أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2016
1906
التاريخ: 29-6-2020
1298
التاريخ: 30-8-2016
2315
التاريخ: 5-8-2016
1374
|
اللغة: كلّ لفظ وضع لمعنى.
والحقّ أنّه ليس بين اللفظ والمعنى مناسبة ذاتيّة ـ كما ذهب إليه عبّاد بن سليمان الصيمري (1)، وأهل التكسير (2) ، وبعض المعتزلة (3) ـ وإلاّ كان كلّ أحد عالما بكلّ لغة ، ولم يوضع لفظ واحد للنقيضين والضدّين ، كالقرء للطهر والحيض ، والجون للأسود والأبيض.
واستدلّ المخالف :
بأنّه لو لم يكن بين اللفظ والمعنى مناسبة طبيعيّة لكان تخصيص هذا اللفظ بهذا المعنى ترجيحا بلا مرجّح (4).
والجواب : أنّ المرجّح هو سبق المعنى إلى ذهن الواضع.
وهذا الجواب على ما نختاره ـ من أنّ اللغات اصطلاحيّة وواضعها البشر ـ صحيح.
وعلى مذهب التوقيف فالجواب أنّ المرجّح هو إرادة الواضع المختار.
وهذا الجواب يتأتّى على ما اخترناه أيضا.
هل اللغات هي توقيفيّة أو اصطلاحيّة؟
اختلف العلماء في أنّ اللغات توقيفيّة أو اصطلاحيّة؟
فذهب بعضهم إلى أنّها توقيفيّة (5) ، أي وضعها الله تعالى ، ووقّفنا عليه بالوحي إلى الأنبياء ، أو بخلق أصوات تدلّ عليه ، وأسمعها واحدا أو جماعة ، أو بخلق علم ضروريّ بها.
وذهب بعضهم إلى أنّها اصطلاحيّة (6) ، يعني أنّ واضعها البشر واحدا أو جماعة ثمّ حصل التعريف باعتبار الإشارة ، والتكرار ، والترديد بالقرائن ، كما في الأطفال يتعلّمون اللغات.
وذهب بعض إلى أنّ القدر المحتاج إليه في معرفة الاصطلاح توقيفيّ والباقي اصطلاحيّ (7).
وذهب جمع إلى التوقّف (8).
والحقّ المذهب الثاني ؛ لأنّا نعلم بالبداهة أنّ كثيرا من اللغات حدثت من الناس في وقت لم يكن بينهم نبيّ ، ولم يدّع أحد استماع صوت ، ولا علما ضروريّا بأنّ هذا موضوع لذاك.
نعم ، يمكن القول بإلهام بعض الناس بأن يضع هذا اللفظ لهذا المعنى ، لا بأنّ هذا اللفظ وضعه الله لهذا المعنى ؛ لأنّه لم يدّع أحد ذلك ، ولو كان الأمر كذلك لسمع أو نقل ادّعاؤه من أحد.
وبالجملة ، هذا خلاف المعتاد ، ونحن نرى أنّ لغة واحدة تتغيّر بحيث تخرج عن الوضع الأوّل، كما هو ظاهر من لغة العرب والفرس ، وهذا التغيير والتبديل لا شكّ في استناده إلى البشر. وبالجملة ، استناد وضع اللغات إلى البشر أمر يدلّ عليه الوجدان ، ويقتضيه المشاهدة والعيان.
واستدلّ على هذا المذهب أيضا بقوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: 4].
ووجه الاستدلال به : أنّه دلّ على أنّ لكلّ قوم لغة سابقة على إرسال الرسول إليهم. والتوقيف يقتضي كون اللغات مسبوقة بإرسال الرسل (9).
وأجيب عنه : بمنع استلزم التوقيف مسبوقيّة اللغات بالإرسال ؛ فإنّ الله علّم آدم اللغات ـ كما تدلّ عليه آية التعليم (10) ـ وعرّفها آدم لذرّيّته ، ولمّا جاء كلّ رسول إلى قومه ، كان لهم لغة ، وأمّا آدم فلم يكن له قوم حتّى يدخل في عموم الآية (11).
وأنت ستعلم اندفاع هذا الجواب بعد ما نردّ استدلال أهل التوقيف بآية التعليم.
هذا ؛ واستدلّ أهل التوقيف على مذهبهم بآيتين : آية تعليم الأسماء (12) ، وقوله تعالى : {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ} [الروم: 22] (13).
ووجه الاستدلال بالآية الاولى ظاهر.
والجواب عنها : أنّ المراد بالأسماء حقائق الأشياء بدليل الضمير (14) ، أو المراد منها أسماء الله الحسنى.
ويمكن أن يقال : المراد بالتعليم إلهام آدم وإقداره على وضع الألفاظ بإزاء المعاني.
ووجه الاستدلال بالآية الثانية أنّه لا يمكن أن يراد من « الألسنة » معناها الحقيقي ـ أعني العضويّ المخصوص ـ إذ ليس فيه كثير اختلاف ، فلا بدّ أن يراد منها معناها المجازي ، وهو اللغات ، فيكون المعنى : ومن آياته خلق اللغات المختلفة وتوقيف الناس عليها.
والجواب عنه : أنّه إذا تعيّن الحمل على المجاز ، يمكن أن يراد مجاز آخر ، وهو أن يراد بخلق الألسنة إقدار الناس على وضع اللغات ، وليس إرادة أحد المجازين أولى من إرادة الآخر.
وبما ذكرنا ظهر بطلان المذهبين الآخرين.
إذا علمت الحقّ في هذه القاعدة ، فاعلم أنّه يتفرّع عليها فروع.
منها : المسألة المعروفة بـ « مسألة مهر السرّ والعلانية » وهي ما إذا تزوّج رجل امرأة بألف درهم ، واصطلحا على تسمية الألفين بالألف (15).
وكيفيّة التفريع أنّه بناء على التوقيف يلزم الألف ، ولا مدخليّة للاصطلاح.
وعلى المذهب الحقّ تصير المسألة خلافيّة ، بناء على أنّ المناط هل الاصطلاح اللغوي السابق، أو الاصطلاح الحادث؟
والحقّ : أنّه إن اعتبر اللفظ والقصد معا في العقود يكون العقد باطلا ، وإن لم يعتبر القصد فالمناط الاصطلاح السابق ، ولا يقاومه الاصطلاح الطارئ ، فيلزم الألف.
وكذا الحال في كلّ عقد اصطلاح المتبايعان أو أحدهما على تسمية العوضين أو أحدهما بغير اسمه المعروف ، بل يمكن التأتّي في غير العقود أيضا. وكيفيّة التفريع في الجميع على ما ذكرنا.
طريق معرفة اللغات:
اعلم أنّ طريق معرفة اللغات إمّا النقل المحض وهو إمّا متواتر ، أو آحاد ومثالهما ظاهر.
وإمّا المركّب من النقل والعقل ، كما إذا حصل لنا مقدّمتان نقليّتان ، أو إحداهما نقليّة والاخرى عقليّة ، فرتّبهما العقل وحصّل منهما نتيجة دالّة على وضع لفظ لمعنى. مثلا ثبت بالنقل أنّ الجمع المعرّف باللام يصحّ منه الاستثناء ، وثبت أيضا أنّ الاستثناء إخراج أمر لو لا الاستثناء لدخل هذا الأمر في المستثنى منه ، فيعلم منه أنّ الجمع المعرّف شامل له ولغيره ، وهو معنى الاستغراق ؛ فيثبت من هذا أنّ الجمع المعرّف باللام موضوع للاستغراق. وطريق الإثبات من النقل والعقل.
وذهب بعض العامّة إلى جواز إثبات اللغات بالقياس (16) بأن يسمّى شيء باسم إلحاقا له بشيء مسمّى بذلك الاسم لمعنى يدور معه وجودا وعدما بسبب وجود هذا المعنى في الشيء الأوّل ، كما قالوا : تسمية ماء العنب بالخمر دائرة مع التخمير ، فقبله لا يسمّى خمرا ومعه يسمّى خمرا، فيعلم منه أنّ علّة التسمية بالخمر وجود التخمير ، فكلّ شيء وجد فيه التخمير يسمّى خمرا ، كالنبيذ وغيره من المسكرات. وكذا تسمية النبّاش بالسارق ؛ للأخذ بالخفية ، واللائط بالزاني ؛ للإيلاج المحرّم.
والجواب : أنّ علّة التسمية ليست التخمير فقط ، بل هو مع المحلّ الخاصّ ، أعني ماء العنب ، وفي النبيذ مثلا وجد أحدهما فقط.
وإذا عرفت هذا ، تعلم أنّه يتفرّع عليه عدم إجراء جميع أحكام أشياء معيّنة مسمّاة بأسماء خاصّة على أشياء أخر سمّيت بأسماء الأشياء الاول بسبب الدوران ، كإجراء أحكام الخمر على جميع المسكرات ، اللهمّ إلاّ في بعض ثبت بدليل من خارج.
فائدة :
ذهب بعض النحاة إلى أنّ الألفاظ بأسرها موضوعة للحقائق الخارجيّة (17).
وهذا القول لا خفاء في بطلانه ؛ لأنّ بعض الألفاظ موضوع للمعدومات الممكنة والممتنعة.
وذهب جمع إلى أنّها بأسرها موضوعة للمعاني الذهنيّة (18).
واستدلّوا : بدوران الألفاظ معها وجودا وعدما ؛ فإنّ من رأى شبحا من بعيد وظنّه إنسانا يسمّي به ، ثمّ إذا تغيّر ظنّه الأوّل وظنّه حجرا يسمّي به (19) ، وهكذا.
والحقّ ، أنّ هذا الدليل غير تامّ ؛ لأنّه يجوز أن يكون لفظا : الإنسان والحجر موضوعين للإنسان والحجر الخارجيّين ، إلاّ أنّ الرائي لمّا ظنّ الشبح المرئيّ إنسانا خارجيّا ، أو حجرا خارجيّا سمّاه بأنّه ما وضع له.
ذهب بعض المتأخّرين إلى أنّ الألفاظ موضوعة للماهيّة من حيث هي مع قطع النظر عن كونها موجودة في الخارج أو الذهن (20).
وهذا المذهب عندي أقرب إلى التحقيق ؛ فإنّ من يضع لفظا بإزاء شيء قد يلاحظ الشيء الخارجيّ ويضع لفظا بإزائه ، وقد يلاحظ ما في ذهنه ولا يلتفت إلى الخارج ويضع
لفظا بإزائه فيعلم منه أنّ منظوره الماهيّة من حيث هي ، ولا دخل للخارج والذهن لذلك.
وعلى أيّ تقدير ، لا كلام في أنّ الألفاظ لم توضع للأشباح المثاليّة ، كالصور المرتسمة على الجدار والماء والمرآة ، بل إطلاقها عليها على المجاز.
ويتفرّع على هذا جواز النظر إلى صور النساء الأجنبيّة المرتسمة في الماء والمرآة والجدار ، وعدم الحنث بالنظر إلى شبح زيد ـ مثلا ـ في الماء أو المرآة إذا أقسم أن لا ينظر إليه. وكذا الحكم في النذور والعهود والتعليقات.
___________
(1) حكاه عنه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 109.
(2) أي أرباب علم التكسير.
(3 و 4) راجع الإحكام في أصول الأحكام 1 : 109.
(5) منهم : ابن حزم في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 32 ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 111.
(6) نسبه الفخر الرازي إلى أبي هاشم في المحصول 1 : 182.
(7) نسبه الآمدي إلى الإسفرايني في الإحكام في أصول الأحكام 1 : 111.
(8) نسبه الفخر الرازي إلى جمهور المحقّقين في المحصول 1 : 182 وهو مختاره أيضا في ص 192.
(9) نسبه الفخر الرازي إلى أبي هاشم وأتباعه في المحصول 1 : 187 ـ 188.
(10) البقرة (2) : 31.
(11) راجع المحصول 1 : 192.
(12) وهي قوله تعالى : ( وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ... ) ، البقرة (2) : 31.
(13) حكاه عنهم الفخر الرازي في المحصول 1 : 184 و 185.
(14) والمراد به ضمير الجمع المذكّر في ( عَرَضَهُمْ ). والأولى الاستدلال بقوله تعالى : ( بِأَسْماءِ هؤُلاءِ).
(15) كذا في النسختين. ولكن في التمهيد للإسنوي : 138 ، وتمهيد القواعد : 82 ، القاعدة 18: « تسمية الألف بألفين » وهو الصحيح.
(16) قاله الفخر الرازي ونسبه أيضا إلى ابن سريج وغيره في المحصول 5 : 339.
(17) راجع : المحصول وهامشه 1 : 200 ، ونهاية السؤل 2 : 16.
(18) منهم : الفخر الرازي في المحصول 1 : 200 ، والبيضاوي في منهاج الاصول المطبوع مع نهاية السؤل 2 : 11 ، والعلاّمة في تهذيب الوصول : 63.
(19) راجع المحصول 1 : 200.
(20) منهم : الأسنوي في نهاية السؤل 2 : 16 ، وملاّ ميرزا جان كما في هامش شرح تجريد الاصول 1 : 101 ( مخطوط ) ، وهو مذهب سلطان العلماء.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|