العباس الجوهري

هو العباس بن سعيد الجوهري البغدادي، لا نعرف بالضبط متى ولد، ولا متى توفي لكنه كان على قيد الحياة سنة 128هـ. كان ذا مقام كبير عند الخليفة العباسي المأمون، حيث احاطه بالعناية والرعاية لمكانته العلمية.

اصل العباس الجوهري من بغداد ويظهر ذلك واضحا وجليا من اسمه، كما تلقى تعليمه في دار السلام، ولكنه قضى ردحا من الزمن في دمشق لهذا الغرض.

يعتبر العباس الجوهري من أوائل علماء العرب والمسلمين الذين رصدوا في الإسلام.

فقد ندبه الخليفة العباسي المأمون الى مرصد الشماسية ببغداد، ليقوم ببعض الأرصاد، التي بقيت زاد العلماء العرب والمسلمين في هذا المجال.

زار العباس الجوهري دمشق والتقى بكبار علمائها، واشترك معهم ببعض الأرصاد هناك، لذا نرى كتابه (كتاب الزيج) عبارة عن مجموعة بحوث في الجداول الفلكية، فعليه اعتمد علماء العرب والمسلمين في ارصادهم، كما كان لهذا الكتاب شأن كبير في عالم الفكر والارتقاء الفلكي.

اهتم العباس الجوهري في دراسة الكواكب السيارة وخاصة الشمس والقمر، فقد قدم دراسة متكاملة عن طبيعة وحركات هذين الكوكبين، وبقيت آراؤه ونظرياته في هذا المضمار حجة يستند عليها علماء الإسلام.

يذكر جمال الدين القفطي في كتابه (تاريخ الحكماء) ان ابن سعيد الجوهري الفلكي خبير بصناعة التسيير، وحساب الفلك، قام بعمل آلات الأرصاد، صحب المأمون وندبه الى مباشرة الرصد بالشماسية ببغداد، وحقق مواضع بعض الكواكب السيارة والنيرين.

درس العباس الجوهري عن كثب هندسة اقليدس، ولذا لقب بالمهندس.

كما قام في صنع بعض الآلات الخاصة بالرصد، وتظهر مكانته في حقل علم الهندسة من تعليقاته وتفسيراته لآراء ونظريات اقليدس الهندسية التي استعصت على العلماء الأوائل، التي جمعها في كتاب (تفسيرات كتاب اقليدس).

سيطرت مادة علم الهندسة على قريحة العباس الجوهري فأضاف كثيرا من الاشكال الهندسية على هندسة اقليدس. وهذه الاشكال الهندسية، وضعها في كتاب مستقل سماه (كتاب الاشكال-التي زادها في المقالة الأولى من كتاب اقليدس).

يذكر ابن النديم في كتابه (الفهرس) ان العباس الجوهري كان من أصحاب الرصد، والغالب عليه علم الهندسة. هذا الراي يجمع عليه المؤرخون للعلوم.

ولا يخفى على القارئ ان اهتمام العباس الجوهري بعلم الهندسة نابع عن أهمية بل ضرورة هذه المادة لدراسة علم الفلك.

اما إسماعيل باشا البغدادي فيقول في كتابه (هدية العارفين: في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين) عباس بن سعيد الجوهري البغدادي من أصحاب الرصد والهندسة، له تفسير كتاب اقليدس، وكتاب الاشكال التي زادها في المقالة الأولى من اقليدس.

وخلاصة القول: هل نعرف شيئا عن العباس الجوهري الذي قام بمجهودات جليلة في علمي الفلك والهندسة، والذي كان من علماء العر ب والمسلمين الأوائل الذين لم تتوفر لهم المادة العلمية ولا الأجهزة الضرورية للرصد، بل كانوا خلاقين لهما؟ الجواب قليل جدا.

نعم وجدنا نتفا متفرقة عن العباس الجوهري هنا وهناك مكررة، لا تسمن ولا تغني من جوع.

ولكن الشيء الذي يثلج القلب ان المؤرخين للعلوم يُجمعون على انه من نوابغ علماء العرب والمسلمين، وانه صاحب آراء ونظريات اصيلة، في كل من علم الفلك وعلم الهندسة.

ان عالمنا العباس الجوهري باحث فلكي من ارباب الثقافة العالية، فهو من الرعيل الأول الذي لم يكتف بالترجمة والنقل من المصادر اليونانية والفارسية والهندية، بل لجا الى الابداع، فكان عمله علامة بزوغ الطابع الإسلامي في ميدان علم الفلك.

الحق ان نقول: ان العباس الجوهري من مؤسسي المنهج العلمي التجريبي في العصور الإسلامية.

فقد درس نتاج علماء الاغريق والفرس والهنود في علم الفلك، فعلق عليه وصححه وأضاف اليه إضافات جوهرية، ثم بعد ذلك بدا في بحوثه وكشوفه في هذا العلم الحيوي.

بذلت قصارى جهدي في كتابة هذه السيرة المختصرة جدا للعباس الجوهري، راجيا من الله سبحانه وتعالى ان تكون فاتحة خير لشباب امتنا العربية والإسلامية، لتقديم دراسة متكاملة عنه، لان من كتب من المؤرخين للعلوم عن علماء العرب والمسلمين في حقل علم الفلك لم يعطه حقه من البحث والاستقصاء.