أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
1410
التاريخ: 23-7-2020
2693
التاريخ: 5-9-2016
1038
التاريخ: 5-9-2016
1715
|
المقصود من (السيرة) - كما هو واضح - استمرار عادة الناس وتبانيهم العملي على فعل شيء، أو ترك شيء. والمقصود بالناس: إما جميع العقلاء والعرف العام من كل ملة ونحلة، فيعم المسلمين وغيرهم. وتسمى السيرة حينئذ (السيرة العقلائية). والتعبير الشايع عند الأصوليين المتأخرين تسميتها ب (بناء العقلاء). وإما جميع المسلمين بما هم مسلمون، أو خصوص أهل نحلة خاصة منهم كالأمامية مثلا. وتسمى السيرة حينئذ (سيرة المتشرعة) أو (السيرة الشرعية) أو (السيرة الإسلامية). وينبغي التنبيه على حجية كل من هذين القسمين لاستكشاف الحكم الشرعي فيما جرت عليه السيرة، وعلى مدى دلالة السيرة، فنقول:
1- حجية بناء العقلاء لقد تكلمنا أكثر من مرة فيما سبق من هذا الجزء عن (بناء العقلاء)، واستدللنا به على حجية خبر الواحد وحجية الظواهر. وقد أشبعنا الموضوع بحثا في مسألة (حجية قول اللغوي) ص 128 من هذا الجزء. وهناك قلنا: ان بناء العقلاء لا يكون دليلا الا إذا كان يستكشف منه على نحو اليقين موافقة الشارع وإمضاؤه لطريقة العقلاء، لان اليقين تنتهي إليه حجية كل حجة. وقلنا هناك: ان موافقة الشارع لا تستكشف على نحو اليقين الا بأحد شروط ثلاثة. ونذكر خلاصتها هنا بأسلوب آخر من البيان، فنقول:
ان السيرة اما ان ينتظر فيها ان يكون الشارع متحد المسلك مع العقلاء، إذ لا مانع من ذلك. وأما ألا ينتظر ذلك، لوجود مانع من اتحاده معهم في المسلك، كما في الاستصحاب. فان كان (الأول). فان ثبت من الشارع الردع عن العمل بها فلا حجية فيها قطعا. وان لم يثبت الردع منه فلا بد أن يعلم اتحاده في المسلك معهم، لأنه أحد العقلاء، بل رئيسهم، فلو لم يرتضها ولم يتخذها مسلكا له كسائر العقلاء لبين ذلك ولردعهم عنها ولذكر لهم مسلكه الذي يتخذه بدلا عنها، لا سيما في الأمارات المعمول بها عند العقلاء، كخبر الواحد الثقة والظواهر. وان كان (الثاني). فأما ان يعلم جريان سيرة العقلاء في العمل بها في الأمور الشرعية، كما في الاستصحاب. وأما ألا يعلم ذلك كما في الرجوع إلى أهل الخبرة في إثبات اللغات. فان كان (الأول) فنفس عدم ثبوت ردعه كاف في استكشاف موافقته لهم، لان ذلك مما يعنيه ويهمه، فلو لم يرتضها - وهي بمرأى ومسمع منه - لردعهم عنها، ولبلغهم بالردع، بأي نحو من أنحاء التبليغ، فبمجرد عدم ثبوت الردع منه نعلم بموافقته، ضرورة أن الردع الواقعي غير الواصل لا يعقل أن يكون ردعا فعليا وحجة. وبهذا نثبت حجية مثل الاستصحاب ببناء العقلاء، لأنه لما كان مما بنى على العمل به العقلاء بما فيهم المسلمون وقد أجروه في الأمور الشرعية بمرأى ومسمع من الإمام، والمفروض انه لم يكن هناك ما يحول دون إظهار الردع وتبليغه من تقية ونحوها - فلا بد ان يكون الشارع قد ارتضاه طريقة في الأمور الشرعية.
وإن كان (الثاني) - أي لم يعلم ثبوت السيرة في الأمور الشرعية - فإنه لا يكفي حينئذ في استكشاف موافقة الشارع عدم ثبوت الردع منه، إذ لعله ردعهم عن إجرائها في الأمور الشرعية فلم يجروها، أو لعلهم لم يجروها في الأمور الشرعية من عند أنفسهم فلم يكن من وظيفة الشارع ان يردع عنها في غير الأمور الشرعية لو كان لا يرتضيها في الشرعيات. وعليه، فلأجل استكشاف رضا الشارع وموافقته على أجرائها في الشرعيات لا بد من إقامة دليل خاص قطعي على ذلك. وبعض السير من هذا القبيل قد ثبت عن الشارع إمضاؤه لها، مثل الرجوع إلى أهل الخبرة عند النزاع في تقدير قيم الأشياء ومقاديرها، نظير القيميات المضمونة بالتلف ونحوه، وتقدير قدر الكفاية في نفقة الأقارب ونحو ذلك. أما ما لم يثبت فيها دليل خاص كالسيرة في الرجوع إلى أهل الخبرة في اللغات، فلا عبرة بها، وإن حصل الظن منها، لان الظن لا يغني عن الحق شيئا. كما تقدم ذلك هناك.
2- حجية سيرة المتشرعة ان السيرة عند المتشرعة من المسلمين على فعل شيء أو تركه هي في الحقيقة من نوع الإجماع، بل هي أرقي أنواع الإجماع، لأنها إجماع عملي، من العلماء وغيرهم. والإجماع في الفتوى إجماع قولي، ومن العلماء خاصة. والسيرة على نحوين: تارة يعلم فيها انها كانت جارية في عصور المعصومين عليهم السلام، حتى يكون المعصوم أحد العاملين بها أو يكون مقررا لها، وأخرى لا يعلم ذلك أو يعلم حدوثها بعد عصورهم. فإن كانت على (النحو الأول) - فلا شك في أنها حجة قطعية على موافقة الشارع، فتكون بنفسها دليلا على الحكم كالإجماع القولي الموجب للحدس القطعي برأي المعصوم. وبهذا تختلف (1) عن (سيرة العقلاء) فإنها إنما تكون حجة إذا ثبت من دليل أخر إمضاء الشارع لها ولو من طريق عدم ثبوت الردع من قبله كما سبق. وإن كانت على (النحو الثاني) - فلا نجد مجالا للاعتماد عليها في استكشاف موافقة المعصوم على نحو القطع واليقين، كما قلنا في الإجماع، وهي نوع منه. بل هي دون الإجماع القولي في ذلك كما سيأتي وجهه. قال الشيخ الأعظم في كتاب البيع في مبحث المعاطاة (2): (وأما ثبوت السيرة واستمرارها على التوريث - يقصد توريث ما يباع معطاة - فهي كسائر سيرتهم الناشئة من المسامحة وقلة المبالاة في الدين، مما لا يحصى في عبادتهم، ومعاملاتهم، كما لا يخفى). ومن الواضح انه يعني من السيرة هذا النحو الثاني. والسر في عدم الاعتماد على هذا النحو من السيرة، هو ما نعرف من أسلوب نشأة العادات عند البشر وتأثير العادات على عواطف الناس: ان بعض الناس المتنفذين أو المغامرين قد يعمل شيئا، استجابة لعادة غير إسلامية أو لهوى في نفسه، أو لتأثيرات خارجية نحو تقليد الاغيار، أو لبواعث انفعالات نفسية مثل حب التفوق على الخصوم أو إظهار عظمة شخصه أو دينه أو نحو ذلك. ويأتي آخر فيقلد الأول في عمله، ويستمر العمل، فيشيع بين الناس من دون ان يحصل من يردعهم عن ذلك، لغفلة أو لتسامح، أو لخوف، أو لغلبة العاملين فلا يصغون إلى من ينصحهم، أو لغير ذلك. وإذا مضت على العمل عهود طويلة يتلقاه الجيل بعد الجيل، فيصبح سيرة المسلمين، وينسى تأريخ تلك العادة. وإذا استقرت السيرة يكون الخروج عليها خروجا على العادات المستحكمة التي من شأنها ان تتكون لها قدسية واحترام لدى الجمهور، فيعدون مخالفة من المنكرات القبيحة، وحينئذ يتراءى أنها عادة شرعية وسيرة إسلامية، وأن المخالف لها مخالف لقانون الإسلام وخارج على الشرع. ويشبه أن يكون من هذا الباب سيرة تقبيل اليد، والقيام احتراما للقادم، والاحتفاء بيوم النوروز، وزخرفة المساجد والمقابر.. وما إلى ذلك من عادات اجتماعية حادثة. وكل من يغتر بهذه السيرات وأمثالها، فإنه لم يتوصل إلى ما توصل إليه الشيخ الأنصاري الأعظم من إدراك سر نشأة العادات عند الناس على طول الزمن، وإن لكل جيل من العادات في السلوك والاجتماع والمعاملات والمظاهر والملابس ما قد يختلف كل الاختلاف عن عادات الجيل الآخر. هذا بالنسبة إلى شعب واحد وقطر واحد، فضلا عن الشعوب والأقطار بعضها مع بعض. والتبدل في العادات غالبا يحدث بالتدريج في زمن طويل قد لا يحس به من جرى على أيديهم التبديل. ولأجل هذا لا نثق في السيرات الموجودة في عصورنا انها كانت موجودة في العصور الإسلامية الأولى. ومع الشك في ذلك فأجدر بها ألا تكون حجة لان الشك في حجية الشيء كاف في وهن حجيته، إذ لا حجة الا بعلم.
3 - مدى دلالة السيرة إن السيرة عندما تكون حجة فأقصى ما تقتضيه أن تدل على مشروعية الفعل وعدم حرمته في صورة السيرة على الفعل ، أو تدل على مشروعية الترك وعدم وجوب الفعل في صورة السيرة على الترك. أما استفادة الوجوب من سيرة الفعل ، والحرمة من سيرة الترك - فأمر لا تقتضيه نفس السيرة. بل كذلك الاستحباب والكراهة، لان العمل في حد ذاته مجمل لا دلالة له على أكثر من مشروعية الفعل أو الترك. نعم المداومة والاستمرار على العمل من قبل جميع الناس المتشرعين قد يستظهر منها استحبابه، لأنه يدل ذلك على استحسانه عندهم على الأقل. ولكن يمكن أن يقال ان الاستحسان له ربما ينشأ من كون أصبح عادة لهم، والعادات من شأنها أن يكون فاعلها ممدوحا مرغوبا فيه لدى الجمهور وتاركها مذموما عندهم. فلا يوثق - أذن - فيما جرت عليه السيرة بأن المدح للفاعل والذم للتارك كانا من ناحية شرعية. والغرض إن السيرة بما هي سيرة لا يستكشف منها وجوب الفعل ولا استحبابه، في سيرة الفعل، ولا يستكشف منها حرمة الفعل ولا كراهته في سيرة الترك. نعم هناك بعض الأمور يكون لازم مشروعيتها وجوبها، وإلا لم تكن مشروعة. وذلك مثل الأمارة كخبر الواحد والظواهر، فإن السيرة على العمل بالأمارة لما دلت على مشروعية العمل بها فإن لازمه أن يكون واجبا، لأنه لا يشرع العمل بها ولا يصلح إلا إذا كانت حجة منصوبة من قبل الشارع لتبليغ الأحكام واستكشافها. وإذا كانت حجة وجب العمل بها قطعا لوجوب تحصيل الأحكام وتعلمها. فينتج من ذلك انه لا يمكن فرض مشروعية العمل بالأمارة مع فرض عدم وجوبه.
_____________
(1) راجع حاشية شيخنا الإصفهاني على مكاسب الشيخ ص 25.
(2) المكاسب ص 83 طبع تبريز سنة 375 ه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|