أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-11-2015
5653
التاريخ: 26-11-2014
8107
التاريخ: 12-6-2016
10655
التاريخ: 5-4-2016
5809
|
إنّ ما يغفل عنه غالباً هو أنّ ظاهرة سلبية إذا توغّلت في مفاصل المجتمع ، فهناك حاجة إلى فترة زمنية لاقتلاع جذورها ، ولكلّ حركة غير مدروسة ردّ فعل سلبي ، تماماً كما إذا ابتلي إنسان بمرض خطير ، وقد استفحل هذا المرض في بدنه ، أو من اعتاد على تناول المخدارات لعشرات السنين حتى تطبع على هذه الطبيعة المستهجنة ، ففي هذه الموارد يجب الإعتماد على برامج زمنية لعلاجه قد تطول وقد تقصر.
ونقول بأسلوب أكثر صراحةً : لو أنّ الإسلام كان قد أصدر أمراً عاماً بتحرير كل العبيد ، فربّما كان الضرر أكثر ، وقد يهلك منهم عدد أكثر ، لأنّ الرقيق كانوا يشكلون نصف المجتمع أحياناً ، وليس لهم عمل مستقل يتكسبون به ، ولا دار أو ملجأ ، أو وسيلة ما لإدامة الحياة.
إنّ هؤلاء لو تحرّروا في ساعة معينة من يوم معين فستظهر على الساحة فجأةً جماعة عظيمة عاطلة عن العمل ، وعندها ستكون حياتهم مهددة وربّما أدّى إلى إرباك نظام المجتمع ، وعندما يلح عليه الحرمان فسيجد نفسه مضطراً إلى الهجوم على ممتلكات الآخرين ، فتنشب الصراعات والإشتباكات ونزف الدماء.
هنا ندرك الغاية من التحرير التدريجي ، وذلك ليستوعبهم المجتمع ولا يشمئز منهم ، وحينئذ سوف لا تتعرض أرواحهم للخطر ، كما لا يتهدد أمن المجتمع ، وقد اتبع الإسلام هذا البرنامج الدقيق تماماً.
إنّ تطبيق وترجمة هذا البرنامج الإنساني على أرض الواقع العملي له قواعد كثيرة نذكر هنا رؤوس نقاطها بصورة موجزة وكفهرس ، أمّا تفصيلها فيحتاج إلى كتاب مستقل :
المادة الأولى : غلق مصادر الرق
لقد كان للرق على طول التاريخ أسباب كثيرة ، فلم يقتصر الإستعباد على أسرى الحرب ، والمدينين الذين يعجزون عن أداء ديونهم ، حيث كانت القوّة والغلبة تبيح الإسترقاق والإستعباد ، بل إنّ الدولة القوية كانت ترسل فرق من جيوشها وهم مدجّجون بأنواع الأسلحة إلى الدول الأفريقية المتخلفة وأمثالها ، ليأسروا شعوب تلك الدول جماعات جماعات ، ثمّ يرسلونهم بواسطة السفن إلى أسواق بلدان آسيا وأوربا.
لقد منع الإسلام كلّ هذه المسائل ، ووقف حائلاً دونها ، ولم يبح الإسترقاق إلاّ في مورد واحد ، وهو أسرى الحرب ، وحتى هذا لم يكن يتصف بالوجوب والإلزام ، بل إنّ الإسلام قد أجاز ـ وكما قلنا في تفسير الآيات المذكورة ـ إطلاق سراح الأسرى مقابل فدية يؤدّونها تبعاً لمصلحة الإسلام والمسلمين.
ولم تكن في تلك الأيام سجون يسجن فيها أسرى الحرب حتى يتبيّن وضعهم وماذا يجب فعله معهم ، بل كان الطريق الوحيد هو تقسيمهم بين العوائل ، والإحتفاظ بهم كرقيق.
من البديهي أنّ هذه الظروف إذا تغيّرت فلا دليل على أنّ إمام المسلمين ملزم بأن يرضى برق الأسرى ، بل هو قادر على تحريرهم إمّا منّاً أو فداءً ، لأنّ الإسلام خيّر الإمام المسلمين في هذا الأمر ، كي يقدم على اختيار الأصلح من خلال مراعاة المصلحة ، وبهذا فإنّ مصادر الرق الجديدة قد أُغلقت في الإسلام.
المادة الثانية : فتح نافذة الحرية
لقد وضع الإسلام برنامجاً واسعاً لتحرير العبيد ، بحيث أنّ المسلمين لو عملوا بموجبه فإنّ كلّ العبيد كانوا سيتحررون في مدة وجيزة وبصورة تدريجية ، وكان المجتمع سيستوعبهم ويؤمّن لهم ما يحتاجونه من اللوازم الحياتية ، من عمل ومسكن وغير ذلك.
وإليك رؤوس نقاط هذا البرنامج :
أ ـ إنّ أحد الموارد الثمانية لصرف الزكاة في الإسلام شراء العبيد وعتقهم (1) ، وبهذا فقد خصصت ميزانية دائمية في بيت المال لتنفيذ هذا الأمر ، وهي مستمرة حتى إعتاق العبيد جميعاً.
ب ـ ولتكميل هذا المطلب وضع الإسلام أحكاماً يستطيع العبيد من خلالها أن يعقدوا اتفاقيات مع مالكيهم ، على أن يؤدّوا إليهم مبلغاً من المال يتفق عليه مقابل الحصول على حريتهم. وقد جاء في الفقه الإسلامي فصل في هذا الباب تحت عنوان المكاتبة (2).
ج ـ إنّ عتق العبيد يعتبر أحد أهم العبادات والأعمال الصالحة في الإسلام ، وقد كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من السابقين في هذا المضمار ، حتى كتبوا في أحوال علي (عليه السلام) أنّه أعتق ألف مملوك من كد يده (3).
د ـ لقد كان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يعتقون العبيد لأدنى عذر ليكونوا قدوة للآخرين ، حتى أنّ أحد غلمان الإمام الباقر (عليه السلام) عمل عملاً صالحاً ، فقال له الإمام : «إذهب فأنت حر ، فإنّي أكره أن أستخدم رجلاً من أهل الجنّة» (4).
وجاء في أحوال الإمام السجاد علي بن الحسين (عليه السلام) ، أنّ جارية كانت تسكب عليه الماء ، فسقط الإبريق من يدها فشجّه ، فرفع رأسه إليها ، فقالت : {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران : 134] ، قال : «قد كظمت غيظي» قالت : {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} ، قال : «عفا الله عنك» ، قالت : {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال : «فاذهبي فأنت حرّة لوجه الله» (5).
هـ ـ ورد في بعض الرّوايات الإسلامية أنّ العبيد يتحرّرون تلقائياً بعد مرور سبع سنين ، ففي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «من كان مؤمناً فقد عتق بعد سبع سنين ، أعتقه صاحبه أم لم يعتقه ، ولا يحل خدمة من كان مؤمناً بعد سبع سنين» (6).
وروي في هذا الباب حديث من النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أنّه قال : «ما زال جبرئيل يوصيني بالمملوك حتى ظننت أنّه سيضرب له أجلاً يعتق فيه» (7).
و ـ إذا كان العبد مشتركاً بين اثنين ، وأعتق أحدهما نصيبه ، وجب عليه شراء نصيب شريكه وإعتاق العبد (8).
وإذا أعتق مالك العبد بعضه سرت الحرية إلى باقيه فيعتق جميعه (9).
ز ـ إذا ملك إنسان أباه ، أو أمّه ، أو أجداده ، أو أبناءه ، أو عمّه ، أو عمّته ، أو خاله ، أو خالته ، أو أخاه ، أو أخته ، أو ابن أخيه ، أو ابن اخته ، فإنّهم يعتقون فوراً (10).
ح ـ إذا استولد المالك جاريته فلا يجوز بيعها ، وتعتق من سهم ولدها من الميراث. وقد كان هذا الأمر سبباً في عتق الكثير من العبيد ، لأنّ الجواري كن بمنزلة زوجات مالكيهن ، وكان لهن أولاد منهم.
ط ـ لقد جعل عتق العبيد كفارةً لكثير من الذنوب من الإسلام ، ككفارة القتل الخطأ ، وكفارة ترك الصوم عمداً ، وكفارة اليمين ، وغيرها.
ي ـ إذا عاقب المالك عبده ببعض العقوبات الشديدة ، فإنّ العبد ينعتق تلقائياً (11).
المادة الثالثة : إحياء شخصية الرقيق
عندما كان العبيد يطوون مسيرهم نحو الحرية طبقاً لبرنامج الإسلام الدقيق ، أقدم الإسلام على خطوات واسعة لإحياء حقوقهم وشخصيتهم الإنسانية ، حتى أنّه لم يفرق أبداً بين العبيد والأحرار من ناحية الشخصية الإنسانية ، وجعل التقوى معياراً للتمييز بينهم ، ولذلك أجاز للعبيد أن يتقلّدوا مسؤوليات مهمّة ، ويتسنّموا مناصب اجتماعية مهمّة ، حتى أنّ العبيد يمكنهم أن يشغلوا منصب القضاء (12).
وقد أُنيطت بالعبيد في زمن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مراكز هامة وحسّاسة ، ابتداءً من قيادة الجيش ، وحتى المناصب الحسّاسة الأُخرى.
وقد كان الكثير من كبار صحابة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عبيداً ، أو رقيقاً أُعتقوا ، وكان الكثير منهم يؤدّون واجبهم كمستشارين ومعاونين لعظماء الإسلام وقادته ، ويمكن ذكر أسماء سلمان وبلال وعمار بن ياسر وقنبر من ضمن هذه القافلة.
وبعد أن انتهت غزوة بني المصطلق تزوّج النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بجارية عتيقة من هذه القبيلة ، وكان هذا الزواج سبباً في إطلاق سراح كلّ أسرى القبيلة.
المادة الرابعة : المعاملة الإنسانية مع العبيد
لقد وردت في الإسلام تعليمات كثيرة حول الرفق بالعبيد ومداراتهم ، حتى أنّها أشركتهم في حياة مالكيهم.
يقول النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل ، وليكسه ممّا يلبس ، ولا يكلفه ما يغلبه ، فإن كان ما يغلبه فليعنه » (13).
ويقول علي (عليه السلام) لغلامه قنبر : «أنا أستحيي من ربّي أن أتفضل عليك ، لأنّ رسول الله يقول : ألبسوهم ممّا تلبسون ، وأطعموهم ممّا تأكلون» (14).
ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : «وإن كان أبي ليأمرهم ـ أي غلمانه ـ فيقول : كما أنتم ، فيأتي ، فإن كان ثقيلاً قال : بسم الله ، ثمّ عمل معهم» (15).
لقد كانت معاملة الإسلام مع العبيد في هذه المرحلة الإنتقالية حسنة إلى الحدِّ الذي أكّد عليها حتى الغرباء عن الإسلام وحمدوها ومجّدوها.
وكنموذج لذلك نذكر ما يقوله «جرجي زيدان» في تأريخ تمدّنه : إنّ الإسلام رحيم بالعبيد كلّ الرحمة ، وقد أوصى نبيّ الإسلام بالعبيد كثيراً ، ومن جملة ما قاله : لا تكلفوا العبد ما لا يطيق ، وأطعموه ممّا تأكلون.
ويقول في موضع آخر : لا تنادوا مماليككم بـ : يا غلام ، ويا جارية ، بل قولوا : يا بني ، ويا ابنتي!
والقرآن أيضاً أوصى بالرقيق وصايا رائعة ، فهو يقول : اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً ، ولا تعاملوا آباءكم وأمّهاتكم وأولي أرحامكم واليتامى والفقراء والجيران ، البعيد منهم والقريب ، والأصدقاء ، والمشرّدين ، والرقيق ، إلاّ بالحسنى ، فإنّ الله لا يرضى بالعجب والرضى من النفس (16).
المادة الخامسة : أقبح الأعمال بيع الإنسان
يعد بيع العبيد وشراؤهم من أبغض المعاملات في الإسلام ، حتى ورد في حديث عن النّبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : «شرّ الناس من باع الناس» (17). وهذا التعبير كاف لتوضيح وجهة نظر الإسلام في شأن العبيد ، ويبيّن اتجاه حركة البرامج الإسلامية ، وما تريد تحقيقه والوصول إليه.
والأروع من ذلك أنّ الإسلام قد اعتبر سلب حرية البشر ، وتبديلهم إلى سلعة تباع وتشترى ، من الذنوب التي لا تغفر ، فقد ورد في حديث عن نبيّ الإسلام الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إنّ الله تعالى غافر كلّ ذنب إلاّ من جحد مهراً ، أو اغتصب أجيراً أجره ، أو باع رجلاً حراً» (18). وطبقاً لهذا الحديث فإنّ اغتصاب حقوق النساء ، والعمال ، وسلب حرية البشر ثلاثة ذنوب لا تغفر.
وكما قلنا سابقاً ، فإنّ الإسلام لم يبح الإسترقاق إلاّ في مورد أسرى الحرب ، وحتى في هذا المورد لا يكون الإسترقاق إلزامياً ، وكان ذلك في عصر ظهور الإسلام ، غير أنّنا نرى العبودية والإسترقاق متفشيّة في الدول الغربية بعد عدّة قرون من ظهور الإسلام حيث كان المستعمرون يشنّون الحملات والهجمات الشرسة على بلدان السود ، ويقبضون على البشر الأحرار ويحوّلونهم إلى رقيق يباعون ويشترون ، وقد بلغ بيع وشراء العبيد حدّاً رهيباً ، بحيث كان يباع في كلّ سنة (000 ، 200) عبداً في بريطانيا أواخر القرن الثامن عشر ، وكانوا يأخذون مائة ألف نسمة من أفريقيا كل عام ، ويرسلونهم إلى أمريكا كعبيد (19).
وخلاصة القول : إنّ الذين يعترضون على برنامج الإسلام في مسألة الرقيق قد سمعوا كلاماً لم يتأمّلوا فيه ، ولم يطّلعوا الإطلاع الكافي على أصول البرنامج وهدفه ، وهو «تحرير العبيد تدريجياً» ، ومن دون خسائر ، أو إنّهم وقعوا تحت تأثير المغرضين الذين يظنون أنّ هذه نقطة ضعف كبيرة في الإسلام ، وطلبوا لها وزمروا ، وسخّروا لها وسائل الإعلام ، إلاّ أنّ الظنّ لا يغني من الحق شيئاً.
_________________
1- التوبة ، 60.
2- كان لنا بحث مفصل حول المكاتبة وأحكامها الرائعة في ذيل الآية (34) من سورة النور.
3- بحار الأنوار ، ج 41 ، ص43.
4- وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 38.
5- تفسير نور الثقلين ، ج1 ، ص 390 .
6- وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 36.
7- المصدر السابق ، ص 60.
8- الشرائع ، كتاب العتق ، وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 21.
9- الشرائع ، كتاب العتق.
10- هذه في مالكية الرجال , ولكنها محدودة في مالكية النساء , ( اللمعة , بيع الحيوان)
11- وسائل الشيعة ، ج 16 ، ص 26.
12- الشرائع ، كتاب القضاء.
13- بحار الأنوار ، ج 74 ، ص141 ، ح 11.
14- المصدر السابق ، ص 144 ، ح 19.
15- المصدر السابق ، ص 142 ، ح 13.
16- تاريخ التمدّن ، ج 4 ، ص 54.
17- المستدرك ، ج 13, ص95 ، كتاب التجارة ، (باب 19, باب كراهة الصرف وبيع الاكفان و .... ح 1).
18- بحار الأنوار ، ج 103 ، ص 168 ، ح 11.
19- تفسير الميزان ، ج 6 ، ص 368.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|