أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-08
1126
التاريخ: 19-12-2021
4127
التاريخ: 2024-07-18
418
التاريخ: 2024-07-16
354
|
يواجه مديرو اليوم إشكالية في التعامل مع موظفيهم وقد نطلق على هذه الإشكالية صدمة الفجوة المعرفية Knowledge Gap Shock وهذه الفجوة ناتجة عن الفرق بين ما كان يتمتع به الموظف من معرفة قبل الثورة المعرفية والثورة المعلوماتية وبعدها(1). والصراع هو صراع إداري يكمن في الاستمرار على إدارة الموظفين بأساليب وأدوات ما قبل الثورة المعلوماتية وعلى أسس تقليدية تتجاهل الثورة المعلوماتية وتتجاهل التغير الحاصل في إمكانات هؤلاء الموظفين المعرفية والمعلوماتية، مع أن ما يتوافر لديهم أو على الأقل ما يمكن أن يتاح لديهم من معرفة ومواهب يستدعي نسف كل الممارسات والأساليب الإدارية التقليدية في التعامل مع هؤلاء الأفراد فتحدث أشكال متعددة من الصراع:
ما زال المدير يوجه المرؤوس على أساس تقليدي بيروقراطي وعلى أساس المراقبة المباشرة والمستمرة، على الرغم من أن الموظف يعرف متطلبات عمله بشكل يفوق تلك المراقبة ولا يستدعي ذلك الأشراف المباشر، فيحدث نوع من الصراع بين الطرفين يفضي إلى قبول المرؤوس لسياسة الأمر الواقع، وهذا ينعكس سلبا على أداءه وإنتاجيته لأنه يحاول أن يوائم بين قدراته ويقلل من مستوى تلك القدرات لتتناسب مع الممارسات الإدارية التقليدية غير الملائمة أصلا (Ryan and Oestreich, 1991).
والإدارة تعلم وتدرك في داخلها عدم قدرتها على مواكبة التطورات المعرفية المعاصرة فتحاول مقاومة هذه التطورات وتكريس الواقع التقليدي في الممارسات والسياسات الإدارية التي تستخدم معها الإدارة بالخوف والإدارة بالترهيب.
ومنها صراع المشرف أو المدير أو الموظف القديم الذي يعلم في قرارة نفسه تفوق من يشرف عليهم وتجاوزهم لقدراته وخبراته التي لا تتجاوز حدود التعليمات البيروقراطية الجامدة. فيشعر بصراع داخلي فيدافع عن مكتسباته التي منحها له المركز الوظيفي المدجج بالتعليمات والإرشادات والقوانين والضوابط التي تخلو من الروح والمعنى في كثير من الحالات.
فمدير اليوم يواجه تحديات تتجسد في تلك الفجوة، وهنا تأتي الإدارة بالخوف، (Ryan and Oestreich, 1991) كونها من أخطر المشاكل التي تعمل على تعطيل بلوغ الطاقة القصوى والطاقة الكامنة Potential Energy للعاملين في المؤسسة، وتهدد ما قد يتشكل لديهم من مبادرات إبداعية و ابتكاريه. لان الإدارة بالترهيب تكون في العادة على طرفي نقيض مع مقومات الإبداع والتفكير المستقل. ويعدّ الخوف نتيجة حتمية للممارسات الإدارية السلبية التي يفرضها المديرون ويأخذ الخوف أشكالا متعددة كحجب المعلومات وعدم الثقة في تداولها وعدم المشاركة في اتخاذ القرارات ونقد المرؤوس أمام الآخرين وزيادة معدلات التوتر والسلبية والغضب والشعور الدائم بالنقمة من الإدارة والمسؤولين، مما يؤدي إلى انخفاض مستويات الإنتاجية وتدني مستويات الأداء والنوعية و الابتكار والإبداع.
ومن الصعب النهوض بالمؤسسة وتطويرها بشكل نوعي دون طرفي المعادلة الرئيسيين وهما المدير والموظف وتعدّ العلاقة بينهما حجر الأساس لنجاح عمليات التطوير والتنمية في أي منظمة. وتتطلب هذه العلاقة إطاراً من الثقة والاحترام والفهم المتبادل لخلق بيئة مناسبة لتحقيق الأهداف العليا للمؤسسة. كما تعدّ الهرمية Hierarchy والسلطوية والمركزية والبيروقراطية الجامدة من أهم العوامل التي توفر البيئة المناسبة للخوف؛ والخوف قد يساهم في توفير سيطرة وتحكم للإدارة والمدير، ولكنه لا يوفر الانتماء المطلوب للمؤسسة وخاصة على المدى الطويل. والخوف يؤدي إلى تجنب التجربة والمخاطرة والمحاولة طمعا بالأمن والسلامة.
ومن أهم الأمور التي تساهم في الخوف لدى المرؤوسين مسألة الأمن الوظيفي Job Security حيث إن الموظف الذي يخاف على وظيفته تتدنى قدرته على التركيز وتتناقص إنتاجيته، وهذا ما حدث مع شركة الخطوط البريطانية للطيران British Airways في الثمانينات من القرن الماضي حيث عمدت الشركة إلى التسريح الجماعي للعديد من الموظفين من خلال ما يسمى ببرامج تخفيض العمالة Downsizing ، فواجهت نقصاً حاداً في إنتاجية المتبقي من العاملين ولم تدرِ أن السبب هو في برامج التسريح التي قامت بها الإدارة إلا بعد أن أجرت الإدارة استطلاعاً لآراء الموظفين، فقام المدير التنفيذي عندها بالدعوة إلى لقاء شامل مع جميع موظفي الشركة، وخاطبهم مؤكدا أنه لن يكون هنالك أي مزيد من التسريحات، بعدها فقط بدأت مستويات الإنتاجية تتحسن عندما أمن الجميع على وظائفهم ومستقبلهم الوظيفي.
فتلويح المدير للموظفين بسلاح الأمن الوظيفي بأشكال مختلفة من الأمور التي تبقي المرؤوسين في توتر وخوف، وانشغالٍ بالخوف على وظائفهم، مما ينعدم معه التركيز على مصالح المؤسسة العليا وأهدافها ورؤيتها. قد يكون الخوف موجوداً في النفوس بشكل غير معلن وغير ملحوظ بسبب الممارسات البيروقراطية للمؤسسة، فعلى الإدارة أن تسعى للتعرف على ما يدور بأذهان المرؤوسين ومشاعرهم.
وتوافر الصراحة والموضوعية للمرؤوسين أمر يصعب تحقيقه والتحقق منه، ولكن قد يكون هنالك ما يُستدل به من خلال تصرفاتهم وردود أفعالهم التي قد تتسم بالعنف أحيانا أو التردد أحيانا أخرى، مما يؤدي إلى خفض إنتاجيتهم كمّاً ونوعا. وقد تتمكن أي مؤسسة من تحقيق نتائج مرضية من خلال الإدارة بالخوف ولكنها لن تستطيع تحقيق الفاعلية الكاملة، الأمر الذي يؤدي إلى الحد من انعتاق أو انطلاق الطاقات الكامنة والخلاقة من عقالها فيبطئ حركة المؤسسة نحو التجديد والتغيير والتطوير.
إذا تأصل الخوف في مجموعات العمل فتكون هنالك آثار سلبية لا تقتصر آثارها على نفوس العاملين وطباعهم الشخصية فحسب، بل تؤثر على مجمل توجهاتهم الخاصة والعامة. ويمكن استعراض أبرز هذه الآثار السلبية في ما يأتي:
1-الشعور السلبي تجاه المنظمة:
وذلك بفقدان الثقة وعدم الافتخار بالمنظمة أو بالعمل بها واللجوء إلى التحايل والترقب ضد مصالح المنظمة، فبدلا من الانتماء فسيكون هنالك الحقد وحب الانتقام والتفكير في الكسب بأشكال متعددة على حساب المنظمة باعتبارها عدواً وليست بصديق، وعلى الأقل يظل الموظف يفكر باللحظة المناسبة لترك المنظمة ولا يخشى تسريب معلومات سرية وغير سرية للمنافسين إن أُتيحت الفرصة لذلك.
2-التأثير السلبي على الجودة والنوعية:
لا يقتصر التأثير السلبي هنا من خلال تخفيض مستويات الإنتاج بشكل كمي بل أيضا بشكل نوعي، وخاصة في مجال الخدمات عندما يتمثل تخفيض الجودة والنوعية بالتعامل مع الزبائن، أو العملاء بطرق غير ملائمة؛ كعدم التعاون والبطء في تقديم الخدمة والفضاضة في التعامل وعدم احترام الزبائن وعدم حل مشاكلهم وعدم اللباقة وسوء التعامل وعدم الاستجابة لشكاويهم. وهذه الأشكال من أشكال التعامل مع العملاء قد تؤدي إلى تدهور المؤسسات وخاصة في ظل المنافسة نحو الجودة والنوعية. ولأن تعامل المرؤوسين مع العملاء أمر غير ملموس (2). (Melhem and Karasneh, 2005) (Intangible Dimension) فقد يحدث ويؤدي إلى خروج المنظمة من السوق دون أن تدري الإدارة عن الأسباب التي أدت إلى مثل هذه النتائج المدمرة.
3-التأثير سلبا على معنويات العاملين في المؤسسة:
وهنا يشعر الموظفون بالإهانة و الدونية وتثور بداخلهم مشاعر الغضب والاكتئاب والتوتر وخيبة الأمل والإجهاد، وهذه أعراض تؤدي إلى انعدام الثقة بالذات وضعف مستويات التمكين والقدرة على التفكير الخلاق والمشاركة الفاعلة وحرية التفكير وعدم الجرأة على إبداء الرأي وانعدام الشجاعة على التصرف بحرية واستقلالية.
والحل يكمن في الثقة
إن العلاج الشافي يكمن في الثقة والتخلص من الخوف، وهناك عدد من الاستراتيجيات الهامة للتعامل مع ظاهرة الخوف:
-بناء علاقات تقوم على التعاون والتفاهم المتبادل والثقة والمشاركة الحرة في المعلومات بين مختلف مستويات المؤسسة. إن ثقافة المودة والتفاهم والمحبة والتواضع والمساواة الاجتماعية وروح الفكاهة والمرح من أهم الوسائل التي يمكن إتباعها للتخلص من الخوف والتوتر بين الأطراف المختلفة داخل المؤسسة.
-الكشف عن وجود مظاهر الخوف بين الموظفين. وهذا الأمر يحتاج إلى استطلاع واستقصاء من نوع خاص للكشف عن مظاهر الخوف والشعور بعدم الثقة من ممارسات الإدارة والاطمئنان لممارساتها اتجاه الموظفين. وغياب الاتصال والتواصل قد يكون من الأسباب التي قد تؤدي إلى الخوف من الإدارة، والتواصل المستمر والشفافية الحقة قد تكون من الأمور التي قد تؤدي إلى التخلص من أسباب الخوف والشعور بعدم الأمان. إن الفجوة في الاتصال بين البشر دوما تؤدي إلى حالة من الشك والجفاء والشعور بعدم الثقة بين الأطراف المختلفة، وهذا بدوره قد يقف حجر عثرة أمام برامج التمكين التي تتطلب ثقة المرؤوسين بنوايا الإدارة، فكثيرا ما يشك الموظفون بنوايا الإدارة في تمكينها للموظفين عند غياب الثقة بين الطرفين. وهناك دراسات أكاديمية أكدت أهمية ثقة المرؤوسين بنوايا الإدارة عند إطلاقها الوعود بتمكين الموظفين ومنحهم نعمة الحرية والمشاركة في اتخاذ القرار. ويجب على المدير أن يعترف بعد ذلك بوجود المشكلة (الخوف) لأن الاعتراف بالمشكلة هو البداية الصحيحة لحلها.
-إعادة الهيكلة: المنظمة ذات المستويات الإدارية الهرمية المتعددة قد تشكل المناخ المناسب لعلاقات سلبية ولتوترات غير مرغوبة، وكما ذكرنا في فصول سابقة فإن المؤسسة ذات المستويات الإدارية القليلة تتمتع بنظام اتصال أكثر كفاءة ومشاركة أكبر في المعلومات بين المستويات المختلفة أما الهيكل التنظيمي الهرمي الطويل فإنه يعمل على تكريس السلطوية ويعطي أهمية للمركز الوظيفي، مما يسمح بخلق هالة وهمية للمدير في مكتبه. والأمور الشكلية في المكتب قد تبعث رسالة تنم عن الرهبة والخوف، وتلك الرسائل قد تنشأ عن طريقة تصميم المكتب وموقعه في المبنى ( عادة ما يقبع المديرون في أبراج عاجية رهيبة في أعلى طابق من طوابق المؤسسة) ووجود عدد من الحرس والأبواب المغلقة في وجوه الموظفين. فالمدير بحكم البيروقراطية الكبيرة في المؤسسة لا وقت له للاتصال بالآخرين؛ لأن وقته منصب على التأكد من سير العمل بالشكل الصحيح من حيث الأمور البيروقراطية المتعلقة بالتعليمات والقوانين ونظام المؤسسة الرسمي. وهذه الأمور كلها تبعث على الخوف وخاصة نتيجة للفجوة التي تصنعها الإدارات الوسطى التي تحجب الرؤية و المعلومات بين الإدارة الدنيا والإدارة العليا.
-البحث عن النقد وتشجيعه: تعوّد القادة والمديرون على سماع الأخبار الجيدة عن سير العمل في الدوائر المختلفة التابعة لهم. ويخشى المرؤوسون من نقل الأخبار السيئة، فلا بد من تشجيعهم على قول الحقيقة والصدق في نقل المعلومة. وينبغي عدم التمسك الحرفي بمبدأ تجاوز المرجع والسماح للمرؤوس بمراجعة المدير الأعلى بشفافية ودون خوف من المدير المباشر.
-ممارسة الشفافية بأعلى صورها ومقاومة ما يسمى بسرية المعلومة والنهي عن الغموض في عملية اتخاذ القرار.
-الجُرأة في مناقشة كل الموضوعات: هنالك بعض الأمور التي يحرم أحيانا على الأفراد مناقشتها (مثل التعيينات التي تتم عن المدير العام بناء على علاقاته الشخصية ولا تخضع لنظام التعيين المتبع في المؤسسة).
-تشجيع المشاركة على اتخاذ القرار: أخذ الاستراتيجيات السابقة بعين الاعتبار يمهد الطريق لموضوع تمكين الموظفين، ومنحهم الحرية في التصرف واتخاذ القرار الجماعي الذي يساهم بالنهاية في مساعدة المؤسسة في تحقيق أهدافها وغاياتها، من خلال تدريب الموظفين وتعليمهم المستمر على تحمل المسؤولية. وذلك كله يساهم في خلق فرص الإبداع والابتكار والتميز.
فالثقة وتلاشي الخوف وإزالة الريبة بين الأفراد داخل المؤسسة، كلها من المقومات الهامة لتحرير الموظفين من القيود التقليدية أملا في تحويلهم من الداخل إلى شركاء في المؤسسة بلاً من أن يتحولوا خصوماً.
فالنظرة التقليدية التي ما زالت سائدة تكمن في النظر للمرؤوسين على أنهم خصوم وتكلفة لا بد من محاولة العمل الدؤوب على تخفيضها كلما أمكن ذلك. هذه النظرة تتحول وتتشكل في سلوك الإدارة والمرؤوسين، فتترجم في الواقع العملي على شكل ممارسات لها انعكاساتها السلبية بأشكال متعددة، نفسية ومعنوية ومادية. تفضي هذه الأشكال إلى علاقات عدائية بشكل أو بآخر لا تخدم مصالح المؤسسة ولا الموظفين ولا المستهلكين أو المراجعين، وتصبح سياسة الخوف والترصد وسياسة الربح والخسارة Win-loss Relationship سيدة الموقف.
بعد هذا كله فإن من المؤسف عدم وعي المديرين بوجود مثل هذه المشاكل، ومنهم من يعتقد بأن سياسة الخوف و "العصا والجزرة" هي السياسة التي تنفع مع هؤلاء، متهما الموظفين بالتقاعس والأنانية والطمع والاستغلال، مما يؤدي إلى مراقبتهم والترصد لهم للتأكد من أنهم يقومون بتأدية أعمالهم بالشكل المطلوب وحسب الأصول.
يبين ديفيد سيروتا (2005David Sirota et al(.، مؤلف كتاب "الموظف المتحمس(3). أن بمقدور الشركات تحقيق أرباح من وراء الموظفين بواسطة منحهم كل ما يريدونه ويرى البعض بأن هذه أفكار غير واقعية وحتى أنها غير معقولة؛ لأن منح العاملين كل ما يريدونه قد يعني الإفلاس للمنظمة وخروجها من السوق وأن إرضاء العاملين غاية لا تدرك.
ولكن David Sirota and Louis A. Mischkind and Michael Irwin Meltzer يعتقدون أن الكثير من المديرين يدمرون ثقة مرؤوسيهم باستخدام أساليب إدارية استبدادية لا تصلح إلا للقلة القليلة التي قد تستحق مثل هذه الممارسات. هذه النتيجة ليست مجرد افتراضات خيالية وإنما نتيجة دراسات قام بها سيروتا وزملاؤه منذ عام 1994 على أكثر من 2،5 مليون موظف. فتبين أن المنشآت التي تحظى بموظفين يتمتعون بمعنويات عالية مثل Intuit and Barron’s تتفوق بمرات على منافسيها. وهنالك نتائج توصلت إليها هذه الدراسة تدل على زيادة واضحة في أسعار أسهم الشركات التي تتألف من معنويات عالية لدى عامليها، وقد زاد معدل أسهم الشركات التي خضعت لهذه الدراسة إلى معدل 14% خلال عام 2004.بينما كان معدل الزيادة في الصناعة تصل إلى 6%. وقد سحبت المقارنات على 9240 شركة خضعت للدراسة.
هذه الشركات الناجحة تعمل على أساس من المنطق دون تعقيد للأمور، فهي تشجع مرؤوسيها على الاعتزاز بعملهم والفخر بما يقومون به من أداء.
يأمل العاملون بتحقيق ثلاثة أهداف في العمل:
-أن تتم معاملتهم بشكل عادل وبالتساوي. ويهمهم أنهم يحصلون على أجور عادلة، فهم دائما يطمحون أن يحصلوا على المنافع الأساسية، ويهتمون بالأمن الوظيفي، والمزايا الصحية مثل التأمين الصحي. ومن ناحية أخرى يهتم الموظف بأن يُعامل باحترام وتقدير لعقله وقدراته وأن لا يعامل كطفل أو متهم. هذه الحاجات هي أساسية بالنسبة للعامل لتعزيز معنويات العاملين؛ فإذا حدث أي نقص في هذه العناصر تتأثر المعنويات بشكل كبير وخطير.
-يرغب العاملون بتحقيق شعور بالإنجاز من العمل الذي يقومون به. والعنصر الأساسي هنا أن يشعر العامل بالفخر بالعمل الذي يقوم به وبالمنظمة التي ينتمي إليها.
-العمل مع الآخرين والشعور بوجود أصدقاء يعملون معا بروح الفريق وهذا يجلب شعورا بالسعادة لدى العامل.
وقد رد ديفيد سيروتا وزملاؤه على المقولة التي تزعم بأن الموظف في الوقت الحاضر لا يهتم كثيرا في الاستقرار والأمان الوظيفي؛ بأن هذه المقولة غير دقيقة ووجدوا من خلال دراساتهم الشاملة أن الموظف لم يتغير من حيث سعيه نحو الأمان والاستقرار في العمل، وأن عمليات التسريح الجماعي التي تتم بناء على ذلك في كثير من المنظمات أمر غير مفيد على المدى الطويل.
من هو الذي يقوض دافعية الموظف هل هو الموظف نفسه أم الإدارة؟ يتردد مثل هذا السؤال كثيرا وبشكل استنكاري أحيانا، أي أن الإدارة ليست هي التي تقوض دافعية وحماس الموظفين وإنما هم الذين تتناقص الدافعية لديهم بعد ستة أشهر من بداية العمل. وسيروتا Sirota)) يقول عكس ذلك. أي أن الإدارة هي التي تدمر الدافعية والحماس في حقيقة الأمر عند الأفراد وليس العكس. فالدراسات التي قام بها تُبيِّن أن الناس عندما يأتون للعمل فإنهم يكونون سعداء ومتحمسين ومعظمهم سعداء للغاية ويتشوقون لرؤية زملائهم في العمل. ولكن عند استعراض البيانات التي حصل عليها سيروتا من خلال دراساته وجد أن المعنويات والحماس يتناقصان بشكل سريع عادة بعد خمسة إلى ستة أشهر. هنالك نظرية تصف هذه الفترة الذهبية، أي الستة أشهر على أنها كشهر العسل الذي حتما له نهاية. ولكن هذا الشهر، أي شهر العسل يستمر في 10% من الشركات التي خضعت للدراسة لبقية حياة الموظف المهنية في المنظمة. أي أن هنالك منظمات تحافظ على استمرارية حماس موظفيها وروحهم المعنوية العالية. والفرضية التي يمكن طرحها هنا هي أنه من الصعب أن تحافظ على حماسك لمؤسسة أو منظمة لا تبادلك نفس الحماس والدافعية. ما يحدث على أرض الواقع أن الكثير من المديرين يتوقعون من المرؤوسين أن يكونوا متحمسين ومندفعين للعمل بكل نشاط ولكن في أول مناسبة يحدث فيها تراجع في المنظمة يعمد المديرون إلى التخلص من الموظفين من خلال برامج التسريح المختلفة Downsizing . فتتغير طريقة التعامل معهم بشكل جذري ويصبحون تكلفة زائدة ينبغي التخلص منها. فكيف تتوقع الإدارة أن تستمر دافعيتهم وحماسهم بنفس المستوى وهم مهددون بسيف التسريح أو الطرد؟ وكيف سيهتمون بمن لا يهتم بهم؟.
لقد ظهرت بعض الاتجاهات في التسعينات من القرن الماضي وخاصة في الدول الغربية حيث الطفرة الاقتصادية والازدهار الذي حققته الولايات المتحدة الأمريكية بشكل خاص، فظهرت اتجاهات تدّعي أن الأمان الوظيفي ليس مهما وخاصة في الشركات العالية التقنية High Tech على أساس أنه فقدان الموظف لوظيفة في شركة ما يتمكن أن يجد وظيفة بكل سهولة في شركة أخرى. ولكن بتراجع الشركات العالية التقنية عادت أهمية الأمان الوظيفي إلى القمة. فمثلا تصر شركة ساوث ويست للطيران بعد حدث كارثة 11/9 أن الشركة على استعداد لخسارة في أسعار أسهمها ولكنها على استعداد للتضحية في أي موظف من موظفيها؛ لأنها تعتقد بأنها إذا فعلت ذلك فسيبدأ حماس الموظفين يتدهور وتتحطم روحهم المعنوية بعد أكثر من ثلاثين عاما من البناء المتواصل لتلك الروح التي هي من أهم أسباب نجاح الشركة وتفوقها في سوق الطيران.
العقبات والصعوبات التي تعيق الأداء تعدّ أيضا من الأمور الأخرى التي تدمر الحماس مثل نقص التدريب أو عدم توافر الوسائل والأجهزة والإمكانيات المناسبة أو ظروف العمل غير المناسبة أو بسبب الظروف البيروقراطية الجامدة التي تبطئ الإجراءات وتؤخر عملية اتخاذ القرار.
الصراع هو أيضا من المشاكل التي تقوض الدافعية والفخر والحماس وتلهي العاملين بدلا من تحسين أدائهم،. أي تلهيهم ببعضهم بعضا، وبمحاولة الربح على حساب خسارة الآخر. فالصراعات والتوترات بين الأفراد تعدّ من أخطر العوامل التي قد تفت في عضد المنظمة.
ويقدم Pfeffer (1994) آراء جدلية في موضوع المساواة في العمل، فيؤكد على أن الفوارق الطبقية والفوارق السلطوية تساهم في إعاقة الأداء، تلك الفوارق التي ينجم عنها التعامل مع الموظفين كمواطنين من الدرجة الثانية، ويظهر هذا واضحا في الفرق بين الموظفين حسب: الأجر الشهري من ناحية والموظف براتب مقطوع من ناحية أخرى أو الموظف الدائم والموظف المؤقت. فهذه التصنيفات بحسب Pfeffer (1994) تعطي انطباعا بأن الموظفين براتب شهري هم الأقدر والآخرين يجب مراقبتهم والحذر منهم. وهناك أيضا رموز تدل على الفوارق السلطوية؛ ففي بعض الشركات يحق للموظفين براتب شهري اصطفاف مركباتهم الخاصة في مواقف قريبة بينما توجد مواقف الموظفين الأقل حظاً في مواقع بعيدة. فالشركات التي تهتم بالمحافظة على معنويات موظفيها تتجنب مثل هذه الأمور. وهذه الأمور بسيطة وليست لها علاقة بالعمل ولكنها تغذي الأنا والإحساس بالتفوق للبعض على حساب الغالبية العظمى من العاملين.
هنالك نسبة من العاملين قد تصل إلى 5% لا يحبون العمل قد تزيد هذه النسبة وقد تتناقص ولكنها تبقى نسبة قليلة إلى الغالبية من العاملين في المنظمة. هؤلاء القلة هم المزعجون حقا، ولكنَّ رد فعل المديرين أكثر إزعاجا عندما يعاملون عشرات أو مئات العاملين الآخرين على أنهم ال5%. فتوضع القوانين والإجراءات التعسفية والإشراف الشديد، فعندها نجد أن الناس الذين قد قدموا للعمل بدافعية وحماس وفخر يواجهون ما لم يكن في حسبانهم ويكتشفون أنهم يعاملون على أنهم مجرمون أو أنهم دائما متهمون.
وعادة ما يكون رد الإدارة على النحو الآتي: " لا نريد أن نتعامل بازدواجية ونريد أن نضع قوانين تطبق على الجميع وليس على فئة دون أخرى" . وهذه هي المشكلة بحد ذاتها، وذلك بأن نضع قوانين في تعاملنا مع الجميع وأن نساوي بين الجميع، المتقاعس والمتحمس. ونعامل الجميع على أنهم أطفال أو مجرمون. هذا هو الأمر الذي يراه سيروتا مدمرا للروح المعنوية لغالبية العاملين أو نسبة كبيرة منهم بسبب نسبة أخرى وغالبا ما تكون نسبة قليلة.
1- يمكن رفع مستوى الحماس عن طريق الأمان الوظيفي، ويجب اللجوء لتسريح العاملين كآخر حل بيد الإدارة وليس أول ما تقوم به الإدارة. فيجب محاولة أمور أخرى مثل تدريب العاملين أو استيعاب أعمال أخرى لكي نصنع لهم عملا يقومون به من عقود أو ما شابه ذلك. أو صنع منافذ إنتاجية جديدة(4).
2-وجود فرق عمل تعمل بشكل مستقل أو شبه مستقل. وفي السبعينات مثلا قامت شركة تويوتا بإثراء العمل لدى العاملين على خط إنتاج السيارات، ففكرت بمنح مجموعات من العاملين مهمة إنتاج السيارة بكامل مراحلها ثم فكرت بطريقة أفضل من ذلك وذلك بجعل فريق من العاملين يقوم بجزء من عملية التجميع، ويمكن لهذا الفريق أن يهتم أيضا بالجودة والصيانة المطلوبة في عملية الإنتاج وكذلك تدوير العاملين (Rotating workers) وقد كانت هذه المحاولة رائعة ومرضية بالنسبة للعاملين. وهذا يقلل من الحاجة إلى البيروقراطية ويقلل من الأسلوب "من أعلى إلى أسفل" في الإدارة لأن الناس هنا يديرون أنفسهم بأنفسهم.
3-التقدير أيضا مهم. فالعامل لا ينتظر من المدير أن يقول له بأنه يحبه، ولكنّه يرغب أن يقدر عمله وينظر لإنجازاته بالتقدير والاحترام. المكافآت ينبغي أن تشبه جائزة نوبل بحيث يساهم الزملاء في انتخاب من يستحق الحصول على الجائزة وعلى الإنجاز المتميز.
4-أفضل أسلوب للتعامل مع العاملين هو أن تتعامل معهم الإدارة على أنهم شركاء وليسوا بأبناء أو أعداء أو مستخدمين. التعامل معهم على الأقل على أساس أنك بحاجة إليهم وهم بحاجة لك ولا يمكن القيام بمهام العمل دون هذه الشراكة المتعادلة.
وقد يُقَّوض الحماس لدى العاملين عندما يتخذ المدير قرارات وأفعالاً تؤثر على العاملين بشكل سلبي، وتؤثر على عملهم وحياتهم دون حتى علمهم بقراراته وأفعاله؛ عندها لا يمكن أن نتجنب هبوطا واضحا في الروح المعنوية للعاملين في المنظمة بالمقابل، خاصة عندما تقوم بعمل ما وتعتقد بأن هذا العمل يستحق نوعا من الدعم أو التقدير الشخصي وكل ما تحصل عليه هو تجاهل أو قمع لهذا الأداء؛ عندها سنشهد أيضا نقصا واضحا في الروح المعنوية للعاملين. وقد يصل الأمر ببعض المديرين وخاصة في الإدارة الوسطى إلى الاعتقاد بأن على المرؤوس أن لا يشعر بروح معنوية عالية، ويجب أن تبقى معنوياته متدنية، لكي لا يتمرد وتتضخم لديه الأنا. لأنه قد يتجاوز حدوده وعندها ربما يتمرد وتصعب بعدها السيطرة عليه. لذلك لا بد أن يلزم حدوده، فهو في النهاية مستخدم وليس مديراً وليس مسؤولاً. هذه الذهنية الموجودة لدى المديرين تعمل بشكل واضح وصريح ضد مبدأ حماس المرؤوسين ورفع الروح المعنوية لديهم، بل تعمل على هزيمة تلك الروح المعنوية من الداخل.
وهذا يتناقض مع أي إمكانية لتطبيق منهج التمكين الذي من مقوماته الأساسية وجود حماس ودافعية وروح معنوية عالية لدى العاملين، فلا يمكن لإنسان أن يتصرف بحرية وتمكين وثقة بالنفس دون حماس ومعنوية ودافعية قوية نحو العمل والأداء. لذلك من المديرين من يطلب من العاملين حرية التصرف والاستقلالية بالعمل والتمكين والمشاركة، وهم في نفس الوقت يقوضون الأسس الهامة التي قد تقوم عليها حرية التصرف والاستقلالية في العمل مثل الحماس والطاقة الكامنة لدى المرؤوسين نحو العمل.
فما هو الحل يا ترى؟
تؤكد كانتر أن الحل من أجل الخروج من الحلقة المفرغة للفشل يكمن في القيادة، فهنا دور القيادة دور مفصلي في عملية التحول من الفشل إلى النجاح. لأن الثقة أصبحت في الحضيض ووصل الناس إلى حالة من اليأس وفقدان الأمل بالخروج من بوتقة الفشل. فقد فقدوا الإيمان أن بمقدور الأفراد فعل أي شيء للخروج من مأزق الفشل والتراجع. وقد يكونون قد فقدوا الأمل أيضا بالمدير لأنه في نهاية المطاف هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه منذ البداية. فهنا لا مخرج من هذه الحالة إلا بقيادة من نوع مختلف تعمل على إعادة صناعة الثقة بالنفوس من خلال أركان الثقة التي ذكرت آنفا وهي المبادرة وتعزيزها والتعاون وتأصيله والمساءلة وتمكينها.
تساهم المكاشفة في بناء الثقة بين العاملين وهذا بدوره يؤدي إلى بناء التمكين وتحمل المسؤولية بشكل مناسب كما توضح النقاط الآتية:
أولا – ففي ظل حالة التراجع التي قد تواجهها المنظمات أحياناً، تطمس الحقائق وتتناقص القدرة على مواجهتها. فبعض القادة أو المديرين بحاجة هنا إلى إبقاء الحقائق مغطاة تحت السطح وليس من مصلحتهم التحدث كثيرا عنها. لأن الكشف عن الحقائق معناه الكشف عن أخطاء القادة ومشاكلهم التي أدت إلى هذه الحالة. وترى حتى الحوار يقل والحديث يتناقص. فللخروج من هذه الحالة لابد من جرأة القائد الذي يضع جميع الحقائق على الطاولة ويساعد الآخرين في التعامل مع هذه الحقائق. هذا الكشف عن الحقائق لا ينبغي أن يتم بطريقة عقابية أو بطريقة انتقامية أو بطريقة اللوم؛ لأن هذا سيديم الحالة السائدة ويبقيها.
ثانيا – بحاجة لبذل جهد في زرع روح التعاون وروح الفريق. ووضع الناس بعضهم مع بعض في غرفة أو في مكان واحد يحتك فيه الجميع أمرا لا يكفي لأنهم قد يكونون في مكان كهذا دون أن يتحدث بعضهم إلى بعض، وقد تتشكل علاقات عدوانية، وصراع في هذا المكان، وقد تكون هنالك علاقات سلبية فيما بينهم. ولكن يجب وضع العاملين في مكان معا، ووضع هدف كبير يعملون معا من أجل تحقيقه. القائد صاحب الرؤية الكبيرة هو الذي يضع للعاملين غاية يجتمعون معا، ويبذلون الجهد والوقت والتفكير من أجل تلك الغاية العظيمة. ومن ثم منح العاملين فرصة لتحقيق خطوات ولو صغيرة في تحقيق نجاحات وفوز وتقدم خطوة خطوة نحو الأمام باتجاه روح المبادرة والتمكين. فالناس تغلق الأبواب أمامهم في حالة الفشل والخسارة وتكبت أنفاسهم ويحسون باليأس والسلبية المدمرة. والقادة الناجحون يخرجون من المأزق بالاستثمار.
وتبين الدراسات (كانتر 2004) أن القادة الجدد غالبا يحققون منجزات كبيرة في تحويل منظماتهم من الفشل إلى النجاح، وبكل بساطة من خلال تحول الموارد المتاحة لخلق بيئة عمل مناسبة للعاملين الذين تقع على عاتقهم عملية التغيير وإنقاذ المنظمة. وهنالك مثال تأتي به كانتر يوضح ما نرمي له في هذا السياق في الحالة الآتية:
حالة 3 المركز الصحي
"مركز صحي خاص كان يواجه الإفلاس عندما تم تعيين مدير جديد وكان الجميع يعتقدون أن أول قرار سيتخذه هذا المدير هو إغلاق المركز وبدلا من أن يفعل ذلك وجد موجودات عظيمة: الإنسان الفعال، والمباني الجميلة، ومجتمعاً حول ذلك المركز متعطشاً لخدماته. فقد وجد ذلك المدير طرقاً ليبين للناس كم هي قيمتهم هامة وأساسية؛ فبدأ بإصلاح المشاكل الملموسة التي لطالما أثرت على حياتهم اليومية في العمل، مدعما هذا بحوار مفتوح وكشف للحقائق، وتشجيع العاملين على تقديم أفكارهم بشكل مفتوح ودعم أي مبادرة حيوية لحل المشاكل؛ مما أدى إلى تحول ثوري في مستوى الثقة بالنفس. بدأت ثقة الناس تزداد وتتشكل وبدأ الجميع يرون أن بمقدورهم تقديم مساهمة ما، وبدأ الأداء يتحسن وبدأ التشجيع يتسع على نطاق المجتمع الذي يستقبل خدماته الصحية من ذلك المركز".
|