أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2016
540
التاريخ: 4-9-2016
690
التاريخ: 1-9-2016
1159
التاريخ: 2-9-2016
618
|
لو تعذّر أحد قيود المأمور به ففي سقوط التكليف عن المركّب قولان مبنيان على ثبوت التقيّد مطلقاً فيسقط ، أو في حال التمكّن فقط فلا يسقط .
تحرير محلّ النزاع:
واعلم : أنّه إمّا أن يكون لدليل المركّب إطلاق دون دليل اعتبار الجزء ، وإمّا أن يكون بالعكس، وإمّا أن يكون لكلاهما إطلاق ، أولا يكون لواحد منهما إطلاق .
فعلى الأوّل يجب الإتيان بالمركّب المتعذّر قيده ، كما أنّه على الثاني يسقط الأمر بالمركّب ; لتعذّر قيده المطلق .
وعلى الثالث : فإمّا أن يكون لأحد الإطلاقين تقدّم على الآخر أولا .
فعلى الأوّل : فإمّا أن يكون التقدّم لدليل المركّب ; فيجب الإتيان به ، ويصير حاله حال ما إذا كان لدليله إطلاق دون دليل الجزء ، وإمّا أن يكون التقدّم لدليل القيد ، فينعكس الحكم ، فيسقط الأمر بالمركّب ، ويصير حاله حال ما إذا كان لدليل القيد إطلاق دون دليل المركّب .
فإن قلت : إنّ إطلاق دليل القيد حاكم على إطلاق دليل المقيّد ، كحكومة إطلاق القرينة على ذيها.
قلت ـ مضافـاً إلى أنّ تقـدّم القرائـن علـى ذيهـا ليس مـن بـاب الحكومـة ، بل مـن باب تقـديم الأظهـر على الظـاهـر ، وهـو غيـر الحكومـة ، وسيوافيك بيانه(1) ـ إنّ دليل المركّب قد يكون حاكماً على دليل اعتبار الجزء أو الشرط ، كقوله : «الصلاة لا تترك بحال» إذا قيس إلى أدلّة اعتبار الأجزاء والشرائط من قوله : «القراءة جزء» و «الركوع جزء» ونظائره .
والحاصل : أنّ قوله ـ عليه السلام ـ : «الصلاة لا تترك بحال»(2) حاكم على أدلّة القيود ; لأنّه تعرّض لما لم يتعرّض له تلك الأدلّة ; وهو مقام الترك المتأخّر عن اعتبارها ، وهذا أيضاً نحو من الحكومة .
نعم ، قـد يكون لسان دليل الجـزء أو الشرط حاكمـاً على دليل المركّب ، كما في قوله ـ عليه السلام ـ : «لا صلاة إلاّ بطهور»(3)و «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(4) ; فإنّهما حاكمان على ما ذكر وعلى غيره من الأدلّة العامّة من قوله تعالى : {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]; لأنّها بعث إلى ماهية الصلاة أو زجر عن تركها المفروض كونها صلاة ، وهـذان ينفيان كـون المركّب الفاقد للطهور أو الفاتحـة داخـلا في ماهيـة الصلاة .
ثمّ إنّه لا يبعد أن يكون ما ذكـرنا راجعاً إلى ما نسب إلى الوحيد البهبهاني مـن التفصيل ، على ما حكاه بعض أعاظم العصر ، ولا بأس بنقل كلامه وما ذكره مـن التوجيه :
فقال : إنّ مقتضى إطلاق دليل القيد سقوط الأمر بالمقيّد عند تعذّر القيد مطلقاً ، من غير فرق بين القيود المستفادة من مثل قوله : «لا صلاة إلاّ بطهور» وبين القيود المستفادة من مثل قوله : «اسجد في الصلاة» أو «لا تلبس الحرير» من الأوامر والنواهي الغيرية .
وقد نسب التفصيل بينهما إلى الوحيد البهبهاني ; فذهب إلى سقوط الأمر بالمقيّد عند تعذّر القيد في الأوّل دون الثاني .
ويمكن توجيهه : بأنّ الأمر الغيري مقصور بالتمكّن من متعلّقه ; لاشتراط كلّ خطاب بالقدرة عليه ، فلابدّ من سقوط الأمر بالقيد عند عدم التمكّن منه ، ويبقى الأمر بالباقي على حاله . وهذا بخلاف القيدية المستفادة من مثل قوله : «لا صلاة إلاّ بطهور» ممّا يفيد القيدية بلسان الوضع لا التكليف ، فلا يشترط فيه القدرة .
ولا يخفى ما فيه ; لأنّ القدرة معتبرة في متعلّقات التكاليف النفسية ; لكونها طلباً مولوياً وبعثاً فعلياً ، بخلاف الخطابات الغيرية في باب الوضع والأسباب والمسبّبات ; حيث إنّ مفادها ليس إلاّ دخل المتعلّق في حصول المسبّب . ففي الحقيقة الخطابات الغيرية مطلقاً بمنزلة الإخبار ، من دون بعث وتحريك حتّى تقتضي القدرة على المتعلّق .
ولو سلّم الفرق بيـن الوضعيات والتكليفيات ، وأنّ الخطاب في الثانيـة يتضمّن البعث فلا إشكال في أنّه ليس في آحاد الخطابات ملاك البعث المولوي ، وإلاّ لخرجت عن كونها غيرية ، بل ملاك البعث المولوي قائم بالمجموع ، فالقدرة معتبرة فيـه . فلا فرق بين القيديـة المستفادة مـن مثل «لا صلاة إلاّ بطهور» والمستفادة من الأمر والنهي الغيري(5) ، انتهى كلامه .
ولا يخفى : أنّ إرجاع ما ذكره الوحيد إلى ما ذكرنا أولى ممّا ذكره من التوجيه ، مع ضعفه في نفسه ، كما سيوافيك بيانه مع بيان ضعف ما أورده عليه :
أمّا رجوعه إلى ما ذكرنا فواضح ; فلأ نّه إذا كان لدليل اعتبار الجزء إطلاق حاكم على دليل المركّب يصير المركّب متعذّر الإتيان ; لعدم القدرة عليه بشراشر ما له دخل فيه مطلقاً . وأمّا إذا لم يكن لدليل الجزء إطلاق حاكم على دليل المركّب يكون مثل قوله ـ عليه السلام ـ : «لا يترك الصلاة بحال» محكّماً ومرجعاً ، فيجب الإتيان به .
وأمّا ما أفاده من التوجيه والنقد ففي كليهما نظر :
أمّا الأوّل : فالظاهر أنّ غرض الوحيد ليس هو التفصيل بين الوضعيات والتكليفيات ، ولو كان غرضه هذا لكان الأليق التمثيل بالوضعيات بمثال غيرهما ممّا ليس فيه خصوصية سوى كونه متضمّناً حكماً وضعياً ، لا بما فيه خصوصية اُخرى غير الوضع ممّا يتضمّن نفي الموضوع عند انتفاء الجزء الذي هو من أظهر وجوه الحكومة على دليل المركّب ، فتأمّل .
وأمّا ما أفاده في ردّ التوجيه فهو أيضاً مثل ما سبق ; لأنّ ما ذكره من أنّ الخطابات الغيرية تكون بمنزلة الإخبار بالجزئية أو الشرطية ، ولا بعث فيها بوجه ، ضعيف غايته ; فإنّ الأمر مطلقاً للبعث والتحريك نحو المتعلّق ; نفسياً كان أو غيرياً ، مولوياً كان أو إرشادياً .
وليس المولوية ملاك البعث ، وإنّما الفرق بينهما من جهة اُخرى ; وهو أنّ الغرض من البعث في النفسي هو الوصول إلى المطلوب الذاتي الذي هو المتعلّق ، ومن البعث الغيري هو دخالته في المطلوب الذاتي بنحو الجزئية والشرطية .
والحاصل : أنّ الأمـر مطلقاً للبعث والتحريك نحـو المتعلّق وإنكاره خلاف الوجدان ; وإن كانت الأغـراض مختلفة حسب اختلاف الأمـر . وعليه فيشترط فـي متعلّقـه ـ نفسياً كـان أو غيرياً ـ القدرة بالإتيان بـه ، مـن غير فـرق بيـن أنحاء البعث .
فما ذكره أخيراً من أنّه لا إشكال في أنّه ليس في آحاد الخطابات الغيرية ملاك البعث المولوي ، وإلاّ لخرجت عن كونها غيرية ، غير تامّ ; لأنّ الملاك في اعتبار القدرة في الأوامر ليس كونها أوامر مولوية ، بل لأجل اشتمالها على البعث والتحريك ، والمفروض أنّه موجود في أنحاء الأوامر عامّة ، فيجب اعتبارها في الجميع بلا إشكال .
ثمّ إنّ محطّ البحث موردان :
أحدهما : ما إذا لم يكن لكلّ من دليل المركّب ودليل الجزء إطلاق .
ثانيهما : ما إذا كان لكلّ واحد منهما إطلاق ، ولم يكن في أحد الإطلاقين ملاك التقدّم على الآخر .
فحينئذ : يقع الكلام تارة في مقتضى القواعد الأوّلية والأصل العقلي ، واُخرى في مقتضى القواعد الثانوية ممّا دلّ على خلاف الاُولى .
فانحصر الكلام في المقامين ، وإليك بيانهما :
المقام الأوّل: في مقتضى القواعد الأوّلية :
في جريان البراءة العقلية :
الحقّ : البراءة ، من غير فرق بين أن يكون العجز من القيد ثابتاً قبل زمان التكليف ، كمن بلغ وهو لايقدر على القراءة ، أو كان طارئاً عليه ، كمن كان قادراً أوّل الوقت على الإتيان بالجزء لكن طرء عليه العجز أثناء الوقت ، أو كان القدرة والعجز في واقعتين ، كمن كان قادراً في الأيّام السالفة وطرء العجز في يومه .
أمّا جريانها في الأوّل والثالث : فواضح جـدّاً ; لأنّ مرجـع الشكّ فيه إلى أصل التكليف :
أمّا في الأوّل : فلأنّ الشخص كان قاطعاً بعدم التكليف قبل البلوغ ، ويشكّ بعد ما أصبح مكلّفاً مع العجز عن الإتيان بالمركّب ـ تامّاً ـ في أصل الحكم والخطاب .
ومثله الثالث ; فلأنّ تمامية الحجّة في الأيّام الخالية لا تصير حجّة للأيّام الفعلية ، فهو في يومه هذا شاكّ في أصل التكليف .
وأمّا الثاني : فلأنّه أوّل الوقت وإن كان مكلّفاً بالإتيان بالمركّب تامّاً ، لكنّه قد ارتفع بارتفاع حكم الجزء وتعذّره عقلا بعد العجز ، والتكليف بالفاقد مشكوك فيه من رأس ، فيكون المرجع إلى البراءة .
فإن قلت : مـا الفرق بيـن المقام والشكّ فـي القـدرة ; حيث إنّهما مشتركان فـي الشـكّ فـي أصـل ثبـوت التكليـف لا فـي سقـوطـه ، مـع أنّ الـظاهـر مـن الأكابر(6) هو الاحتياط عقلا في الثاني، مع كون الشكّ في أصل التكليف .
قلت : إنّ القدرة ليست من الشرائط الشرعية ، بل هي شرط وقيد عقلي ، فحينئذ فمع الشكّ في القدرة فالتكليف ثابت من قبل المولى ; لعدم تقيّده بشيء ، والشكّ في سقوطه لأجل الشكّ في كونه عاجزاً أولا ، ومعه لا مناص عن الاشتغال . وأمّا المقام فالمتيقّن منه هو ثبوت الجزئية في حال التمكّن ، وأمّا حالة العجز فهو يشكّ في جزئيته ، فالعجز عن القيد معلوم والتكليف بالفاقد مشكوك فيه من رأس مع القدرة عليه ، وهذا هو الفرق بين الأمرين .
لا يقال : ما الفرق بين المقام وما إذا اضطرّ إلى ارتكاب بعض الأطراف من المعلوم إجمالا ؟ حيث إنّه يجب الاجتناب عن الطرف الآخر ; لحكم العقل بحرمة المخالفة القطعية مع عدم إمكان الموافقة القطعية ، فليكن المقام مثله .
لأنّا نقول : ما ذكرت قياس مع الفارق ; لعدم العلم الإجمالي في المقام ، بل الموجود علم تفصيلي بوجوب الصلاة تامّة ، وشكّ بدوي في وجوب الفاقدة لبعض قيودها . هذا كلّه حال البراءة العقلية .
في جريان البراءة الشرعية:
وأمّا الشرعية : فلا شكّ في أنّ حديث الرفع(7) لا يثبت وجوب الفاقدة لبعض القيود إذا لم يكن لدليل المركّب ولا لدليل اعتبار الجزء والشرط إطلاق ; لأنّـه حديث رفع لا حديث وضع . نعم، لو ثبت لكلّ من الدليلين إطلاق أمكن رفع إطلاق الجزئية والشرطية في حال الاضطرار ، والتمسّك بإطلاق دليل المركّب في وجوب الباقي من الأجزاء ، وقد تقدّم غير مرّة : أنّ وجوب الباقي وإجزائه عن الكامل إنّما هو بنفس الأدلّة الأوّلية(8) ; ولذا اشترطنا وجود الإطلاق لدليل المركّب(9) .
وبما ذكرنا ـ من أنّ وجوب الفاقدة بنفس الأدلّة الأوّلية ـ يندفع ما ربّما يتوهّم من أنّ رفع الجزئية في حال الاضطرار منّة ، وإيجاب الباقي يعدّ خلاف المنّة ، والحديث حديث امتنان لا خلافه(10) .
وجه الاندفاع : أنّ الامتنان وخلافه إنّما تلاحظان في مجرى الحديث فقط ، ورفع الجزئية ليس خلافه . وأمّا إيجاب الباقي فليس مجرى الرفع ، بل ولا من لوازمه العقلية والعادية والشرعية ، بل لازم رفع الجزئية هو رفع التعارض . وأمّا الدليل المتكفّل لإيجاب الباقي فإنّما هو نفس الإطلاقات الأوّلية لأدلّة المركّب .
هذا كلّه في الاضطرار العرفي .
وأمّا الاضطرار العقلي : فيمكن أن يقال إنّه لا يكون مجرى الحديث ; لسقوط التكليف عن الكلّ بحكم العقل ، غير أنّك قد عرفت حكاية ذلك عن بعضهم ; حيث منع عن التمسّك بحديث الرفع عند نسيان بعض الأجزاء ; قائلا بأنّ التكليف الفعلي مرتفع عن المنسي بعروض النسيان بملاك استحالة التكليف بما لا يطاق ، فالتكليف مرتفع مع قطع النظر عن حديث الرفع . وقد عرفت ضعفه هناك فلا نعيد(11) .
هـذا كلّـه على القول بجريان حـديث الرفع في الاضطـرار على الترك ، وأمّـا على فرض عدم جريانه فلا ، وقد تقدّم الحقّ في ذلك(12) .
المقام الثاني : في مقتضى القواعد الثانوية :
فالبحث يقع تارة : في استصحاب وجوب باقي الأجزاء ، واُخرى في إثبات الوجوب له ببركة قاعدة الميسور ونظيره كما سيوافيك .
التمسّك بالاستصحاب لإثبات وجوب باقي الأجزاء
ويقرّر الاستصحاب بوجوه :
الأوّل : استصحاب وجوبـه على نحو القسم الثالث من استصحاب الكلّي(13) ; بأن يقال : إنّ الأجزاء الفاقدة لبعض القيود كانت واجبة بالوجوب الغيري حال وجوب الكلّ ، وقد علمنا بارتفاعه ، إلاّ أنّا نشكّ في حدوث الوجوب النفسي للباقي مقارناً لزوال الوجوب الغيري ، فيستصحب الجامع بين الوجوبين ; بأنّه كان متيقّناً وشكّ في بقائه .
وإن شئت فبدّل الوجوب الغيري بالضمني ; بأن يقال : إنّ الباقي من المركّب كان واجباً بالوجوب الضمني حال وجوب الكلّ ، وقد وقفنا على ارتفاعهما قطعاً لكن نشكّ في حدوث الوجوب النفسي للباقي مقارناً لزوال وجوبه الضمني ، فالجامع بينهما متيقّن ، فيستصحب حتّى يثبت خلافه .
وفيه : أنّه يشترط في جريانه أن يكون المستصحب حكماً شرعياً أو موضوعاً ذا أثر شرعي ، والجامع بين الوجوبين ليس موضوعاً لحكم شرعي كما هو واضح ، ولا هو حكم شرعي مجعول ; لأنّ المجعول إنّما هو كلّ واحد من الوجوبين ; أي ما هو فرد للوجوب بالحمل الشائع.
وأمّا الجامع بينهما فهو أمر انتزاعي غير مجعول أصلا ; فلو حكم الشارع بوجوب الصلاة ووجوب الصوم فالجامع بينهما غير مجعول ، وما هو المجعول إنّما هو مصداق الجامع الذي يعبّر عنه بالفرد ، وما هو الحكم إنّما هو مصداق الجامع لا نفسه .
وإن شئت قلت : إنّ الجامـع بنعت الكثرة حكم شرعي وبنعت الوحـدة لم يكن حكماً ولا مجعولا، فلا يجري فيه الاستصحاب . على أنّك قد عرفت : أنّ اتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيري ممّا لا معنى له(14) ، وأمّا اتّصافها بالنفسي فسيوافيك ضعفه .
الثاني من وجوه تقرير الاستصحاب هو استصحاب الوجوب النفسي الشخصي ، بادّعاء أنّ تعذّر بعض الأجزاء ممّا يتسامح فيه عرفاً ، ولا يصير القضية المتيقّنة غير القضيـة المشكوك فيها ، وهـذا مثل ما إذا وجب إكـرام زيـد ، ثمّ قطع بعض أعضائه ، فشككنا في بقاء وجوبـه ; فلا شكّ أنّ عـدم الإكرام يعـدّ نقضاً عند العرف لما علم سابقاً(15) .
وفيه : أنّ قياس العناوين الكلّية بالجزئيات الخارجية قياس مع الفارق ; لأنّ العنوان الكلّي إذا اُضيف إليه جزء أو قيد يعدّ مغايراً للكلّي الفاقد لهما ; فالإنسان العالم مباين لمطلق الإنسان ، والصلاة مع السورة غير الصلاة بدونها ، والماء المتغيّر غير الماء الذي ليس متغيّراً .
وأمّا الاُمور الخارجية فتلك الزيادة والنقيصة لا تصير مبدءً لحصول التباين بين الفاقد والواجد .
والسرّ في ذلك : أنّ ملاك البقاء في الموجودات الخارجية هو بقاء الشخصية والهذية ، وهو حاصل لدى العرف بزيادة وصف أو ارتفاعه ، فإذا تغيّر الكرّ ثمّ ذهب تغيّره بنفسه فلا شكّ في صحّة استصحاب نجاسته ; لأنّ الموضوع إنّما هو الماء ، وهو باق .
وإن شئت قلت : القضية المتيقّنة هي نجاسة ذلك الماء ، وهي عين القضية المشكوك فيها ; لبقاء الهوهوية عرفاً ، وهذا بخلاف العناوين الكلّية غير المتحقّقة في الخارج ; فإنّ ضمّ جزء أو قيد به موجب لتبدّل الموضوع إلى موضوع آخر .
أضف إلى ذلك : أنّ ما يقال من أنّ تغيّر بعض الحالات لا يضرّ بالاستصحاب إنّما هو في الحالات التي علم دخالتها في الحكم في الجملة ، ولم يعلم كونها دخيلا فيه حدوثاً وبقاءً ، أو حدوثاً فقط ، وإن شئت قلت : لم يعلم كونها دخيلا على نحو الواسطة في العروض حتّى لا يجري الاستصحاب ، أو واسطة في الثبوت حتّى يجري ; فلو كان حال القيد المرتفع ممّا ذكرنا فلا إشكال في أنّه يستصحب .
وأمّا إذا علم كونه دخيلا في الحكم على نحو القطع والبتّ ، إلاّ أنّه تعذّر الإتيان به فلا شكّ أنّه لا يجري الاستصحاب ; لأنّ المفروض دخالته في الحكم الشخصي ، ومع انتفاء جزء من أجزاء المركّب ينتفي الحكم المتعلّق به بالضرورة ، فلا معنى للتعبير عنه بالشكّ في بقاء شخص الحكم ; لأنّ المتيقّن مرفوع ، وغيره مشكوك الحدوث .
فإن قلت : ما الفرق بين تعذّر بعض الأجزاء وما إذا نقص مقدار من الماء الكرّ ; حيث يجري في الثاني دون الأوّل ، ويعدّ المنقوص من الحالات في الثاني دون الأوّل .
قلت : فرق واضح بينهما ; فإنّ دخالة المقدار المفقود في الكرّية مشكوك من أوّل الأمر ; لاحتمال كون الكرّ هو الباقي ، فإذا صدق كون هذا ذاك فلا مانع من الاستصحاب .
وأمّا المقام : فقد علمنا ببركة أدلّة الجزء دخالته في الحكم الشخصي من أوّل الأمر ، ومع فقدانه لايمكن القول ببقاء الحكم الشخصي الذي كان قائماً بالموضوع المركّب . ومن المعلوم أنّ ارتفاع المركّب بارتفاع بعض أجزائه أو كلّها ، كما أنّ ارتفاع حكمه بارتفاع موضوعه .
الثالث : استصحاب الوجوب النفسي الشخصي أيضاً ; بأن يقال : إنّ الأجزاء الباقية غير المتعذّرة كانت واجبة بالوجوب النفسي ، ونشكّ في بقائه ; لاحتمال اختصاص جزئية المتعذّر بحال التمكّن ، فيبقى وجوب الباقي بحاله(16) .
وفيه : أنّه لا يعقل قيام الوجوب الواحد الشخصي أو الإرادة الواحدة الشخصية بأمرين متغايرين; تارة بالموضوع التامّ واُخرى بالمركّب الناقص .
والقول بأنّه من قبيل تعدّد المطلوب غير مفيد ; فإنّ تعدّد المطلوب يستلزم تعدّد الطلب والإرادة، فعلى فرض تعدّد المطلوب هنا طلب مستقلّ وإرادة مستقلّة متعلّقة بالمطلوب التامّ لمن يقدر عليه، وطلب مستقلّ وإرادة اُخرى متعلّقة بالمطلوب الناقص لمن لا يقدر على التامّ منه ، ولا يعقل بقاء الطلب المتعلّق بالتامّ مع فقد جزئه ; فلا مجال لاستصحاب الحكم الشخصي .
الرابع : استصحاب الحكم الشخصي النفسي أيضاً بأن يقال : إنّ الوجـوب وإن كان أمراً واحداً إلاّ أنّه ينبسط على الأجزاء حسب كثرتها وتعدّدها ، فالأمر المتعلّق بالأجزاء له نحو انبساط على الأجزاء ، ولأجل هذا الانبساط يكون كلّ واحد من الأجزاء واجباً بعين الوجوب المتعلّق بالمركّب . فإذا زال انبساطه عن الجزء المتعذّر يشكّ في زواله عن الأجزاء الباقية ; فيستصحب بلا مسامحة في الموضوع ولا في المستصحب(17) .
قلت : قد عرفت ما هو الحقّ في المقام عند البحث عن الأقلّ والأكثر ، وقد أوضحنا هناك(18): أنّ متعلّق الأمر الواحد والإرادة الواحدة ليس إلاّ أمراً وحدانياً ، وأنّ الأجزاء بنعت الكثرة لا يعقل أن تقع مصبّاً للطلب الواحد ، إلاّ أن يصير الواحد كثيراً أو الكثير واحداً ، وكلاهما خلف.
بل المتعلّق للبعث الواحد إنّما هي نفس الأجزاء في لحاظ الوحدة والإجمال ، وفي حالة اضمحلالها وفنائها في صورتها الوحدانية . لا بمعنى كون الأجزاء من قبيل المحصّلات لما هو متعلّق الأمر ، بل الأجزاء عين المركّب لكن في حالة التفصيل ، كما أنّ المركّب عين الأجزاء لكن في لباس الوحدة وصورة الإجمال . فتعلّق إرادة أو بعث بالمركّب ليس من قبيل تعلّق الواحد بالكثير ، بل من قبيل تعلّق واحد بواحد .
وعليه : فالقول بانبساط الإرادة أو البعث الوحداني على موضوعهما ممّا لا محصّل له ; لأنّ المتعلّق ـ بالفتح ـ كالمتعلِّق ليس إلاّ أمراً وحدانياً ; وإن كانت ذات أجزاء عند التحليل ولحاظه تفصيلا .
ومعه لا يصحّ أن يقال : إنّه قد علم زوال انبساطه عن المتعذّر وشكّ في زواله عن غيره ; إذ كلّ ذلك فرع أن يكون المتعلّق ذات أبعاض وأجزاء عند تعلّق الأمر ، والمفروض أنّ الأمر لا يتعلّق بالكثير بما هو كثير ، ما لم يتّخذ لنفسه صورة وحدانية يضمحلّ فيها الكثرات والأبعاض والأجزاء . ومع الاضمحلال لامجال للتفوّه بالانبساط . وبذلك يبطل القول بالعلم بارتفاع الوجوب عن جزء ، والشكّ في ارتفاعه عن الأجزاء الباقية .
أضف إلى ذلك : أنّه لو سلّمنا كون الوجوب منبسطاً على المركّب ـ انبساط العرض على موضوعه ـ لكن الوجوب المتعلّق على الأجزاء تابع لوجوب المركّب ، والمفروض : أنّ الوجوب المتعلّق به أمر واحد شخصي ينتفي بانتفاء بعض أجزائه ، وبانتفائه ينتفي الوجوب الضمني التبعي المتعلّق بالأجزاء ، فلا يصير من قبيل الشكّ في البقاء ، كما لايخفى .
التمسّك بقاعدة الميسور لإثبات وجوب باقي الأجزاء
ربّما يقال : إنّ مقتضى ما عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»(19) ، وما عن أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «الميسور لا يسقط بالمعسور»(20) ، و «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»(21) هو الإتيان بالبقية(22) ، غير أنّا نعطف نظر القارئ إلى بيان مفادها ، مع الغضّ عن ضعف أسنادها ; فإنّ اشتهارها بين المتأخّرين لا يجبر ضعف أسنادها ; خصوصاً العلويين ; فإنّك لا تجد عنهما ذكراً في كلام المتقدّمين .
الكلام في مفاد النبوي:
فنقول : أمّا النبوي ـ فمع قطع النظر عن صدره الوارد في الحجّ ـ فيحتمل وجوهاً واحتمالات ، أظهرها : أنّه إذا أمرتكم بشيء ـ سواء كان ذا أجزاء أو ذا أفراد ـ فأتوا منه كلّ ما كان في استطاعتكم .
وما عن بعض أعاظم العصر : من أنّ إرادة الأعمّ توجب استعمال لفظة «من» في الأكثر ; لعدم الجامع بين الأجزاء والأفراد ، ولحاظ الأجزاء يباين لحاظ الأفراد ، ولا يصحّ استعمال كلمة «من» في الأعمّ ; وإن صحّ استعمال لفظة «شيء» في الأعمّ من الكلّي والكلّ(23) .
ضعيف ; لأنّ كـون كلمة «مـن» تبعيضية ليس معناه كونها بمعنى البعض ; فإنّـه باطل بالضرورة ، بل الحـرف مستعمل في معناها الحـرفي ، غير أنّ المدخـول ينطبق عليه أنّـه بعض المركّب . فليس معنى قولنا : «أكلت مـن السمكة» أنّـه أكلت بعضها ، بل المراد أنّ السمك ملحوظ أمـراً وحدانياً ، يكون المأكـول ممّا ينطبق عليه أنّه بعضها .
وعلى ذلك : فغاية ما يتوقّف عليه صحّة ذلك الاستعمال ملاحظة الشيء أمراً واحداً يكون المدخول بالحمل الشائع بعضاً منه ، وهو كما يصحّ في الأجزاء كذلك يصحّ في الطبيعي الذي له أفراد ; فإنّ كلّ فرد من الطبيعي وإن لم يكن بعضاً منه بل عينه وهكذا الفرد الآخر ، إلاّ أنّه مقتضى حكم العقل الدقيق .
وأمّا في نظر العرف الساذج : فإنّ الطبيعي عندهم بمنزلة مخزن يخرج منه الأفراد ، يكون كلّ فرد بعضاً منه ; فيكون منطبقاً على التبعيض بالحمل الشائع عرفاً .
وإن أبيت : فالعرف ببابك ; فإنّ استعمال كلمة «من» التبعيضية في الكلّي الذي له أفراد شائع في العربية وغيرها .
وأوضح من الجميع : أنّه لو قال القائل : «إذا أمرتكم بطبيعة الصلاة فأتوا منها كلّ فرد يكون في استطاعتكم» لكان قولا صحيحاً ، من دون استلزامه تجوّزاً .
فتلخّص : أنّ كون «من» تبعيضية ليس مانعاً من حمل الرواية على الأعمّ ، وأنّ غاية ما يقتضيه التبعيض كون المدخول متقطّعاً ممّا قبلها بنحو من الاقتطاع ، أو يكون ما قبلها كالمخزن لما بعدها ، كالكلّي بالنسبة إلى أفراده ، وهو حاصل في المقام .
هذا كلّه مع قطع النظر عمّا قبله .
وأمّا مع ملاحظة صدره : فالظاهر منه إرادة الأفراد ، لا الأجزاء ولا الأعمّ منهما ; فإنّ الحديث وارد في حجّة الوداع ; حيث إنّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قام خطيباً ، وقال : «إنّ الله كتب عليكم الحجّ» .
فقام عكاشة ـ ويروى سراقة بن مالك ـ فقال : في كلّ عامّ يا رسول الله ؟
فأعرض عنه حتّى أعاد مرّتين أو ثلاثاً ; فقال : «ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت نعم لوجب ، ولو وجب ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم .
فاتركوني ممّا تركتكم ، وإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم . فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه»(24) .
وجه الظهور : أنّ إعراضه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عن الراوي لأجل أنّه إنّما سئل عمّا هو واضح لدى العقل ، وهو أنّه إذا أوجب المولى شيئاً يسقط أمره بالإتيان بأوّل مصداق منه ، ومع هذا لامجال للإصرار .
ويوضحه قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «ويحك ما يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت نعم لوجب» أي لوجب كلّ سنة ; فهو ظاهر في أنّ حكم العقل ـ أعني الاكتفاء بأوّل مصداق منه ـ محكّم ما لم يرد منه خلافه ، وأمّا مع الورود فيتّبع مقدار دلالة الدليل الوارد .
فحينئذ قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» ، بعد ما تقدّمه من السؤال والجواب ظاهر في إعطاء الضابطة الكلّية المطابقة لما يحكم به العقل من السقوط بالإتيان بأوّل مصداق من الطبيعة إلى أن يأتي بيان ينقضها .
وعلى هذا : يصير كلمة «ما» في قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «ما استطعتم» مصدرية زمانية ; أي إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه زمن استطاعتكم ، لا موصولة حتّى يجب كلّ فرد مستطاع ; لأنّه خلاف سياق الحديث على ما عرفت .
وبذلك يتّضح : عدم صحّة إرادة المركّب ; لأنّه إذا وجب علينا المركّب وجب علينا الإتيان بها بكلّ أجزائه لا بعض أجزائه ، فتأمّل .
الكلام في مفاد العلوي الأوّل:
أمّا قوله ـ عليه السلام ـ : «الميسور لا يسقط بالمعسور» ـ ففيه احتمالات : أوضحها أن يقال : إنّ نفس الميسور لا يسقط بالمعسور .
وأمّا احتمال أنّ المراد : أنّ حكم الميسور لا يسقط عن عهدته ، أو أنّ حكمه لا يسقط عن موضوعه ، أو أنّ الميسور لا يسقط عن موضوعيته للحكم فكلّها خلاف الظاهر .
وإنّما قلنا إنّ كون الأوّل أظهر لأنّ استعمال كلمة «لا يسقط» يتوقّف على ثبوت ما يسقط بنحو من الأنحاء في محلّ عال حقيقة أو اعتباراً .
فلمّا كان الطبائع ثابتاً بواسطة الأمر في عهدة المكلّف وذمّته التي هي أمر عال في عالم الاعتبار كانت الأجزاء ثابتة في ذلك المحلّ بعين ثبوت الطبيعة .
ولمّا كان سقوط الجـزء وتعذّره موجباً لتعذّر المركّب وسقوطه حسب القاعدة الأوّلية جاء الحديث نافياً لتلك القاعدة ; قائلا بأنّ سقوط المعسور لا يوجب سقوط الميسور ; وإن كان ملاك عدم السقوط مختلفاً ; فإنّ الملاك لعدم سقوطه قبل التعذّر إنّما هو الأمر المتعلّق بالطبيعة الموجب لثبوتها ـ الذي هو عين ثبوت أجزائها ـ وأمّا الملاك لعدم سقوطه بعد التعذّر فإنّما هو لأجل أمر آخر مستفاد من ذلك الحديث . وهو غير قادح أصلا ; فإنّ الاختلاف إنّما هو في جهة الثبوت لافي أصله ، نظير السقف المحفوظ بالدعائم المختلفة المتبدّلة ; فالسقف ثابت وإن كان ما به الثبوت يختلف ، كما أنّ الأجزاء الميسورة ثابتة وإن كان ما به الثبوت مختلفاً ; فتارة يكون ما به الثبوت هو الأمر المتعلّق بالطبيعة التامّة ، واُخرى يكون الأمر المستفاد من ذلك العلوي .
وأردأ الاحتمالات هو الأخير ; وإن كان الجميع غير الأوّل مشتركاً في كونه خلاف الظاهر .
وجه الأردئية : أنّ لفظة السقوط لا يلائم هذا الاحتمال ; لما عرفت من أنّ تحقّق مفهوم السقوط يتوقّف على كون الساقط في محلّ عال ، ككون الحكم بالنسبة إلى الموضوع ، وهو بالنسبة إلى ذمّة المكلّف .
وأمّا كون سقوط الموضوع ـ الميسور ـ عن الموضوعية فلا يتحقّق فيه الشرط المذكور ; لأنّ الحكم يسقط عن الموضوع لا الموضوع عن الموضوعية ، إلاّ بتبع سقوط الحكم عن موضوعه. نعم لو كان ارتفاع الموضوع لأجل موضوعيته لصحّ ذلك فيه ، كما يقال : سقط الآمر عن الإمارة ، والمقام ليس من ذلك القبيل .
وأمّا كون الكلّ مشتركاً في كونه خلاف الظاهر ; فلأنّ الحكم الذي كان متعلّقاً بالميسور قبل تعذّر بعض الأجزاء فهو يسقط قطعاً ـ سواء قلنا إنّه وجوب غيري أو نفسي ـ والثابت له بعد تعذّر بعض أجـزائـه إنّما هـو أمـر آخـر بملاك آخـر ، فنسبة عدم السقوط إليه مسامحة موجودة في الاحتمالات الثلاثة ، وهذا بخلاف الأوّل ; فإنّ عدم السقوط مستند فيه إلى نفس الميسور ، وهو لا يستلزم شيئاً من المسامحة .
وأمّا ما ربّما يقال : إنّ المراد من عدم السقوط عدم سقوطه بما له من الحكم الوجوبي أو الاستحبابي ; لظهور الحديث في ثبوت ما ثبت سابقاً بعين ثبوته أوّلا ، الراجع إلى بقاء الأمر السابق ، نظير قوله ـ عليه السلام ـ : «لا تنقض اليقين بالشكّ» ، الشامل للوجوب والاستحباب(25) .
فضعيف ; لأنّ الحكم الوحداني المتعلّق بالمركّب الثابت بثبوته كيف يتصوّر بقاؤه مع زواله ، والإرادة الشخصية المتعلّقة بالمراد ، المتشخّصة به كيف تبقى بحالها مع زوال ما هو ملاك تشخّصه ؟
وقياس المقام بأدلّة الاستصحاب مع الفارق ; فإنّ مفادها التعبّد بإبقاء اليقين عند الشكّ في بقاء المتيقّن ، وأمّا المقام فلا شكّ في سقوط ما ثبت وزوال ما كان موجوداً . نعم يحتمل في المقام وجود ملاك آخر يوجب ثبوت البقية في الذمّة ، لكن بأمر آخر وحكم مستقلّ وملاك مغاير .
وأمّا ما أفاده شيخنا العلاّمة(26) ـ أعلى الله مقامه ـ تبعاً للشيخ الأعظم(27) من التمسّك بالمسامحة العرفية فغير وجيه ; لأنّ العرف ـ مهما كان متسامحاً ـ لا يرضى أن يقول بأنّ الوجوب الغيري الثابت سابقاً عين الوجوب النفسي الحادث لاحقاً بدليل آخر .
ولو فرض تسامحه إلى هذه المنزلة فسيوافيك : أنّ المسامحات العرفية غير مقبول ، وإنّما الميزان في المقام هو العرف الدقيق . نعم لا عبرة بالدقّة العقلية ، كما لا عبرة بالمسامحة العرفية، فانتظر .
ثمّ إنّه يظهر ممّا ذكرنا : اختصاص العلوي بالواجبات ; إذ لا ثبوت ولا عهدة في المستحبّات إلاّ بوجه آخر ، وأمّا تنقيح المناط أو إلغاء الخصوصية مع الاعتراف بظهورها في الواجبات فلا وجه له .
الكلام في مفاد العلوي الثاني:
وأمّا العلوي الثاني : فلا شكّ أنّه ظاهر في الكلّ المجموعي ، وهل يمكن استفادة حرمة ترك البقية أولا ؟ وجهان مبنيان على تقديم أحد الظهورين من الصدر والذيل على الآخر ; فإنّ
الصدر ـ أعني الموصول ـ ظاهر في الأعمّ من الواجب والمستحبّ ، كما أنّ النهي ـ أعني قوله ـ عليه السلام ـ «لا يترك» ـ ظاهر في حرمة الترك ، فلا وجه لتقديم الذيل على الصدر ـ لو لم نقل بأنّ الراجح هو العكس ـ فيتصرّف في الذيل ، ويحمل على مطلق المرجوحية .
والسرّ في ذلك : أنّ توجّه الذهن إلى الصدر يمنع عن انعقاد ظهور للذيل ، إلاّ إذا كان أقوى ظهوراً منه ; حتّى ينصرف الذهن عمّا توجّه إليه أوّلا . ولو تنزّلنا فلا أقلّ من عدم الترجيح .
وما أفاده الشيخ الأعظم من أنّ قوله : «لا يترك» كما أنّه قرينة على تخصيص الموصول بغير المباحات والمحرّمات هكذا قرينة على اختصاصه بالواجبات(28) ، لا يخلو من ضعف ; فإنّ القرينة على تخصيصه بغيرهما إنّما هو قوله ـ عليه السلام ـ : «لا يدرك» ، لا قوله : «لا يترك» ; فإنّ الدرك وعدم الدرك إنّما يستعمل في المواضع التي يكون للآمر والمكلّف داع إلى إتيانه .
فإذا قال الآمر : «ما لا يدرك كلّه . . .» يفهم منه ما يليق أن يدرك كلّه ، فيكون معنى قوله : «ما لا يدرك كلّه» أي كلّ راجح يكون للمكلّف والآمر داع إلى إتيانه ولم يدرك كلّه فعندئذ لا يترك كلّه .
توضيح محتملات الحديث :
الأوّل : أن يراد من «الكلّ» في الجملتين المجموع ، لكنّه احتمال بدوي لا يلائم مع مرمى الحديث ; فإنّ درك المجموع بدرك جميع أجزائه وعدم دركه يحصل بعدم درك بعض أجزائه ، كما أنّ ترك المجموع بترك بعض منه وعدم تركه هـو الإتيان به بما له مـن الأجزاء عامّـة . ولو اُريد من «الكلّ» المجموع في الموضعين يصير المعنى : ما لا يدرك جميع أجزائه لا يترك جميع أجزائه ، وهو ظاهر الفساد .
الثاني : أن يراد من «الكلّ» فيهما كلّ جزء منه ، فيصير المعنى : ما لا يدرك كلّ جزء منه لا يترك كلّ جزء منه ، فهو صحيح ; وإن لم يكن الحديث متعيّناً فيه .
وجه الصحّة : أنّ مقابل درك كلّ جزء هو عدم دركه ، وهو يحصل بدرك البعض أيضاً ، كما أنّ مقابل ترك كلّ جزء عدم ترك كلّ جزء ، الذي يحصل بعدم ترك البعض ; فيصير مفاد الحديث : ما لا يدرك كلّ جزء منه لا يترك كلّ جزئه ، ويفهم منه لزوم الإتيان بالبقية .
والحاصل : أنّه فرق بين الاحتمالين ; فلو قلنا : لا يترك مجموعه يصير المعنى : أنّه يجب إتيان جميع أجزائه ; لأنّ ترك المجموع بترك البعض ، والإتيان به بإتيان جميع أجزائه ، وهذا بخلاف الاحتمال الثاني ، فلو قلنا : إنّه لا يترك كلّ جزء منه فالنهي يدلّ على حرمة ترك كلّ جزء منه على نحو سلب العموم ، وهو يحصل بالإتيان بالبعض .
وما أفاده الشيخ الأعظم من أنّ لفظ الكلّ مجموعي لا أفرادي ; إذ لو حمل على الأفرادي كان المراد ما لا يدرك شيء منه لا يترك شيء منه(29) ضعيف ; فإنّ الكلّ إذا ورد عليه النفي إنّما هو يفيد سلب العموم ، لا عموم السلب . وما ذكره من المعنى مبني على الثاني دون الأوّل .
وإن شئت فلاحظ قولنا : «ليس كلّ إنسان في الدار» ، تجد فرقاً بينه وبين قولنا : «ليس واحد منه فيها» ; فإنّ الثاني يفيد عموم السلب دون الأوّل . وقد عرّف المنطقيون بأنّ نقيض السالبة الكلّية هو الموجبة الجزئية(30) ; فنقيض قولنا : «كلّ إنسان حيوان» هو «ليس كلّ إنسان حيواناً» ، وهو يتوقّف على كون بعض الإنسان ليس بحيوان ، لا كلّ فرد منه .
وتوهّم : أنّ المسلوب لمّا كان متعدّداً فالسلب الوارد عليه متعدّد أيضاً ; لمكان التضائف الواقع بينهما(31) غير صحيح ; فإنّ قولنا : «ليس كلّ إنسان حيواناً» ليس قضايا متعدّدة وأساليب كثيرة .
وعليه يبتنى النزاع المعروف بين الشيخ المحقّق صاحب «الحاشية»(32) والشيخ الأعظم(33) في تعيين المفهوم المستفاد من قوله ـ عليه السلام ـ : «الماء إذا بلغ قدر كرّ لم ينجّسه شيء»(34) ; فإنّ مفهومه على المختار : أنّه إذا لم يبلغ كرّاً ليس لا ينجّسه شيء ، ولازمه سلب تلك القضية السالبة الكلّية ، وهو يتحقّق بالإثبات الجزئي ، وقد أوضحنا حاله في محلّه(35) .
الثالث : أن يراد من «الكلّ» في الجملة الاُولى المجموع ومن الثاني كلّ جزء منها ، وهو صحيح بعين ما ذكرناه في الثاني ، فمعناه : ما لا يدرك مجموعه ويتعذّر مجموعه لا يترك كلّ جزء منه ; أي لا يترك بكلّيته .
هذا أظهر الاحتمالات ، ويساعده الذوق العرفي .
الرابع : عكس الثالث ، وهو ظاهر الفساد بعين ما ذكرنا في الأوّل .
في اعتبار صدق الميسور في جريان القاعدة:
قد تداول في كلماتهم : أنّ جريان قاعدة الميسور يتوقّف على أن يصدق ميسور الطبيعة على الباقي عرفاً . فلو تعذّرت الأجزاء الكثيرة ; بحيث لا يصدق على الباقي أنّه ميسورها ، ولا يراه العرف من مصاديقها الناقصة فلا تجري تلك القاعدة ، ولابدّ من استفادة ذلك من الأدلّة الدالّة عليها .
ويمكن أن يستدلّ عليه باُمور :
الأوّل : النبوي المعروف : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»(36) ; فإنّ المراد من «الشيء» هو الطبيعة ، كما أنّ المراد من الموصول هو الأفراد ; سواء كان الفرد فرداً عرضياً أو طولياً .
وعليه فمعناه : إذا أمرتكم بطبيعة ذات أفراد فأتوا منها ما يكون في استطاعتكم ، وهو دالّ بظاهره على أنّه يشترط أن يكون المأتي به فرد الطبيعة ; وإن كان فردها الناقص بالنسبة إلى المتعذّر . فلو كان المفقود معظم الأجزاء أو أجزائها الركنية فلا يصدق على المأتي به في نظر العرف أنّه فرد الطبيعة ; لا كاملها ولا ناقصها .
وفيه : ما تقدّم من أنّ الظاهر أنّ كلمة «ما» مصدرية زمانية لا موصولة(37) ، فيسقط الاستدلال .
الثاني : قوله ـ عليه السلام ـ : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه»(38) ; فإنّ المراد من الموصول هو المركّب ; والمراد من قوله ـ عليه السلام ـ : «لا يدرك» أنّه لا يدرك كلّ جزء من ذلك المركّب . وقد حكم على الموصول الذي اُريد منه المركّب بأنّه لا يترك ذلك المركّب بكلّيته ، وهو يعطي أنّه لابدّ من الإتيان بالمركّب الناقص إذا تعذّر الكامل ، وهو عين ما يدّعيه المشهور بأنّه لابدّ من صدق الطبيعة على الباقي الميسور بوجه من الوجوه .
وفيه : ما عرفت من أنّ الأظهر في فقه الحديث : أنّ كلّ مركّب لا يدرك مجموعه أو كلّ جزء من أجزائه أنّه ليترك جميع أجزائه ، بل لابدّ من الإتيان بما تيسّر من تلك الأجزاء ، لاما تيسّر من ذلك المركّب حتّى يتوقّف على صدق المركّب على الباقي .
والحاصل : أنّ الفرق بين المعنيين واضح ; فإنّ النهي عن الترك قد تعلّق على المعنى الأوّل بالمركّب الميسور ، وبالأجزاء الميسورة على المعنى الثاني . فالضمير على الأوّل في قوله : «لا يترك» يعود على المركّب ، وعلى الثاني على أجزاء المركّب ، ولا ريب أنّه يصدق جزء المركّب على كلّ جزء منه ; وإن كان قليلا .
الثالث : قوله : «الميسور لا يسقط بالمعسور»(39) ، وهو يحتمل في بادئ النظر وجوهاً أربعة:
الأوّل : أنّ ميسور الطبيعة لا يسقط بمعسورها .
الثاني : أنّ الأجزاء الميسورة من الطبيعة لا يسقط بالمعسور من أجزائها .
الثالث : أنّ الطبيعة الميسورة لا يسقط بالمعسور من أجزائها .
الرابع : عكس الثالث .
فعلى الأوّل والثالث يدلّ على المقصود ، وأنّه لابدّ أن يكون المأتي به صادقاً عليه الطبيعة بوجه من الوجوه . ولا يبعد أظهرية الاحتمال الأوّل .
ويمكن أن يقال : المتيقّن من الحديث هو ميسور الطبيعة المأمور بها .
المرجع في تعيين الميسور:
ثمّ إنّ المرجع في تعيين الميسور هو العرف بلا إشكال ; فإنّه المحكّم في عامّة الموضوعات ; سواء كان الموضوع عرفياً أو شرعياً ، فإنّ الموضوع للقاعدة هو الطبائع المأمور بها ، ولا إشكال أنّ العرف واقف على حقيقة الأمر في هذه الميادين ; حيث يشخّص أنّه الميسور من الطبيعة عن غيره .
ضرورة أنّ الوضوء ـ مثلا ـ طبيعة قد تصدق بنظر العرف على الناقص لشرط أو جزء وقد لا تصدق فيعدّ الجبيرة في بعض الأجزاء ميسورها ، كما أنّه لا يعدّ الجبيرة في معظم الأجزاء ميسورها ، من غير فرق بين الموضوعات العرفية والشرعية . فما عن البعض من التفصيل بينهما(40) غير وجيه .
وما يقال : من أنّ المراد من الميسور ما يكون وافياً بالغرض أو ببعضه ، وهذا لا يقف عليه العرف(41) ضعيف ، مثل ما يقال : من أنّه لا يجوز الاتّكاء على القاعدة ; لكثرة التخصيصات الواردة عليها ، فلابدّ أن يضمّ إليه عمل المشهور حتّى يكون جابراً لضعف دلالته(42) .
أمّا ضعف الأوّل : فلأنّه لا دلالة في الحديث على ما ذكر ، وإطلاقه حاكم على خلافـه ، ولا وجه للمصير إليـه بلا داع ، فيكون كلّ ما ورد على خلافه مخصّصاً له .
وأمّا الثاني : فلأنّه إنّما يصحّ لو قلنا بعمومية الحديث للواجب وغيره ، وأمّا على ما اخترناه من اختصاصه بالواجبات بقرينة عدم تحقّق العهدة في غيرها واختصاصه بما إذا كان الباقي لدى العرف ميسور الطبيعة لا مطلقاً فلا أظنّ ورود التخصيصات الكثيرة عليه ; إذ لم يرد عليه تخصيص في الحجّ والصلاة .
وأمّا الصوم فلا يتحقّق فيه الميسور والمعسور ; فإنّه ـ ظاهراً ـ أمر بسيط وضعي ، تكون المفطرات مفسداته ; فلا يعدّ من الطبيعة إذا اجتنب عن مفسداته مع شرب الماء القليل .
نعم لو قلنا بعموميته للواجب وغيره ، وما هو ميسور الطبيعة وما ليس كذلك ، بل اكتفينا بميسور الأجزاء لكان لما توهّم مجال .
____________
1 ـ الاستصحاب ، الإمام الخميني ـ قدس سره ـ : 233 .
2 ـ اُنظر مستمسك العروة الوثقى 4 : 382 ، وسائل الشيعة 2 : 373 ، كتاب الطهارة ، أبواب الاستحاضة ، الباب 1 ، الحديث 5 .
3 ـ الفقيه 1 : 35 / 1 ، وسائل الشيعة 1 : 365 ، كتاب الطهارة ، أبواب الوضوء ، الباب 1 ، الحديث 1 .
4 ـ عوالي اللآلي 1 : 196 / 2 و 2 : 218 / 13 ، مستدرك الوسائل 4 : 158 ، كتاب الصلاة ، أبواب القراءة في الصلاة ، الباب 1 ، الحديث 5 و 8 .
5 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 251 ـ 253 .
6 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 465 ، فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 55 ـ 56 ، مقالات الاُصول 1 : 314 .
7 ـ الخصال : 417 / 9 ، التوحيد ، الصدوق : 353 / 24 ، وسائل الشيعة 15 : 369 ، كتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحديث 1 .
8 ـ تقدّم في الصفحة 52 و 320 و 346 ـ 348 و 356 ـ 357 .
9 ـ تقدّم في الصفحة 390 .
10 ـ نهاية الأفكار 3 : 452 .
11 ـ تقدّم في الصفحة 358 .
12 ـ تقدّم في الصفحة 57 .
13 ـ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 389 و26 : 279 .
14 ـ تقدّم في الصفحة 295 .
15 ـ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 389 و26 : 280 .
16 ـ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 26 : 280 .
17 ـ نهاية الدراية 4 :385 .
18 ـ تقدّم في الصفحة 293 .
19 ـ يأتي تخريجه في الصفحة 406 .
20 ـ عوالي اللآلي 4 : 58 / 205 ، وفيه : «لا يترك الميسور بالمعسور» .
21 ـ عوالي اللآلي 4 : 58 / 207 .
22 ـ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 389 ـ 394 .
23 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 254 ـ 255 .
24 ـ مجمع البيان 3 : 386 ، بحار الأنوار 22 : 31 ، صحيح مسلم 3 : 149 / 1337 ، سنن النسائي 5 : 110 .
25 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 255 .
26 ـ درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 501 .
27 ـ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 392 .
28 ـ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 393 ـ 394 .
29 ـ فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 25 : 394 .
30 ـ الجوهـر النضيد : 75 ، الحاشيـة على تهذيب المنطـق : 70 ، شرح المنظومـة ، قسم المنطق : 60 .
31 ـ نهاية الدراية 4 : 391 ـ 392 .
32 ـ هداية المسترشدين 2 : 460 ـ 461 .
33 ـ الطهارة ، ضمن تراث الشيخ الأعظم 1 : 318 و 321 ، مطارح الأنظار : 174 / السطر31 .
34 ـ راجع وسائل الشيعة 1 : 158 ، كتاب الطهارة ، أبواب الماء المطلق ، الباب 9 ، الحديث 1 و 2 و 5 و 6 .
35 ـ تقدّم في الجزء الثاني : 134 ـ 137 .
36 ـ تقدّم في الصفحة 406 .
37 ـ تقدّم في الصفحة 406 .
38 ـ تقدّم في الصفحة 404 .
39 ـ تقدّم في الصفحة 403 .
40 ـ فوائد الاُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4 : 256 ـ 258 .
41 ـ اُنظر نهاية الدراية 4 : 393 ـ 394 .
42 ـ اُنظر درر الفوائد ، المحقّق الخراساني : 268 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|