أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-11-2017
765
التاريخ: 19-12-2017
741
التاريخ: 19-12-2017
768
التاريخ: 19-12-2017
569
|
(مسألة) : إن قيل : ما الوجه في قوله تعالى : {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: 143] أوليس هذه الآية تدل على جواز الرؤية عليه تعالى لأنها لو لم تجز لم يسغ أن يسألها موسى (عليه السلام) كما يجوز ان يسأله اتخاذ الصاحبة والولد؟
(الجواب) : قلنا : أولى ما اجيب به عن هذه الآية ان يكون موسى عليه السلام لم يسأل الرؤية لنفسه ، وانما سألها لقومه فقد روي ان قومه طلبوا ذلك منه ، فأجابهم بأن الرؤية لا تجوز عليه تعالى فلجوا به وألحوا عليه في ان يسأل الله تعالى ان يريهم نفسه ، وغلب في ظنه ان الجواب إذا ورد من جهته جلت عظمته كان أحسم للشبهة وأنفى لها ، فاختار السبعين الذين حضروا للميقات لتكون المسألة بمحضر منهم ، فيعرفوا ما يرد من الجواب ، فسئل عليه السلام على ما نطق به القرآن ، وأجيب بما يدل على ان الرؤية لا يجوز عليه عزوجل.
ويقوي هذا الجواب امور :
منها : قوله تعالى : {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} [النساء: 153]
ومنها : قوله تعالى : {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [البقرة: 55].
ومنها : قوله تعالى : {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ} [الأعراف: 155] فأضاف ذلك إلى السفهاء ، وهذا يدل على انه كان بسببهم من حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالى.
ومنها : ذكر الجهرة في الرؤية وهي لا تليق الا برؤية البصر دون العلم ، وهذا يقوي ان الطلب لم يكن للعلم الضروري على ما سنذكره في الجواب التالي لهذا الكلام.
ومنها : قوله تعالى : (انظر اليك) لانا إذا حملنا الآية على طلب الرؤية لقومه ، امكن ان يكون قوله انظر اليك على حقيقته ، وإذا حملنا الآية على العلم الضروري احتيج إلى حذف في الكلام ، فيصير تقديره أرني انظر إلى الآيات التي عندها اعرفك ضرورة.
ويمكن في هذا الوجه الاخير خاصة أن يقال : إذا كان المذهب الصحيح عندكم أن النظر في الحقيقة غير الرؤية ، فكيف يكون قوله انظر اليك على حقيقته ، في جواب من حمل الآية على طلب الرؤية لقومه ، فإن قلتم : لا يمتنع ان يكونوا انما التمسوا الرؤية التي يكون معها النظر والتحديق إلى الجهة فسأل على حسب ما التمسوا ، قيل لكم : هذا ينقض قولكم في هذا الجواب بين سؤال الرؤية وبين سؤال جميع ما يستحيل عليه من الصاحبة والولد ، وما يقتضي الجسمية بأن تقول : الشك في الرؤية لا يمنع من صحة معرفة السمع ، والشك في جميع ما ذكر يمنع من ذلك ، لان الشك الذي لا يمنع من معرفه السمع انما هو في الرؤية التي يكون معها نظر ولا يقتضي التشبيه.
فان قلتم : يحمل ذكر النظر على ان المراد به نفس الرؤية على سبيل المجاز ، لان عادة العرب ان يسموا الشئ باسم طريقه وما قاربه وما داناه ،
قيل لكم : فكأنكم قد عدلتم عن مجاز إلى مجاز ، فلا قوة في هذا الوجه ، والوجوه التي ذكرناها في تقوية هذا الجواب المتقدمة أولى ، وليس لاحد أن يقول :
لو كان موسى (عليه السلام) انما سأل الرؤية لقومه لم يضف السؤال إلى نفسه فيقول ارني انظر اليك ، ولا كان الجواب ايضا مختصا به في قوله : لن تراني ، وذلك انه غير ممتنع وقوع الاضافة على هذا الوجه ، مع ان المسألة كانت من أجل الغير إذا كان هناك دلالة تؤمن من اللبس ، فلهذا يقول احدنا إذا شفع في حاجة غيره للمشفوع إليه : أسألك ان تفعل بي كذا وكذا وتجيبني إلى كذا وكذا ، ويحسن ان يقول المشفوع إليه : قد اجبتك وشفعتك وما جرى مجرى هذه الالفاظ. وإنما حسن هذا لان للسائل في المسألة غرضا ، وإن رجعت إلى الغير لتحققه بها وتكلفه كتكلفه إذا اختصه.
فإن قيل : كيف يسأل الرؤية لقومه مع علمه باستحالتها ، ولئن جاز ذلك ليجوز ان يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه من كونه جسما وما اشبهه متى شكوا فيه.
قلنا : انما صحت المسألة في الرؤية ولم تصح فيما سألت عنه ، لان مع الشك في جواز الرؤية التي لا يقتضي كونه جسما يمكن معرفة السمع ، وانه تعالى حكيم صادق في اخباره ، فيصح ان يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالى استحالة ما شكوا في جوازه ، ومع الشك في كونه جسما لا يصح معرفة السمع فلا ينتفع بجوابه ولا يثمر علما.
وقد قال بعض من تكلم في هذه الآية : قد كان جايز ان يسأل موسى (عليه السلام) لقومه ما يعلم استحالته وان كان دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متى كان المعلوم أن في ذلك صلاحا للمكلفين في الدين ، وأن ورود الجواب يكون لطفا لهم في النظر في الادلة واصابة الحق منها ، غير ان من اجاب بذلك شرط ان يبين النبي (عليه السلام) انه عالم باستحالة ما سأل فيه ، وأن غرضه في السؤال ان يرد الجواب فيكون لطفا.
وجواب آخر في الآية : وهو أن يكون موسى عليه السلام انما سأل ربه تعالى ان يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض اعلام الآخرة التي يضطر عندها إلى المعرفة ، فتزول عنه الخواطر ومنازعة الشكوك والشبهات ، ويستغني عن الاستدلال ، فتخف المحنة عنه بذلك ، كما سأل ابراهيم عليه السلام ربه تعالى ان يريه كيف يحي الموتى طلبا لتخفيف المحنة ، وان كان قد عرف ذلك قبل ان يراه. والسؤال وان وقع بلفظ الرؤية فإن الرؤية تفيد العلم كما تفيد الادراك بالبصر. قال الشاعر :
رأيت الله إذا سمى نزارا * واسكنهم بمكة قاطنينا .
واحتمال الرؤية للعلم اظهر من ان يدل عليه لاشتهاره ووضوحه. فقال الله تعالى لن تراني اي لم تعلمني على هذا الوجه الذي التمسته ، ثم اكد ذلك بأن اظهر في الجبل من الآيات والعجائب ما دل به على ان المعرفة الضرورية في الدنيا مع التكليف وبيانه لا يجوز ، فان الحكمة تمنع منها ، والوجه الاول اولى لما ذكرناه متقدما من الوجوه ، لان موسى (عليه السلام) لا يخلو من ان يكون شاكا في ان المعرفة الضرورية لا يصح حصولها في الدنيا أو غير شاك ، فإن كان شاكا فالشك فيما يرجع إلى اصول الديانات وقواعد التكليف لا يجوز على الانبياء (عليهم السلام) ، لا سيما وقد يجوز ان يعلم ذلك على حقيقته بعض امتهم فيزيد عليهم في المعرفة ، وهذا ابلغ في التنفير عنهم من كل شئ يمنع منهم ، وان كان موسى عليه السلام عالما بذلك وغير شاك فيه ، فلا وجه لسؤاله الا ان يقال انه سأل لقومه ، فيعود إلى معنى الجواب الاول. فقد حكي جواب ثالث في هذه الآية عن بعض من تكلم في تأويلها من أهل التوجيه ، وهو انه قال : يجوز ان يكون موسى عليه السلام في وقته مسألته ذلك كان شاكا في جواز الرؤية عليه تعالى ، فسأل عن ذلك ليعلم هل يجوز عليه أم لا ، قال : وليس شكه في ذلك بمانع ان يعرف الله تعالى بصفاته ، بل يجري مجرى شكه في جواز الرؤية على بعض ما لا يرى من الاعراض في انه غير مخل بما يحتاج إليه في معرفته تعالى ، قال ولا يمتنع ان يكون غلطه في ذلك ذنبا صغيرا وتكون التوبة الواقعة منه لأجله. وهذا الجواب يبعد من جهة ان الشك في جواز الرؤية التي لا تقتضي تشبيها وإن كان لا يمتنع من معرفته بصفاته ، فإن الشك في ذلك لا يجوز على الانبياء عليهم السلام من حيث يجوز من بعض من بعثوا إليه ان يعرف ذلك على حقيقته ، فيكون النبي (عليه السلام) شاكا فيه وامته عارفون به مع رجوعهم في المعارف بالله تعالى ، وما يجوز عليه تعالى وما لا يجوز ، وهذا يزيد في التنفير على كل ما يوجب تنزيه الانبياء عليهم السلام عنه.
فان قيل : فعن أي شئ كانت توبة موسى عليه السلام على الجوابين المتقدمين؟
قلنا : أما من ذهب إلى ان المسألة كانت لقومه ، فإنه يقول انما تاب لأنه اقدم على ان يسأل عن لسان قومه يؤذن له وليس للأنبياء عليهم السلام ذلك ، لأنه لا يؤمن من ان يكون الصلاح في المنع منه ، فيكون ترك اجابتهم منفرا عنهم. وليس تجري مسألتهم على سبيل الاستسرار ، وبغير حضور قومهم يجري مجرى ما ذكرناه لأنه ليس يجوز ان يسألوا مستسرين ما لم يؤذن لهم فيه ، لان منعهم منه لا يقتضي تنفيرا. ومن ذهب إلى انه سأل المعرفة الضرورية يقول انه تاب من حيث سأل معرفة لا يقتضيها التكليف. وفي الناس من قال انه تاب من حيث ذكر في الحال ذنبا صغيرا مقدما. والذي يجب ان يقال في تلفظه بذكر التوبة انه وقع على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والرجوع إليه والتقرب منه وان لم يكن هناك ذنب معروف. وقد يجوز ان يكون ايضا الغرض في ذلك مضافا إلى ما ذكرناه من الاستكانة والخضوع والعبادة وتعليمنا وتفهيمنا على ما نستعمله وندعو به عند نزول الشدائد وظهور الاهوال وتنبيه القوم المخطئين خاصة على التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه تعالى ، فإن الانبياء (عليهم السلام) وان لم يقع منهم القبائح فقد يقع من غيرهم ، ويحتاج من وقع ذلك منه إلى التوبة والاستغفار والاستقالة وهذا بين بحمد الله ومنه.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|