أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-2-2019
2422
التاريخ: 15-2-2018
2971
التاريخ: 22-10-2015
3491
التاريخ: 25-01-2015
3319
|
لما رأى الصحابي العظيم عمار بن ياسر الرؤوس تتساقط والارض قد صبغت بالدماء أخذ يناجى نفسه قائلا : صدق رسول الله (صلى الله عليه واله) هؤلاء القاسطون إنه اليوم الذي وعدني فيه رسول الله إني قد أربيت على التسعين فما ذا انتظر؟! رحماك ربي قد اشتقت الى إخواني الذين سبقوني بالايمان إليك سأمشي الى لقاء ربي مجاهدا أعداءه بين يدي وليه ووصيي رسوله وخليفته من بعده فاني أراه اليوم الذي وعدني به رسول الله (صلى الله عليه واله) , وأطال النظر في رايات معاوية فانطلق يقول : إن مراكزنا على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين وإن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب , وتمثلت أمامه في ذلك اليوم صفحات من تأريخه البعيد والقريب فعرضت له صورة أبويه ياسر وسمية وهما يعذبان أعنف التعذيب وأمره وهو شاب معهما يلاقى ما لاقياه من الارهاق على يد جبابرة قريش ففاضت روح أبويه وأفلت هو من التعذيب وتذكر ما عناه فى شيخوخته من عثمان من التنكيل والتعذيب كل ذلك في سبيل مبدئه وعقيدته وقد اودعت هذه الذكريات في نفسه شوقا عارما الى ملاقاة الله فانفجر في البكاء وأخذ يناجي الله قائلا : اللهم انك تعلم أنى لو أعلم أن رضاك ان اضع ظبة سيفى في صدري ثم انحنى عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت ولو اعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلت ولو اعلم أن رضاك أن أرمى بنفسي من هذا الجبل فأتردى واسقط فعلت وإني لا اعلم اليوم عملا هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين ولو أعلم من الاعمال هو أرضى لك منه لفعلته ؛ ثم انعطف الى أمير المؤمنين ودموعه تتبلور على كريمته الشريفة فلما رأه الامام قام إليه وعانقه واحتفى به فالتفت الى الامام : يا أخا رسول الله أتأذن لي في القتال؟ فقد قلب الامام وأريع من كلامه لانه ساعده الذي به يصول فقال له بصوت راعش النبرات : مهلا يرحمك الله! انصرف عمار فلم يلبث الا قليلا حتى عرضت له تلك الذكريات فحفزته الى لقاء الله فرجع الى الامام قائلا : اتأذن لي فى القتال؟
فقال (عليه السلام) مهلا يرحمك الله ؛ ومضى فلم يمكث الا برهة حتى عاوده الشوق الى لقاء احبائه الذين سبقوه الى الايمان فكر راجعا الى الامام فقال له : أتأذن لي بالقتال؟ فانى أراه اليوم الذي وصفه رسول الله (صلى الله عليه واله) وقد اشتقت الى لقاء ربي والى اخواني الذين سبقوني ؛ فلم يجد الامام بدا من اجابته فقام إليه وعانقه وقد ذابت نفسه اسى وحسرات وقال له :
يا أبا اليقظان , جزاك الله عنى وعن نبيك خيرا فنعم الاخ كنت ونعم الصاحب ؛ واجهش الامام بالبكاء وبكى عمار لبكائه وقال له : والله يا أمير المؤمنين ما تبعتك الا ببصيرة فانى سمعت رسول الله يقول يوم حنين : يا عمار ستكون بعدي فتنة فاذا كان كذلك فاتبع عليا وحزبه فانه مع الحق والحق معه وسيقاتل بعدي الناكثين والقاسطين ؛ فجزاك الله يا أمير المؤمنين عن الاسلام أفضل الجزاء فلقد أديت وبلغت ونصحت ؛ ثم تقدم عمار الى ساحة الشرف وميدان القتال وهو جذلان مسرور بملاقاة الله وقد استرد قوته ونشاطه وارتفع صوته عاليا وهو يقول : الجنة تحت ظلال العوالي اليوم القى الأحبة محمدا وحزبه .
وتبعه المهاجرون والانصار والشباب المؤمن فانعطف بهم الى القائد العام هاشم بن عتبة المرقال فطلب منه أن يتولى القيادة فاجابه إلى ذلك وحمل هاشم فجعل عمار يحثه على الهجوم وهو يقول له : احمل فداك أبي وأمي ؛ وجعل هاشم يزحف باللواء زحفا فضاق على عمار ذلك لأنه في شوق عارم لملاقاة الله والوفود على حبيبه محمد فوجه لهاشم اعنف التقريع قائلا له : يا هاشم ؛ أعور وجبان؟
وثقل على هاشم هذا العتاب المر فقال له : رحمك الله يا عمار إنك رجل تأخذك خفة في الحرب وإني إنما أزحف باللواء زحفا أرجو أن أنال بذلك حاجتي وإني إن خففت لم آمن الهلكة , وما زال عمار بهاشم يحرضه ويحثه على الهجوم حتى حمل وهو يرتجز :
قد أكثروا لومي وما أقلا إني شريت النفس لن اعتلا
أعور يبغى نفسه محلا لا بد أن يفل أو يفلا
قد عالج الحياة حتى ملا أشدهم بذي الكعوب شلا
فجال هاشم فى ميد القتال وعمار يقاتل معه فنظر الى راية ابن العاص فجعل يقول : والله إن هذه الراية قاتلتها ثلاث عركات وما هذه بأرشدهن ؛ وجعل يقاتل أشد القاتل وهو موفور النشاط خفيف الحركة وهو يرتجز ويقول :
نحن ضربناكم على تنزيله واليوم نضربكم على تأويله
ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق الى سبيله
لقد قاتل عمار قريشا مع النبي على الاقرار بكلمة التوحيد واليوم يقاتلهم على الايمان بما في القرآن وعلى التصديق بما جاء به الاسلام ؛ وبعد كفاح رهيب سقط عمار الى الارض صريعا قد قتلته الفئة الباغية التي طبع على قلوبها بالزيغ ونسيت ذكر الله فسبحت في ظلام قاتم ولما أذيع خبر مقتله انهد ركن الامام واحاطت به موجات وموجات من الهموم والأحزان لأنه فقد بمقتله كوكبة من الاعوان والانصار ومشى لمصرعه حزينا باكيا تحف به قواد الجيش وأمراء القبائل والبقية الصالحة من المهاجرين والانصار وهم يهرقون الدموع وعلا منهم النحيب والبكاء ووقف الامام عليه فلما رأه صريعا متخبطا بدمه انهارت قواه وجعل يؤبنه بكلمات تنم عن قلب موجع قائلا : إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر وتدخل عليه المصيبة الموجعة لغير رشيد ؛ رحم الله عمارا يوم اسلم ورحم الله عمارا يوم قتل ورحم الله عمارا يوم يبعث حيا لقد رأيت عمارا وما يذكر من أصحاب رسول الله أربعة الا كان رابعا ولا خمسة إلا كان خامسا وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله يشك أن عمارا قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين فهنيئا لعمار بالجنة .
وأخذ الامام رأس عمار ووضعه في حجره وجعل ينظم ذوب الحشا وهو يقول :
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي أرحني فقد أفنيت كل خليل
أراك بصيرا بالذين أحبهم كأنك تسعى نحوهم بدليل
ووقف الامام الحسن واجما مستعبرا عند مصرع الشهيد العظيم الذي ساهم في بناء الاسلام فأخذ يتلو على المسلمين ما سمعه من جده النبي (صلى الله عليه واله) في فضله والاشادة بعظيم منزلته فقال (عليها السلام) : ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال لاصحابه : ابنوا لى عريشا كعريش موسى وجعل يتناول اللبن من قومه وهو يقول : اللهم لا خير الا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة وجعل يتناول اللبن من عمار وهو يقول : ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية ؛ وقال : إن جدي قال إن الجنة لتشتاق الى ثلاثة علي وعمار وسلمان ؛ ولما اذيع خبر مقتله حدثت الفتنة والانشقاق في صفوف أهل الشام فقد سمعوا ممن سمع من رسول الله أنه قال : في عمار تقتله الفئة الباغية وقد حدثهم بذلك عمرو بن العاص وقد اتضح لهم بعد مقتله انهم هم الفئة الباغية التي عناها الرسول ولكن ابن العاص قد استطاع بمكره وأكاذيبه أن يزيل ذلك ويرجع الحياة الى مجراها الطبيعي فقد القى المسئولية على الامام زاعما انه هو الذي أخرجه وقتله واذعن جهال أهل الشام وصدقوا مقالته وراحوا يهتفون : انما قتل عمارا من جاء به ؛ وثقل على أمير المؤمنين مقتل عمار وأحاطت به المآسي والشجون فهتف بربيعة وهمدان فاستجابوا له فقال لهم : انتم درعي ورمحي ؛ فأجابه اثنا عشر الفا منهم فحمل بهم وهو هائج غصبان فلم يبق صف لأهل الشام الا انتقض وأبادوا كل فصيلة انتهوا إليها حتى قربوا من فسطاط معاوية وكان الامام يرتجز ويقول في رجزه :
أضربهم ولا أرى معاوية الجاحظ العين العظيم الحاوية
ووجه خطابه الى معاوية فقال له : علام يقتتل الناس بيننا؟ هلم احاكمك الى الله فأينا قتل صاحبه استقامت له الامور ؛ فانبرى ابن العاص الى معاوية مستهزءا به قائلا : انصفك الرجل .
قال : ما انصفت وانك لتعلم أنه لم يبارزه أحد إلا قتله
فأجابه : وما يجمل بك الا مبارزته .
فقال معاوية له : طمعت فيها بعدى , واستمر القتال عنيفا بين الفريقين وهم ماضون فى الحرب لا يريحون ولا يستريحون وقد بان الضعف في جيش معاوية وتحطمت جميع كتائبه وتفللت جميع قواه حتى همّ بالفرار والانهزام .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|