أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-7-2020
![]()
التاريخ: 5-9-2016
![]()
التاريخ: 18-8-2016
![]()
التاريخ: 19-7-2020
![]() |
كان الدليل الاستقرائي الذي درسناه في الفصل السابق(1) يشتمل على استقراء عدد من الاحكام الخاصة واستنتاج حكم عام منها، فالحكم العام يكتشف بالاستقراء مباشرة، ولهذا نطلق عليه اسم الدليل الاستقرائي المباشر .
ويوجد قسم آخر من الدليل الاستقرائي، وهو الدليل الاستقرائي غير المباشر، ونريد به أن نستدل بالاستقراء لا على الحكم مباشرة بل على وجود دليل لفظي يدل بدوره على الحكم الشرعي، ففي هذا الاستقراء نكتشف بصورة مباشرة الدليل اللفظي، وبعد اكتشاف الدليل اللفظي عن طريق الاستقراء نثبت الحكم الشرعي بذلك الدليل اللفظي. ومثال ذلك التواتر ، ... [وهو] دليل استقرائي يقوم على أساس تجميع القرائن، فإذا أخبرنا عدد كبير من الرواة بنص عن المعصوم عليه السلام أصبح النص متواترا، وحينئذ نستدل بالتواتر بوصفه دليلا استقرائيا على صدور ذلك الكلام من المعصوم (عليه السلام) أي على دليل اللفظي ثم نستدل بالدليل اللفظي أي بذلك الكلام الثابت صدوره من المعصوم (عليه السلام )بالتواتر على الحكم الشرعي الذي يدل عليه.
وللدليل الاستقرائي غير المباشر بهذا المعنى الذي شرحناه أمثلة عديدة منه الاجماع و الشهرة و الخبر و السيرة .
الاجماع والشهرة:
إذا لاحظنا فتوى الفقيه الواحد بوجوب الخمس في المعادن نجد أنها تشكل قرينة إثبات ناقصة على وجود دليل لفظي مسبق يدل على هذا الوجوب لان فتوى الفقيه تجعلنا نحتمل تفسيرين لها: أحدهما أن يكون قد استند في فتواه إلى دليل لفظي مثلا بصورة صحيحة، والآخر أن يكون مخطئا في فتواه. وما دمنا نحتمل فيها هذين التفسيرين معا فهي قرينة إثبات ناقصة. فإذا أضفنا إليها فتوى فقيه آخر بوجوب الخمس في المعادن أيضا، كبر احتمال وجود دليل لفظي يدل على الحكم نتيجة لاجتماع قرينتين ناقصتين، وحين ينضم إلى الفقيهين فقيه ثالث نزداد ميلا إلى الاعتقاد بوجود هذ الدليل اللفظي. وهكذا نزداد ميلا إلى الاعتقاد بذلك كلما ازداد عدد الفقهاء المفتين بوجوب الخمس في المعادن، فإذا كان الفقهاء قد اتفقوا جميعا على هذه الفتوى سمي ذلك إجماع ، وإذا كانوا يشكلون الاكثرية فقط سمي ذلك شهرة . فالإجماع والشهرة على ضوء مفهومنا الخاص عن الدليل الاستقرائي دليلان استقرائيان على وجود دليل مسبق على الحكم قام على أساسه الاجماع أو الشهرة. وحكم الاجماع والشهرة من ناحية أصولية أنه متى حصل العلم بسبب الاجماع أو الشهرة وجب الاخذ بذلك في عملية الاستنباط وأصبح الاجماع والشهرة حجة، وإذا لم يحصل العلم بسبب الاجماع أو الشهرة فلا اعتبار بهما.
الخبر:
الخبر هو نقل شيء عن المعصوم (عليه السلام) استنادا إلى الحس كما يصنع الرواة، إذ ينقلون نصوصا سمعوها من المعصوم (عليه السلام) بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ويعتبر الخبر قرينة إثبات ناقصة، لأننا إذا سمعنا شخصا ينقل شيئا عن المعصوم (عليه السلام ) احتملنا صدقه واحتملنا كذبه، فيكون قرينة إثبات ناقصة، وتزداد قوة الاثبات إذا نقل شخص آخر نفس الشيء عن المعصوم (عليه السلام) أيضا نتيجة لاجتماع قرينتين. وهكذا كبر احتمال الصدق كلما كثر المخبرون حتى يحصل الجزم، فيسمى الخبر متواتر .
وكم يكبر احتمال الصدق بسبب زيادة عدد المخبرين كذلك يكبر بسبب نوعية المخبر، فالمخبر الواحد يزداد احتمال صدقه كلما ازداد اطلاعنا على دينه وورعه وانتباهه. وحكم الخبر أنه إذا ازداد احتمال صدقه إلى درجة شارفت على القطع كان حجة، سواء نشأت زيادة احتمال الصدق فيه من كثرة عدد المخبرين أو من خصائص الورع والنزاهة في المخبر الواحد، وأما إذا لم يؤد الخبر إلى القطع فيجب أن يلاحظ الراوي، فإن كان ثقة أخذن بروايته ولو لم نقطع بصحتها، لان الشارع جعل خبر الثقة حجة، ولكن هذه الحجية ثابتة ضمن شروط لا مجال هنا لتفصيلها. وإذا لم يكن الراوي ثقة فلا يؤخذ بروايته ولا يجوز إدخالها في عملية الاستنباط.
سيرة المتشرعة:
سيرة المتشرعة هي السلوك العام للمتدينين في عصر التشريع من قبيل اتفاقهم على إقامة صلاة الظهر في يوم الجمعة بدل عن صلاة الجمعة، أو على عدم دفع الخمس من الميراث. وهذا السلوك العام إذا حللناه إلى مفرداته ولاحظنا سلوك كل واحد بصورة مستقلة، نجد أن سلوك الفرد المتدين الواحد في عصر التشريع يعتبر قرينة إثبات ناقصة عن صدور بيان شرعي يقرر ذلك السلوك، لأننا نحتمل استناد هذ السلوك إلى البيان الشرعي، وإن كنا نحتمل في نفس الوقت أيضا الخطأ والغفلة وحتى التسامح. فإذا عرفنا أن فردين في عصر التشريع كانا يسلكان نفس السلوك ويصليان الظهر مثلا في يوم الجمعة ازدادت قوة الاثبات. وهكذا تكبر قوة الاثبات حتى تصل إلى درجة كبيرة، عندما نعرف أن ذلك السلوك كان سلوكا عاما يتبعه جمهرة المتدينين في عصر التشريع، إذ يبدو من المؤكد حينئذ أن سلوك هؤلاء جميعا لم ينشأ عن خطأ أو غفلة أو تسامح، لان الخطأ والغفلة والتسامح قد يقع فيه هذا أو ذاك، وليس من المحتمل أن يقع فيه جمهرة المتدينين في عصر التشريع جميعا. وهكذا نعرف أن السلوك العام مستند إلى بيان شرعي يدل على إمكان إقامة الظهر في يوم الجمعة وعدم وجوب الخمس في الميراث. ولأجل هذا نعتبر سيرة المتشرعة دليلا استقرائيا كالأجماع والشهرة، وهي في الغالب تؤدي إلى الجزم بالبيان الشرعي ضمن شروط لا مجال لتفصيلها الآن. ومتى كانت كذلك فهي حجة، وأما إذا لم يحصل منها الجزم فلا اعتبار بها.
السيرة العقلائية:
وهناك نوع آخر من السيرة يطلق عليه في علم الاصول اسم السيرة العقلائية . والسيرة العقلائية عبارة عن ميل عام عند العقلاء المتدينين وغيرهم نحو سلوك معين دون أن يكون للشرع دور إيجابي في تكوين هذا الميل. ومثال ذلك: الميل العام لدي العقلاء نحو الاخذ بظهور كلام المتكلم. وفي هذا الضوء نعرف أن السيرة العقلائية تختلف عن سيرة المتشرعة، فإن سيرة المتشرعة التي درسناها آنفا كانت وليدة البيان الشرعي ولهذا تعتبر كاشفة عنه، وأما السيرة العقلائية فمردها كما عرفنا إلى ميل عام يوجد عند العقلاء نحو سلوك معين لا كنتيجة لبيان شرعي بل نتيجة لمختلف العوامل والمؤثرات الاخرى التي تتكيف وفقا لها ميول العقلاء وتصرفاتهم، ولأجل هذا لا يقتصر الميل العام الذي تعبر عنه السيرة العقلائية على نطاق المتدينين خاصة، لان الدين لم يكن من عوامل تكوين هذا الميل. وعلى هذ الاساس يتضح أن طريقة الاستدلال التي كنا نستخدمها في سيرة المتشرعة لا يمكنن استعمالها في السيرة العقلائية، فقد كنا في سيرة المتشرعة نكتشف عن طريق السيرة البيان الشرعي الذي أدى إلى قيامها بوصفها نتيجة للبيان الشرعي وناشئة عنه، إذ لم يكن من المحتمل أن يتفق المتشرعة جميعا على أداء صلاة الظهر في يوم الجمعة مثلا دون أن يكون هناك بيان شرعي يدل على ذلك. وأما الميل العام الذي تمثله السيرة العقلائية فهو ليس ناشئا عن البيان الشرعي ولا ناتجا عن دوافع دينية ليتاح لنا أن نكتشف عن طريقه وجود بيان شرعي أدى إلى تكونه وقيامه. ولأجل هذا يجب أن ننهج في الاستدلال بالسيرة العقلائية نهجا آخر يختلف عن نهجنا في الاستدلال بسيرة المتشرعة. ويمكنن تلخيص هذا المنهج فيما يلي: إن الميل الموجود عند العقلاء نحو سلوك معين يعتبر قوة دافعة لهم نحو ممارسة ذلك السلوك، فإذا سكتت الشريعة عن ذلك الميل ولم تردع عن الانسياق معه كشف سكوتها هذا عن رضاها بذلك السلوك وانسجامه مع التشريع الإسلامي. ومثال ذلك: سكوت الشريعة عن الميل العام عند العقلاء نحو الاخذ بظهور كلام المتكلم وعدم ردعها عنه، فإن ذلك يدل على أنها تقر هذه الطريقة في فهم الكلام وتوافق على اعتبار الظهور حجة وقاعدة لتفسير ألفاظ الكتاب والسنة، والا لمنعت الشريعة عن الانسياق مع ذلك الميل العام وردعت عنه في نطاقها الشرعي. والاستدلال بالسيرة العقلائية يقوم على أساس تجميع القرائن كم رأينا سابقا في سيرة المتشرعة أيضا لأننا إذا حللنا السيرة العقلائية إلى مفرداته وجدنا أن الميل العام عند العقلاء نحو سلوك معين كالأخذ بالظهور مثلا يعبر عن ميول متشابهة عند عدد كثير من الافراد تشكل بمجموعها ميلا عاما، وحين نأخذ فردا من أولئك الافراد الذين يميلون إلى الاخذ بالظهور مثلا ونلاحظ؟ سكوت المولى عنه وعدم ردعه له عن الجري وفق ميله، يمكننا أن نعتبر سكوت المولى هذه قرينة ناقصة على حجية الظهور عند المولى، لان من المحتمل أن يكون هذا السكوت نتيجة لرضا المولى وموافقته، وهذ يعني الحجية. ومن المحتمل في نفس الوقت أيضا أن لا يكون السكوت ناتجا عن رضا المولى بالأخذ بالظهور وإنما سكت عن ذلك الفرد بالرغم من أنه لا يقر العمل بالظهور بالأدلة الشرعية لسبب خاص نظير أن يكون المولى قد اطلع على أن هذا الفرد لا يرتدع عن العمل على وفق ميله ولو ردعه فتركه وشأنه، أو أن المولى قد اطلع على أن هذا الفرد سوف لن يجري على وفق ميله ولن يأخذ بالظهور في الدليل الشرعي دون سؤال من الشارع، أو أن هذا الفرد لن يصادفه ظهور في النطاق الشرعي ليحاول الاخذ به وفقا لميله.. إلى غير ذلك من الامور التي يمكن أن تفسر سكوت المولى عن ذلك الفرد وتجعل منه قرينة ناقصة لا كاملة على رضا المولى، ولكن إذا أضيف إلى ذلك فرد آخر له نفس الميل وسكت عنه المولى فيقوى احتمال الرضا لاجتماع قرينتين، وهكذا يكبر هذا الاحتمال حتى يؤدي إلى العلم حين يوجد ميل عام ويسكت عنه المولى.
__________
(1) الفصل الاول :الاستقراء في الاحكام:ص161.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|