ابن سينا

هو ابو علي الحسين بن عبدالله بن علي بن سينا، الملقب بالشيخ الرئيس، فيلسوف، طبيب عالم ومن عظام رجال الفكر في الاسلام ومن اشهر فلاسفة الشرق واطبائه، ولد في قرية "افشة" الفارسية في صفر من سنة 370هـ ثم انتقل أهله الى بخارى حيث كانت الفارسية لغة البلاط، والعربية لغة الديوان والمرسلات، وفي بخارى تعمق في العلوم المتنوعة من فقه وفلسفة وطب، وبقي في تلك المدينة حتى بلوغه العشرين، ثم انتقل الى خوارزم حيث مكث فيها عشر سنوات (369 – 402هـ)، ومنها الى جرجان فإلى الري وبعد ذلك رحل الى همذان وبقي فيها تسع سنوات، ومن ثم دخل في خدمة علاء الدولة باصفهان، وهكذا امضى حياته حتى وفاته في همذان، في شهر شعبان سنة 427هـ.

آثاره :

ترك ابن سينا مؤلفات متعددة شملت مختلف حقول المعرفة في عصره اهمها:

• العلوم الالية، وتشتمل على كتب المنطق، وما يلحق بها من كتب اللغة والشعر.
• العلوم النظرية، وتشمل على كتب العلم الكلي، والعلم الالهي، والعلم الرياضي، والعلم الطبيعي.
• العلوم العلمية، وتشتمل على كتب الاخلاق، وتدبير المنزل، وتدبير المدينة، والتشريع.

ولهذه العلوم الاصلية فروع وتوابع مثلا العلم الطبيعي، الموسيقي وعلم الهيئة من فرو العلم الرياضي.

مؤلفاته في العلوم :

كتب الرياضيات : من اثار ابن سينا الرياضية رسالة الزاوية، ومختصر اقليدس، ومختصر الاتماطيقي، ومختصر علم الهيئة، ومختصر المجسطي، ورسالة في بيان علة قيام الارض في وسط السماء، طبعت في مجموع جامع البدائع في القاهرة سنة 1917.

كتب الطبيعيات وتوابعها : جمعت طبيعيات ابن سينا في الشفاء والنجاة والارشاد، وما نجده في خزائن الكتب من الرسائل ليس سوى تكملة لما جاء في هذه الكتب، من هذه الرسائل : رسالة في ابطال احكام النجوم، ورسالة في الاجرام العلوية، واسباب البرق والرعد، ورسالة في الفضاء، ورسالة في النبات والحيوان.

كتب الطب : اشهر كتب ابن سينا الطبية كتاب القانون، وهو يشتمل على خمسة اقسام : الأول في الامور الكلية من علم الطب، والثاني في الادوية المقررة الموضوعة على حروف المعجم، والثالث في الامراض الجزئية الواقعية بأعضاء الانسان، والرابع في الامراض الجزئية التي اذا وقعت لم تختص بعضو، والخامس في الادوية المركبة.

ولكتاب القانون شروح ومختصرات، طبع في روما سنة 1593م، وفي القاهرة سنة 1290هـ، وترجم الى اللاتينية في القرن الثاني عشر على يد جيرار دي كريمونا GERARD DE CREMONA، كما ترجم الى العبرية سنة 1279م في روما، ومما يدل على سعة انتشار القانون انه طبع باللاتينية في القرن الخامس عشر ست عشرة مرة، واعيد طبعه في القرن السادس عشر عشرين مرة، وظل يدرس في جامعات اوروبا حتى اواخر القرن التاسع عشر.

ويرى العلماء ان طب ابن سينا في القانون مختلف عن طب الرازي وابن زهر، وانه اتبع مذهب ابقراط المعدل بطريقة ارسطو، فادخل على علم الطب نظرية لغيره، الا انه اهمل الجراحة لاعتقاده انها تدل على نقص في وسائل المعالجة، وانها اعمال يدوية لا تنفق وشرف المهنة الطبية.

ومن كتب ابن سينا كتاب الادوية القلبية، في الاستانة، وكتاب دفع المضار الكلية عن الابدان الانسانية، وكتاب القولنج، ورسالة في سياسة البدن وفضائل الشراب، ورسالة في تشريح الاعضاء، ورسالة الفصد، ورسالة في الاغذية والادوية.

ولابن سينا اراجيز طبية كثيرة منها : ارجوزة في التشريح، وارجوزة المجربات في الطب، والالفية الطبية المشهورة التي طبعت في كلكوتا سنة 1829م وترجمت الى اللاتينية.

طب ابن سينا :

يقسم ابن سينا الطب الى قسمين : نظري وعملي، ثم يصنف الامراض وفقا لمفقودات الاعضاء المختلفة، ولرطوبات البدن، وانه لشيء يدعو للإعجاب ان يقوم الشيخ الرئيس، منذ الف سنة، بتقسيم الامراض الى طبقات وفئات، وهو ما لا يختلف كثيرا عن الموازين والاصول العلمية الطبية اليوم.

ثم يقسم الامراض الى خارجية وداخلية، وهو يرى ان الامراض الخارجية لا ترتبط كثيرا بالرطوبات، والافعال، وانفعالات الجسم، بل يكفي ان ترتفع الاعراض الخارجية ليزول المرض، اما الامراض الداخلية فيعطي فيها للرطوبة والمفقودات العفوية الداخلية اهمية كبرى، ويرى ان تلك الأمراض انما هي نتيجة لاختلال في الاعضاء، ولتغيرات حاصلة في رطوبة البدن، وينبغي القول هنا ان ابن سينا ينفصل عن علماء اليونان، ولا يعد المرض عنصرا خاصاً مستقلا.

وندرس فيما يلي بعض الموضوعات الطبية، الماخوذة من كتاب القانون، ولنرى كم كان هذا النابغة الكبير محيطاً، قبل الف سنة بعلم الطب.

يصف الشيخ الرئيس في كتاب القانون تشريح جميع اعضاء البدن وصفاً دقيقا فانه يذكر اقسام العظام والعضلات واحدا واحدا، تماما كما هو معروف اليوم، وان لم يكن تشريح انسان ميسورا في ذلك الزمان، فان تشريح بعض الحيوانات كالقرد، كان معمولا به.

ومعلومات ابن سينا في الامراض واسعة وكاملة، وقد فصل كل الامراض من الراس حتى القدم تفصيلا وافيا، يشرح امراض الرأس، والجمجمة، والنخاع، والعين، والاذن، والاسنان، وقفص الصدر، والقلب، والرئتين، والاحشاء، والاعضاء الداخلية، والأعضاء التناسلية للرجل والمراة، وامراض الجلد، واليد، والرجل، وذات الرئة، وذات الجنب، والقولنج، والانسدادات، والكسر، والسرطان، والغدد، وغيرها، حتى انه يتحدث في القانون عن السل بدقة تصل الى مرتبة الإعجاز، فهو يفصل الكلام في السل الرئوي وفي مراحله الثلاث في بدن الانسان، قبل الف سنة، وبدون ان تتوافر له معدات التصور والاشعة المجهولة، وهو يوصي لعلاجه بمواد مأخوذة من التربانتين، والعفص، والجوز، لان هذه الأدوية الثلاثة مضادة للسل.

وهو يرى ان للنبض توازنا مستقيماً، وكان ماهرا في تشخيص المرض من النبض، ومن جهة اخرى كان ابن سينا  يعتقد ان لبن الام افضل غذاء للطفل، فاذا  لم يكن بثدي الام لبتن وجب ان يعهد الطفل الى مرضعه، وهو يوصي للرضاعة في القانون بالقواعد التي يوصي بها طب اليوم.

ولابن سينا رأي خاص في حالة الطبيب امام المريض في اثناء تاديته لمهمته، فهو يرى ان لوضع الطبيب وحالته المعنوية اثرا كبيرا في شفاء الامراض، فاذا كان الطبيب بشوشا باسماً اثر كثيرا في المريض، يقول : ينبغي للطبيب ان يكون دائماً مبشرا بالصحة، فان للعوارض النفسية تأثيرات عظيمة.

ويفرد قسما كن الكتاب علم الادوية والصيدلة، يشرح كيفية اعداد الاقراص، والمعجونات، والحبوب والسوائل، مما يجعلنا نقول ان الشيخ الرئيس كان صيدلياً ماهرا.

ان نظريات ابن سينا الطبية وطرق معالجتها تستحق الكثير من الاهتمام، من ذلك انه يوصي، لحسم الاسهال، باستعمال ماء الجبنة، وهو نفسه ما يعتمد اليوم باستعمال الاسيد لاكتيك : اما الامراض السارية فيتحدث عن الهواء والماء الملوثين، ويوصي بتبخير المريض ومكانه، ويتناول قسم من كتاب القانون الأمراض الوبائية، والعفوية، والأمراض الفصلية الموسمية وهو كالرازي يقول بانتقال الامراض من الالم الى الطفل.

ومن الموضوعات المهمة في طب ابن سينا موضعا التجربة والاستدلال، فهو يشدد في محاربة المرض على اعتماد القوة الحياتية ويسعى لاصلاح اختلال الاعضاء وتأثيرات البدن.

واخيراً نقول ان الاصطلاحات الطبية التي اوجدها هي من الخدمات الكبرى التي قدمها، وابن سينا يعد بحق رائد وضع المصطلحات الطبية.

الرياضيات

لم يرتفع ابن سينا في تاليفه الرياضية الى الذروة، كما انه لم يخص الرياضيات والفلك الا بالقليل من نشاطه الفكري، ومؤلفاته، وان لم تخل من نظرات ثاقبة بعيدة لا تتعذر على جل عبقري كالشيخ الرئيس، الا انه تعد ذات اثر مهم في تقدم هذه العلوم، وهي بوجه الاجمال مختصرات تمهد السبيل الى درس الفلسفة.

ويظهر من بعض تلميحات ابن سينا انه كان واقفاً على اخر منتجات معاصريه العلمية، وقد رصد وهو بنفسه لعلاء الدولة، ووضع الة رصد، والف مقالة في كيفية الرصد، الا ان تلميذه ابا عبيد الجرجاني، على اعجابه بالشيخ الرئيس، يقول انه كان يقل له خلل في امر الرصد.

المؤلفات التي اتفق الباحثون على صحة نسبتها الى ابن سينا :