المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8186 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

اختيار القوائم البريدية
3/9/2022
الفعالية الضعيفة لهاليدات الأريل و الفاينيل
2023-08-19
Cake Cutting
15-12-2021
طاعة اللّه وتقواه
23-8-2016
محدّثون لا وجه لنسبة القول بالتحريف إليهم
27-11-2014
Kleene,s Recursion Theorem
18-1-2022


الاستدلال على البراءة بالسنة الشريفة  
  
621   10:56 صباحاً   التاريخ: 24-8-2016
المؤلف : الشيخ ضياء الدين العراقي
الكتاب أو المصدر : مقالات الاصول
الجزء والصفحة : ج2 ص 161.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / البراءة /

من السنة التي استدل بها القائل بالبراءة - قبال الأخباري - حديث الرفع (1) المعروف، بتقريب: أن من الفقرات التسعة ما لا يعلمون . ومعنى رفعه رفع [آثار] ما لم يعلم من الحكم الواقعي [في] مرتبة الجهل به ولو بإيجاب الاحتياط، الذي هو من الاحكام الطرقية، كسائر أحكام أدلة الطرق، التي شأنها إبراز الإرادات الواقعية في ظرف الجهل بها على تقدير وجودها. ولذا أشرنا في أوائل القطع بأن لمثل هذه الأحكام [جنبتين]: بملاحظة محكيها قائمة بنفس الواقع، وبملاحظة إنشائها المبرز لها قائمة بالأمارة في ظرف الجهل به. ولذا صححنا وقوع مثل الأمارة وسطا لإثبات حكم [متعلقها]، مع أن لازم [الوسطية] كونه موضوع الأكبر في الكبرى.

وبديهي أن الأكبر في كبرى حجية الطرق ليس إلا حكما ظاهريا قائما بالأمارة، وليس هو من أحكام [متعلقها] (2) القائمة بنفس ذاته في الرتبة السابقة [على] الجهل به. [فوسطية] الأمارة لمثل هذا الحكم ليس إلا بلحاظ أن الإنشاء القائم بالأمارة - بلب حقيقته وروحه من الإرادة المبرزة بهذا الإنشاء - [قائم] بنفس المتعلق. وبمثل ذلك [تمتاز] الأحكام الطرقية عن الأحكام الحقيقية النفسية. ولذا نقول: إنه على الموضوعية لا [تكون] الأمارة وسيطا لحكم المتعلق، بل [هي] وسط لحكم [نفسها]، كالقطع الواقع موضوعا لحكم آخر، ولذا لا يصلح للقطع أن يقع وسيطا لحكم متعلقه مثل الظن، لعدم صلاحيته لأن يتعلق به الحكم الطريقي بملاحظة كونه بنفسه منجزا للواقع، بلا احتياج في منجزيته إلى حكم طريقي، بخلاف الظن مثلا. وحينئذ، فالمراد من رفع ما لا يعلمون رفع الحكم الواقعي بمرتبة من مراتب وجوده - ولو بمثل إنشائه - في ظرف الجهل به. ثم إن المصحح لإطلاق الرفع في المقام، هو وجود المقتضي لمثل هذا الانشاء في ظرف الجهل بالمرام واقعا، إذ مع وجود المقتضي [يعتبره] العقلاء كأنه موجود بالعناية، ولذا أطلق السقوط للخيار عند وجود مقتضيه. مع أنه في الحقيقة عبارة عن عدم الثبوت من الأول. فإطلاق الرفع - في المقام - أيضا [بعين] عناية إطلاق السقوط في باب شرط سقوط الخيار في [متن] عقده، وكان من باب الحقائق [الادعائية] لا أن كلمة الرفع [اريد منها] الدفع في المقام، كما توهم.

وحينئذ، ملخص معنى هذه الفقرة: أن الامتنان الوارد في مورد الفقرات التسع [اقتضى] لأن يرفع عن المكلف انشاء حكم حافظ للمرام الواقعي في ظرف الجهل به مع كمال تمكنه من ايجاده، لمحض الرحمة والرأفة. ومقتضاه - حينئذ - نفي مضمون ما ورد من السنة على ايجاب الاحتياط، [بحمله] على الاستحباب. ويكفي [ذلك] ردا للأخباري. وحينئذ، يكون هذا الحديث الشريف أتم دليل للقائل بالبراءة، قبال استدلال الأخباريين بالنصوص الآتية، كما لا يخفى. ثم إنه كما أن إطلاقه يرفع الحكم النفسي، كذلك قابل لرفع الحكم الوضعي من الجزئية أو الشرطية، بعد كون أمر وضعهما ورفعهما بيده. وحينئذ، فقد يتوهم صلاحيته لرفع الحكم المنسي أو [الجزئية] المنسية أيضا بعد إلزام العقل - في حال النسيان عنه - بإتيان البقية، إذ في رفعه يستكشف إنا رفع الأمر المتعلق بالإعادة، ففيه كمال المنة على العباد أيضا. هذا. ولكن فيه: أن ذلك يتم في صورة نظره إلى رفع المنسي مطلقا، ولو بلحاظ حال انقلابه إلى الالتفات، وإلا فلو كان الظاهر منه رفع المنسي ما دام النسيان، فلا يستكشف منه - حينئذ - إلارفع ابقاء الأمر ما دام النسيان، وأما بعده فالمقتضي للتكليف من المصلحة موجب لإحداث التكليف بالإعادة بعد الانقلاب [إلى الالتفات].

ولذا نقول: إن مثل هذا الحديث الشريف لا يقتضي الإجزاء في فرض النسيان، فضلا عن فرض الجهل غير الناظر إلى رفع الواقع أصلا. ثم على فرض الإطلاق: ففي شمول الحديث نسيان الجزء وجه، إذ مرجع نسيانه وإن كان نسيان ذاته لا [جزئه]، لكن لا بأس برفع الذات بلحاظ حكمه،

ونتيجته - أيضا - عدم وجوب إعادته. إلا أن تمام الكلام فيه في [إطلاقه] لحال انقلابه إلى الالتفات. كما أشرنا فتدبر. لا يقال: إن سوق النص المزبور، في مقام الامتنان، يقتضي حمل الرفع، في هذه الفقرة، على الإطلاق، وإلا فعلى فرض الاختصاص بحال النسيان فلا امتنان فيه، لأن العقل - أيضا - مستقل برفعه. لأنه يقال: ما افيد كذلك لو اريد من رفع النسيان خصوص ما كان بغير اختياره، وإلا فمع تمكنه من حفظه فالعقل لا يحكم برفعه، ولو لسوء اختياره السابق. وحينئذ، ففي رفعه من الشرع - حينئذ - كمال امتنان فيه. نعم لابد من تقييده أيضا بصورة كون حفظه حرجيا، كي لا يرد عليه - أيضا - بمنع شمول الحديث للمقدم على [التفويت] بسوء اختياره السابق، لأنه أيضا خلاف سوق الحديث من كونه في مقام رفع ما في وضعه خلاف امتنان، ولذا لا يشمل المقدم على [التفويت] في جميع الفقرات الأخر. ومن هذا البيان ظهر دفع شبهة اخرى و[هي]: أن ظاهر النص رفع الحكم في ظرف النسيان، وهو في رتبة متأخرة عن الواقع، كالالتفات [إليه]. ومن المعلوم أن في هذا الظرف لا يعقل جعل مولوي مماثل للواقع، فأي شيء مرفوع في هذه الرتبة؟ وتوضيح الدفع: أنه لوجوب حفظ الالتفات بمقدماته ربما ينتهي الأمر إلى وجوب عقلي في هذه المرتبة، وحيث [إن] أمر رفع هذا الوجوب ووضعه بيده - ولو بإيجابه التحفظ وعدمه - فيصلح هذا الوجوب للرفع برفع منشئه. ومما ذكرنا ظهر الحال - أيضا - في رفع ما لا يطاق، إذ مرجع رفعه إلى عدم وجوب [حفظه] بمقدماته عند البلوغ إلى حد الحرج، فكان الحديث من هذه الجهة، مبينا [لمرتبة] من مراتب الحرج، ومساوق نفيه بالآية الاخرى (3). ومن هنا نقول - أيضا - بعدم لزوم حمل ما لا يطاق على المشقة الشديدة، كما توهم. نعم في شموله لرفع الحكم الوضعي من الجزء - بلحاظ نفي جزئيته - إشكال، من جهة أن رفعه لا يقتضي وجوب البقية بعد عدم إطلاق [له] يشمل حال [فقد] الجزء الآخر، إذ حينئذ، لا ملزم لإتيان البقية، وبه يمتاز عن فرض النسيان. وهذا الكلام جار في فرض الاضطرار - أيضا - فلا يجري مثله - أيضا - في الأحكام الوضعية. نعم لا بأس بجريانه في النفسيات من التكاليف، إذا لم يكن بسوء اختياره غير المناسب لسوق امتنانه، كما أشرنا إليه. نعم في مثله لا يحتاج إرجاع رفعه إلى إيجاب تحفظه، لأنه بنفسه قابل لتعلق الحكم به، فيرفع منة عليه. وأيضا نقول: إن سوق الامتنان في فقرة الاضطرار يقتضي صحة المعاملة التي أقدم عليها لاضطراره، لأن بطلانها يوجب ضيقا عليه، لموت عياله من الجوع. ففي معاملاته لا بأس بشمول الحديث، حتى ما كان اضطراره بسوء اختياره. ولا يجب عليه الحفظ في هذا المقام، لعدم انتهائه إلى فوت تكليف بسوء اختياره، وبه يمتاز باب المعاملات عن باب التكاليف، كما أشرنا. كما أنه يمتاز أيضا [عن] باب الإكراه، من حيث عدم اقتضاء الامتنان صحة المعاملة في باب الإكراه دون الاضطرار، وإلا فمن [حيث] الطيب الفعلي، والكره الاقتضائي، كلاهما سيان.

وتوهم الفرق بينهما باستقلال المضطر بالعمل، بخلاف المكره حيث إنه بتحميل غيره، لا يجدي فرقا بينهما في الطيب والكره المزبور الذي هو المناط في المكره عليه في باب المعاملات، ولذا يقال: إن المأخوذ حياء كالمأخوذ غصبا مع أنه لا يكون بأمر غيره والزامه خارجا، كما لا يخفى. نعم في الالتزام بكون الكره في المكره عليه أيضا اقتضائيا إشكال آخر: من كونه خلاف ظهور كلية العنوان المأخوذ في موضوع الخطاب في [الفعلية]، وحينئذ، قد يستشكل بأن [المكره] بعد ما كان باختياره يقدم على المعاملة، فلا شبهة في وجود مبادئ إرادته [للعمل]، ومع هذه المبادئ لا يتصور كره، إذ الكره مضاد مع الشوق الذي هو من مبادئ إرادته. وتوهم كون المكره خاليا عن القصد والإرادة سفسطة، لا يعبأ به بحكم الوجدان على خلافه. ونظيره توهم اقتضائية الكره لما عرفت. والذي يقتضيه التحقيق في المقام حفظ الجهتين على فعليتهما بتوضيح: أنه إذا كان المكلف واقعا بين المحذورين - ولو من جهة التفاته إلى توعيد غيره - فيصير أحدهما خارجا عن اختياره. وحينئذ إذا رجح الأهم (4) منهما - ولو شهوة - يصير حينئذ بصدد اختيار ما هو أقل محذورا، وهذا المقدار من الاختيار إنما يضاد كرهه بمقدار تعلق إرادته واشتياقه بإيجاده، وهو ليس إلا بسد باب عدمه المقارن لعدم الأهم. وأما باب عدمه المقارن لوجوده فهو منسد قهرا بانصرافه عن ايجاد الأهم، ومع هذا الانسداد القهري يستحيل توجه الإرادة نحوه، فتبقى تلك الجهة على [مكروهيتها] فيصدق في حقه أنه اختار شيئا فيه جهة كرهه. ومرجع ذلك بالآخرة إلى تعلق الطيب ببعض أنحاء وجوده، لا بقول مطلق، فيبقى بعض أنحائه الاخر على كرهه [ومبغوضيته]. ولقد بينا نظير هذا البيان في مقام تصور العبادات المكروهة في باب اجتماع الأمر والنهي، كما أن باب الترتب والجمع بين الاحكام الواقعية والظاهرية - أيضا - إنما يتم بمثل هذا البيان من التفكيك بين أنحاء حفظ الوجود من جهة دون جهة. ولعمري إن ذلك باب ينفتح منه ألف باب، فتأمل فيه، وكن من الشاكرين. ثم إنه لا يقاس باب الإكراه بباب الوعد على الخير في ارتكاب مكروهه، إذ في مثله وجود الشيء مقدمة لمحبوبه، وهذا الوجود [طارد] لجميع الأعدام، [فتصير] أعدامه مبغوضة. وهذا بخلاف باب الإكراه على الوجود [فإن] ما هو مقدمة للمبغوض هو نقيض الوجود الحاصل بفتح باب عدم واحد، والفرار عنه ليس إلا باختيار نقيضه الذي هو عبارة عن سد واحد منها، كما لا يخفى. ثم إن مجرى هذه الفقرة مختص بباب المعاملات بالمعنى الأخص بملاحظة اعتبار الطيب فيها، ولا يكاد يجري في غيرها، إلا إذا وصل [إلى حد] الإلجاء المساوق لعنوان الاضطرار. وحينئذ هذه الفقرة مع فقرة الاضطرار [متعاكستان] في المجرى. ومن جميع هذه البيانات ظهر أن لازم سوق النص المزبور في مورد الامتنان كون المرفوع في كل فقرة من الفقرات التسع ما يناسب الامتنان، بضم كون المرفوع من الامور التي كان أمر [وضعها ورفعها] - ولو بالواسطة - بيد الشارع. وحينئذ، ربما يكون في كل مورد أثر مخصوص: ففي الخطأ والنسيان إيجاب التحفظ المستتبع لرفع وجوب الإتيان بالمنسي وما أخطأ، وكذا فيما لا يطاق.

وفي الاضطرار رفع الأحكام التكليفية النفسية أو الغيرية الثابتة في غير موارد المعاملات بالمعنى الأخص، وأما في مثل هذه المعاملات، فرفع أثرها أو التكليف [المترتب] على هذه الآثار خلاف الامتنان في حق المضطر إلى بيع داره لقوت عياله. وفي الإكراه رفع [الأثر] عن كل معاملة يعتبر في صحتها الطيب، بلا صلاحية [اطلاقه لأن] يرفع الحكم التكليفي من سائر الجهات. نعم لو وصل أمره إلى الإلجاء فيكفي في رفعه عنوان الاضطرار، [بل] ولا [تشمل] فقرة الإكراه لمثله، إذ هو ظاهر في شرطية الطيب ومنصرف إليها، فلا يشمل ما لا يكون الطيب شرطا فيها. وفي ما لا يعلمون رفع إيجاب الاحتياط في ظرف الجهل بالواقع، بالتقريب المتقدم ذكره. ثم إن لازم رفع هذه الآثار، على [حسب] اختلافها باختلاف الفقرات اشتراك الجميع لرفع استحقاق المؤاخذة الناشئة عن قبل الصادر عن هذه العناوين برمتها. وحينئذ، فلك أن تقول في الجميع: المرفوع هو استحقاق المؤاخذة ولو بمنشئه. ولك - أيضا - القول بأن المرفوع جميع آثاره الشرعية [القابلة] للامتنان في [رفعها]، لما عرفت بأنه ليس من شأن الحديث أزيد من ذلك. ولك أن تقول - أيضا - بأن المرفوع في كل فقرة ما هو المناسب من أثره، على ما فصل، وحينئذ لا يبقى مجال الترديد بين الاحتمالات الثلاثة إلا على فرض قابلية الحديث لرفع الآثار [غير] الامتنانية - أيضا - أو عدم اقتضاء رفع المؤاخذة الناشئة، كي يكون أحد الاحتمالات رفع المؤاخذة عن نفس هذه الفقرات، لا الناشئة منها قبال [الأثر] المناسب.

ولا يخفى ما في الاحتمالين من وضوح الفساد، إذ سوق امتنان النص آب عن تخصيص المؤاخذة بخصوص ما يترتب على المذكورات، كما أنه آب عن الشمول لما لا امتنان فيه، كما لا يخفى. ثم إن من التسعة: الطيرة والحسد والوسوسة. ومرجع رفع الأول إلى ردعهم عما التزموا على أنفسهم بتطيراتهم. ورفع الثاني - أيضا - إلى عدم لزوم [رفعه] ولو بالرياضات والمجاهدات، وإن كان ذلك مستحسنا في مقام تحسين الأخلاق، كرفع سائر الصفات الذميمة، [فرفعها] من الواجبات الاخلاقية، لا [الفقهية]. نعم [ترتب] الأثر الخارجي على مثل هذه الصفات ربما يكون حراما [فقهيا] أيضا. ومرجع رفع الوسوسة - أيضا - إلى رفع [حرمتها]، إذ ربما [تنجر] إلى سوء العقيدة. ففي أمثال هذه الفقرات الثلاث - أيضا - مقتضي التكليف - بنحو [ما] تقدم - موجود، ففي [رفع] مثلها - تسهيلا على الامة - كمال امتنان على الامة. هذا تمام الكلام في شرح الحديث الشريف، على ما أدى إليه نظري القاصر، حسب استفادته من الأساطين. ومنها: حديث الحجب (5)، بتقريب: إن حجب علمه في مقام التشريع عبارة عن عدم ابلاغ مرامه إليهم بخطابه واقعا. ومعنى وضعه عنهم حينئذ، عدم انشائه في ظرف الجهل به، ولو بإيجاب [الاحتياط]، لا عدم إنشائه الرافع لجهله واقعا، فلا يشمل مثل هذا الحكم وضع صرف الخطاب الواقعي، كي يساوق لما سكت. كيف! وهذا المقدار مستفاد من نفس الموضوع، فلا يبقى مجال لترتيب حكمه بقوله موضوع عنهم ، إذ عنوان موضوعه (6) مساوق سكوته عن مرامه بخطابه واقعا. وبعد ذا لا يعقل أن يكون المراد من الحكم - أيضا - وضع هذا الخطاب المساوق لسكوته، إذ هو مساوق توضيح الواضح، فلا محيص من أن يكون المراد من وضعه - الذي هو حكم ما حجب - وضع غير هذا الخطاب الرافع لجهله، ومرجعه إلى رفع الخطاب في ظرف جهله بالمرام، وهو ليس إلا مثل [ايجاب] الاحتياط غير الصالح لرفع الجهل، ولا يشمل [رفع صرف] الخطاب الواقعي الداخل فيما سكت. فمفاد الحديث، حينئذ، أنه في مورد سكوته عن مرامه، بعدم خطابه واقعا، رفع الله الخطاب في ظرف جهله بهذا المرام أيضا رأفة ورحمة لهم، مع كمال اقتضائه. فالحديث، حينئذ، مثل حديث الرفع أيضا دال على نفي ايجاب الاحتياط المدعى للإخباريين، القابل لحمل ما ورد بلسان وجوب الاحتياط - عند الشك - على الاستحباب. نعم هذا الحديث بهذا التقريب مختص بموارد سكوته عن بيان مرامه الواقعي [بعدم] خطابه واقعا. ولا يشمل غيره، لعدم صدق حجب العلم عنه في مقام التشريع، فيكون أخص موردا من حديث الرفع السابق، فيحتاج - في التسرية إلى غيره - [إلى] عدم القول بالفصل. نعم لو اريد من حجب العلم حجبه في مقام التكوين - على بعد – فشموله لموارد الجهل بالخطاب الواقعي أوضح، فيساوق - حينئذ - مفاده لمفاد حديث الرفع السابق. وكان إباؤه عن الحمل [على] مفاد ما سكت أوضح. وتوهم جعل ما حجب - حينئذ - من العناوين المشيرة إلى نفس ذات تعلق [بها] حجب علمه، فيصير مفاده وضعه بوجوده واقعا مدفوع - علاوة [على] كونه خلاف [ظاهر] العنوانية في كل ما أخذ في حيز الخطاب - [بأن] الظاهر منه: أن حجب علمه علة وضعه، فقهرا يكون الوضع في الرتبة المتأخرة عن الواقع، لا نفس الواقع، فتدبر. وحينئذ، لا مجال لحمل النص على صرف سكوته عن الواقع بلا تعرض لظرف الجهل بمرامه، كي لا يرتبط بالمقام، كما أشرنا، فتدبر. ومنها: قوله (عليه السلام) لا في جواب من قال: من لم يعرف شيئا، هل عليه شيء؟... (7) بتقريب: أن مورد السؤال فرض كل شيء لا يعرفه. وأن المراد من قوله لا : عدم عقوبة عليه، ولا كلفة، بجعل الشيء الثاني في كلام السائل عبارة عن العقوبة أو الكلفة، وأن الغرض من نفي العقوبة [نفيها] تشريعا، ولو بنفي [منشئها] من إيجاب احتياط عليه، فيصح مثله - أيضا - ردا على الأخباري. نعم لو أريد من قوله: لم يعرف شيئا غفلته عن جميع أحكامه - كما قد يتفق في أهل البوادي - أو اريد من قوله: لا نفيه إرشادا إلى قبحه بلا بيان فلا يصلح - حينئذ - ردا على الأخباري، إذ الأول واضح، وهكذا الأخير، لأنه - حينئذ - عبارة عن الكبرى المسلمة عند الطرفين. ولكن الإنصاف [أن] حمل عدم المعرفة على فرض الغفلة بعيد جدا. غاية الأمر اختصاص مورده بصورة عدم معرفة الأحكام بأجمعها، مع التفاته إليها. وحينئذ، يكفي هذا المقدار - أيضا - لرد الأخباري بضم عدم الفصل، لو اريد من قوله: لا نفي الشيء تشريعا، إذ - حينئذ - لا محيص من حمله على نفي منشئه، وحينئذ تمام الكلام و[الإشكال] في هذا النفي، لإمكان كونه في مقام الإرشاد إلى حكم العقل، فيخرج عن مورد البحث، كما لا يخفى. ومنها: قوله (عليه السلام): كل شيء لك حلال حتى تعرف أنه حرام بعينه فتدعه (8). وتقريبه - على خلاف مدعى الأخباري من عدم الحلية في الشبهات الحكمية خصوصا التحريمية منها - في غاية الوضوح. نعم ربما يبقى إشكال آخر من تطبيق الكبرى المزبورة في ذيله على موارد اليد والسوق، وأصالة الصحة، الحاكمة كلها على الكبرى المزبورة. ويمكن [دفعه] بجعل الصدر حاكيا عن انشاءات الحلية بعنوانات مختلفة، وجمع الكل ببيان واحد، الذي منها: إنشاء الحلية لعنوان المشكوك مثلا، وحينئذ يستفاد المدعى من إطلاقه. نعم الإشكال إنما يرد لو اريد منه إنشاء الحلية للمشكوك بشخصه، ولكن لازمه طرح ذيله أو صدره، والجمع بين الجهتين بنحو [ما] ذكرنا أولى من الطرح. نعم، بناء عليه ربما يشكل شموله للشبهات الحكمية، إذ بقية الانشاءات المحكية كلها في الشبهات الموضوعية. وحينئذ: في غاية البعد حمل الإنشاء في ظرف الشك على الشبهة الحكمية أيضا. بل المتيقن في مقام التخاطب لمثله: خصوص الشبهة الموضوعية.

وحينئذ يكون مثل هذه الرواية مساوقا لنص آخر من قوله: كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام منه بعينه (9)، إذ المنساق منه - كما قيل (10) - إن كل كلي فيه فرد حلال فهو بجميع أنحائه حلال، حتى تعرف الحرام من أفراده مشخصا في الخارج. وحينئذ، لا يشمل كليا يحتمل أنه لا حلال فيه. ولكن يمكن أن يقال في البين - أيضا - [إن] بعض الكليات التي فيها نوع حلال ونوع حرام، كاللحم بالإضافة إلى الغنم والأرنب، فيشمله العموم، وتثبت به حلية الفرد الثالث المشتبه مثل لحم الحمير، وأن وجود الفردين المعلومين فيه - أيضا - منشأ الاشتباه في الفرد الثالث من لحم الحمير، كما هو الشأن في الشبهات المصداقية، إذ وجود الفردين فيه - أيضا - منشأ الاشتباه [في الفرد] الثالث، وأن المراد من الغاية معرفة الحرام في دائرة الشبهات كليا كان أو جزئيا. وتوهم أن المراد من الرواية: حلية ما علم من الفردين في الكلي، بنحو الإجمال فلا يشمل الفرد الثالث، مدفوع بأن لازم ذلك شمول الرواية لطرفي العلم الإجمالي، بل و[اختصاصها] به، ولازمه طرح الرواية رأسا بملاحظة علية العلم، ولو للمخالفة القطعية (11). وحينئذ، فلا محيص من حمل الرواية على المعنى الأول، وأن العلم التفصيلي بوجود الفردين منشأ للشك وعدم الغفلة عن وجود الحرام، لمحض الالتفات إلى وجود حرام فيه ولو تفصيلا.

وعليه: فلا قصور في الرواية للشمول للشبهات الحكمية أيضا بعين الوجه [لشمولها] الشبهات الموضوعية الخارجة عن أطراف العلم الإجمالي، كما لا يخفى، فتدبر. ومنها: قوله الناس في سعة [ما] لا يعلمون (12)، بتقريب: أن الرواية في مقام تشريع السعة و[ترخيصها] في [ظرف] الجهل بالواقع. ويساوق [مفادها] جعل الحلية في ظرف عدم العلم، فيصلح - حينئذ - [للقرينية] على حمل دليل وجوب الاجتناب - عن المشتبه - على الاستحباب. نعم لو اريد منه الإرشاد إلى نفي الحرج من قبل العقل - كما لا يبعد - فيساوق مفاد قبح العقاب بلا بيان، من دون فرق في الاحتمالين أيضا بين كون ما موصولة أو ظرفية، لولا دعوى أنه على الظرفية قابل لحمل عدم العلم على الجهل بمطلق الوظيفة [الفعلية]. وحينئذ، يكون الحكم بالسعة إرشاديا إلى الوظيفة العقلية جزما، فتدبر. ومنها: قوله: كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهي (13) وتقريبه أيضا بعين التقريب السابق بجوابه. ومرجعه: إلى الدوران بين جعل الإطلاق تشريعيا - في ظرف الجهل بالنهي - أم إرشادا إلى حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان. وأما احتمال حمل الإطلاق على الإطلاق الواقعي فهو بعيد [في الغاية]، لأوله إلى توضيح الواضح، نظير ما عرفت في رواية الحجب، فتدبر.

ومنها: قوله إن الله يحتج على العباد بما آتاهم وعرفهم (14) والظاهر منه كونه في مقام نفي الاحتجاج بما لم يأتهم، ولو من جهة حكم العقل بقبح عقابه بلا حجة من قبله. ولا يصلح مثله لرد الأخباري، وهو ظاهر. ومنها: قوله في باب العدة: إذا كان بجهالة [فليزوجها] بعدما [تنقضي] عدتها، فقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك... الخ (15) بناء على كون المراد من الأعظم ما يشمل العذاب الاخروي أيضا. وإلا فلو اختص بالعذاب الدنيوي، من مثل الحد أو التعزير فغير مرتبط بالمقام، إذ المعذورية عن العذاب الدنيوي غير [ملازمة] للمعذورية عن العذاب الأخروي، ولا يبعد الأخير، ولو سياقا. مع أن ذيل الرواية ربما يوهن إطلاق [صدرها] من حيث الجهالة بالحرمة، إذ في ذيلها جعل الجهالة من حيث الحرمة مما لا يقدر معه على الاحتياط، بخلاف الجهالة بأنها في العدة. ولذا جعل الجهالة بالحرمة أعذر. ولا وجه للتفكيك بينهما إلا دعوى حمل الجهالة بالحرمة على الغفلة، لبعد الجهل بها مع الالتفات ممن كان نشوه في الإسلام ومعاشرا مع المسلمين، بخلاف الجهالة بموضوع العدة، فان الجهل [بها] موضوعا لكثير. نعم الجهل بأصل ضرب العدة حكما - أيضا - حاله حال الجهل بالحرمة، وحينئذ ربما يصلح الذيل مع هذا الاحتمال للقرينية على الصدر، فلا تشمل الرواية [مورد] النزاع، بل في ظرف الالتفات [تختص] بالشبهات الموضوعية المساوقة للجهل بالعدة موضوعا، فتدبر.

[الاستدلال على البراءة من غير الكتاب والسنة]:

ثم إنه قد يستدل عقلا للقول بالبراءة ب‍ قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وفي قباله توهم [معارضتها] بقاعدة دفع الضرر المحتمل ، بل ورود الثانية على الاولى، [لكونها] بيانا رافعا لموضوع القبح المزبور. ولا يخفى ما في الأخير، إذ [بيانيتها منوطة] بتطبيق حكمه بوجوب الدفع، وهو فرع وجود موضوعه [في] الخارج، إذ يستحيل مجيء الموضوع من قبل حكمه. وحينئذ لا مجال لاحتمال الضرر من قبل هذا الوجوب، والمفروض عدم بيان آخر غيره، وحينئذ لا يبقى مجال لاحتمال الضرر، إلا احتماله في ظرف [اللابيان] وبديهي أن هذا الاحتمال منفي بقاعدة القبح [فتكون] قاعدة القبح [واردة] على [الثانية] لا العكس. نعم الذي يسهل الخطب أن قاعدة القبح بكبراها مسلمة عند الطائفتين، وإنما نزاعهما في صغراها. وبديهي أن في مورد البحث في الصغرى لا مجال للتشبث بالكبرى، إذ للأخباري أن يدعي بيانية أدلة الاحتياط من [الأخبار وغيرها]، فعلى القائل بالبراءة دفع هذه الجهة، كما لا يخفى. وقد يتشبث للبراءة - أيضا - بالإجماع. وقيل (16) في دفعه بأنه مع وجود هذا الخلاف العظيم كيف يبقى مجال دعواه؟ ولكن، يمكن أن يقال: إن ما أفيد إنما يتم لو كان وجه حجية الإجماع قاعدة اللطف، وإلا فلو كان المدرك حسن الظن بفتوى أساطين الفن بنحو [تقتضي] العادة مطابقة فتواهم مع رأي رئيسهم، [فليست] دعواه [بعيدة] كل [البعد]. ولا [تصلح] فتوى الجامدين [على] مضامين النصوص - مع قلة باعهم في النظر في أطراف المطلب وفي القرائن الخارجية والداخلية - للمزاحمة مع فتوى أساطين الفن المتبحرين في صنعتهم مع اتصال [طريقتهم] بطريقة أصحاب الأئمة وديدنهم، فإن الحدس كله يقتضي كون رأيهم هذا عن رأي رئيسهم، فتدبر. وقد [يقرب] حكم العقل بالبراءة بأن التكليف بما لا طريق إليه تكليف بما لا يطاق. وربما يوجه بأن المقصود من التكليف التوصل به إلى وجود المرام، ولو في ضمن بقية مقدماته، ومع الجهل به لا يكاد يتوصل به كذلك، لأن لتطبيق المكلف - أيضا - دخل فيه، ومع عدم تطبيقه للتالي (17) يبقى وجود التكليف لغوا، لعدم التوصل به إلى المرام رأسا. ولكن يمكن أن يقال: إنه يكفي في الخروج عن اللغوية كون احتماله موجبا أحيانا لترتب المقصود، ولو بتطبيقه رجاء. وحينئذ، لا يلزم من الالتزام بوجود التكليف مع الجهل به محذور. وحينئذ، ليس المرخص في مخالفته إلا قاعدة القبح، كما لا يخفى. وقد يستدل للبراءة - أيضا - باستصحابها. وتقريب هذا الاستصحاب بوجوه: فتارة: يراد منه استصحاب نفس براءة ذمة المكلف، وهو المسمى عندهم باستصحاب حال العقل. واخرى: يراد استصحاب عدم اللزوم في مرتبة الجهل بتكليفه الواقعي. وثالثة: يراد استصحاب عدم اللزوم واقعا. أما التقريب الأول فلا يكاد [يجري] الاستصحاب فيه، إذ شأن الاستصحاب على كل واحد من مسلكي الظن والتعبد، إثبات ترخيص في الرتبة المتأخرة عن الظن بالواقع أو شكه، وليس شأنه - ولو بدليل اعتباره - رفع الشك أو الظن بالمتيقن السابق. ولازمه احتمال بقاء المستصحب في ظرف جريانه. وحينئذ، يلزمه احتمال عدم البراءة عن [التكليف]. وهو - مع أنه مقطوع العدم بقبح العقاب - لا يعقل الترخيص في ظرف الشك به، إذ حكم العقل بتحصيل البراءة اليقينية حكم تنجيزي يستحيل الترخيص على خلافه. نعم لو أغمض عما ذكرنا، لا يبقى مجال [لدعوى] أن المستصحب من الأحكام العقلية وشأن الاستصحاب - على التعبد - عدم إثباته، لأنه يقال: بأن مثل هذا العقلي [لما] كان بمنشئه شرعيا، فلا بأس بشمول دليل التعبد لمثله. وأما التقريب الثاني: فلا قصور في شمول دليل الاستصحاب - ولو على التعبد - لمثله. وتوهم أن العقل مستقل بهذا الترخيص لقبح العقاب فلا يترتب على الاستصحاب أثر عملي، مدفوع ب‍ - أنه مضافا إلى إمكان [وجود] أثر للترخيص الشرعي ولو بمثل توهم الاجزاء به - أن ذلك يتم لو لم يكن واردا على حكم العقل، ومع وروده عليه فالأثر مترتب عليه دون الترخيص العقلي. وأما التقريب الثالث: فلا قصور في استصحابه، بلا ورود إشكال عليه حتى الإشكال الوارد على الوجه الثاني، إذ الاستصحاب بيان لنفي الواقع ف‍ [ترتفع] به قاعدة [القبح] قهرا، ولا يزاحم الترخيص في ظرف حكم العقل المتأخر عن الواقع برتبتين، الذي هو نتيجة قاعدة القبح مع الترخيص في ظرف الجهل بنفس الواقع المتأخر عنه برتبة واحدة، وبه يمتاز المقام [عن] الوجه السابق، إذ الترخيص الاستصحابي في طول الشك في اللزوم الظاهري، وهو أيضا متأخر عن الواقع برتبتين، ولذا يجئ منه توهم المزاحمة مع القاعدة هناك دون المقام، فتدبر بالنظر الدقيق.

_____________
(1) الخصال 2: 417 باب التسعة الحديث 9. والوسائل 11: 295 الباب 56 من أبواب جهاد النفس، الحديث 1 و3.

(2) وليس هو من احكام متعلق الامارة، تلك الاحكام القائمة بنفس ذات المتعلق في الرتبة السابقة على الجهل بذلك المتعلق.

(3) الظاهر أن المقصود بالآية هي آية الحرج: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]

(4) الأهم هو الأكثر ضررا فيرجح تركه باختياره.

(5) عن أبي عبد الله (عليه السلام): ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم الوسائل 18: 119، الباب 12 من صفات القاضي، الحديث 28.

(6) أي ما وضعه الشارع عن الناس.

(7) الكافي 1: 164، الحديث 2.

(8) الوسائل 12: 60، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4 مع تفاوت يسير.

(9) الوسائل 12: 59، الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1.

(10) انظر فرائد الاصول 329 - 330.

 (11) أي علية العلم لحرمة المخالفة القطعية.

(12) لم نعثر على الرواية بعينها، نعم في المستدرك 18: 20، الباب 12 من أبواب مقدمات الحدود هكذا: الناس في سعة ما لم يعلموا .

(13) الوسائل 18: 127 - 128، الباب 12 من أبواب صفات القاضي، الحديث 60.

(14) الكافي 1: 164، الحديث 4.

(15) الوسائل 14: 345، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

(16) انظر فوائد الاصول 3: 365.

(17) هذه الكلمة مأخوذة من المحاورة العراقية العامية والمراد منها تأكيد النفي فالمقصود أنه: مع عدم امكان تطبيقه بأي نحو كان يبقى وجود التكليف لغوا. 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.