أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-8-2016
765
التاريخ: 10-8-2016
872
التاريخ: 10-8-2016
753
التاريخ: 2-9-2016
678
|
وتوضيحها يتوقّف على بيان مطالب :
الأوّل : أنّ الاُصول الاعتقادية على أقسام :
منها : ما ثبتت بالبرهان العقلي القطعي ، ويستقلّ العقل في إثباتها ونفي غيرها ، من دون أن يستمدّ من الكتاب والسنّة ، كوجود المبدأ وتوحيده وصفاته الكماليـة وتنزيهـه مـن النقائص والحشر والنشر وكونـه جسمانياً ـ على ما هـو مبرهـن في محلّـه وعند أهلـه(1) ـ والنبوّة العامّـة وما ضاهاهـا مـن العقليات المستقلّـة التي لا يستأهل لنقضه وإبرامه وإثباته ونفيه غير العقل ; حتّى لو وجدنا في الكتاب والسنّة ما يخالفه ظاهراً فلا محيص عن تأويله أو ردّ علمه إلى أهله ، كما اُمرنا بذلك(2) .
ومنها : ما ثبت بضرورة الأديان أو دين الإسلام ، كالمباحث الراجعة إلى بعض خصوصيات المعاد والجنّة والنار والخلود فيهما وما ضاهاها .
ومنها : ما ثبت بالقرآن والروايات المتواترة .
ومنها : ما لا نجد فيها إلاّ روايات آحاد قد توجب العلم والاطمئنان أحياناً ، واُخرى لا توجبه .
هذا كلّه في الاُصول الاعتقادية .
وأمّا الأحكام الفرعية أيضاً : تارة ثابتة بضرورة الدين أو المذهب ، واُخرى بظواهر الكتاب والسنّة ; آحادها أو متواترها ، وربّما تثبت بالعقل أيضاً .
الثاني : أنّ العوارض النفسانية ـ كالحبّ والبغض والخضوع والخشوع ـ ليست اُموراً اختيارية حاصلة في النفس بإرادة منها واختيار ، بل وجودها في النفس إنّما تتبع لوجود مبادئها ; فإنّ لكلّ من هذه العوارض مباد وعلل تستدعي وجود تلك العوارض .
مثلاً العلم بوجود البارئ وعظمته وقهّاريته يوجب الخضوع والخشوع لدى حضرته ـ جلّت كبرياؤه ـ والخوف من مقامه والعلم برحمته الواسعة وجوده الشامل ، وقدرته النافذة يوجب الرجاء والوثوق والتطلّب والتذلّل ، وكلّما كملت المبادئ كملت النتائج بلا ريب .
فظهر : أنّ تلك العوارض نتائج قهرية لا تستتبعه إرادة ولا اختيار ، وإنّما يدور مدار وجود مبادئها المقرّرة في محلّه وعند أهله .
الثالث ـ وهو أهمّ المطالب ـ أنّ التسليم القلبي والانقياد الجناني والاعتقاد الجزمي لأمر من الاُمور لا تحصل بالإرادة والاختيار ، من دون حصول مقدّماتها ومبادئها . ولو فرضنا حصول عللها وأسبابها يمتنع تخلّف الالتزام والانقياد القلبي عند حصول مبادئها ، ويمتنع الاعتقاد بأضدادها . فتخلّفها عن المبادئ ممتنع ، كما أنّ حصولها بدونها أيضاً ممتنع .
والفرق بين هذا المطلب وما تقدّمه أوضح من أن يخفى ; إذ البحث في المتقدّم عن الكبرى الكلّية من أنّ العوارض القلبية لا تحصل بالإرادة والاختيار ، وهنا عن الصغرى الجزئية لهذه القاعدة; وهي أنّ التسليم والانقياد من العوارض القلبية ، يمتنع حصولها بلا مبادئها ، كما يمتنع حصول أضدادها عند حصولها .
فمن قام عنده البرهان الواضح بوجود المبدأ المتعال ووحدته لا يمكن له عقد القلب عن صميمه; بعدم وجوده وعدم وحدته .
ومن قام عنده البرهان الرياضي على أنّ زوايا المثلّث مساوية لقائمتيه يمتنع مع وجود هذه المبادئ عقد القلب على عدم التساوي . فكما لا يمكن الالتزام على ضدّ أمر تكويني مقطوع به فكذلك لا يمكن عقد القلب على ضدّ أمر تشريعي ثبت بالدليل القطعي .
نعم ، لا مانع من إنكاره ظاهراً وجحده لساناً لا جناناً واعتقاداً ، وإليه يشير قوله عزّ وجلّ {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } [النمل: 14] .
وما يقال : من أنّ الكفر الجحودي يرجع إلى الالتزام القلبي على خلاف اليقين الحاصل في نفسه(3) ، فاسد جدّاً .
هذا هو الحقّ القراح في هذا المطلب ، من غير فرق بين الاُصول الاعتقادية والفروع العلمية ، من غير فرق أيضاً بين أن يقوم عليها برهان عقلي أو ثبت بضرورة الكتاب والسنّة أو قام عليه الأدلّة الثابتة حجّيتها بأدلّة قطعية ; من الأدلّة الاجتهادية والفقاهية .
فلو قام الحجّة عند المكلّف على نجاسة الغسالة وحرمة استعمالها يمتنع عليه أن يعقّد القلب على خلافها أو يلتزم جدّاً على طهارته ، إلاّ أن يرجع إلى تخطئة الشارع ـ والعياذ بالله ـ وهو خارج عن المقام .
وبذلك يظهر : أنّ وجوب الموافقة الالتزامية وحرمة التشريع لا يرجع إلى محصّل إن كان المراد من التشريع هو البناء والالتزام القلبي على كون حكم من الشارع ، مع العلم بأنّه لم يكن من الشرع ، أو لم يعلم كونه منه . ومثله وجوب الموافقة ; وهو عقد القلب اختياراً على الاُصول والعقائد والفروع الثابتة بأدلّتها القطعية الواقعية .
والحاصل : أنّ التشريع بهذا المعنى أمر غير معقول ، بل لا يتحقّق من القاطع حتّى يتعلّق به النهي ، كما أنّ الاعتقاد بكلّ ما ثبت بالأدلّة أمر قهري تتبع مبادئها ، ويوجد غِبّ عللها بلا إرادة واختيار ، ولا يمكن التخلّف عنها ولا للحاصل له مخالفتها ، فلا يصحّ تعلّق التكليف لأمر يستحيل وجوده ، أو يجب وجوده بلا إرادة واختيار .
نعم ، التظاهر والتديّن ظاهراً وعملاً بشيء ليس من الدين ـ افتراءً عليه وكذباً على الله ورسوله وعترته الطاهرين ـ أمر ممكن محرّم لا كلام فيه .
فظهر : أنّ وجوب الموافقة الالتزامية عين وجوب العقد والتصميم اختياراً على الأحكام ، والفروع الثابتة من الشرع بعد قيام الحجّة أمر غير معقول لا تقع مصبّ التكليف . وحمل كلامهم على وجوب تحصيل مقدّمات الموافقة الالتزامية وحرمة تحصيل مقدّمات خلافها كما ترى .
وأمّا إن كان المراد منه هو البناء القلبي على الالتزام العملي وإطاعة أمر مولاه ، ويقابله البناء على المخالفة العملية فهما ـ بهذا المعنى ـ أمران معقولان يعدّان من شعب الانقياد والتجرّي .
وبذلك يتّضح : أنّ ما ذهب إليه سيّد الأساتذة ، المحقّق الفشاركي ـ رحمه الله ـ من وجود التجزّم في القضايا الكاذبة على طبقها ; حتّى جعله ـ قدس سره ـ مناطاً لصيرورة القضايا ممّا يصحّ السكوت عليها ، وأنّ العقد القلبي عليها يكون جعلياً اختيارياً(4) لا يخلو من ضعف .
وقد أوضحه شيخنا العلاّمة ـ قدس سره ـ ، وقال : إنّ حاصل كلامه أنّه كما أنّ العلم قد يتحقّق في النفس بوجود أسبابه كذلك قد يخلق النفس حالة وصفة على نحو العلم حاكية عن الخارج ، فإذا تحقّق هذا المعنى في الكلام يصير جملة يصحّ السكوت عليها ; لأنّ تلك الصفة الموجودة يحكي جزماً عن تحقّق في الخارج(5) .
لكن فيه : أنّ العلم والجزم من الاُمور التكوينية التي لا توجد في النفس إلاّ بعللها وأسبابها التكوينية ، وليس من الاُمور الجعلية الاعتبارية ، وإلاّ لزم جواز الجزم في النفس بأنّ الاثنين نصف الثلاثة ، أو أنّ الكلّ أصغر من الجزء ، وما أشبهه من القضايا البديهية . وبالجملـة : ليس الجـزم والعلم مـن الأفعال الاختياريـة ; حتّى نوجـده بالإرادة والاختيار .
وأمّا ما ذكره : من كون الجزم هو المناط في القضايا الصادقة والكاذبة فهو وإن كان حقّاً إلاّ أنّ الجزم في القضايا الصادقة حقيقي واقعي ، وفي الكاذبة ليست إلاّ صورة الجزم وإظهاره . وما هو المناط في الصدق والكذب هو الإخبار الجزمي والإخبار عن شيء بصورة الجزم والبتّ ، وأمّا التجزّم القلبي فلا ربط له لصحّة السكوت وعدمها ، ولا للصدق والكذب .
والشاهد عليه : أنّه لو أظهر المتكلّم ما هو مقطوع بصورة التردّد فلا يتّصف بالصدق والكذب ولا يصحّ السكوت عليه .
وتوهّم أنّ المتكلّم ينشأ حقيقة التردّد في الذهن ، ويصير مردّداً بلا جعل واختراع كما ترى .
نقل مقال وتوضيح حال:
إنّ بعض الأعيان من المحقّقين ـ رحمه الله ـ ذكر وجهاً لصحّة تعلّق الأمر والنهي بالالتزام والتسليم ، فقال : إنّ الفعل القلبي ضرب من الوجود النوري ، والوجود في قبال المقولات ; وهو من العلوم الفعلية دون الانفعالية ، والأفعال القلبية اُمور يساعدها الوجدان ; فإنّ الإنسان كثيراً ما يعلم بأهلية المنصوب من قِبَل من له النصب ، لكنّه لا ينقاد له قلباً ، ولا يقرّ به باطناً ; لخباثة نفسه أو لجهة اُخرى ; وإن كان في مقام العمل يتحرّك بحركته خوفاً من سوطه وسطوته.
وهكذا كان حال كثير من الكفّار بالنسبة إلى نبيّنا ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ; حيث إنّهم كانوا عالمين بحقيته ، كما نطق به القرآن ، ومع ذلك لم يكونوا منقادين ـ ولو كان ملاك الإيمان الحقيقي نفس العلم ـ لزم أن يكونوا مؤمنين به ، أو جعل الإيمان الذي هو أشرف الكمالات مجرّد الإقرار باللسان ; حتّى يلزم كفرهم لأجل عدم الإقرار(6) .
وأنت خبير : بأنّه ـ قدس سره ـ لم يبرهن على أنّ الالتزام من العلوم الفعلية دون الانفعالية ، بل من القريب كونه من انفعالات النفس ومن الكيفيات الحاصلة لها من المبادئ الموجودة فيها أو حاصلة لها .
وما قال : إنّ الكيفيات النفسانية(7) محصورة غير وجيه ; لعدم قيام برهان على حصرها . فالأشبه أن تكون نحو تلك الحالات من مقولة الكيف ، ومن الكيفيات النفسانية التي تنفعل بها النفس .
فما ادّعاه من أنّه ضرب من الوجود ، وهو لا يدخل تحت مقولة غير صحيح ; لأنّ الموجود في صقع الإمكان لا يمكن أن يكون موجوداً مطلقاً ، فيلزم وجوب وجوده ، وهو خلف ، بل يكون موجوداً مقروناً بالحدّ والحدود ، فيتألّف من وجود وماهية ، ويدخل على وجه التسامح تحت إحدى المقولات .
أضف إلى ذلك ما عرفت : أنّ الالتزام لا ينفكّ عن العلم بالشيء ، وأنّه يستتبع الالتزام في كمّه وكيفه في تفصيله وإجماله على مقدار علمه ، ويوجد ذلك الالتزام في لوح النفس غبّ حصول العلم .
وقد عرفت : أنّ جحد الكفّار لم يكن إلاّ جحداً في الظاهر ; لعنادهم وعداوتهم وحبّ الرياسة والعصبية الجاهلية ، وإلاّ فكيف يمكن الإنكار الباطني مع العلم الوجداني بالخلاف ؟ فهل يمكن إنكار وجود اليوم مع العلم بوجوده ؟
ولا يلزم ممّا ذكـر أن يكون الإيمان هـو العلم فقط حتّى يقال : إنّ الشيطان كان عالماً بجميع المعارف ، مع أنّه عدّ مـن الكفّار ، كما لا يلزم مـن ذلك أيضاً كون الانقياد والتسليم القلبي حاصلين في النفس بالاختيار ، بل الإيمان عبارة عـن مرتبة من العلم الملازم لخضوع القلب للنبوّة .
وقد فصّلنا حقيقة العلم والإيمان في بعض مسفوراتنا ، وأوضحنا فيه أنّ الإيمان ليس مطلق العلم الذي يناله العقل ، ويعدّ حظّاً فريداً له ، وبما أنّ المقام لا يسع طرح تلك الأبحاث فليرجع من أراد التفصيل إلى محالّه(8) .
فظهر : أنّه لا يلزم من عدم كون العلم عين الإيمان كون الالتزام والانقياد اختيارياً متحقّقاً بالإرادة .
هذا كلّه في إمكان تعلّق الوجوب على الالتزام وعدمه .
ثمّ إنّـه لو فرضنا إمكان التعلّق فالظاهـر عـدم وجـوبه ; لعدم الدليل عليه في الفرعيات نقـلاً ولا عقـلاً ، وعـدم اقتضاء التكليف إلاّ الموافقـة العملية ، وحكـم الوجـدان بعدم استحقاق العبد لعقوبتين على فرض مخالفـة التكليف عملاً والتزاماً ، وعـدم استحقاقـه للعقوبة مع العمل بلا التزام ، واستحقاقـه لمثوبة واحـدة مع العمل والالتزام .
كيفية الالتزام بالأحكام:
ثمّ إنّك قد عرفت(9) أنّ الموافقة الالتزامية من الاُمور القهرية التابعة للعلم بالشيء ، وليس من الاُمور الجعلية الاختيارية . وعليه : فتتبع الموافقة الالتزامية في الخصوصيات للعلم بالأحكام ; فإن تعلّق العلم بالحكم تفصيلاً يتعلّق الالتزام تفصيلاً ، وإن تعلّق به إجمالاً يصير الالتزام كذلك، ولو تعلّق العلم بما يتردّد بين المحذورين يكون الالتزام مثله .
فلو بنينا على جواز جعل حكم ظاهري في مورد الدوران بين المحذورين يكون الالتزام على طبق الحكم الظاهري غير مناف للالتزام بالحكم الواقعي ، كما لا تنافي بين الحكم الواقعي المجعول على الذات والحكم الظاهري المجعول بعنوان المشكوك فيه ، فكما يمكن جعل الحكمين والعلم بهما يمكن الالتزام بهما .
فجريان الاُصول لا مانع منه في الأطراف من ناحية لزوم الالتزام بالحكم الواقعي ، كما أنّ جريانها لا يدفع الالتزام بالحكم الواقعي ; لمكان الطولية(10) .
____________
1 ـ راجع الحكمة المتعالية 9 : 185 ـ 207 ، شرح المنظومة ، قسم الحكمة : 339 .
2 ـ راجـع النسـاء (4) : 59 ، الكافي 1 : 68 ، بحـار الأنوار 2 : 234 / 15 و 236 / 21 و 245 / 55 .
3 ـ نهاية الدراية 1 : 271 ـ 272 .
4 ـ اُنظر درر الفوائد ، المحقّق الحائري : 70 .
5 ـ نفس المصدر .
6 ـ نهاية الدراية 3 : 77 .
7 ـ نفس المصدر 3 : 76 .
8 ـ جنود عقل وجهل : 87 .
9 ـ تقدّم في الصفحة 344 .
10 ـ ثمّ إنّ سيّدنا الاُستاذ ـ دام ظلّـه ـ قـد استقصى الكلام في الـدورة السابقـة في توضيح أحكام القطع ، فأوضح مقالة الأخباريين في المقام ، كما تكلّم في حجّية قطع القطّاع ، غير أنّه ـ دام ظلّـه ـ قد أسقط في هـذه الـدورة هاتيك المباحث ، ونحـن قد اقتفينا أثره ، أطـال الله بقاه . [المؤلّف].
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|