أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-19
155
التاريخ: 22-10-2014
954
التاريخ: 3-10-2014
496
التاريخ: 3-10-2014
489
|
اعلم أنه لا سبيل للمخلوق إلى معرفة كنه الخالق و حقيقته والإحاطة به جل شأنه كما قال عز و جل: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110]. وقال تعالى: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج: 74] و في الدعاء : (سبحان اللّه من لا يعلم ما هو إلا هو).
و قال أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تقدر عظمة اللّه على قدر عقلك فتكون من الهالكين. وقال عليه السّلام: من قال فيه لم فقد علّله، ومن قال فيه متى فقد وقته، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال أنّى فقد أنهاه، ومن قال حتى فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزاه، ومن جزاه فقد ألحد فيه، لا يتغير اللّه بتغاير المخلوق و لا يتجدد بتجدد المحدود. و قال الصادق عليه السّلام: وكيف أصفه بالكيف و هو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا، فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف. وتوضيح ذلك على ما قاله بعض العارفين أن الخلق كلهم لم يعرفوا إلا احتياج هذا العالم المنظوم المحكم إلى صانع مدبر حي عالم سميع بصير قادر و هذه المعرفة لها طرفان :
الأول: يتعلق بالعالم و معلوم احتياجه إلى مدبر.
الثاني: يتعلق باللّه، ومعلومه اسامي مشتقة من صفات غير داخلة في حقيقة الذات و ماهيته. و قد ثبت أنه إذا أشار المشير إلى شيء و قال ما هو لم يكن ذكر الأسماء المشتقة جوابا أصلا، فلو أشار شخص إلى حيوان فقال ما هو فقيل طويل أو أبيض أو بصير، أو أشار إلى ماء فقال ما هو فأجيب بأنه بارد، أو إلى نار فقال حار فكل ذلك ليس بجواب عن الماهية البتة، و المعرفة بالشيء هو معرفة حقيقته و ماهيته لا معرفة الأسامي المشتقة، فإن قولنا حار معناه شيء مبهم له وصف الحرارة، و كذلك قولنا قادر عالم معناه شيء مبهم له وصف العلم و القدرة، و أما قولنا إنه واجب الوجود فهو عبارة عن استغنائه عن الفاعل، و هذا يرجع إلى سلب السبب عنه. و قولنا انه يوجد عنه كل موجود يرجع إلى إضافة الأفعال إليه، فإذا قيل له ما هذا الشيء فقلنا هو الفاعل لم يكن جوابا، فكيف قولنا هو الذي لا سبب له لأن كل اخبار عن غير ذاته و عن إضافة له إلى ذاته اما بنفي أو إثبات، و كل ذلك في أسماء و صفات و اضافات. فإنا لما رأينا الوجود و القدرة و العلم فينا و علمنا أنها ليست من ذواتنا بل من الفياض الحقيقي علمنا أنه موجود قادر عالم و نحو ذلك بلا كيفية لصفاته. و لما رأينا فينا بعض الكمالات كالوجود و القدرة و العلم و الحياة و الإدراك و نحوها وعلمنا أن نقائضها من العدم و العجز و الجهل و الموت و عدم الإدراك نقائص، و صفنا ربنا بالكمالات و نزهناه عن النقائص، مع عدم علمنا بكنه ما اثبتناه له تعالى. فنهاية معرفة العارفين عجزهم عن المعرفة و معرفتهم بالحقيقة انهم لا يعرفونه حق معرفته، وانه لا يمكنهم معرفة الحقيقة البتة و أنه يستحيل أن يعرف اللّه المعرفة الحقيقية المحيطة بكنه صفات الربوبية إلا اللّه تعالى. فإذا انكشف لهم ذلك انكشافا برهانيا فقد عرفوه أي بلغو المنتهى الذي يمكن في حق الخلق من معرفته، وهو الذي أشار إليه من قال العجز عن درك الإدراك إدراك بل هو الذي عناه سيد البشر صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حيث قال: لا احصي ثناء عليك أنت كما اثنيت على نفسك. و لم يرد به أنه عرف منه ما لا يطاوعه لسانه في العبارة عنه بل معناه أني لا أحيط بمحامدك و صفات إلهيتك و إنما أنت المحيط بها وحدك. و قال صلّى اللّه عليه و آله وسلّم: إن اللّه احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار و إن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم.
وروى ثقة الإسلام في الكافي عن أبي بصير عن الباقر عليه السّلام قال تكلموا في خلق اللّه تعالى و لا تتكلموا في اللّه تعالى فإن الكلام في اللّه لا يزداد صاحبه إلا تحيرا. وعن الصادق عليه السّلام قال: إن اللّه يقول: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى * وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: 42، 43]فإذا انتهى الكلام إلى اللّه فأمسكوا. وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام يا محمد إن الناس لا يزال بهم النطق حتى يتكلموا في اللّه فإذا سمعتم ذلك فقولوا لا إله إلا اللّه الذي ليس كمثله شيء. وعنه عليه السّلام : من نظر في اللّه كيف هو هلك.
وعن محمد بن مسلم عن الباقر عليه السّلام قال: إياكم و التفكر في اللّه و لكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه. وعنه عليه السّلام: يا بن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرت إبرة لغطاه، تريد أن تعرف بهما ملكوت السموات و الأرض إن كنت صادقا فهذه الشمس خلق من خلق اللّه، فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول. واما اتساع المعرفة فإنما يكون في معرفة أسمائه و صفاته و بها تتفاوت درجات الملائكة والأنبياء و الأولياء في معرفة اللّه عز و جل فليس من يعلم أنه قادر عالم على الجملة كمن شاهد عجائب آياته في ملكوت السماوات و الأرض، وخلق الأرواح و الأجساد و اطلع على بدائع المملكة و غرائب الصنعة ممعنا في التفصيل، ومستقصيا دقائق الحكم، ومستوفيا لطائف التدبير، ومتصفا بجميع الصفات الملكية المقربة من اللّه تعالى نائلا لتلك الصفات نيل اتصاف بها، بل بينهما من البون البعيد ما لا يكاد يحصى. وفي تفاصيل ذلك ومقاديره تتفاوت الدرجات، فلا تلتفت إلى من يزعم أنه وصل إلى كنه الحقيقة المقدسة بل احث التراب في فيه فقد ضل و غوى و كذب و افترى فإن الأمر أرفع و أظهر من أن يتلوث بخواطر البشر، و كلما تصوره العالم الراسخ فهو عن حرم الكبرياء بفراسخ، وأقصى ما وصل إليه الفكر العميق فهو غاية مبلغه في التدقيق، فسبحان من حارت لطائف الأوهام في بيداء كبريائه و عظمته، و سبحان من لم يجعل للخلق سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته.
اعتصام الورى بمغفرتك عجز الواصفون عن صفتك تب علينا فإننا بشر ما عرفناك حق معرفتك و للّه در من قال:
و اللّه لا موسى و لا عيسى ***** المــسيح و لا محمد
علموا و لا جبريل ***** وهو إلى محل القدس يصعد
كلا و لا النفس البسيطة ***** لا و لا العقل المجرد
من كنه ذاتك غير أنك ***** أوحدي الذات سرمد
وجدوا إضافات و سلبا ***** والحقيقة ليس توجد
و رأوا وجودا واجبا ***** يفني الزمان و ليس ينفد
تاه الأنام بسكرهم ***** فلذاك صاحي القوم عربد
و نجا من الشرك الكثيف ***** مجرد العزمات مفرد
فليخسأ الحكماء عن حرم ***** له الأملاك سجد
من أنت يا أرسطو و من ***** أفلاط قبلك يا مبلد
و من ابن سينا حين قرر ***** ما بناه له و شيد
ما انتموا إلا الفراش ***** رأى السراج و قد توقد
فدنا و أحرق نفسه ***** ولو اهتدى رشدا لأبعد .
و كما يمتنع على غير اللّه تعالى معرفة كنه ذاته، فكذلك يمتنع معرفة كنه صفاته، لأن صفاته تعالى كما عرفت عين ذاته، و كلما وصفه به العقلاء فإنما هو على قدر أفهامهم وبحسب وسعهم فإنهم إنما يصفونه بالصفات التي ألفوها و شاهدوها في أنفسهم مع سلب النقائص الناشئة من انتسابها إليهم بنوع من المقايسة، و لو ذكر لهم من صفاته عز و جل ما ليس لهم ما يناسبه بعض المناسبة لم يفهموه ككونه تعالى لا أول له و لا آخر، و لا جزء له و ليس في مكان و لا زمان، و كان و لم يكن معه شيء من زمان أو مكان أو ليل أو نهار أو ظلمة أو ضياء، لحاروا و تحيروا و عجزوا و لم يفهموا شيئا، فتوصيفهم إياه سبحانه بأشرف طرفي النقيض كالعلم و الجهل، والقدرة و العجز، والحياة و الموت، إنما هو على قدرهم لا قدره، وبحسبهم لا بحسبه، فسبحانه عما يصفون و تعالى شأنه عما يقولون. ولذا قال باقر العلوم عليه السّلام هل سمي عالما قادرا إلا لأنه وهب العلم للعلماء والقدرة للقادرين، و كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم، و الباري تعالى واهب الحياة و مقدر الموت و لعل النمل الصغار تتوهم أن للّه زبانيتين أي قرنين فإنهما كمالها، و تتصور أن عدمهما نقصان لمن لا يكونان له، و لعل حال كثير من العقلاء كذلك فيما يصفون اللّه تعالى به سبحان ربك رب العزة عما يصفون، و لذا ورد النهي عن وصفه تعالى بغير ما وصف به نفسه.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|