أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-06-06
507
التاريخ: 2024-06-05
492
التاريخ: 2023-04-19
1199
التاريخ: 23-8-2016
1596
|
أن الخلق عبارة عن هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال بسهولة و يسر من غير حاجة إلى فكر و روية ، فان كانت الهيئة يصدر عنها الأفعال الجميلة المحمودة عقلا و شرعا سمّيت الهيئة خلقا حسنا ، و إن كانت الصّادر منها أفعالا قبيحة سميت خلقا سّيئا ، و إنما شرطنا الرّسوخ لأن من يصدر عنه بذل المال مثلا على الندور لحاجة عارضة لا يقال خلقه السّخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه ثبوت رسوخ ، و إنّما شرطنا السّهولة و عدم الرّوية لأن من تكلف بذل المال لا يقال خلقه السخاء و ليس عبارة عن الفعل فربّ شخص خلقه السخاء و لا يبذل إمّا لفقد المال أو لمانع آخر ، و ربّما يكون خلقه البخل و هو يبذل لباعث أو رياء فلا بدّ في الخلق الحسن من قوة العلم و قوة الغضب و قوة الشهوة و قوة العدل بين هذه القوى الثلاث.
أما قوة العلم فحسنها و صلاحها في أن تصير بحيث يسهل لها درك الفرق بين الصدق و الكذب في الأقوال و بين الحق و الباطل في الاعتقادات ، و بين الجميل و القبيح في الافعال ، فاذا تحصلت هذه القوة حصل منها ثمرة الحكمة والحكمة رأس الاخلاق الحسنة ، و من يؤتى الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا.
وأما قوة الغضب و الشهوة فحسنهما في أن يقتصر انقباضهما و انبساطهما على حدّ ما تقتضيه الحكمة و الدّين.
وأما قوة العدل فهي ضبط قوة الغضب و الشهوة تحت إشارة العقل و الشرع فالعقل منزلته منزلة الناصح المشير ، و قوته القدرة و منزلتها منزلة المنفذ الممضى لاشارته و الغضب و الشهوة تنفذ فيهما الاشارة.
و مثال الغضب مثال كلب الصّيد فانه يحتاج إلى أن يؤدّب حتّى يكون استرساله و توقفه بحسب الاشارة لا بحسب هيجان النفس.
والشهوة مثالها مثال الفرس الذي يركب في طلب الصّيد فانّه تارة يكون مروّضا و تارة يكون جموحا فمن استقرت فيه هذه الصّفات و اعتدلت فهو حسن الخلق مطلقا و من اعتدل فيه بعضها دون بعض فهو حسن الخلق بالاضافة إلى ذلك المعنى خاصّة ، و حسن القوة الغضبيّة و اعتدالها يعبّر عنه بالشجاعة ، و حسن قوة الشهوة و اعتدالها يعبّر عنه بالعفّة فان مالت قوة الغضب عن الاعتدال إلى طرف الزيادة سمّي ذلك تهوّرا و إن مالت إلى الضّعف سمّي جبنا و خورا(1)، و ان مالت قوة الشهوة إلى طرف الزيادة سمّي شرها و إن مالت الى النقصان سمّي خمودا ، و المحمود هو الوسط و هو العدل ، و الطرفان رذيلتان مذمومتان ، و العذل اذا فات فليس له طرفان زيادة و نقصان بل له ضدّ واحد و هو الجور ، و أما الحكمة فيسمّى إفراطها عند الاستعمال في الاغراض الفاسدة خبّا(2) و جربزة ، و يسمّى تفريطها بلها ، و الوسط هو الذي يختص باسم الحكمة.
فاذا امهات الاخلاق الحسنة الجميلة و اصولها أربعة : الحكمة و الشجاعة و العفة و العدل و لم يبلغ كمال الاعتدال في هذه الأربعة إلا رسول اللّه (صلى الله عليه واله) و لهذا قال اللّه تعالى مثنيا عليه : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم : 4] , و الناس بعده متفاوتون في القرب و البعد منه فينبغي أن يقتدي به فانه قال : «بعثت لا تمم مكارم الاخلاق»(3).
و قد أشار القرآن إلى هذه الاخلاق في أوصاف المؤمنين فقال تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات : 15].
فالايمان باللّه و رسوله من غير ارتياب هو قوة اليقين و هو ثمرة العقل و منتهى الحكمة ، و المجاهدة بالمال هو السخاء الذي يرجع إلى ضبط قوة الشهوة ، و المجاهدة بالنفس هي الشجاعة التي يرجع إلى استعمال قوة الغضب على شرط العقل و حدّ الاعتدال.
و قد وصف اللّه سبحانه قوما فقال : {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح : 29] , اشارة إلى إن للشدة موضعا و للرحمة موضعا ، و ليس الكمال في الشدّة بكلّ حال و لا في الرحمة بكل حال.
________________
1- الخور بالتحريك الضعف.
2- الخب الخدعة.
3- احياء علوم الدين : ج 3 , ص 48 , و ج 2 , ص 143 , و كنز العمال خ 5217.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|