أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-10-2014
953
التاريخ: 24-10-2014
1457
التاريخ: 24-10-2014
841
التاريخ: 5-08-2015
1042
|
اختلف الحكماء في علمه تعالى بالأشياء إلى خمسة مذاهب :
[ المذهب ] الأوّل : مذهب انكسمانس الملطيّ ، وهو أنّ علمه تعالى بالأشياء إنّما هو بصور زائدة على الأشياء مطابقة لها قائمة بذاته تعالى.
[ المذهب ] الثاني : مذهب ثالس الملطيّ ، وهو أنّ علمه تعالى بالأشياء بصور زائدة عليها ومطابقة لها قائمة بذات المعلول الأوّل لا بذاته كما نقل عنه في كتاب الملل والنحل أنّه قال :
إنّ القول الذي لا مردّ له هو أنّ المبدع كان ولا شيء مبدع ، فأبدع الذي أبدع ولا صورة له عنده في الذات ؛ لانّه قبل الإبداع إنّما هو فقط ، وإذا كان هو فقط ، فليس يقدح جهة وجهة حتّى يكون هو صورة ، أو حيث وحيث حتّى يكون هو ذا صورة ، والوحدة الخالصة تنافي هذين الوجهين هو يؤيّس ما ليس بأيس ، وإذا كان هو مؤيّس الأيسات ، فالتأييس لا من شيء متقادم ، فمؤيّس الأشياء لا يحتاج [ إلى ] (1) أن يكون عنده صورة.
ثمّ قال : وأيضا فلو كانت الصورة عنده ، أكانت مطابقة للموجود الخارج ، أم غير مطابقة؟ فإن كانت مطابقة فلتتعدّد تعدّد الموجودات ، ولتكن كلّيّاتها مطابقة للكلّيّات وجزئيّاتها مطابقة للجزئيّات ، ولتتغيّر بتغيّرها كما تتكثّر بتكثّرها ، وكلّ ذلك محال ؛ لأنّه ينافي الوحدة الخالصة. وإن لم تطابق الموجود الخارج فليست إذن صورة إنّما هي شيء آخر.
ثمّ قال : لكنّه أبدع العنصر الذي فيه صور الموجودات والمعلومات ، وانبعث من كلّ صورة موجود في العالم على المثال الذي في العنصر الأوّل ، فمحلّ الصور ومنبع الموجودات كلّها هو ذات العنصر ، وما من موجود في العالم العقلي والعالم الحسّي إلاّ في ذات العنصر صورة له.
قال : ومن كمال الأوّل الحقّ أنّه أبدع مثل هذا العنصر ، فما يتصوّره العامّة في ذاته تعالى أنّ فيها الصور ـ يعني صور المعلومات ـ فهو في مبدعه ، ويتعالى بوحدانيّته وهويّته عن أن يوصف بما يوصف به مبدعه (2). انتهى.
[ المذهب ] الثالث : المذهب المنسوب إلى أفلاطون ، وهو أنّ تلك الصور قائمة بذواتها.
وقد اتّفقوا على بطلانها ؛ إذ لا معنى لكون الصور العلميّة قائمة بذواتها لا في محلّ ولا في موضوع ؛ لأنّها موجودات ظلّيّة لا عينيّة.
وقد بالغ الشيخ في الشفاء في إبطال المثل والتعليميّات بما لا مزيد عليه (3) ، بل أوجب أكثرهم تأويلها ، وأحسن التوجيهات أنّها عبارة عن أرباب الطلسمات وهي الجواهر العقليّة العرضيّة المدبّرة كلّ منها لنوع من الأنواع المادّيّة المسمّاة عندهم بالطلسمات (4).
وهذه المذاهب الثلاثة مشتركة في كون علمه تعالى بالأشياء بصورها المطابقة لها ، وهذا العلم هو المسمّى بالعلم الصوريّ (5) ، والأوّل منها بالحصوليّ.
[ المذهب ] الرابع : مذهب فرفوريوس ومن تبعه من المشّائين ، وهو القول باتّحاده تعالى مع المعقولات ، بناء على مذهبهم من القول باتّحاد العاقل والمعقول ، على ما ... في مسألة العلم من الأعراض مستقصى.
[ المذهب ] الخامس : مذهب صاحب الإشراق وهو القول بالعلم الحضوريّ الإشراقيّ ، وقد استفادها بزعمه في خلوته الذوقيّة عن روحانيّة أرسطاطاليس.
قال في التلويحات :
« كنت زمانا شديد الاشتغال ، كثير الفكر والرياضة ، وكان يصعب عليّ مسألة العلم ، وما ذكر في الكتب لم يتنقّح لي ، فوقعت لي ليلة من الليالي خلسة في شبه نوم لي فإذا أنا بلذّة غاشية، وبرقة لامعة ، ونور شعشعانيّ مع تمثّل شبح إنسانيّ ، فرأيته فإذا هو غياث النفوس وإمام الحكمة ، المعلّم الأوّل على هيئة أعجبتني ، وأبّهة أدهشتني ، فتلقّاني بالترحيب والتسليم حتّى زالت دهشتي ، وتبدّلت بالأنس وحشتي ، فشكوت إليه من صعوبة هذه المسألة ، فقال : ارجع إلى نفسك تنحلّ لك.
فقلت : وكيف؟ فقال : إنّك مدرك لنفسك ، فإدراكك لذاتك بذاتك ، أو غيرها؟ فيكون لك إذن قوّة أخرى ، أو ذات تدرك ذاتك ، والكلام عائد وظاهر استحالته ، وإذا أدركت ذاتك بذاتك ، أباعتبار أثر في ذاتك؟ فقلت : بلى.
قال : فإن لم يطابق الأثر ذاتك ، فليس صورتها ، فما أدركتها ، فقلت : فالأثر صورة ذاتيّ ، قال : صورتك لنفسك مطلقة ، أو متخصّصة بصفات أخرى؟ فاخترت الثاني ، فقال : كلّ صورة في النفس هي كلّيّة وإن تركّبت أيضا من كلّيّات كثيرة ، فهي لا تمنع الشركة لنفسها ، وإن فرض منعها تلك فلمانع آخر ، وأنت تدرك ذاتك وهي مانعة للشركة بذاتها ، فليس هذا الإدراك بالصورة.
فقلت : أدرك مفهوم أنا فقال : مفهوم أنا من حيث هو مفهوم أنا لا يمنع وقوع الشركة فيه ، وقد علمت أنّ الجزئيّ ـ من حيث هو جزئيّ لا غير ـ كلّيّ « وهذا » و « أنا » و « نحن » و «هو» لها معان كلّيّة من حيث مفهوماتها المجرّدة دون إشارة جزئيّة.
فقلت : فكيف إذن؟
فقال : فلمّا لم يكن علمك بذاتك بقوّة غير ذاتك ، فإنّك تعلم أنّك أنت المدرك لذاتك لا غير ، ولا بأثر غير مطابق ، ولا بأثر مطابق (6) ، فذاتك هي العقل والعاقل والمعقول.
فقلت : زدني.
فقال : ألست تدرك بدنك الذي تتصرّف فيه إدراكا مستمرّا لا تغيب عنه؟ فقلت : بلى.
قال : أبحصول (7) صورة شخصيّة في ذاتك وقد عرفت استحالته؟ فقلت : لا ، بل على أخذ صفات كلّيّة ، قال : وأنت تحرّك بدنك الخاصّ ، وتعرفه بدنا خاصّا جزئيّا ، وما أخذت من الصورة نفسها لا يمنع وقوع الشركة فيها ، فليس إدراكك لها إدراكا لبدنك الذي لا يتصوّر أن يكون مفهومه لغيره.
ثمّ أما قرأت من كتبنا أنّ النفس تتفكّر باستخدام المفكّرة وهي تفصل وتركّب الجزئيّات وترتّب الحدود الوسطى؟ والمتخيّلة لا سبيل لها إلى الكلّيّات ؛ لأنّها جزئيّة (8).
فإن لم يكن للنفس اطّلاع على الجزئيّات ، فكيف تركّب مقدّماتها؟! وكيف تنزع الكلّيّات من الجزئيّات؟! وفي أيّ شيء تستعمل المتفكّرة؟ وكيف تأخذ الخيال؟ وما ذا يفيدها تفصيل المتخيّلة؟ وكيف تستعدّ بالفكر للعلم بالنتيجة؟ ثمّ المتخيّلة جزئيّة (9) كيف تدرك نفسها والصورة المأخوذة عنها في النفس كلّيّة؟ وأنت تعلم بتخيّلك ووهمك الشخصين الموجودين ودريت أنّ الوهم ينكرها (10).
قلت : فأرشدني جزاك الله عن زمرة العلم خيرا ، قال : وإذا دريت أنّها تدرك لا بأثر يطابق ولا بصورة ، فاعلم أنّ التعقّل حضور الشيء للذات المجرّدة عن المادّة. وإن شئت قلت : عدم غيبته عنها ، وهذا أتمّ ؛ لأنّه يعمّ إدراك الشيء لذاته وغيره ؛ إذ الشيء لا يحضر لنفسه ولكن لا يغيب عنها. أمّا النفس ، فهي مجرّدة غير غائبة عن ذاتها ، بقدر تجرّدها أدركت ذاتها وما غاب عنها، إذا لم يكن لها استحضار عينه كالسماء والأرض ونحوهما ، فاستحضرت صورته.
أمّا الجزئيّات ففي قوى حاضرة لها. وأمّا الكلّيّات ففي ذاتها ؛ إذ من المدركات صورة كلّيّة لا تنطبع في الأجرام ، والمدرك هو نفس الصورة الحاضرة لا ما خرج عن التصوّر.
وإن قيل للخارج : إنّه مدرك فذاك بقصد ثان ، فذاتها غير غائبة عن ذاتها ، ولا بدنها جملة ما ، ولا قوى مدركة لبدنها جملة ما ، وكما أنّ الخيال غير غائب عنها ، فكذلك الصور الخياليّة ، فيدركها النفس لحضورها لا لتمثّلها في ذات النفس ، ولو كان تجرّدها أكثر ، لكان الإدراك بذاتها أكثر وأشدّ ، ولو كان تسلّطها على البدن أشدّ كان حضور قواها وأجزائها لها أشدّ.
ثمّ قال لي : اعلم أنّ العلم كمال للموجود (11) من حيث مفهومه ، ولا يوجب تكثّرا ، فيجب للواجب وجوده [ لأنّه كمال للوجود (12) من حيث هو وجود (13) ، ولا يوجب تكثّرا ، فلا يمتنع ، والممكن العامّ على واجب الوجود يجب له ؛ إذ لا يمكن بالإمكان الخاصّ شيء عليه ، فيوجب فيه جهة إمكانيّة ، فيتكثّر ] (14).
ثمّ قال : فواجب الوجود ذاته مجرّدة عن المادّة وهو الوجود البحت والأشياء حاضرة له على إضافة مبدئيّة تسلّطيّة ؛ لأنّ الكلّ لازم ذاته ، فلا يغيب عنه ذاته ، ولا لازم ذاته ، وعدم غيبته عن ذاته أو لوازمه مع التجرّد عن المادّة هو إدراكه كما قرّرناه في النفس.
ورجع الحاصل في العلم كلّه إلى عدم غيبة الشيء عن المجرّد عن المادّة صورة كانت أو غيرها ، فالإضافة جائزة في حقّه تعالى ، وكذلك السلوب ، ولا يخلّ بوحدانيّته تكثّر أسمائه بهذه السلوب والإضافات ، ولو كان لنا على غير بدننا سلطنة كما على بدننا ، لأدركناه كإدراك البدن كما سبق من غير حاجة إلى صورة ، فتعيّن من هذا أنّه بكلّ شيء محيط ، وإدراك أعداد الوجود هو نفس الحضور له والتسلّط من غير صورة ومثال. ثمّ قال لي : كفاك في العلم هذا (15) انتهى كلام التلويحات.
وقال في حكمة الإشراق : لمّا تبيّن ـ يعني على قاعدة الإشراق ـ أنّ الإبصار ليس من شرطه انطباع شبح أو خروج شيء ، بل يكفي عدم الحجاب بين الباصر والمبصر ، فنور الأنوار ظاهر لذاته على ما سبق بيانه في كلّ مجرّد وغيره ظاهر له ، فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ؛ إذ لا يحجبه شيء عن شيء ؛ فعلمه وبصره واحد (16).
وقال أيضا : علمه بذاته هو كونه نورا لذاته وظاهرا لذاته ، وعلمه بالأشياء كونها ظاهرة له إمّا بأنفسها أو بمتعلّقاتها التي هي مواضع الشعور المستمرّ للمدبّرات العلويّة وذلك ـ أي علمه بالأشياء ـ إضافة ـ لكونه عبارة عن ظهور الأشياء ـ وعدم الحجاب سلبيّ.
والذي يدلّ على أنّ هذا القدر ـ أي ظهور الأشياء له ـ كاف في علمه بها هو أنّ الإبصار إنّما كان بمجرّد إضافة ظهور الشيء للمبصر مع عدم الحجاب ، فإضافته إلى كلّ ظاهر له ، إبصار وإدراك له ، وتعدّد الإضافات العقليّة ـ التي له إلى الأشياء الكثيرة ـ لا يوجب تكثّرا في ذاته (17). انتهى كلام حكمة الإشراق.
ومختار المصنّف هذا المذهب كما أشرنا إليه ؛ قال في شرح رسالة العلم : والحقّ أنّه ليس من شرط كلّ إدراك أن يكون بصورة ذهنيّة ؛ وذلك لأنّ ذات العاقل إنّما تعقل نفسه بعين صورته التي بها هي هي.
وأيضا المدرك للصورة الذهنيّة إنّما يدركها بعين تلك الصورة لا بصورة أخرى ، وإلاّ لتسلسل، ولزم مع ذلك أن يجتمع في المحلّ الواحد صور متساوية في الماهيّة ، مختلفة بالعدد فقط ، وذلك محال.
فإذن إنّما يحتاج في الإدراك إلى صورة المدرك. أمّا الاحتياج إلى صورة ذهنيّة ، فقد يكون حيث يكون المدرك غير حاضر عند المدرك ، وعدم الحضور يكون ، إمّا لكون المدرك غير موجود أصلا ، أو لكونه غير موجود عند المدرك ، أي يكون بحيث لا يصل إليه الإدراك البتّة، وذلك إنّما يكون بسبب شيء من الموانع العائدة إمّا إلى المدرك نفسه ، أو آلة الإدراك ، أو إليهما جميعا (18).
ثمّ قال : وإدراك الأوّل تعالى إمّا لذاته ، فيكون بعين ذاته لا غير ، ويتّحد هناك المدرك والمدرك والإدراك ، ولا تتعدّد إلاّ بالاعتبارات التي تستعملها العقول.
وإمّا لمعلولاتها القريبة منه فيكون بأعيان ذوات تلك المعلولات ؛ إذ لا يتصوّر هناك عدم حضورها بالمعاني المذكورة أصلا ، وتتّحد هناك المدركات والإدراكات ، ولا يتعدّدان إلاّ بالاعتبار ، ويغايرهما المدرك.
وإمّا لمعلولاته البعيدة كالمادّيّات والمعدومات التي من شأنها إمكان أن توجد في وقت ، أو تتعلّق بموجود ، فيكون بارتسام صورها المعقولة في المعلولات القريبة التي هي المدركات لها أوّلا وبالذات ، وكذلك إلى أن ينتهي إلى إدراك المحسوسات بارتسامها في آلات مدركيها ؛ وذلك لأنّ الموجود في الحاضر حاضر ، والمدرك للحاضر مدرك لما يحضر معه ، فإذن لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ، ولا في السماء ، ولا أصغر منها ولا أكبر ، فيكون ذوات معلولاته مرتسمة بجميع الصور وهي التي يعبّر عنها تارة بالكتاب المبين ، وتارة باللوح المحفوظ ، ويسمّيها الحكماء بالعقول الفعّالة ، ولا يلزم على هذا التقدير شيء من المحالات المذكورة والمذاهب الشنيعة (19). انتهى كلامه.
__________________
(1) الزيادة أثبتناها من المصدر.
(2) « الملل والنحل » 2 : 62.
(3) « الشفاء » الإلهيّات : 317 ـ 324 ، الفصل الثالث من المقالة السابعة.
(4) انظر « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 143.
(5) في « شوارق الإلهام » : « الحضوريّ » بدل « الصوريّ ».
(6) في « شوارق الإلهام » : « لا بأثر مطابق ولا بأثر غير مطابق ».
(7) في المصدر المذكور : « الحصول ».
(8) في المصدر : « الجرمية ».
(9) في المصدر : « الجرمية ».
(10) أي ينكر المتخيّلة بل نفسها أيضا أعني الواهمة ، والإنكار لا يحصل إلاّ بالإدراك.
(11) في المصدر : « للوجود ».
(12) في « شوارق الإلهام » : « للموجود ... موجود ».
(13) في « شوارق الإلهام » : « للموجود ... موجود ».
(14) العبارة لم ترد في « التلويحات ».
(15) « التلويحات » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 1 : 70 ـ 73.
(16) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 150.
(17) « حكمة الإشراق » ضمن « مجموعة مصنّفات شيخ الإشراق » 2 : 152.
(18) « شرح رسالة العلم » : 28.
(19) « شرح رسالة العلم » : 28 ـ 29.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|