أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-05-25
932
التاريخ: 2023-05-18
883
التاريخ: 2023-05-18
856
التاريخ: 21-9-2020
1365
|
طبيعة الحرارة
يعتبر الإحساس بالحراة والبرودة واحداً من أهم الأحاسيس لدى الإنسان وأكثرها أساسية. وتشير المراجع إلى أن البحث في طبيعة الحرارة يعود على الأقل إلى القرن الأول قبل الميلاد، حيث كتب الشاعر الروماني لوكريتيوس أن الحرارة ما هي إلا مادة كغيرها من المواد. ولكن الاقتناع بأن الحرارة صورة من صور الطاقة لم يتحقق إلا في حوالي منتصف القرن التاسع عشر. وتوضح قصة الأفكار المتنافسة عن طبيعة الحرارة ووجهات النظر المؤيدة لكل منها الطبيعة الحقيقة للتقدم العلمي، ليس هذا فقط، ولكنها أيضاً موضوع في غاية الأهمية. ويعتبر المؤرخ كاجوري أن القانون الأول للديناميكا الحرارية "أعظم تعميم تحقيق في الفيزياء في القرن التاسع عشر". فحن الآن نعيش في عصر يعتمد اعتماداً أساسياً على تحويل الحرارة إلى شغل ميكانيكي ( آلات الاحتراق الداخلي والتوربينات البخارية على سبيل المثال )، بحيث يمكن وصف اقتصادنا المعاصر بانه "اقتصاد ديناميكي حراري".
وكانت هناك نظريتنا متنافستان أساسيتان للحرارة: الأولى هي نظرية السيال الحرارة المادي (الكالوريك)، والثانية نظرية الطاقة التي تعتبر أن الحرارة تتمثل في حركة جزيئات المادة. ويعتبر ديسكارتس وبويل ونيوتن من أشهر علماء القرن السابع عشر الذين تزعموا الاتجاه الثاني، إذا كانت وجهة نظرهم أن الحرارة هي الحركة الاهتزازية لجسيمات المادة. ولكن هذه النظرية كانت تفتقر إلى الأساس العلي الرصين الذي يمكن أن يدعمها، ولذلك نبذت خلال القرن الثامن عشر وسادت نظرية الكالوريك. وقد شهدت هذه الفترة بالتحديد ابتكار الآلة البخارية على يدى كل من توماس نيوكومن في انجلترا وجيمس واط في اسكتلندا.
تفترض نظرية الكالوريك فرضين أساسين: (1) أن الكالوريك مائع ( سائل) له القدرة على اختراق جميع الفراغات، كما يستطيع الانساب إلى جميع الأجسام إلى الداخل أو إلى الخارج، (2) أن الكالوريك ينجذب بشدة إلى المادة، ولكنه يتنافر مع نفسه. وطبقاً لهذه النظرية يتعين تركيب المادة باتزان التجاذب التثاقلي للذرات تجاه بعضها البعض والتنافر الذاتي للكالوريك الموجود بالجسم. (تذكر أن التركيب الكهرومغناطيسي للمادة لم يكن معروفاً في ذلك الوقت، وأن قياس شدة قوة التجاذب التثاقلي G لم يتحقق قبل نهاية القرن). هذا وقد طبقت فكرة المائع "غير القابل للوزن" والذي يتخللك المادة مرات كثيرة في التاريخ محاولة لتفسير العديد من الطواهر الفيزيائية.
قد نجحت نظرية الكالوريك في تفسير كثير من الحقائق المشاهدة عملياً. فالأجسام الساخنة تحتوي على كمية أكبر من الكالوريك، بينما تحتوي الأجسام الباردة إلى كمية أقل منه. كما أمكن تسخين الأجسام أو تبريدها بزيادة كمية الكالوريك في الجسم نتيجة لانسيابه إلى داخل الجسم، أو ينقص كميته نتيجة لانسيابه إلى خارج الجسم. وعند ارتفاع درجة الحرارة سوف تسبب الزيادة في كمية الكالوريك تمدد الجسم بسبب التنافر الذاتي للكالوريك. كذلك فإن انصهار الجوامد قد أمكن تفسيره بأن كمية الكالوريك في الجسم تزداد زيادة هائلة عند نقطة الانصهار، وتزداد تبعاً لذلك قوة التنافر الذاتية للكالوريك بحيث يمكنها التغلب على قوة التجاذب التي تحفظ الذرات في أماكنها، وبذلك يحدث الانصهار. أما في المواد الغازية فإن التأثيرات التجاذبية بين الذرات تكون مهملة.
ولكي يتسع نطاق تطبيقات نظرية الكالوريك قام الاسكتلندي جوزيف لاك بتقسيم الكالوريك إلى صنفين متميزين:
الكالوريك الكامن والكالوريك المحسوس، حيث يرتبط الكالوريك المحسوس بالتغيرات درجة الحرارة. اما الحرارة المرتبطة بعملية تحول طوري كالتجمد فقد أمكن تفسيرها بأن الكالوريك يتحد في الحقيقة مع الذرات في هذا العملية متحولاً من كالوريك محسوس إلى كالوريك كامن؛ ويحدث العكس تماماً في عملية التحول الطوري العكسي، إذ يتحول الكالوريك مرة ثانية من الصورة المحسوسة إلى الكامنة. كذلك أمكن تفسير تولد الحرارة بالطرق أو الحك بأن ذلك يحدث نتيجة "لاعتصار" بعض الكالوريك المحسوس من المادة الصلبة. وبطريقة مشابهة أمكن أيضاً تفسير ارتفاع درجة غليان المادة بزيادة الضغط،
فعندما يزداد الضغط المؤثر على المادة قرب نقطة تسبب الزيادة في الضغط اعتصار بعض الكالوريك المحسوس من المادة، ولهذا يتحتم أن تصل درجة حرارة المادة إلى قيمة أعلى حتى تسترد ما يكفي من الكالوريك لتبخيرها.
كان الأمريكي بنيامين طومسون، والمشهور باسم كونت رمفورد، أول من هاجم نظرية الكالوريك هجوماً وعملياً مركزاً في نهاية القرن الثامن عشر. ففي عام 1775 غادر طومسون أمريكا إلى أوروبا، حيث أنعم عليه أمير بافاريا لقبل كونت في عام 1790 تقديراً لإنجازاته القيمة خلال سنوات طويلة. وبينما كان طومسون يقوم بعمله المعتاد في الإشراف على ثقب مواسير المدافع العملاقة، أجرى هذا الرجل العديد من التجارب التي أثبتت أن هناك علاقة وثيقة بين الشغل الميكانيكي المبذول بواسطة المثقاب وتولد الحرارة بشكل غير محدود؛ فقط لاحظ أن الحرارة تتولد باستمرار أثناء عمل المثقاب ويتوقف تولدها بتوقفه. وبناء على ذلك نبذ رمفورد فكرة أن الحرارة تأتي من مصدر محدود للكالوريك يحتوي عليه معدن الماسورة.
كذلك أجرى رمفورد بعض التجارب التي قام بتصميمها لقياس وزن السيال الحراري. وتتلخص فكرة هذه التجارب في محاولة قياس أي فرق في الوزن بين الأجسام الساخنة والباردة، وخاصة الفرق في وزن الماء عند التحول الطوري. كانت تجارب رمفورد في غاية الدقة، ومع ذلك لم تبين هذه التجارب حدوث أي تغير في الوزن نتيجة لانسياب الكالوريك المفترض داخل أو خارج عيناته. هذه التجارب وغيرهما من التجارب المتعلقة بالتوصيل الحراري أقنعت رمفورد أن الحرارة ناتجة عن الحركة الجزيئية وليست ناشئة عن مادة عديمة الوزن لا ينضب لها معين. ومما يثير الدهشة والسخرية في نفس الوقت أن يتزايد عدد مؤيدي نظرية الكالوريك خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر؛ هذا بالرغم من العديد من العلماء البارزين المؤيدين لرمفورد ، مثل السير همفري دافي وتوماس يونج.
كان الفيزيائي الإنجليزي جيمس برسكوت جول (1818 – 1889) أول من أثبت التكافئ الكمي بين الشغل الميكانيكي وتوليد الحرارة. وقد أجرى جول تجاربه في توليد الحرارة باستخدام التيار الكهربائي واحتكاك المياه المتدفقة وانضغاط الهواء وتأثير العجلات ذات البدلات أثناء تقليب الماء. وقد أعلن جول قياساته للمكافئ للحرارة في أكسفورد عام 1849. ولا تنسى هنا أن نشير إلى ما لقيه جول من التقدير العظيم والاهتمام البالغ من قبل الشاب وليام طومسون، لورد كلفن فيما بعد، وهو أحد أشهر رجال العلم في انجلترا. هذا وقد قام آخرون، وخصوصاً الفيزيائي الأمريكي هنري رولاند، بتنقيح نتائج تجارب جول الاولى. وسوف يظل عام 1847 هو التاريخ الحقيقي الذي شهد التأكيد النهائي الحاسم للقانون الأول للديناميكا الحرارية، والذي يتعامل مع الحرارة باعتبارها طاقة داخلية ميكانيكية. وفي الحقيقة فإن الصيغة التي تعبر عن التكافؤ الميكانيكي للحرارة، 1Kilocalorie = 4184 N.m ، والتي تبدو الآن عادية تماماً، تعتبر واحدة من أهم صيغ الميكانيكا الكلاسيكية. لا عجب إذن أن يطلق اليوم على الوحدة نيوتن ــ متر اسم الجول.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|