إقليم نورماندي، وتحمل مساكن الريف بصمات الماضي بتقلباته الاقتصادية وتأثيراته الحضارية، كما تكشف عن أدوات الفلاح القديم وذوقه وفنه، وعلى الرغم من أن تطور ونمو سبل المواصلات السريعة والرخيصة قد حطم الانعزال الاقليمي، وأعطى الفرصة لشيء من التناسق في مظهر المنازل الجديدة، ومع توالي الحروب وكوارثها، فإن ريف أوروبا ما يزال يحوي الكثير من صفات المساكن القديمة، وحتى الجديد منها يحمل بعضا من سمات النمط المحلي القديم، فللتقاليد الاجتماعية الموروثة أثرها الفعال، ولها أغلالها التي يصعب تحطيمها، كما وأن الفلاح لاشك يشعر بالراحة حين يجد في بيئته المحلية ما تعودت عيناه على رؤيته.
وتظهر قوة التقاليد الاجتماعية في توزيع العمران الريفي: فقد يحتشد في قرى كبيرة، أو تتجمع في دساكر صغيرة، أو يبدو مبعثراً في الريف، وتوزيع المساكن يعطي شخصية مميزة للهيئة العامة التي يبدو بها العمران الريفي بأوروبا، وقد قدم الجغرافيون تفسيراً مبدئياً لتكتل وإندماج العمران الريفي أو تبعثره، على أساس مصادر المياه من حيث الوفرة أو القلة، فالاندماج والتكتل كان يحدث في البقاع التي يشح فيها وجود الماء، فيتجمع الناس حول الينابيع الرئيسية، بينما كانوا يتفرقون في الجهات التي تتوفر فيها موارد المياه السطحية، لكننا حينما نقارن مناطق التركيز والاندماج العمراني في ريف أوروبا بموارد المياه، لا نجد صلة كبيرة بينهما، مثال ذلك ألمانيا التي اشتهرت بتكتل واندماج العمران الريفي، رغم أنها قطر مطير وفير المياه، مثلها في ذلك مثل أقطار غرب أوروبا، وفي جنوب ألمانيا حيث تشح موارد المياه نسبياً، نجد العمران الريفي أكثر تشتتاً، وفي هذا أيضاً شذوذ عن التفسير الآنف الذكر، ولهذا ينبغي البحث عن أسباب أخرى.
الواقع أن للتكتل والإندماج العمراني الريفي الأوروبي في العصور القديمة ظروفه الخاصة، فعنصر الأمن كان له أهميته، والدفاع عن مجتمع متماسك متعاون كان أسهل وأيسر، ولهذا فإن الاندماج السكني كان هو القاعدة في العصور الوسطى، كان مهما في نطاق البحر المتوسط ليسهل رد القراصنة، وكان مهماً في سهول أوروبا الوسطى والشمالية التي كانت تتعرض لمسيرات الغزوات المتتابعة.
وبدخل نظام الملكية ونظام الدورة الزراعية كعاملين هامين ساعدا أيضاً على التجمع والاندماج السكني، فمن الحكمة أن يتجمع العاملون في مزرعة أو إقطاعية كبيرة في منازل يختارون لها أنسب المواقع وهو الوسط وقد تتطلب الدورة الزراعية الثلاثية تنظيماً معيناً يدعو الى التعاون، فالإنتقال الحر عبر الحقول مهم أثناء عمليات الزراعة والحصاد، ويناسب النظام تجمع سكني في قرى كبيرة مندمجة تقع وسط الحقول.
والمراعي الجماعية كانت هي الأخرى تستلزم التعاون، ومن ثم كانت وسيلة للتكتل والاندماج السكني، والواقع أن حياة الريف بما عرف عنها قديماً وحديثاً تتميز بالتعاون الذي يفرضه التجمع، أو توجبه الجماعة، والذي يستند على أسس اجتماعية، وظروف معيشية، وهو في الواقع ضرورة تقتضيها البيئات الزراعية الفقيرة على وجه الخصوص، التي تستشعر التعاون والتراحم في السراء والضراء.
ولقد ربط بعض الجغرافيين الألمان هذه التقاليد الاجتماعية والعمرانية في الريف الألماني بميزات (جنسية أو سلالية)، تختص بالشعوب الألمانية، أو التي تتكلم اللغة الألمانية، وهكذا يرجعون الفضل الى (الجنس) الألماني في خلق التكتل والاندماج السكني والدورة الزراعية الثلاثية، ولاشك أن التنظيم الجماعي في القسم الشمالي من قارة أوروبا يعزى الى الحياة القبلية التي سادت لفترة طويلة الأراضي التي لم تخضع لسيادة الإمبراطورية الرومانية، والقبائل الألمانية التي كانت تنتشر خارج نطاق النفوذ الروماني كانت أكثر من غيرها حاجة الى الحماية الجماعية، وعلى الرغم من انتشار الدورة الزراعية الثلاثية في وسط أوروبا على أيدي الألمان، فإن البرتغال قد أخذت بها، في الوقت التي كانت فيه الدورة الثنائية تسود جارتها أسبانيا، وهذا لا يمكن تفسيره عن طريق (الجنس)، أو حتى بواسطة المؤثرات الحضارية الألمانية.
وقد تحول كثير من المناطق التي كانت تابعة للإمبراطورية الرومانية بعد سقوطها الى التكتل والاندماج السكني لأسباب تتعلق بالأمن أثناء فترة الإضطرابات في أوائل العصور الوسطى، وفي وقتنا الحاضر نجد المساحات التي أزيلت منها الغابات، وجرى فيها العمران الريفي، تتميز بالتشتت والتبعثر السكني، رغم وجودها في دول متقنة التنظيم، ومنها أجزاء من التلال الهرسينية النشأة في ألمانيا نفسها وفي الدول المحيطة بها، وفي مرتفعات البرانس نجد مستويين للسكن الريفي، ففي الأودية تنتشر القرى الكبيرة القديمة المندمجة، بينما تنتشر المساكن والمزارع مبعثرة على المنحدرات التي أزيلت من فوقها الأشجار.
وقد تركزت الملكية الزراعية في أوروبا منذ زمن بعيد في أيدي عدد قليل من الأفراد، وبلغ النظام الإقطاعي في العصور الوسطى الأوج، حينما أدخل السادة الأشراف معظم الأراضي في حوزتهم، وهبطت طبقة الفلاحين الى مستوى العبودية الفعلية، وقد تباين النظام الإقطاعي في الكثافة والاستمرار في مختلف أقطار القارة، ففي أقطار شرق أوروبا ظلت قلة من الملاك متحكمة في الدخل الزراعي حتى أوائل القرن العشرين، أما في دول الغرب، فقد أدى الظهور المبكر للطبقة الوسطى الى إحداث شيء من التوازن في توزيع الأراضي والدخل منها، فمنذ القرن السابع عشر بدأت تظهر الملكيات الصغيرة في أقطار الأراضي المنخفضة وفي فرنسا، وقد عصفت ثورة الفرنسيين في أواخر القرن الثامن عشر بمعظم مظاهر العبودية التي رسخت منذ العهود الإقطاعية.
وفي شرق أوروبا وجنوبها ظل نظام الإقطاعيات الكبيرة، التي كان الرومان يسمونها Latifundia، سائداً حتى القرن العشرين، وقد حطمت الثورة الشيوعية السوفييتية عام 1917 هذا النظام في روسيا، وأدخلت محله الملكية الجماعية وملكية الدولة، ومنذ عام 1920 والإصلاحات الزراعية قائمة في وسط أوروبا وشرقها في ظلال مؤثرات متباينة، وهي تهدف عموماً الى تقسيم الإقطاعيات، وتقريب الزراع الفعليين من ملكية الأرض التي يفلحونها، وفي غرب أوروبا تؤدي الضرائب المرتفعة على الملكيات الكبيرة الى تقسيمها بطريق غير مباشر، ولاشك أن إدخال المكينة، واستخدامها في الزراعة، يساعد الأسرة الواحدة على فلاحة حقل فسيح، ولهذا يبدو أن الحجم المتوسط للمزرعة هو الحجم المثالي، وهو يختلف من منطقة لأخرى.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|