أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2016
1395
التاريخ: 8-8-2016
1023
التاريخ: 31-8-2016
1785
التاريخ: 28-8-2016
1525
|
قد يقول المولى (اكرم الفقير العادل) وقد يقول (اكرم الفقير) ففي الحالة الاولى يكون موضوع الحكم في مرحلة المدلول التصوري للكلام حصة خاصة من الفقير اي الفقير العادل، وبحكم الدلالة التصديقية الاولى نثبت ان المتكلم قد استعمل الكلام لأخطار صورة حكم متعلق بالحصة الخاصة، وبحكم الدلالة التصديقية الثانية نثبت ان المولى جاد في هذا الكلام بمعنى ان هذا الحكم مجعول وثابت في نفسه حقيقة وليس هازلا، وبحكم ظهور الحال في التطابق بين الدلالة التصديقية الاولى والدلالة التصديقية الثانية، يثبت ان الحكم الجدي المدلول للدلالة التصديقية الثانية متعلق بالحصة الخاصة كما هو كذلك في الدلالة التصديقية الاولى، وبهذا الطريق نستكشف من اخذ قيد العدالة في المثال او اي قيد من هذا القبيل في مرحلة المدلول التصوري والتصديقي الاولي كونه قيدا في موضوع ذلك الحكم المدلول عليه بالخطاب جدا، وذلك ما يسمى بقاعدة احترازية القيود ومرجع ظهور التطابق الذي يبرر هذه القاعدة، إلى ظاهر حال المتكلم ان كل ما يقوله يريده جدا.
والدلالة التصورية والدلالة التصديقية الاولى بمجموعهما يكونان الصغرى لهذا الظهور، اذ يثبتان ما يقوله المتكلم فتنطبق حينئذ الكبرى التي هي مدلول لظهور التطابق المذكور.
وقاعدة الاحترازية التي تقوم على اساس هذا الظهور تقتضي انتفاء الحكم بانتفاء القيد، الا انها انما تنفي شخص الحكم المدلول لذلك الخطاب، ولا تنفي اي حكم آخر من قبيله، وبهذا اختلفت عن المفهوم في موارد ثبوته حيث انه يقتضي انتفاء طبيعي الحكم وسنخه بانتفاء الشرط على ما تقدم في الحلقة السابقة.
واما في الحالة الثانية فقد انيط الحكم في مرحلة المدلول التصوري بذات الفقير، وقد تقدم ان مدلول اسم الجنس لا يدخل فيه التقييد ولا الاطلاق، والدلالة التصديقية الاولية انما تنطبق على ذلك بمقتضى التطابق بينها وبين الدلالة التصورية للكلام، وبهذا ينتج ان المتكلم قد افاد بقوله ثبوت الحكم للفقير، ولم يفد دخل قيد العدالة في الحكم ولم يقل ذلك، لا انه افاد الاطلاق وقال به، لان صدق ذلك يتوقف على ان يكون الاطلاق دخيلا في مدلول اللفظ وضعا، وقد عرفت عدمه فقصارى ما يمكن تقريره انه لم يذكر القيد ولم يقله، وهذا يحقق صغرى لظهور حالي سياقي، وهو ظهور حال المتكلم في انه في مقام بيان موضوع حكمه الجدي بالكامل وهو يستتبع ظهور حاله في ان ما لا يقوله من القيود لا يريده في موضوع حكمه. وبذلك نثبت ان قيد العدالة غير مأخوذ في موضوع الحكم في الحالة الثانية، وهو معنى الاطلاق، وهذا ما يسمى بقرينة الحكمة (او مقدمات الحكمة).
وبالمقارنة نجد ان الظهور الذي يعتمد عليه الاطلاق غير الظهور الذي تعتمد عليه قاعدة احترازية القيود، فتلك تعتمد على ظهور حال المتكلم في ان ما يقوله يريده. والاطلاق يعتمد على ظهور حاله في ان ما لا يقوله لا يريده، ويمكن القول بان الظهور الاول هو ظهور التطابق بين المدلول اللفظي للكلام والمدلول التصديقي الجدي ايجابيا (نريد بالمدلول اللفظي المدلول المتحصل من الدلالة التصورية والدلالة التصديقية الاولى). وان الظهور الثاني هو ظهور التطابق بينهما سلبيا، ويلاحظ ان ظهور حال المتكلم في التطابق الايجابي - اي في أن ما يقوله يريده - اقوى من ظهور حاله في التطابق السلبي - اي في ان ما لا يقوله لا يريده. ومن هنا صح القول بانه متى ما تعارض المدلول اللفظي لكلام مع اطلاق كلام آخر، قدم المدلول اللفظي على الاطلاق وفقا لقواعد الجمع العرفي.
ويتضح ما ذكرناه ان جوهر الاطلاق يتمثل في مجموع امرين:
الاول: يشكل الصغرى لقرينة الحكمة، وهو ان تمام ما ذكر وقيل موضوعا للحكم بحسب المدلول اللفظي للكلام هو الفقير ولم يؤخذ فيه قيد العدالة.
والثاني: يشكل الكبرى لقرينة الحكمة، وهو ان ما لم يقله ولم يذكره اثباتا لا يريده ثبوتا، لان ظاهر حال المتكلم انه في مقام بيان تمام موضوع حكمه الجدي بالكلام، وتسمى هاتان المقدمتان بمقدمات الحكمة. فاذا تمت هاتان المقدمتان تكونت للكلام دلالة على الاطلاق وعدم دخل اي قيد لم يذكر في الكلام. ولا شك في ان هذه الدلالة لا توجد في حالة ذكر القيد في نفس الكلام، لان دخله في موضوع الحكم يكون طبيعيا حينئذ ما دام القيد داخلا في جملة ما قاله وتختل بذلك المقدمة الصغرى، وانما وقع الشك والبحث في حالتين:
الاولى: اذا ذكر القيد في كلام منفصل آخر فهل يؤدي ذلك إلى عدم دلالة الكلام الاول على الاطلاق رأسا كما هي الحالة في ذكره متصلا، او ان دلالة الكلام الاول على الاطلاق تستقر بعدم ذكر القيد متصلا والكلام المنفصل المفترض يعتبر معارضا لظهور قائم بالفعل وقد يقدم عليه وفقا لقواعد الجمع العرفي؟ ويتحدد هذا البحث على ضوء معرفة ان ذلك الظهور الحالي الذي يشكل الكبرى، هل يقتضي كون المتكلم في مقام بيان تمام موضوع الحكم بشخص كلامه او بمجموع كلماته؟ فعلى الاول يكون صغراه عدم ذكر القيد متصلا بالكلام، ويكون ظهور الكلام في الاطلاق منوطا بعدم ذكر القيد في شخص ذلك الكلام فلا ينهدم بمجيء التقييد في كلام منفصل. وعلى الثاني تكون صغراه عدم ذكر القيد ولو في كلام منفصل فينهدم اصل الظهور بمجيء القيد في كلام آخر.
والمتعين بالوجدان العرفي الاول، بل يلزم على الثاني عدم امكان التمسك بالإطلاق في موارد احتمال البيان المنفصل لان ظهور الكلام في الاطلاق اذا كان منوطا بعدم ذكر القيد ولو منفصلا فلا يمكن احرازه مع احتمال ورود القيد في كلام منفصل.
الثانية: اذا كان هناك قدر متيقن في مقام التخاطب، فهل يمنع عن دلالة الكلام على الاطلاق او لا؟ وتوضيح ذلك ان المطلق اذا صدر من المولى، فتارة تكون حصصه متكافئة في الاحتمال فيكون من الممكن اختصاص الحكم بهذه الحصة دون تلك او بالعكس او شموله لهما معا، وهذا معناه عدم وجود قدر متيقن وفي مثل ذلك تتم قرينة الحكمة بلا اشكال.
وثانية تكون احدى الحصتين اولى بالحكم من الحصة الاخرى، غير انها اولوية علمت من خارج ذلك الكلام الذي اشتمل على المطلق، وهذا ما يسمى بالقدر المتيقن من الخارج، والمعروف في مثل ذلك تمامية قرينة الحكمة ايضا.
وثالثة يكون نفس الكلام صريحا في تطبيق الحكم على احدى الحصتين، كما اذا كانت هي مورد السؤال وجاء المطلق كجواب على هذا السؤال من قبيل ان يسأل شخص من المولى عن اكرام الفقير العادل فيقول له اكرم الفقير، وهذا ما يسمى بالقدر المتيقن في مقام التخاطب، وقد اختار صاحب الكفاية رحمه الله ان هذا يمنع من دلالة الكلام على الاطلاق، اذ في هذه الحالة قد يكون مراده مختصا بالقدر المتيقن وهو الفقير العادل في المثال لان كلامه واف ببيان القدر المتيقن، فلا يلزم حينئذ ان يكون قد اراد ما لم يقله.
والجواب على ذلك ان ظاهر حال المتكلم، كما عرفت في كبرى قرينة الحكمة انه في مقام بيان تمام الموضوع لحكمه الجدي بالكلام، فاذا كانت العدالة جزء ا من الموضوع يلزم ان لا يكون تمام الموضوع بينا، اذ لا يوجد ما يدل على قيد العدالة. ومجرد ان الفقير العادل هو المتيقن في الحكم لا يعني اخذ قيد العدالة في الموضوع، فقرينة الحكمة تقتضي اذن عدم دخل قيد العدالة حتى في هذه الحالة. وبذلك يتضح ان قرينة الحكمة - اي ظهور الكلام في الاطلاق - لا تتوقف على عدم المقيد المنفصل ولا على عدم القدر المتيقن بل على عدم ذكر القيد متصلا.
هذا هو البحث في اصل الاطلاق وقرينة الحكمة، وتكميلا لنظرية الاطلاق لابد من الاشارة إلى عدة تنبيهات:
التنبيه الاول: ان اساس الدلالة على الاطلاق، كما عرفت، هو الظهور الحالي السياقي، وهذا الظهور دلالته تصديقية، ومن هنا كانت قرينة الحكمة الدالة على الاطلاق ناظرة إلى المدلول التصديقي للكلام
ابتداء، ولا تدخل في تكوين المدلول التصوري خلافا لما اذا قيل بان الدلالة على الاطلاق وضعية لأخذه قيدا في المعنى الموضوع له، فانها تدخل حينئذ في تكوين المدلول التصوري.
التنبيه الثاني: ان الاطلاق تارة يكون شموليا يستدعي تعدد الحكم بتعدد ما لطرفه من افراد، واخرى بدليا يستدعي وحدة الحكمة.
فاذا قيل: اكرم العالم كان وجوب الاكرام متعددا بتعدد افراد العالم، ولكنه لا يتعدد في كل عالم بتعدد افراد الاكرام. وقد يقال: ان قرينة الحكمة تنتج تارة الاطلاق الشمولي، واخرى الاطلاق البدلي، ويعترض على ذلك بان قرينة الحكمة واحدة فكيف تنتج تارة الاطلاق الشمولي، واخرى الاطلاق البدلي؟ وقد اجيب على هذا الاعتراض بعدة وجوه:
الاول: ما ذكره السيد الاستاذ من ان قرينة الحكمة لا تثبت الا الاطلاق بمعنى تقييد القيد، واما البدلية والاستغراقية فيثبت كل منهما بقرينة اضافية، فالبدلية في الاطلاق في متعلق الامر مثلا تثبت بقرينة اضافية، وهي ان الشمولية غير معقولة لان ايجاد جميع افراد الطبيعة غير مقدور للمكلف عادة، والشمولية في الاطلاق في متعلق النهي مثلا، تثبت بقرينة اضافية، وهي ان البدلية غير معقولة، لان ترك احد افراد الطبيعة على البدل ثابت بدون حاجة إلى النهي. ولا يصلح هذا الجواب لحل المشكلة اذ توجد حالات يمكن فيها الاطلاق الشمولي والبدلي معا، ومع هذا يعين الشمولي بقرينة الحكمة، كما في كلمة عالم في قولنا اكرم العالم، فلابد اذن من اساس لتعيين الشمولية او البدلية غير مجرد كون بديله مستحيلا.
الثاني: ما ذكره المحقق العراقي رحمه الله من ان الاصل في قرينة الحكمة انتاج الاطلاق البدلي، والشمولية عناية اضافية بحاجة إلى قرينة، وذلك لان هذه القرينة تثبت ان موضوع الحكم ذات الطبيعة بدون قيد والطبيعة بدون قيد تنطبق على القليل والكثير وعلى الواحد والمتعدد.
فلو قيل: اكرم العالم وجرت قرينة الحكمة لإثبات الاطلاق كفى في الامتثال اكرام الواحد لانطباق الطبيعة عليه، وهذا معنى كون الاطلاق من حيث الاساس بديلا دائما، واما الشمولية فتحتاج إلى ملاحظة الطبيعة سارية في جميع افرادها، وهي مؤونة زائدة تحتاج إلى قرينة.
الثالث: ان يقال خلافا لذلك، ان الماهية عندما تلحظ بدون قيد وينصب عليها حكم، انما ينصب عليها ذلك بما هي مرآة للخارج فيسري الحكم نتيجة لذلك إلى كل فرد خارجي تنطبق عليه تلك المرآة الذهنية، وهذا معنى تعدد الحكم وشموليته. واما البدلية كما في متعلق الامر، فهي التي تحتاج إلى عناية، وهي تقييد الماهية بالوجود الاول، فقول (صل) يرجع إلى الامر بالوجود الاول، ومن هنا لا يجب الوجود الثاني، وعلى هذا فالأصل في الاطلاق الشمولية ما لم تقم قرينة على البدلية، وتحقيق الحال في المسألة يوافيك في بحث اعلى ان شاء الله تعالى.
التنبيه الثالث: اذا لاحظنا متعلق النهي في " لا تكذب "، ومتعلق الامر في " صل "، نجد ان الحكم في الخطاب الاول يشتمل على تحريمات متعددة بعدد افراد الكذب وكل كذب حرام بحرمة تخصه، ولو كذب المكلف كذبتين يعصي حكمين ولا يستحق عقابين. واما الحكم في الخطاب الثاني فلا يشتمل الا على وجوب واحد. فلو ترك المكلف الصلاة لكان ذلك عصيانا واحدا ويستحق بسببه عقابا واحدا، وهذا من نتائج الشمولية في اطلاق متعلق النهي التي تقتضي تعدد الحكم والبدلية في اطلاق متعلق الامر الذي يقتضى وحدة الحكم.
ولكن قد يتجاوز هذا ويفترض النهي في حالة لا يعبر الا عن تحريم واحد، كما في النهي المتعلق بماهية لا تقبل التكرار من قبيل (لا تحدث) بناء على ان الحدث لا يتعدد، ففي هذه الحالة يكون التحريم واحدا، كما ان الوجوب في (صل) واحد، ولكن مع هذا نلاحظ ان هناك فارقا يظل ثابتا بين الامر والنهي او بين الوجوب والتحريم، وهو ان الوجوب الواحد المتعلق بالطبيعة لا يستدعي الا الاتيان بفرد من افرادها، واما التحريم الواحد المتعلق بها فهو يستدعي اجتناب كل افرادها ولا يكفي ان يترك بعض الافراد.
وهذا الفارق ليس مرده إلى الاختلاف في دلالة اللفظ او الاطلاق، بل إلى امر عقلي وهو ان الطبيعة توجد بوجود فرد واحد، ولكنها لا تنعدم الا بانعدام جميع افرادها. وحيث ان النهي عن الطبيعة يستدعي انعدامها فلابد من ترك سائر افرادها. وحيث ان الامر بها يستدعي ايجادها فيكفي ايجاد فرد من افرادها.
التنبيه الرابع: انه في الحالات التي يكون الاطلاق فيها شموليا يسري الحكم إلى كل الافراد فيكون كل فرد من الطبيعة المطلقة شموليا موضوعا لفرد من الحكم، كما في الاطلاق الشمولي للعالم في (اكرم العالم) ولكن هذا التكثر في الحكم والتكثر في موضوعه ليس على مستوى الجعل ولحاظ المولى عند جعله للحكم بوجوب الاكرام على طبيعي العالم، فان المولى في مقام الجعل يلاحظ طبيعي العالم ولا يلحظ العلماء بما هم كثرة، فبنظره الجعلي ليس لديه الا موضوع واحد وحكم واحد، ولكن التكثر يكون في مرحلة المجعول، وقد ميزنا سابقا بين الجعل والمجعول، وعرفنا ان فعلية المجعول تابعة لفعلية موضوعه خارجا فيتكثر وجوب الاكرام المجعول في المثال تبعا لتكثر افراد العالم في الخارج. والخطاب الشرعي مفاده ومدلوله التصديقي، انما هو الجعل، اي
الحكم على نحو القضية الحقيقية، وليس ناظرا إلى فعلية المجعول، وهذا يعني ان الشمولية وتكثر الحكم في موارد الاطلاق الشمولي انما يكون في مرتبة غير المرتبة التي هي مفاد الدليل.
ومن هنا صح القول بان السريان بمعنى تعدد الحكم وتكثره الثابت بقرينة الحكمة ليس من شؤون مدلول الكلام، بل هو من شؤون عالم التحليل والمجعول.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|