أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2014
6665
التاريخ: 9-05-2015
5897
التاريخ: 10-05-2015
6464
التاريخ: 8-12-2015
5947
|
يقع عادةً في أكثر الحروب عددٌ من الأسرى ، وذلك لحصول ظروف قاهرة في أثناء الحرب لم يَعْد بإمكان المقاتلين الاستمرار بالقتال أو التّراجع إلى الخلف ، كأن تنفذ معداتهم أو ينفذ طعامهم أو يحاصروا من قبل القوات المعادية ، حتّى يصبح القتال بالنّسبة لهم نوعاً من الإنتحار ، ولذا يضطرون إلى التّسليم.
والعقل والمنطق يحكمان بعدم جواز قتل هؤلاء ، بل ينقلوا إلى الخطوط الخلفية للجبهات ، ويحبسون في أماكن محروسة ، إلى حين الاستفادة منهم في تبادل الأسرى ، أو الاستفادة منهم في ممارسة الضّغط على العدو والحرب النّفسية لإجباره على الكفِّ عن الاستمرار بالقتال أو كسب امتيازات معينة حين الصّلح.
والأهم من هذا كله ، فإن إراقة الدّماء تحتاج إلى مسوغٍ ومبرر ، وفي حالة استسلام العدو لا يبقى وجه لذلك.
ولذا فإنّ مسألة وقوع الأسرى في الحروب أمرٌ عاديّ وكذلك الحال في الإسلام ، ونلاحظ أنّ الإسلام قد شرّع أحكاماً عديدة ومهمّة بالنسبة للأسرى ، ينبغي على الحكومة الإسلاميّة العمل بها وتطبيقها مع الاسرى الذين يقعون في حوزتها.
وبعد هذه الإشارة نعود إلى القرآن لنرى أحكام أسرى الحرب من وجهة نظره :
1- {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا اثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإمَّا فِدَاءً} (محمّد/ 4).
2- {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْرَى حَتّى يُثْخِنَ فِى الارْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال/ 67).
3- {يَا ايُّهَا النَّبِىُّ قُلْ لِّمَنْ فِى ايْدِيكُمْ مّنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمّا اخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (الأنفال/ 70).
تخاطب الآية الأولى المسلمين وتذكِّرهم باستعمال الشدّة والحزم في الحرب ، فتقول أوّلًا : {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ}.
وواضح أنّ كلمة «لقيتُم» هنا مأخوذة من «اللقاء» بمعنى الحرب لا كلّ لقاء ، وخير دليل على ذلك هو ذيل الآية حيث تتحدث عن أسرى الحرب.
وبعد التأمل فيما مرَّ من أنّ الحرب في الإسلام كانت دائماً دفاعية ومفروضة على المسلمين ، تتضح منطقية الأمر أعلاه وذلك لأنّ المسلمين إذا لم يظهروا الشدّة والحزم قبال هجوم الأعداء ، فإنّ الفشل سيكون حليفهم لا محالة ، فكل إنسانٍ يواجه عدواً سفاكاً للدماء ، إذا لَم يوجه الضربات المهلكة له ، فإنّ ذلك يعني الهزيمة أمامه.
ثُمّ تضيف الآية : {حَتَّى إِذَا اثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}.
وأكثر المفسرين قالوا : إنّ هذه الجملة تعني التّشديد على العدو والإكثار من قتلهم ، ولكن وبعد الإلتفات إلى أنّ هذه الجملة مأخوذة من مادة «ثخن» بمعنى «الغلظة» والصّلابة فإنّه يمكن حينئذٍ تفسيرها بالنّصر والغلبة التّامّة على العدو والسّيطرة الكاملة عليه ، أي ينبغي أن يستمروا بالقتال بقوّة واقتدار حتّى يغلبوا العدو (وعليه فليس الهدف هو إراقة الدّماء وإنّما الهدف هو الغلبة على العدو).
وعلى أيّة حال ، فإنّ الآية الاولى ناظرة إلى أمرٍ عسكري مهم وهو وجوب متابعة الحرب وعدم إيقافها مالم يتمّ التّغلب على العدو وكسره وأخذ الأسرى ، لأنّ إيقاف الحرب يكون لا سبباً في زعزعة صمود المسلمين في الحرب ، وأنّ الإنشغال بنقل الأسرى إلى الخطوط الخلفية يشغل المقاتلين عن أهدافهم الأساسية.
وتعبير «شُدّوا الوَثاق» إشارة إلى ضرورة إحكام قيد الأسرى والتّدقيق في حبسهم ، كي لا يهربوا من الأسر ، فينقلبوا إلى مقاتلين ضد المسلمين.
ثُمّ تبين الآية حكم الأسرى وتقول : {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً}.
فهنا تخيِّر المسلمين بين أمرين ، إطلاق الأسرى بلا مقابل ، أو مقابل الفدية (ويراد بالفدية «الغرامة» التي يتحملها العدو في أزاء إطلاق سراح أسراه ، وهي في الواقع جزءٌ من الخسائر التي تسبب بها في عدوانه).
والنّكتة المهمّة هنا هي أنّ فقهاء الإسلام وتبعاً للرّوايات ، ذكروا طريقاً ثالثاً في المسألة وهي استرقاق الأسرى ، ولكن لم ترد إشارة إلى ذلك في الآية الشّريفة على الرّغم من مسألة استرقاق الأسرى كانت أمراً عادياً في ذلك الزّمان ، وقد يكون ذلك باعتبار أن «الإسترقاق»- وكما ذكرنا ذلك مفصلًا في محله- كان حكماً مقطعياً متناسباً مع شرائط خاصة ، وكان نظر الإسلام هو أن يتمّ تحرير هؤلاء العبيد تدريجياً حتّى لا يبقى شيء بإسم الإسترقاق ، ولهذا فإنّ الآية إشارة فقط إلى الطريقين الأولين أي الإطلاق بلا مقابل أو في مقابل الفدية (وتبادل الأسرى بين الطرفين نوعٌ من أخذ الغرامة في مقابل إطلاق سراح الأسرى).
كما أنّهم ذكروا طريقاً رابعاً في الكتب الفقهية للأسرى (وهو قتل الأسرى) ولم تذكره الآية أيضاً ، وذلك لأنّ قتل الأسير ليس حكماً أساسياً في الأسرى ، بل هو استثناء يتمّ إجراؤه في خصوص الأسرى من ذوي الخطر ومجرمي الحرب لا في كل أسير (1).
وممّا ذكرنا يتضح أنّ حكم الآية ليس منسوخاً ، ولا دليل على نسخة ، وعدم ذكر بعض أحكام الأسرى فيها ، له دليل وجيه.
وفي الآية الثّانية إشارة إلى كيفية أسر الأسرى ، تقول : {مَا كَانَ لِنَبِىٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِى الارْضِ}.
وتعبير {يُثْخِنَ فِى الارْضِ} وكما أشرنا سابقاً لا يعني المبالغة في إراقة الدّماء والإكثار من القتل ، بل ومن خلال جملة {فِي الارْضِ} يتضح أنّ المراد هو تحكيم المواقع على أرض المعركة والتّفوق على العدو ، والسّيطرة على المنطقة ، وحتّى لو فرضنا أنّ معناها هو إراقة الدّماء فإنّما هو من أجل كسر شوكة العدو والغلبة عليه.
وفي الواقع فإنّ هذا التّعبير شبيه جدّاً بما جاء في ذيل الآية حيث يقول تعالى : {حَتَّى تَضَعَ الْحَربُ أَوْزَارَهَا} وهذا خير شاهد على تفسيرنا.
والنّكتة المهمّة هنا هي أنَّ هذا تحذير للمسلمين من أخذ الأسرى قبل تحقيق الأهداف المرسومة ، بسبب أنّ بعض المسلمين الذين أسلموا حديثاً ، كان هدفهم الأساسي هو أخذ الأسرى ، ليحصلوا على مبلغ أكبر من المال عند الفداء ، وكان ذلك يؤدّي إلى تماهل هؤلاء في أداء مسؤولياتهم الخطيرة في الحرب وعدم اكتراثهم بالأخطار المحتملة ضد المسلمين ، وانشغالهم بالأمور الثّانوية ، فيتعرض جندُ الإسلام إلى ضربة ماحقة ، كما حدث ذلك في معركة أُحد وانشغال بعض المسلمين في جمع الغنائم.
ولذا يقول تعالى في ذيل الآية : {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.
ثُمّ إنّ المستفاد من الآية هو أن أخذ الأسرى لم يكن في عصر نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله فقط ، بل كان ذلك أمراً جارياً في عصور الأنبياء السّابقين أيضاً ، غاية الأمر أنّ هذه الآية تؤكد على أنّ أخذ الأسرى ينبغي أنّ لا يكون لأجل الربح المادي ، فكم من مورد تقتضي فيه مصلحة المسلمين أنْ يطلق المسلمون سراح أسرى العدو بدون أخذ الفدية منهم.
والملفت للنظر هنا هو أنّ القرآن الكريم يُحذِّر في الآية اللاحقة أولئك الذين يضحّون بالمصلحة العامة وأهداف الحرب المهمّة من أجل مصالحهم الشّخصية الماديّة ، فيعّرضون مصلحة المجتمع للخطر ، تقول الآية : {لَّولَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ} (وهو أنّه لا يعذب أمة بلا حجة) {لَمَسَّكُمْ فِيَما أخَذْتُم} (الأسرى الذين أخذتموهم لأغراض دنيوية) {عَذابٌ عَظِيمٌ}. (الانفال/ 68)
ومن مجموع هذه العبارات ، يستفاد بوضوح أنّ أخذ الأسرى لابدّ أنْ يتمّ أولًا بعد السّيطرة الكاملة على العدو (ولو في موقع معين من ميدان القتال) ، وثانياً إنّ أخذ الأسرى يجب أنْ لا يكون لأغراض مادية أي لأخذ الفدية مقابل إطلاق سراحهم فيما بعد ، إذ في كثير من الأحيان تستوجب المصالح الإنسانيّة ومصلحة المسلمين أن يتمّ إطلاق سراح هؤلاء الأسرى بلا مقابل ، وفي مثل هذه الظروف يصعب على المسلمين الذين أسّروا هؤلاء الأسرى لأغراض مادية إطلاق سراحهم والإمتثال للحكم الإلهيّ.
وفي الآية الثّالثة ، نجد حديث عن مسألة الرفق بالأسرى بما يَدّلُّ على احترام الإسلام لَهُم ولأحاسيسهم ، تقول الآية : {يَا ايُّهَا النَّبىُّ قُلْ لِّمَنْ فِى ايْدِيكُمْ مِّنَ الأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِى قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا اخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وكلمة «خيراً» في الجملة الأولى إشارة إلى الإيمان والإسلام وإتّباع الحقّ ، والمراد من «خيراً» في الجملة الثّانية هو الثّواب الإلهي الماديّ والمعنوي الذي يحصل عليه هؤلاء في ظلّ الإيمان باللَّه ، وهذا أفضل بكثير من المبالغ التي دفعوها بعنوان الفدية أو الّتي خسروها في ساحة الحرب.
وجملة {إنْ يَعْلَمِ اللَّهُ} وكما ذكرنا ذلك مِراراً ، بمعنى التّحقق- المعلوم- إذ إنّ علم اللَّه شمل كلّ شيء من الأزل ، ولا يحدث شيءٌ في علمه أو يزيد أو ينقص ، إلّا المعلومات التي تتحقق على أثر مرور الزّمن مثل وجود نيّة أوْ اعتقاد في قلب الأسير.
ومضافاً إلى هذا الثّواب ، فإن لطفاً إلهياً آخر يشملهم وهو غفران ذنوبهم ، والذي يُشغل بالهم لا محالة بعد إيمانهم ويُعذب روحهم ، فالمغفرة الإلهيّة تسكين لهم.
_________________________
(1) وللفخر الرازي في تفسير هذه الآية وعدم ذكر القتل والإسترقاق ، رأي يشابه ما ذكرناه أعلاه (تفسير الكبير ، ج 28 ، ص 44).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|