(مَا نَابَ عَنْ فِعْلٍ) في العمل ولم يتأثر بالعوامل ولم يكن فضلة (كَشَتَّانَ وَصَهْ هُوَ اسْمُ فِعْلٍ وَكَذَا أَوَّهْ وَمَهْ) فما ناب عن فعل جنس يشمل اسم الفعل وغيره مما ينوب عن الفعل، والقيد الأوَّل ــــ وهو لم يتأثر بالعوامل ــــفصل يخرج المصدر الواقع بدلاً من اللفظ بالفعل واسم الفاعل ونحوهما. والقيد الثاني ــــ وهو ولم يكن فضلة ــــ لإخراج الحروف: فقد بان لك أن قوله كشتان تتميم للحدّ: فشتان ينوب عن افترق، وصه ينوب عن اسكت، وأوَّه عن أتوجع، ومهْ عن انكفف، وكلها لا تتأثر بالعوامل وليست فضلات لاستقلالها.
ص271
تنبيهان: الأوَّل كون هذه الألفاظ أسماء حقيقة هو الصحيح الذي عليه جمهور البصريين. وقال بعض البصريين إنها أفعال استعملت استعمال الأسماء. وذهب الكوفيون إلى أنها أفعال حقيقة. وعلى الصحيح فالأرجح أن مدلولها لفظ الفعل لا الحدث والزمان بل تدل على ما يدل على الحدث والزمان كما أفهمه كلامه. وقيل إنها تدل على الحدث والزمان كالفعل لكن بالوضع لا بأصل الصيغة. وقيل مدلولها المصادر. وقيل ما سبق استعماله في ظرف أو مصدر باق على اسميته كرويد زيداً ودونك زيداً، وما عداه فعل كنزال وصهْ. وقيل هي قسم برأسه يسمى خالفة الفعل. الثاني ذهب كثير من النحويين منهم الأخفش إلى أن أسماء الأفعال لا موضع لها من الإعراب، وهو مذهب المصنف، ونسبه بعضهم إلى الجمهور., وذهب المازني ومن وافقه إلى أنها في موضع نصب بمضمر، ونقل عن سيبويه وعن الفارسي القولان.وذهب بعض النحاة إلى أنها في موضع رفع بالابتداء وأغناها مرفوعها عن الخبر كما أغنى في نحو أقائم الزيدان (وَمَا بِمَعْنَى افْعَل كآمِينَ كَثُرْ) ما موصول مبتدأ وما بعده صلته وكثر خبره: أي ورود اسم الفعل بمعنى الأمر كثير، من ذلك آمين بمعنى استجب، وصه بمعنى اسكت، ومه بمعنى انكفف، وتيد وتيدخ بمعنى أمهل، وهيت وهيا بمعنى أسرع، وويها بمعنى أغر، وإيه بمعنى امض في حديثك، وحيهل بمعنى ائت أو أقبل أو عجل، ومنه باب نزال وقد مر أنه مقيس من الثلاثي، وأن قرقار بمعنى قرقر وعرعار بمعنى عرعر شاذ.
تنبيه: في آمين لغتان: أمين بالقصر على وزن فعيل، وآمين بالمد على وزن فاعيل، وكلتاهما مسموعة، فمن الأولى قوله:
تَبَاعَدَ مِنِّى فَطَحْلٌ وَابْنُ أُمِّهِ أَمِينَ فَزَادَ اللَّهُ مَا بَينَنَا بُعْدَا
ومن الثانية قوله:
وَيَرْحَمُ اللَّهُ عَبْداً قَالَ آمِينَا
ص272
وعلى هذه اللغة فقيل إنه عجمي معرّب لأنه ليس في كلام العرب فاعيل، وقيل أصله أمين بالقصر فأشبعت فتحة الهمزة فتولدت الألف كما في قوله:
أَقُولُ إذْ خَرَّتْ عَلَى الكَلكَالِ
قال ابن إياز: وهذا أولى (وَغَيرُهُ كَوَي وَهَيهَاتَ نَزُرْ) أي غير ما هو من هذه الأسماء بمعنى فعل الأمر قلَّ، وذلك ما هو بمعنى الماضي كشتان بمعنى افترق وهيهات بمعنى بعد، وما هو بمعنى المضارع كأوّه بمعنى أتوجع وأف بمعنى أتضجر، ووا ووي وواها بمعنى أعجب، كقوله تعالى: {ويكأنه لايفلح الكافرون}: أي اعجب لعدم فلاح الكافرين وقول الشاعر:
وَا بِأَبِي أَنْتِ وَفُوكِ الأَشْنَبُ
وقول الآخر:
وَاهاً لِسَلمَى ثُمَّ وَاهاً وَاهَا
تنبيهان: الأوّل تلحق وي كاف الخطاب كقوله:
وَلَقَدْ شَفَا نَفْسِي وَأَبْرَأَ سُقْمَهَا قِيلُ الفَوَارِسِ وَيكَ عَنْتَرَ أَقْدِمِ
قيل والآية المذكورة وقوله تعالى: {وَيكَأنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء} (القصص: 82) من ذلك. وذهب أبو عمرو بن العلاء إلى أن الأصل ويلك فحذفت اللام لكثرة الاستعمال وفتح أن بفعل مضمر كأنه قال ويك اعلم أن. وقال قطرب: قبلها لام مضمر والتقدير ويك لأن والصحيح الأول. قال سيبويه سألت الخليل عن الآيتين فزعم أنها وي مفصولة من كأن، ويدل على ما قاله قول الشاعر:
وَي كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحْـ ــــبَبْ وَمَنْ يَفْتَقِرْ يَعِشْ عَيشَ ضُرِّ
ص273
الثاني ما ذكره في هيهات هو المشهور. وذهب أبو إسحق إلى أنها اسم بمعنى البعد وأنها في موضع رفع في قوله تعالى: {هيهات هيهات لما توعدون} (المؤمنون: 36)، وذهب المبرد إلى أنها ظرف غير متمكن وبني لإبهامه، وتأويله عنده في البعد، ويفتح الحجازيون تاء هيهات ويقفون بالهاء، ويكسرها تميم ويقفون بالتاء، وبعضهم يضمها، وإذا ضمت فمذهب أبي على أنها تكتب بالتاء ومذهب ابن جني أنها تكتب بالهاء. وحكى الصغاني فيها ستاً وثلاثين لغة: هيهاه وأيهاه وهيهات وأيهات وهيهان وأيهان، وكل واحدة من هذه الست مضمومة الآخر ومفتوحته ومكسورته، وكل واحدة منونة وغير منونة فتلك ست وثلاثون. وحكى غيره هياك وأيهاك، وأيهاء وإيهاه وهيهاء وهيهاه اهـ. (وَالفِعْلُ مِنْ أَسْمَائِهِ عَلَيكَا وَهَكَذَا دُونَكَ مَعْ إلَيكَا) الفعل مبتدأ ومن أسمائه عليك جملة اسمية في موضع الخبر. ودونك أيضاً مبتدأ خبره هكذا. يعني أن اسم الفعل على ضربين: أحدهما ما وضع من أوِّل الأمر كذلك كشتان وصه، والثاني ما نقل عن غيره وهو نوعان: الأول منقول عن ظرف أو جار ومجرور نحو عليك بمعنى الزم ومنه عليكم أنفسكم أي الزموا شأن أنفسكم، ودونك زيداً بمعنى خذه ومكانك بمعنى اثبت، وأمامك بمعنى تقدَّم، ووراءك بمعنى تأخر، وإليك بمعنى تنح.
ص274
تنبيهات: الأوَّل قال في شرح الكافية: ولا يقاس على هذه الظروف غيرها إلا عند الكسائي أي فإنه لا يقتصر فيها على السماع، بل يقيس على ما سمع ما لم يسمع. الثاني قال فيه أيضاً: لا يستعمل هذا النوع أيضاً إلا متصلاً بضمير المخاطب. وشذ قولهم عليه رجلاً بمعنى ليلزم،وعليّ الشيء بمعنى أولنيه، وإلي بمعنى أتنحى. وكلامه في التسهيل يقتضي أن ذلك غير شاذ. الثالث قال فيه أيضاً: اختلف في الضمير المتصل بهذه الكلمات فموضعه رفع عند الفراء ونصب عند الكسائي وجر عند البصريين وهو الصحيح، لأن الأخفش روى عن عرب فصحاء: عليّ عبد الله زيداً بجر عبد الله، فتبين أن الضمير مجرور الموضع لا مرفوعه ولا منصوبه، ومع ذلك فمع كل واحد من هذه الأسماء ضمير مستتر مرفوع الموضع بمقتضى الفاعلية، فلك في التوكيد أن تقول: عليكم كلكم زيداً بالجر توكيداً للموجود المجرور، وبالرفع توكيداً للمستكن المرفوع. والنوع الثاني منقول من مصدر وهو على قسمين: مصدر استعمل فعله ومصدر أهمل فعله، وإلى هذا النوع بقسميه الإشارة بقوله (كَذَا رُوَيدَ بَلهَ نَاصِبَينِ) أي ناصبين ما بعدهما نحو رويد زيداً وبله عمراً. فأما رويد زيداً فأصله أرود زيداً أرواداً بمعنى أمهله إمهالاً، ثم صغروا الأرواد تصغير الترخيم وأقاموه مقام فعله واستعملوه تارةمضافاً إلى مفعوله فقالوا: رويد زيد، وتارة منوّناً ناصباً للمفعول فقالوا: رويداً زيداً. ثم إنهم نقلوه وسموا به فعله فقالوا رويد زيداً. ومنه قوله:
رُوَيدَ عَلِياً جِدْ مَاثدِي أُمِّهِمْ إلَينَا وَلَكِنْ بَعْضُهُم مُتَبَايِنُ
أنشده سيبويه. والدليل على أن هذا اسم فعل كونه مبنياً. والدليل على بنائه عدم تنوينه. وأما بله فهو في الأصل مصدر فعل مهمل مرادف لدع واترك، فقيل فيه بله زيد بالإضافة إلى مفعوله كما يقال ترك زيد، ثم قيل بله زيداً بنصب المفعول وبناء بله على أنه اسم فعل. ومنه قوله:
ص275
بَلهَ الأَكُفَّ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقِ
بنصب الأكف. وأشار إلى استعمالهما الأصلي بقوله: (وَيَعْمَلاَنِ الخَفْضَ مَصْدَرَينِ) أي معربين بالنصب دالين على الطلب أيضاً، لكن لا على أنهما اسما فعل، بل على أن كلاً منهما بدل من اللفظ بفعله نحو رويد زيد وبله عمرو: أي إمهال زيد وترك عمرو، وقد روي قوله بله الأكف بالجر على الإضافة فرويد مضاف إلى المفعول كما مر، وإلى الفاعل نحو رويد زيد عمراً. وأما بله فإضافتها إلى المفعول كما مر. وقال أبو علي إلى الفاعل. ويجوز فيها حينئذٍ القلب، نحو بهل زيد، رواه أبو زيد، ويجوز فيهما حينئذٍ التنوين ونصب ما بعدهما بهما وهو الأصل في المصدر المضاف، نحو رويداً زيداً وبلها عمراً، ومنع المبرّد النصب برويد لكونه مصغراً.
ص276
تنبيهات: الأوّل الضمير في يعملان عائد على رويد وبله في اللفظ لا في المعنى، فإن رويد وبله إذا كانا اسمي فعل غير رويد وبله المصدرين في المعنى. الثاني: إذا قلت رويدك وبله الفتى احتمل أن يكونا اسمي فعل ففتحتهما فتحة بناء، والكاف من رويدك حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب، مثلها في ذلك، وأن يكونا مصدرين ففتحتهما فتحة إعراب وحينئذٍ فالكاف في رويدك تحتمل الوجهين: أن تكون فاعلاً وأن تكون مفعولاً. الثالث: تخرج رويد وبله عن الطلب: فأما بله فتكون اسماً بمعنى كيف فيكون ما بعدها مرفوعاً، وقد روي بله الأكف بالرفع أيضاً، وممن أجاز ذلك قطرب وأبو الحسن، وأنكر أبو علي الرفع بعدها. وفي الحديث يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخراً من بله ما أطلعتم عليه، فوقعت معربة مجرورة بمن وخارجة عن المعاني المذكورة، وفسرها بعضهم بغير وهو ظاهر، وبهذا يتقوّى من بعدها من ألفاظ الاستثناء وهو مذهب لبعض الكوفيين. وأما رويد فتكون حالاً نحو ساروا رويداً فقيل هو حال من الفاعل أي مرودين. وقيل من ضمير المصدر المحذوف أي ساروه أي السير رويداً. وتكون نعتاً لمصدر إما مذكور نحو ساروا سيراً رويداً أو محذوف نحو ساروا رويداً أي سيراً رويداً (وَمَا لِمَا تَنُوبُ عَنْهُ مِنْ عَمَل لَهَا) ما مبتدأ موصول صلته لما. وما من لما موصول أيضاً صلته تنوب، وعنه ومن عمل متعلقان بتنوب، ولها خبر المبتدأ، والعائد على ما الأولى ضميرمستتر في الاستقرار الذي هو متعلق اللام من لما والعائد على ما الثانية الهاء من عنه يعني أن العمل الذي استقر للأفعال التي نابت عنها هذه الأسماء مستقرّ لها أي لهذه الأسماء، فترفع الفاعل ظاهراً في نحو هيهات نجد وشتان زيد وعمرو، لأنك تقول بعدت نجد وافترق زيد وعمرو. ومضمراً في نجر نزال. وينصب منها المفعول ما ناب عن متعدّ نحو دراك زيداً، لأنك تقول أدرك زيداً،
ص277
ويتعدى منها بحرف من حروف الجر ما هو بمعنى ما يتعدى بذلك الحرف، ومن ثم عدى حيهل بنفسه لما ناب عن ائت في نحو حيهل الثريد. وبالباء لما ناب عن عجل في نحو إذا ذكر الصالحون فحيهلا بعمر: أي فعجلوا بذكر عمر. وبعلي لما ناب عن أقبل في نحو حيهل على كذا.
تنبيهات: الأوَّل قال في التسهيل: وحكمها يعني أسماء الأفعال غالباً في التعدي واللزوم حكم الأفعال، واحترز بقوله غالباً عن آمين فإنها نابت عن متعد ولم يحفظ لها مفعول. الثاني: مذهب الناظم جواز إعمال اسم الفعل مضمراً قال في شرح الكافية: إن إضمار اسم الفعل مقدماً لدلالة متأخر عليه جائز عند سيبويه. الثالث قال في التسهيل: ولا علامة للمضمر المرتفع بها يعني بأسماء الأفعال، ثم قال وبروزه مع شبهها في عدم التصرف دليل على فعليته يعني كما في هات وتعال فإن بعض النحويين غلط فعدهما من أسماء الأفعال وليسا منها بل هما فعلان غير متصرفين لوجوب اتصال ضمير الرفع البارز بهما كقولك للأنثى هاتي وتعالي، وللاثنين والاثنتين هاتيا وتعاليا، وللجماعتين هاتوا وتعالوا وهاتين وتعالين، وهكذا حكم هلمّ عند بني تميم فإنهم يقولون: هلم هلمي هلما هلموا هلممن، فهي عندهم فعل لا اسم فعل، ويدل على ذلك أنهم يؤكدونها بالنون نحو هلمن. قال سيبويه: وقد تدخل الخفيفة والثقيلة يعني على هلم، قال لأنها عندهم بمنزلة رد وردا وردى وردوا وارددن، وقد استعمل لها مضارعاً من قيل له هلم فقال لا أهلم. وأما أهل الحجاز فيقولون هلم في الأحوال كلها كغيرها من أسماء الأفعال. وقال الله تعالى: {قل هلم شهداءكم} (الأنعام: 150) {والقائلين لإخوانهم هلم إلينا} (الأحزاب: 18)، وهي عند الحجازيين بمعنى احضر وتأتي عندهم بمعنى أقبل (وَأخِّرْ مَا لِذِي) الأسماء (فِيهِ العَمَل) وجوباً فلا يجوز زيداً دراك خلافاً للكسائي. قال الناظم: ولا حجة له في قول الراجز:
ص278
يَأيُّهَا المَائِح دَلوى دُونَكَا إنِّي رَأيتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَا
لصحة تقدير دلوي مبتدأ أو مفعولاً بدونك مضمراً. ثم ذكر ما تقدم عن سيبويه ويأتي هذا التأويل الثاني في قوله تعالى: {كتاب الله عليكم} (النساء: 24).
تنبيهات: الأوّل ادعى الناظم وولده أنه لم يخالف في هذه المسألة سوى الكسائي، ونقل بعضهم ذلك عن الكوفيين. الثاني: توهم المكودي أن لذي اسم موصول فقال: والظاهر أن ما في قوله ما لذي فيه العمل زائدة لا يجوز أن تكون موصولة، لأن لذي بعدها موصولة. وليس كذلك بل ما موصولة، ولذي جار ومجرور في موضع رفع خبر مقدم، والعمل مبتدأ مؤخر، والجملة صلة ما. الثالث: ليس في قوله العمل مع قوله عمل إبطاء لأن أحدهما نكرة والآخر معرفة، وقد وقع ذلك للناظم في مواضع من هذا الكتاب (وَاحْكُمْ بِتَنْكِيرِ الذِي يُنَوَّنُ مِنْهَا) أي من أسماء الأفعال (وَتَعْرِيفُ سِوَاهُ) أي سوى المنوّن (بَيِّنُ) قال الناظم في شرح الكافية: لما كانت هذه الكلمات من قبل المعنى أفعالاً ومن قبل اللفظ أسماء جعل لها تعريف وتنكير، فعلامة تعريف المعرفة منها تجرده من التنوين، وعلامة تنكير النكرة منها استعماله منوّناً. ولما كان من الأسماء المحضة ما يلازم التعريف كالمضمرات وأسماء الإشارات وما يلازم التنكير كأحد وعريب وديار، وما يعرف وقتاً وينكر وقتاً كرجل وفرس جعلوا هذه الأسماء كذلك فألزموا بعضاً التعريف كنزال وبله وآمين، وألزموا بعضاً التنكير كواها وويها، واستعملوا بعضاً بوجهين فنوّن مقصوداً تنكيره وجرد مقصوداً تعريفه كصه وصهٍ واف وافَ انتهى.
---
ص279
تنبيه: ما ذكره الناظم هو المشهور. وذهب قوم إلى أن أسماء الأفعال كلها معارف ما نوّن منها وما لم ينوّن تعريف علم الجنس (وَمَا بِهِ خُوطِبَ مَا لاَ يَعْقِلُ مِنْ مُشْبِهِ اسْمِ الفِعْلِ صَوتاً يُجْعَلُ. كَذَا الَّذِي أَجْدَى حِكَايَةً كَقَبْ) أي أسماء الأصوات ما وضع لخطاب ما لا يعقل، أو ما هو في حكم ما لا يعقل من صغار الآدميين، أو لحكاية الأصوات كذا في شرح الكافية. فالنوع الأوّل إما زجر كهلا للخيل. ومنه قوله:
وأيُّ جَوَادٍ لاَ يُقَالُ لَهُ هَلاَ
وعدس للبغل ومنه قوله:
عَدَسْ مَا لِعَبَّادٍ عَلَيكِ إِمَارَةٌ
وكخ للطفل. وفي الحديث: «كخ كخ فإنها من الصدقة» وهيد وهاد وده وجه وعاه وعيه للإبل وعاج وهيج وحل للناقة. واس وهس وهَج وقاعِ لِلغنم. وهجا وهَج للكلب.وسع للضأن. ووح للبقر. وعز وعيز للعنز. وحر للحمار. وجاه للسبع. وإما دعاء كأو للفرس. ودوه للرُّبَع. وعوه للجحش. وبس للغنم. وجوت وجيء للإبل الموردة. وتؤوتأ للتيس المنزي. ونخ مخففاً ومشدداً للبعير المناخ. وهدع لصغار الإبل المسكنة. وسأ وتشؤ للحمار المورد. ودج للدجاج. وقوس للكلب والنوع الثاني كغاق للغراب. وماء بالإمالة للظبية. وشيب لشرب الإبل. وعيط للمتلاعبين. وطيخ للضاحك. وطاق للضرب. وطق لوقع الحجارة. وقب لوقع السيف. وخاق باق للنكاح. وقاش ماش للقماش.
تنبيه: قوله من مشبه اسم الفعل كذا عبر به أيضاً في الكافية، ولم يذكر في شرحها ما احترز به عنه، قال ابن هشام في التوضيح: وهو احتراز من نحو قوله:
يَا دَارَ مَيَّةَ بِالعَليَاءِ فَالسَّنَدِ
وقوله:
ألاَّ أيُّهَا اللَّيلُ الطَّوِيلُ إلاَّ انْجَلِي
ص280
(وَالزَمْ بِنَا النَّوعَينِ فَهْوَ قَدْ وَجَبَ) يحتمل أن يريد بالنوعين أسماء الأفعال والأصوات وهو ما صرّح به في شرح الكافية. ويحتمل أن يريد نوعي الأصوات وهو أولى لأنه قد تقدَّم الكلام على أسماء الأفعال في أوَّل الكتاب. وعلة بناء الأصوات مشابهتها الحروف المهملة في أنها لا عاملة ولا معمولة فهي أحق بالبناء من أسماء الأفعال.
تنبيه: هذه الأصوات لا ضمير فيها بخلاف أسماء الأفعال فهي من قبيل المفردات، وأسماء الأفعال من قبيل المركبات.
خاتمة: قد يعرب بعض الأصوات لوقوعه موقع متمكن كقوله:
قَدْ أَقْبَلَتْ عَزَّةُ مِنْ عِرَاقِهَا مُلصِقَةَ السَّرْجِ بِخَاقِ بَاقِهَا
أي بفرجها وقوله:
إذْ لِمَّتِي مِثْلُ جَنَاحِ غَاقِ
أي غراب. ومنه قول ذي الرّمة:
تَدَاعَينَ بِاسْمِ الشِّيبِ فِي مُتَثَلِّمِ جَوَانِبُهُ مِنْ بَصْرَةٍ وَسِلاَمِ
وقوله أيضاً:
لاَ يُنْعِشُ الطَّرْفَ إلاَّ مَا يُخَوِّنُهُ دَاعٍ يُنَادِيهِ بِاسْمِ المَاءِ مَبْغُومُ
فالشيب صوت شرب الإبل. والماء صوت الظبية كما مرّ اهـ والله أعلم.
ص281